محمد عبده ومحمود شلتوت يتحديان (داعش) بمدح الفنون الجميلة
الخميس 02/أكتوبر/2014 - 03:47 م
طباعة
اسم الكتاب – رأي الإسلام في الآداب والفنون الجميلة
الكاتب – مصطفى محمد لطفي القطان
الناشر – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة
- لو تدرك وزارة التعليم مدى توحش الفكر السلفي الانغلاقي في الشارع لقررت تدريس هذا الكتاب فورا
- الشرائع لا تقضي على الغرائز بل تنظمها
- التوسط أصل عظيم في الإسلام:
- حفظ الآثار حفظ للعلم
في الوقت الذي تدمر فيه "داعش" التراث الإنساني والحضاري للعراق وسوريا بكل استهانه، وتنسب ذلك بكل جهل للإسلام تأتي أهمية قراءة هذا الكتاب (رأي الإسلام في الآداب والفنون الجميلة ) والذي أعلن كاتبه أنه يستند في فكره إلى شيخين، هما الشيخ الإمام محمد عبده والإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر. في البداية قال الكاتب: إن الفنون الجميلة تسمية جديدة لما تنبسط له النفس في المصنوعات لجماله ورونقه، لا لمنفعته ومتانته. والفنون تدخل في اعتبارهم تحت هذه التسمية قسمين:
الأول: تظهر أشكاله محسوسة كالحفر والتصوير والنحت والتمثيل وتسمى الآن الفنون التشكيلية.
والثاني: ما لا يحس ولا يرى، بل هو من قبيل الخيال كالشعر والموسيقى.
والاعتقاد الشائع أن التمدن الإسلامي مقصر في هذه الفنون؛ لأنه لم يخلف ما خلفه اليونان والرومان من الآثار الجميلة كالأبنية والتماثيل والصور ونحوها. وينتقد الكاتب هذا الاعتقاد قائلا: إن المسلمين أجادوا في تحقيق فن الجمال المحسوس فيما يتعلق منه بالبناء ولهم نمط خاص مشهور بهم ومن آثارهم مباني الحمراء في إسبانيا وجوامع القاهرة وسوريا وإيران والهند، وكلها تدل على تقدم عظيم في هندسة البناء مع ما فيها من زخارف كالفسيقساء ونحوها مما يدهش النظر. ولهم نخو ذلك في الصناعة والنسيج. أما الفنون غير المحسوسة فقد تميز العرب بالشعر منذ العصر الجاهلي.
موقف الإسلام من الموسيقى والغناء
قدم الكتاب نص الفتوى المستنيرة لشيخ الأزهر السابق الشيخ محمود شلتوت والتي جاء فيها.
إن الأصل الذي أرجو أن يتنبه الناس إليه في هذا الشأن وأمثاله، مما يختلفون في حله وحرمته، هو أن الله خلق الإنسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات والطيبات التي يجد لها أثراً طيباً في نفسه، به يهدأ، وبه يرتاح، وبه ينشط، وبه تسكن جوارحه، فتراه ينشرح صدره بالمناظر الجميلة، كالخضرة المنسقة والماء الصافي الذي تلعب أمواجه، والوجه الحسن الذي تنبسط أساريره. ينشرح صدره بالروائح الزكية التي تحدث خفة في الجسم والروح، وينشرح صدره بلمس النعومة التي لا خشونة فيها، وينشرح صدره بلذة المعرفة في الكشف عن مجهول مخبوء، وتراه بعد هذا مطبوعا على غريزة الحب لمشتهيات الحياة وزينتها من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث.
الشرائع لا تقضي على الغرائز بل تنظمها:
ولعل قيام الإنسان بمهمته في هذه الحياة ما كانت لتتم على الوجه الذي لأجله خلقه الله إلا إذا كان ذا عاطفة غريزية، توجهه نحو المشتهيات، وتلك المتع التي خلقها الله معه في الحياة، فيأخذ منها القدر الذي يحتاجه وينفعه.
ومن هنا قضت الحكمة الإلهية أن يخلق الإنسان بتلك العاطفة، وصار من غير المعقول أن يطلب الله منه – بعد أن خلقه هذا الخلق، وأودع فيه لحكمته السامية هذه العاطفة – نزعها أو إماتتها أو مكافحتها في أصلها. وبذلك لا يمكن أن يكون من أهداف الشرائع السماوية – في أي مرحلة من مراحل الإنسانية – طلب القضاء على هذه الغريزة الطبيعية التي لابد منها في هذه الحياة.
نعم، للشرائع السماوية بإزاء هذه العاطفة مطلب آخر، يتلخص في كبح الجماح، ومعناه: مكافحة الغريزة عن الحد الذي ينسى به الإنسان واجباته، أو يفسد عليه أخلاقه، أو يحول بينه وبين أعمال هي له في الحياة ألزم، وعليه أوجب.
التوسط أصل عظيم في الإسلام:
ذلك هو موقف الشرائع السماوية من الغريزة، وهو موقف الاعتدال والقصد، لا موقف الإفراط، ولا موقف التفريط، هو موقف التنظيم، لا موقف الإماتة والانتزاع. هذا أصل يجب أن يفهم، ويجب أن توزن به أهداف الشريعة السماوية، وقد أشار إليه القرآن في كثير من الجزئيات {ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ}، {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا}، {واقْصِدْ فِي مَشْيِكَ واغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}.
إذن فالشريعة توجه الإنسان في مقتضيات الغريزة إلى الحد الوسط، فهي لم تنزل لانتزاع غريزة حب المال، إنما نزلت بتعديلها على الوجه الذي لا جشع فيه ولا إسراف، وهي لم تنزل لانتزاع الغريزة في حب المناظر الطيبة، ولا المسموعات المستلذة، وإنما نزلت بتهذيبها وتعديلها على ما لا ضرر فيه ولا شر. وهي لم تنزل لانتزاع غريزة الحزن، وإنما نزلت بتعديلها على الوجه الذي لا هلع فيه ولا جزع. وهكذا وقفت الشريعة السماوية بالنسبة لسائر الغرائز.
وقد كلف الله العقل – الذي هو حجته على عباده – بتنظيمها على الوجه الذي جاء به شرعه ودينه، فإذا مال الإنسان إلى سماع الصوت الحسن، أو النغم المستلذ من حيوان أو إنسان، أو آلة كيفما كانت، أو مال إلى تعلم شيء من ذلك، فقد أدى للعاطفة حقها، وإذا ما وقف بها مع هذا عند الحد الذي لا يصرفه عن الواجبات الدينية، أو الأخلاق الكريمة، أو المكانة التي تتفق ومركزه، كان بذلك منظما لغريزته، سائراً بها في الطريق السوى، وكان مرضيا عند الله وعند الناس.
بهذا البيان يتضح أن موقف الشاب في تعلم الموسيقى – مع حرصه الشديد على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها على أعماله المكلف بها – موقف – كما قلنا – نابع من الغريزة التي حكمها العقل بشرع الله وحكمه، فنزلت على إرادته، وهذا هو أسمى ما تطلبه الشرائع السماوية من الناس في هذه الحياة.
رأي الفقهاء في السماع:
ولقد كنت ارى أن هذا القدر كاف في معرفة حكم الشرع في الموسيقى، وفي سائر ما يحب الإنسان ويهوى بمقتضى غريزته، لولا أن كثيراً من الناس لا يكتفون، بل ربما لا يؤمنون بهذا النوع من التوجيه في معرفة الحلال والحرام، وإنما يقنعهم عرض ما قيل في الكتب وأثر عن الفقهاء. وإذا كان ولا بد فليعلموا أن الفقهاء اتفقوا على إباحة السماع في إثارة الشوق إلى الحج، وفي تحريض الغزاة على القتال، وفي مناسبات السرور المألوفة كالعيد، والعرس، وقدوم الغائب وما إليها. ورأيناهم فيما وراء ذلك على رأيين: يقرر أحدهما الحرمة، ويستند إلى أحاديث وآثار، ويقرر الآخر الحل، ويستند كذلك إلى أحاديث وآثار، وكان ن قول القائلين بالحل: «إنه ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله، ولا في معقولهما من القياس والاستدلال، ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات»، وقد تعقبوا جميع أدلة القائلين بالحرمة وقالوا: إنه لم يصح منها شيء.
رأي الشيخ النابلسي:
وقد قرأت في هذا الموضوع لأحد فقهاء القرن الحادي عشر المعروفين بالورع والتقوى رسالة هي «إيضاح الدلالات في سماع الآلات» للشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي، قرر فيها أن الأحاديث التي استدل بها القائلون بالتحريم – على فرض صحتها – مقيدة بذكر الملاهي، وبذكر الخمر والقينات، والفسوق والفجور، ولا يكاد حديث يخلو من ذلك. وعليه كان الحكم عنده في سماع الأصوات والآلات المطربة أنه إذا اقترن بشيء من المحرمات، أو اتخذ وسيلة للمحرمات، أو أوقع في المحرمات كان حراماً، وأنه إذا سلم من كل ذلك كان مباحاً في حضوره وسماعه وتعلمه. وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن كثير من الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء أنهم كانوا يسمعون ويحضرون مجالس السماع البريئة من المجون والمحرم. وذهب إلى مثل هذا كثير من الفقهاء، وهو يوافق تماماً في المغزى والنتيجة الأصل الذي قررناه في موقف الشريعة بالنسبة للغرائز الطبيعية.
ولع الشيخ العطار بالسماع:
وكان الشيخ حسن العطار – شيخ الجامع الأزهر في القرن الثالث عشر الهجري – ذا ولع شديد بالسماع وعلى معرفة تامة بأصوله، ومن كلماته في بعض مؤلفاته: "من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، في ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار".
الأصل في السماع الحل، والحرمة عارضة:
وإذن فسماع الآلات، ذات النغمات أو الأصوات الجميلة، لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آلة، أو صوت إنسان، أو صوت حيوان، وإنما يحرم إذا استعين به على محرم، أو اتخذ وسيلة إلى محرم، أو ألهي عن واجب.
وهكذا يجب أن يعلم الناس حكم الله في مثل هذه الشئون. ونرجو بعد ذلك ألا نسمع القول يلقى جزافاً في التحليل والتحريم، فإن تحريم ما لم يحرمه الله أو تحليل ما حرمه الله كلاهما افتراء وقول على الله بغير علم: « قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ والإثْمَ والْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ » [الآية 33 من سورة الأعراف].
حكم النحت والتصوير وحفظ الآثار
يا ليت صوت الشيخ محمد عبده يصل لهؤلاء المضللين في تنظيم داعش الإرهابي أو أتباعهم من السلفيين ومن يسير بلا عقل في ركابهم. فهذا الشيخ يقول: إذا نظرت إلى الرسم وهو ذلك الشعر الساكت فانك تجد الحقيقة بارزة لك تتمتع بها في نفسك كما يتلذذ بالنظر فيها حسك وإذا نزعت إلى نفسك إلى تحقيق الاستعارة المصرحة في قولك (رأيت أسدا ) تقصد رأيت رجلا شجاعا فانظر إلى صورة أبي الهول بجانب الهرم الأكبر تجد الأسد رجلا والرجل أسد.
وحول حفظ الآثار قال الشيخ: إن حفظ الآثار حفظ للعلم في الحقيقية وشكرا لصاحب الصنعة على الإبداع فيها وعلى إجادته البيان. وقام الشيخ بتوضيح بيان حديث أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون. أن معناه جاء في الوثنية حيث كانت الناس تلهو وتتبارك وتعبد التمثال الأمر الذي يبغضه الدين. أما فائدة الصور الآن فلا نزاع فيه، فالشريعة الإسلامية لا يمكن أن تحرم وسيلة أبعد من أفضل وسائل العلم بعد التأكد أنه لا خطر فيها على الدين لا من جهة العقيدة ولا من جهة العمل. وإذا كانت الصورة مظنة للشرك والعبادة فإن اللسان مظنة للكذب، فهل يجب ربطه مع أنه يجوز أن يصدق كما يجوز أن يكذب. اخيرا لو لدينا وزارة تعليم منتبه للخطر السلفي الذي ينمو في الشارع والصعيد والريف بهذه الصورة المتوحشة لقامت على الفور بتدريس هذا الكتاب كجزء من المنهج الإلزامي لتحدي الفكر الظلامي، فهل تفعل قبل فوات الأوان؟