إدانة "مرسي" بالتخابر بين الإفتاء والقانون

الأحد 19/يونيو/2016 - 04:20 م
طباعة إدانة مرسي بالتخابر
 
في سابقة هي الأولى من نوعها في مصر، أصدر القضاء المصري أمس السبت 19 يونيو 2016، حكماً بالسجن المؤبد لمدة 40 عاماً بحق الرئيس المعزول محمد مرسي، كأول رئيس مصري سابق يدان بالتخابر مع دولة أجنبية (قطر)، وتسريب وثائق سيادية، كما عاقب 6 آخرين من أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين»، بينهم ثلاثة فارون بالإعدام. ونفى الحكم القضائي ضمنياً تكهنات زادت أخيراً بتوجه الحكم المصري لعقد مصالحات مع الإخوان، ورسخ عدم تغيير نهج التعاطي مع الجماعة. ومن اللافت للنظر أنه قبل النطق بالحكم قام رئيس المحكمة القاضي محمد شيرين فهمي بقراءة بيان في مستهل الجلسة، قال فيه إنه «ورد إلى المحكمة رأي مفتي الديار المصرية في تلك القضية، متضمناً أن القرائن قاطعة الدلالة تقطع بإثبات الجرم في حق المتهمين الستة المقضي بإعدامهم»، مشيراً إلى أنه «من المقرر أن الجرائم في الفقه الإسلامي تنقسم إلى 3 أقسام: الأول يعاقب عليها بالحد، والثاني جرائم يعاقب عليها بالقصاص، والثالث جرائم يعاقب عليها بالتعزير، وهو ما يقدره القاضي وفقاً للجرم والجاني والمجني عليه وكل الظروف المحيطة».

إدانة مرسي بالتخابر
وأضاف أن «رأي المفتي أوضح أن جرائم المتهمين الستة من ضمن الجرائم المعاقب عليها بالتعزير، وأن عقوبة القتل قد وجبت بحق هؤلاء المتهمين؛ لأن ما اقترفوه أخطر من الذي يقتل فرداً أو أفراداً أو أكثر ممن ينتهكون الحرمات»، مشيراً إلى أن «المتهمين ارتكبوا حداً من الحدود الشرعية؛ حيث عرّضوا الوطن لخطر عظيم لا يستقيم أن تكون عقوبته أقل من القتل، وذلك بارتكابهم جريمة الجاسوسية، وحتى يكون هؤلاء المتهمون عبرة لغيرهم».
وأضاف القاضي: «أن دار الإفتاء ثبت لديها من وقائع الأوراق وما تم فيها من تحقيقات وما دار في جلسات المحاكمة، أن الجرم الذي ارتكبه المتهمون الستة، هو حصولهم على سر من أسرار الدفاع بقصد تسليمه وإفشائه لدولة أجنبية، واختلسوا التقارير السرية من أجهزة المخابرات العامة والحربية والقوات المسلحة والأمن الوطني وهيئة الرقابة الإدارية، والتي تضمنت معلومات وبيانات تتعلق بالقوات المسلحة وأماكن تمركزها وسياسات الدولة الداخلية والخارجية، والتي لا يجوز لهم ولغيرهم الاطلاع عليها، وصوروها صوراً ضوئية بقصد إفشاء أسرارها لدولة قطر وذلك نظير مقابل مالي. وتحقق غرضهم بإرسالها لمسئولين في تلك الدولة بقصد الإضرار بمركز البلاد الحربي والسياسي والديبلوماسي والاقتصادي وبمصالحها القومية بعامة، وذلك أخذاً بإقرار بعضهم على أنفسهم وغيرهم من المتهمين».

إدانة مرسي بالتخابر
وأشار المفتي في رأيه المرسل إلى المحكمة إلى أنه «لما كان ما قام به المتهمون لا يقل بأي حال من التجسس، بل يفوقه؛ لأن ما قاموا به لا يقدر عليه الجاسوس، ولأن هذه الوثائق منها ما هو سري وسري للغاية وسري جداً، وهم بذلك أشد خطراً من الجاسوس، لأن الجاسوس في الغالب يكون أجنبياً، أما الطامة الكبرى فإنهم للأسف مصريون خانوا الأمانة والعهد وخرجوا بهذه الوثائق من أماكنها السرية لتسليم أصولها إلى دولة أجنبية للإضرار بأمن الدولة المصرية وسلامتها، خصوصاً غالبية هذه الوثائق والمستندات تتعلق بالقوات المسلحة المصرية وتسليحها وأماكن تمركزها، ومن ثم فإن هؤلاء هم المفسدون في الأرض، ويكون جزاؤهم القتل تعزيراً ليكونوا عبرة وردعاً لغيرهم ولكل من تسول له نفسه أن يرتكب هذا الجرم الخطير».
وأكد رئيس المحكمة في بيانه الذي ألقاه قبل النطق بالحكم، أن «هؤلاء المتهمين ارتكبوا جريمة خيانة الوطن وهي أكبر مما تحتمله أي نفس»، مشدداً على أنه «من العار أن يخون الإنسان وطنه، لأن الوطن بمثابة الشرف والعرض للإنسان، ومن يخون وطنه يهون عليه عرضه وشرفه، وما من فكر أو عرف يبرر خيانة الوطن، فمهما حدثت خلافات في أفكارنا وعقائدنا ومبادئنا، فلا يبرر ذلك خيانة الوطن، فيذهب كل شيء ويبقى الوطن مهما بقيت السماء والأرض».

إدانة مرسي بالتخابر
وتابع: «لا يوجد أي عذر لمن يرتكب جريمة الخيانة بحق وطنه، وما من شيء يغفر لك الخيانة، وأن من يخون وطنه لمصلحتهم لا يحترمونه ولا يثقون به، لأنه لا يوجد عاقل يأمن لخائن، ومن يبيع وطنه يبيع أوطان غيره، ومن يهون عليه وطنه تهون عليه أوطان الآخرين».
واسترسل قائلاً: إن «نصوص الشرع تنهى عن الخيانة أشد النهي، والمحكمة لم تدخر وسعاً في البحث عن الحقيقة من خلال محاكمة منصفة للمتهمين تحققت فيها كل ضمانات الحقوق والحريات في إطار الشرعية الإجرائية التي تعتمد أن الأصل في المتهم البراءة، ونظرت الدعوى في جلسات متعاقبة من دون التقيد بأدوار الانعقاد، واستمعت إلى جميع شهود الإثبات الذين قدمتهم النيابة لإبداء معلوماتهم للإحاطة بالدعوى عن بصر وبصيرة، واستمعت إلى 48 شاهداً من بينهم كبار قيادات الدولة الذين عاصروا الأحداث، ووجدت في شهاداتهم إحقاقاً للحق وإنارة للطريق أمامها».
وأشار إلى أن «هيئة الدفاع عن المتهمين أتيحت لهم الفرص كاملة لتقديم دفاعهم شفاهة وكتابة، وذلك على مدى 99 جلسة حققت المحكمة خلالها كل قواعد العدالة والمحاكمة القانونية المنصفة من دون إخلال أو التفات عن حق أحد. وبلغ عدد صفحات محاضر الجلسات ما يزيد على ألف صفحة، وعكفت على دراسة كل أوراق الدعوى من دون كلل أو ملل، وصولاً للحقيقة حتى استقر في يقين المحكمة عن جزم ويقين لا يخالجه شك أو عوار كافياً لإدانتهم على نحو ما ورد بالوصف القانوني السليم الذي أسبغته المحكمة على الوقائع التي ارتكبها المتهمون؛ حيث اطمأنت إلى شهادة شهود الإثبات وما شهدته المحكمة من وثائق ومستندات ضبطت لدى بعض المتهمين، واعترافات المتهمين بالتحقيقات على أنفسهم وفي حق غيرهم من المتهمين الآخرين، بما ارتاح إليه وجدانها كأسباب للإدانة، وأنها لم تأخذ بما قاله الدفاع عنهم لحمل المحكمة على عدم الأخذ بالأدلة، وأنها لم تأخذ بإنكار المتهمين أمامها بحسبان أن تلك وسيلتهم للإفلات من العقاب».

شارك