داعش بين بداية النهاية وتوسع أفكاره.. التربة السامة قائمة فلا تفرحوا!
الأربعاء 15/يونيو/2016 - 12:16 م
طباعة

في ظل الأنباء الواردة عن الخسائر المتكررة لتنظيم داعش وتحرير عدد من المدن منه في العراق وسوريا وليبيا وكذلك الانباء- غير المؤكدة - عن مقتل زعيم التنظيم البغدادي اطلق البعض ضحكات الفرح بقرب نهاية التنظيم المتوحش في حين حذر عدد من الخبراء ان افكار التنظيم باقية وتتمدد وحول بداية نهاية التنظيم وانتشار افكاره كان هذا التقرير
في البداية اعتبر مركز "ستراتفور" للدراسات الاستراتيجية والأمنية أن داعش يعاني من أزمة تهدد وجوده، وذلك بعد سلسلة الهزائم التي مني بها التنظيم المتشدد في مناطق نفوذه، ولاسيما في معاقله بسوريا.
ورغم أن التقرير، الذي نشره المركز الأميركي على موقعه الإلكترونيأكد أن قدرات التنظيم باتت محدودة، فإنه حذر من أن يلجأ المتشددون للرد على هزائمهم بتكتيكات جديدة أشد إرهابا.
كما اعتبر أن استمرار معاناة معظم السنة في سوريا من ما اعتبره "حرمان" سيساعد داعش وغيرها من التنظيمات المتشددة على إيجاد "موطئ قدم" في هذا البلد، الذي يشهد نزاعا مسلحا منذ 2011.
وكان داعش قد بدأ في التمدد عام 2014 في العراق، حيث استغل الأزمة بين الحكومة العراقية وبعض القوى في المحافظات ذات الأغلبية السنية، والانسحاب المشبوه للقوات الحكومية من هذه المناطق.
وسبق الظهور القوي لداعش في العراق، فرار مئات السجناء، معظمهم متهم بقضايا إرهاب، الأمر الذي أثار علامات استفهام بشأن دور استخباراتي وراء هذه العملية، خاصة أن بعض الفارين باتوا قيادات في التنظيم.
أما في سوريا، فقد بدأ داعش بالسيطرة على أراض كانت خاضعة لسيطرة فصائل من المعارضة المسلحة، التي تحارب قوات الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه من ميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية موالية لإيران.
واستغلت دمشق ظهور داعش لتؤكد على صحة خيارها حين كانت تعتبر أن معركتها ضد المعارضة هي حرب "ضد الإرهاب"، رغم أن المتشددين خاضوا مواجهات مع مسلحي المعارضة قبل مواجهة القوات الحكومية.
كما وجدت إيران والميليشيات الموالية، على غرارا تنظيم حزب الله اللبناني، في تمدد داعش مبررا لدخول النزاع السوري إلى جانب الرئيس السوري الذي كانت قواته قد بدأت تخسر معظم الأراضي لصالح المعارضة.
وبالعودة إلى تقرير مركز "ستراتفور" الذي حمل عنوان "لماذا داعش أكثر ضعفا مما يبدو؟"، فإن التنظيم كان قد أعلن "إمارة الخلافة" من محافظة ديالى العراقية شمال شرقي العراق إلى محافظة حلب شمالي سوريا.
والإمارة المزعومة للتنظيم المتشدد كانت تتمدد، وفق "ستراتفور"، من شرقي العراق إلى الحدود اللبنانية السورية، الأمر الذي أثار مخاوف دول إقليمية ودولية عدة، أبرزها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا.
وداعش، الذي أطال حتما أمد النزاع السوري وغير الأولويات الدولية من رحيل الأسد إلى القضاء على الإرهاب، بات الآن يخسر أراضيه بعد أكثر من سنتين على ضربات التحالف الدولي بقيادة واشنطن والعمليات البرية.
ونشر الموقع الأميركي خريطة تبين الأراضي التي خسرها التنظيم الإرهابي في سوريا، دون الإشارة إلى خسائره في العراق، كما أصر في أكثر من موضع على ربط استمرار التنظيم المتشدد بـ"الحرمان السني".
وقال إن التنظيم كان قد سيطر على مناطق واسعة في الريف الشمالي لحلب من صروان غربا إلى منبج شرقا، وهي منطقة استراتيجية بسبب موقعها الجغرافي القريب من تركيا، وتحمل رمزية لداعش بسبب بلدة دابق.
ويعتبر داعش أن البلدة التي تقع في ريف حلب الشمالي ستشهد معركة تسبق "يوم القيامة"، الأمر أثار حفيظة المراجع الإسلامية التي اعتبرت أن التنظيم الإرهابي يزيف حديث "معركة دابق" لتجنيد المقاتلين.
واليوم، خسر التنظيم معظم أراضيه في ريف حلب الشمالي وبات محاصرا في المناطق المتبقية، وفق تقرير "ستراتفور" الذي أكد أن ذلك يعود للمواجهات التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية وقبلها وحدات حماية الشعب.
وفي حين نجحت فصائل المعارضة، بدعم من التحالف الدولي، بتطويق داعش، تمكنت القوات الحكومية من تكبيد التنظيم خسائر عدة شرقا، لاسيما بعد استعادة قاعدة مطار كويرس العسكري تحت غطاء جوي روسي.
واعتبر "ستراتفور" أن الهجوم الأخير الذي شنته، قوات سوريا الديمقراطية وهي تحالف يضم مقاتلين سوريين عرب وأكراد، في منبج قرب الحدود التركية سيقطع آخر طريق رئيسي يربط داعش بالعالم الخارجي.
كما ساهم الهجوم في قطع طريق إمداد لـ"عاصمة" داعش، مدينة الرقة التي تشهد أيضا هجمات مركزة من قبل قوات سوريا الديمقراطية وفصائل معارضة، الأمر الذي أدى إلى خسارة المتشددين لبلدات عدة بالمحافظة.
أما في محافظة دير الزور شرقي سوريا، فقد تكبد داعش أيضا هزائم عدة، هذه المرة على يد القوات الحكومية التي كانت قد استعادت، بدعم روسي قبل أشهر، مدينة تدمر في محافظة حمص وسط البلاد.
ومركز "ستراتفور" للدراسات الاستراتيجية والأمنية حرص على التحذير من أن خسارة داعش لمناطق واسعة ومصادر التمويل وأبرزها تهريب النفط، لا يعني قرب نهايته، لاسيما مع استمرار النزاع في سوريا.
لكن التقرير أغفل الدور الذي عادة ما تقوم به أجهزة مخابرات مختلفة في إدارة "عمليات التنظيمات المتشددة" عبر اختراقها، وذلك لتنفيذ أجندة حكوماتها وأنظمتها التوسعية، في المنطقة العربية.وبناء عليه، فإن نهاية داعش ليست مرهونة حصرا بحل النزاع السوري وأزمات المنطقة، بل ترتبط حتما بقرار من الدول الغربية والإقليمية غير العربية، بإحالته على التقاعد بعد أن يؤدي المهمة المرسومة له.
سي ان ان تحذر لا تفرحوا
وفي مقال للكاتب بن ويدمن، كبير المراسلين الدوليين لدى CNN والذي يتخذ من روما مقرا له. ويدمن تكفّل بتغطية قضايا الشرق الأوسط لصالح شبكة CNN منذ عام 1994 وقد عاش لسنوات طويلة فيها واستقر في بلدان المنطقة منذ عام 1974.
وقال لا تفرحوا بمزاعم أن داعش على حافة الهزيمة. فالتربة السامة المظلمة التي أنجبت عشرات الآلاف من المتطرفين في العراق وخارجه لم تفقد خصوبتها.
منذ عدة سنوات، في التسعينيات، عندما كان صدام حسين لا يزال مسيطراً على العراق، كان أحد مسؤولي وزارة الإعلام والثقافة يطلب حضوري لمكتبه باستمرار لتناول الشاي وسماع خطبة عنيفة. في بعض الأحيان كانت الخطبة بشأن تغطيتنا، لكنه في كثير من الأحيان كان يتحدث بغضب عن الولايات المتحدة والسياسة الغربية بشأن العراق.
مرة قال لي: "في يوم من الأيام، سيأتي جيل جديد من العراقيين بكراهية لن تستطيع تخيلها. نحن العراقيون الأكبر سناً لا زال لدينا ذكريات إيجابية عن الغرب، ولكنهم سيمتلكون الكراهية فقط. تذكر كلماتي."
هذا المسؤول، عدي الطائي، كان رجلا ذكيا وعليما، بليغا في الإنجليزية والفرنسية، وكان قد خدم في السلك الدبلوماسي العراقي في أوروبا.
ويلات سنوات العقوبات
كان هذا في الوقت الذي كان العراق يرزح تحت ظل العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة بعد غزو الكويت عام 1990.
وبعد ذلك، كان القائمون على الإعلام العراقي يحرصون دائماً على أخذنا إلى مستشفيات البلد المحطمة والمزدحمة ليرونا الأطفال الرضع وهم يعانون ويموتون من سوء التغذية والمرض.
تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من نصف مليون طفل لقوا مصرعهم نتيجة للعقوبات. يمكننا مناقشة الأسباب، لكن الأثر بالنسبة لملايين العراقيين العاديين كان مدمراً.في بعض الأحيان كنا نتلقى دعوات لتغطية جنازات مروعة للأطفال الرضع ينظمها النظامكان خط من سيارات الأجرة المتهالكة والمطلية بالأبيض والبرتقالي يسير نحو مركز بغداد، بتوابيت خشبية صغيرة مربوطة بأسطحه وعليها لافتات خشبية تحمل اسم الطفل الميت مكتوبا بخط اليد، ملقية لوم موتهم على العقوباتعلى جانب الطريق، كانت النسوة يعمدن للندب وصفع وجوههن بشكل ايقاعي، وكان أطفالهن بجانبهن يشاهدون في صمت. في المرة الأولى، كنت متشككاً في المشهد وأصريت على فتح أحد التوابيت. بالداخل، وجدت جثة هامدة لطفل رضيع، ملفوفة بملاءة بيضاء.ويلات سنوات العقوبات والعنف والاضطراب - التي تبعت غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة – تركت حقاً جرحا عميقا في جيل من العراقيين، الجيل الذي تقدم الآن في السن ووفر العديد من المجندين المستعدين للالتحاق بتنظيم داعش.
الثمار المرة للربيع العربي
غرف التعذيب في العالم العربي هي أكثر ازدحاما وانشغالا من أي وقت مضى. فبعدما هز ما أسميناه يوماً "الربيع العربي" بتفاؤل الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة بصورة مؤقتة (يرأس العديد منها "أصدقاء" للغرب)، الدرس الذي تعلمه الآخرون من الرحيل الدرامي للدكتاتوريين "الأكثر اعتدالا،" مثل رئيس مصر السابق حسني مبارك، هو أنه لا يمكن تحمل حتى أقل هامش من المعارضة.
فقد رحلت بهجة الحرية والتحرر السريع، وأصبحت ذكرى بعيدة تتلاشى. ويضحك الإدراك المتأخر على سذاجتنا. وكانت ثمرة الربيع العربي حالة من الفوضى والحرب وتشريد الملايين وسفك الدماء والطائفية وتجدد القمع.
اتجه أحد الشباب الثوريين في القاهرة، والذي عرفته منذ سنوات، إلى الحشيش والفن التجريدي. وقال لي مؤخرا: "الناشط الميت عديم الفائدة."
وجاء البعض الآخر باستنتاج آخر. أثبت فشل الربيع العربي والقمع المضاعف الذي تبعأن النظام السياسي في العالم العربي غير قابل للإصلاح، وأن أكثر الحلول تطرفا، وهو قيام خلافة بائسة ليست موجودة على أرض الواقع بالفعل، هو الحل. هذا هو المستقبل كما يتصوره داعش.
الذين يبحثون عن دلائل لعدم شرعية الدولة كما هي اليوم في العالم العربي لا يحتاجون أن يبحثوا كثيرا ليجدوا اثباتات.
المرض نفسه لا يزال موجوداً
نعم، قد يقول متفائل إن داعش يتراجع أو إن التصدي للتحدي جارٍ على الأقل.
في العراق، قوات الجيش والقوى شبه العسكرية المؤيدة له، طردت داعش من تكريت وبيجي والرمادي، وتضرب المتطرفين في الفلوجة.
وفي ليبيا، دفعت قوات الحكومات المتنافسة في الشرق والغرب داعش إلى مشارف مدينة سرت. قبل أكثر من شهر بقليل، كان المتطرفون يتحكمون بحوالي 200 كيلومترا من الساحل الليبي.
وفي سوريا، استعادت قوات بشار الأسد تدمر بمساعدة القوة العسكرية الروسية، وفي الشمال، القوى الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة تثبت أقدامها بصورة منتظمة. ويقال إن داعش تعاني من حالات فرار وتصفيات داخلية ونقص بالأموال وضعف الروح المعنوية.
داعش، من أعراض مرض القمع العميق الجذور، وهو في طريقه إلى التدمير. ولكن المرض نفسه، لا يزال موجوداً