معركة سرت.. تنذر بمزيد من الانشقاق بين طرفي النزاع الليبي
الخميس 16/يونيو/2016 - 02:31 م
طباعة
ما زلت قوات حكومة الوفاق، تسعى لاستعادة مدينة سرت الليبية من قبضة التنظيم الإرهابي "داعش"؛ حيث نجحت في محاصرة التنظيم بعد شهر على انطلاق معركة تحرير المدينة التي أطلق عليها "البنيان المرصوص".
وفي الوقت الذي تتقدم فيه القوات الحكومية، قام التنظيم الإرهابي بتنفيذ ثلاث هجمات انتحارية، استهدفت تجمعات لقوات حكومة الوفاق، جنوب شرقي مدينة سرت، وغربها.
وقتل في هذه الهجمات عنصر واحد من القوات الحكومية، وأصيب أربعة آخرون بجروح متفاوتة الخطورة، قبل أن يشن سلاح الجو التابع للقوات الحكومية غارات على مواقع للتنظيم المتطرف في وسط سرت 450 كلم شرق طرابلس.
وفي نفس السياق، تمكنت القوات الموالية للمجلس الرئاسي من السيطرة على أجزاء واسعة من مدينة سرت معقل تنظيم "داعش" بالبلاد؛ حيث أكد محمد الغصري المتحدث باسم قوات المجلس الرئاسي أن مقاتلي قوات الرئاسي تحاصر منذ الاثنين الماضي التنظيم في مساحة ضيقة داخل سرت لا تتعدى العشرة كيلومترات. وأوضح الغصري أن التنظيم في الوقت الحالي لم يعد في حالة اشتباك مباشرة، ويعتمد على القناصة المتحصنين في أحياء سكنية بالإضافة للانتحاريين، مؤكداً أن نهاية التنظيم في سرت ما هي إلا مسألة وقت.
ويرى مراقبون أن هذا النصر لا يبدو أنه سينقل البلاد إلى مرحلة متقدمة سياسياً، لا سيما بعد أن شرعن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المجموعات المسلحة التي قاتلت الموالين لمجلس النواب في طرابلس في السابق، وأجبرته على اتخاذ طبرق أقصى شرق البلاد مقراً له.
من جانبه قال رضا عيسى من المركز الإعلامي الخاص بعملية البنيان المرصوص في تصريحات صحافية، وقعت ثلاثة تفجيرات بسيارات مفخخة يقودها انتحاريون من تنظيم الدولة الإسلامية استهدفت قواتنا في سرت، موضحًا أن الانتحاري الأول فجر سيارته على بعد أمتار من تجمع للقوات الحكومية قرب مستديرة أبوهادي في جنوب شرق سرت بينما استهدف الانتحاري الثاني تجمعًا للقوات غرب المدينة، والانتحاري الثالث مستشفى ميدانيًّا في المنطقة ذاتها.
وفي وقت لاحق، أعلن المركز الإعلامي على صفحته في موقع فيسبوك أن العمليات الانتحارية الثلاث أدت إلى مقتل عنصر من القوات الحكومية وإصابة أربعة آخرين نقلوا إلى مستشفى مدينة مصراتة 200 كلم شرق طرابلس.
كما أعلن المركز أن سلاح الجو التابع للقوات الحكومية شن في أعقاب الهجمات الانتحارية غارات استهدفت مواقع لتمركزات وآليات لداعش وسط سرت.
يأتي ذلك بعد شهر من بدء معركة تحرير سرت؛ حيث أصبح تنظيم داعش محاصرًا في منطقة تمتد بين وسط المدينة الساحلية وشمالها، بحسب ما أكدته القوات الحكومية التي أحكمت سيطرتها على المرافق الرئيسية بعدما نجحت في استعادة ميناء المدينة. ويأتي دخول قوات حكومة الوفاق إلى الميناء استكمالًا للتقدم الذي أحرزته هذه القوات خلال الأيام الماضية، وتمكنت خلاله من السيطرة على القاعدة الجوية الرئيسية في سرت ومعسكرات فيها.
وقتل في عملية البنيان المرصوص منذ انطلاقها قبل نحو شهر 140 من عناصر قوات حكومة الوفاق الوطني، وأصيب حوالي 500 عنصر بجروح، وفقًا لمصادر طبية في مدينة مصراتة، مركز قيادة العملية العسكرية.
وتستخدم القوات الحكومية في معاركها مع التنظيم المتطرف الدبابات والمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، بينما تخوض مجموعات منها مواجهات مباشرة مع عناصر التنظيم بين المنازل.
وتتشكل القوات التي تقاتل تنظيم داعش في سرت من جماعات مسلحة تنتمي إلى مدن عدة في غرب ليبيا، أبرزها مصراتة التي تضم المجموعات الأكثر تسليحًا في البلاد؛ إذ تملك طائرات حربية من نوع "ميغ" ومروحيات قتالية.
ورغم الضغوط الداخلية والخارجية لا يزال فريق من النواب يصر على رفض قرارات السراج لا سيما إصراره على تعيين المهدي البرغثي، الخصم العسكري للفريق حفتر، وزيراً للدفاع، إضافة لانتزاع صفة "القائد الأعلى للجيش" التي يعتبرها مجلس النواب نقطة البداية لإقصاء حفتر من المشهد القادم وإغراق المؤسسة العسكرية بالمجموعات المسلحة السابقة وإطلاق يدها ومن ورائها من داعمين إقليميين.
وعلى الصعيد الدولي، لا يزال الموقف محيرًا، ففيما يدعم المجتمع الدولي حكومة السرّاج ويرحب بانتصارت قواته في سرت، فإن مسئولي الغرب لم يخفوا رغبتهم في التعامل مع الفريق حفتر الذي يمتلك جيشاً منظماً وموالين سواء بمجلس النواب المعترف به دوليًّا، أو من خلال دعم شعبي واسع في برقة وربما في جنوب ليبيا وأجزاء من غربها أيضاً.
ويرى مراقبون أن استمرار دعم المجتمع الدولي للمجلس الرئاسي وإعلانه عن قطع اتصاله بالأجسام الأخرى قد يشير للطرف الآخر الممثل بمجلس النواب أنه يوالي طرفاً على حساب الآخر، ما ينذر بمزيد من الشقاق والخلاف واستمرار حالة الانقسام السياسي المفضي إلى تردٍّ أمني يزداد مع الوقت.
ورغم ذلك تطلع الدول الأوروبية الداعمة لحكومة الوفاق الوطني إلى القضاء على تهديد داعش الذي استغل الفوضى الأمنية في ليبيا للتوسع في هذا البلد الغني بالنفط ولا يبعد سوى بضع مئات من الكيلومترات عن السواحل الأوروبية.
وكما ذكرت بوابة الحركات الإسلامية في تقرير سابق لها، أن هناك محللين لا يستبعدوا أن تبدأ الخلافات داخل التحالف الداعم لحكومة الوفاق وحكومة الشرق، بعد حسم معركة سرت، خاصة أن كل طرف سيعتبر نفسه صاحب الدور الأكبر في طرد داعش ومن حقه الحصول على امتيازات أفضل داخل الحكومة وفي مؤسسة الجيش.