تأكيدات "واشنطن" بعدم الحسم العسكري في سوريا والعراق "لا تخدم" سوى "داعش"
السبت 18/يونيو/2016 - 02:12 م
طباعة
لا تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عن إطلاق التصريحات على لسان كبار مسئوليها "بعدم التدخل العسكري في سوريا"، على الرغم من أن تلكؤها وتناقض مواقفها في مواجهة الإرهاب الذي يمارسه أطراف النزاع هو الذي أدى إلى تفاقم الصراع السوري العراقي، وخدم توسعات تنظيم داعش وانتشاره وتمدده.
وكدليل جديد على تناقض المواقف رحب البيت الأبيض الأمريكي بالمذكرة التي قدمها، 51 دبلوماسيًّا في الخارجية الأمريكية، يعملون مستشارين في الملف السوري، طالبوا فيها بتغيير سياسة بلادهم تجاه سوريا، وتوجيه ضربات عسكرية ضد النظام السوري، ولكن البيت الأبيض كعادته أكد في الوقت نفسه على عدم وجود حل عسكري للأزمة السورية، وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جنيفر فريدمان، أن الإدارة الأمريكية منفتحة على كافة الأفكار الجديدة المتعلقة بطرح حلول للمسألة السورية، وأنها ترحب بالمذكرة التي أرسلها الدبلوماسيون، وأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيأخذ المقترح المقدم بعين الاعتبار، واستدركت سريعًا أنه "لا تغيير في سياسة أوباما تجاه سوريا"، وأن "الرئيس صرح مرارًا، وبكل وضوح، بعدم وجود حل عسكري للأزمة السورية، وهذه الرؤية ما زالت قائمة".
ويعد هذا التناقض غير مستغرب؛ حيث استبعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 24 أبريل 2016م إرسال قوات برية للإطاحة برئيس النظام السوري بشار الأسد، ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن أوباما قوله: "سيكون من الخطأ أن ترسل الولايات المتحدة أو بريطانيا العظمى أو مجموعة من الدول الغربية قوات برية للإطاحة بالأسد، وإنه على الولايات المتحدة ودول أخرى أن تستخدم نفوذها الدولي لإقناع حلفاء الأسد مثل روسيا وإيران بالعمل على التوسط في عملية انتقال سياسي في سوريا، وإن الشهور الباقية على نهاية ولايته سوف تقليص نفوذ تنظيم داعش في العراق وسوريا". واختتم حديثه بقوله: "أعتقد أننا نستطيع رويداً رويداً تقليص البيئة التي يعملون بها والسيطرة على معاقلهم مثل الموصل والرقة التي تعد المعقل الرئيسي لحركتهم".
ومع هذه التأكيدات المتكررة يكتشف أن الحرب الجوية لم تنجح في القضاء على داعش فلا يزال التنظيم المتشدد يحافظ على العديد من مناطق نفوذه، رغم أن واشنطن تحدثت مؤخرًا عن تراجعه تحت ضغط الضربات الجوية التي بدأها سلاح الجو الأمريكي مطلع أغسطس 2014، قبل أن تعلن أكثر من 60 دولة المشاركة في الحرب الجوية وبعد أكثر من 5 آلاف ضربة جوية على مواقع المتشددين في سوريا والعراق، لا يزال داعش يسيطر على مناطق واسعة في شمال سوريا، أما في العراق، فلا زال يحافظ على العديد من مواقعه، لا سيما في الأنبار على الرغم من استعادة الفلوجة والرمادي رغم الغطاء الجوي للتحالف الدولي.
وربما كان على قيادة التحالف أن تتعامل مع هذا الواقع عبر اعتماد استراتيجية موازية للحرب الجوية، خاصة أن تراجع داعش النسبي يكشف أن الحملة الجوية وحدها غير قادة على القضاء على تنظيم لا يملك قواعد عسكرية على غرار الجيوش النظامية فخسارة داعش في بعض المعارك ككوباني بسوريا وسنجار في العراق لم تكن ثمرة الحملة الجوية حصرًا، بل بسبب اقتران الضربات الجوية بالمعارك البرية التي خاضتها قوات كردية، الأمر الذي يؤكد على ضرورة البحث عن حليف يقود الحرب البرية ونجاح قوات حماية الشعب الكردي وبعص فصائل الجيش السوري الحر في كوباني والبيشمركة التابعة لإقليم كردستان العراقي في سنجار، بدعم من غارات التحالف الدولي، يطرح علامات استفهام عن سبب فشل الحملة على داعش في مناطق أخرى من البلدين.
غير أن افتقاد القوات الحكومية للشرعية الدولية ليس العامل الوحيد لعدم تعاون التحالف مع دمشق، فالنظام السوري يواجه اتهامات من بعض القوى المعارضة والدول العربية والغربية بالتواطؤ مع داعش، أو في أحسن الأحوال عدم الجدية في محاربته، ويضاف إلى "إشكالية التشرذم السوري" الموقف التركي، الذي تعامل طيلة عام من الحرب على الإرهاب بضبابية بل أكثر من ذلك؛ حيث كشفت بعض الوقائع عن تساهل غير مبرر من الجيش المنتشر على الحدود السورية مع "جيرانهم الدواعش ولا يشفع لأنقرة قرارها الأخير بضرب داعش والسماح لطائرات أمريكية بالانطلاق من قاعدة إنجيرليك الجوية في تركيا لشن ضربات جوية ضد المتشددين، لا سيما أن معارضي الرئيس التركي اعتبروا الخطوة تأتي لحشد تأييد شعبي بعد هزيمة الانتخابات البرلمانية، وإن كانت الفوضى في سوريا وبطش القوات الحكومية وانقسام المعارضة تعرقل مهمة محاربة "الإرهاب"، فإن المشهد العراقي يبدو أكثر تعقيدًا؛ حيث انعكس الفساد المستشري في القطاع الحكومي والتشرذم المذهبي سلبًا على قدرة الجيش العراقي القتالية وعقيدته الوطنية.
مما سبق نستطيع التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة عن التدخل العسكري في سوريا، وأنها تتناقض في مواقفها في مواجهة الإرهاب الذي يمارسه أطراف النزاع، وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم الصراع السوري والعراقي، وخدم توسعات تنظيم داعش وانتشاره وتمدده، وبما أن الواقع العسكري يؤكد استحالة نجاح أي حملة جوية ضد ميليشيات غير منظمة في حال لم تترافق مع تقدم بري فعال، فإن الحرب على الإرهاب ستطول على الأرجح لسنوات عدة.