مستقبل الإسلام السياسي وانتصار اليمين المتشدد في مشهد الخروج البريطاني!

الإثنين 27/يونيو/2016 - 12:50 م
طباعة مستقبل الإسلام السياسي
 
سوف تستمر الرؤي والتحليلات المتنوعة والمتعددة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي لمدة طويلة مقبلة، ومن هذه الرؤى نجد أيضًا تحليلات مختلفة لرجال دين مسيحيين ومفكرين علمانيين، وفي هذا التقرير نقدم رؤيتين: الأولى للقس رفيق جريش مدير المكتب الصحفي للكنيسة الكاثوليكية بمصر، وللكاتب اميل أمين حول الخروج البريطاني الذي ضرب العالم بزلزل سوف يستمر أثره طويلًا: 
الانفصال والإسلام السياسي 
في البداية يقول الأب جريش: "حطت حملة الاستفتاء البريطانية أوزارها وصوّت البريطانيون لترك الإتحاد الأوروبي بنسبة 52% أي بهامش ضئيل إلا أن ردود الأفعال تتوالى سواء في بريطانيا أو خارجها وظل السؤال ماذا يعني خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي وهي دولة أوروبية بل جزيرة أوروبية وما حولها وعلى حدودها دول أوروبية؟".
الاتحاد الأوروبي (42 سنة) كان نتيجة لما مرت به أوروبا من حربين الأولى والثانية وأيضاً حروب داخل أوروبا وما بين دولها وممالكها وإماراتها، فتعدوا الأوروبيون خصوماتهم ومعاركهم واتفقوا على خلق كيان سياسي واقتصادي واحد على شبه الولايات المتحدة الأمريكية مع بعض الاختلافات، منها الحفاظ على هوية وخصوصية ونظام حكم كل دولة وأيضاً خلق كيان سياسي ما بين الاتحاد السوفيتي الشيوعي (في ذلك الوقت) وما بين الولايات المتحدة الأمريكية كرمز للحرية والليبرالية والرأسمالية.
ولكن بريطانيا كان لها دائماً نوع من الإستقلالية حتى لا نقول نظرة فوقية على بقية الدول الأوروبية، والدليل على ذلك أن بريطانيا احتفظت بالجنيه الاسترليني ولم تعتمد اليورو مثل بقية الدول الأوروبية المشتركة، وأيضاً لم تنضم لمنطقة "تشينجن" مثل بقية الدول الأوروبية المشتركة في اتفاقية "تشينجن"الخاصة بفتح الحدود بين دول أوروبا. كما لها سياسة خاصة للسيطرة على الإسلام السياسي نجحت لحدما فيها ولكن آوت كثيراً من الإرهابيين ومن الإخوان المسلمين وسمحت لهم بالتواجد على الساحة السياسية ومخاطبة الوزراء وأعضاء البرلمان إلخ..، خلافاً لسياسة دول أوروبية أخرى.
بريطانيا كان لها مطالب إصلاحية تجاه الإتحاد الأوروبي وكذلك دول أخرى ما زال لها نفس المطالب على سبيل المثال فرنسا، ولكن على استحياء، ومع صعود تيار أقصى اليمين المُطالب بإصلاحات اقتصادية جذرية، وكذلك سياسية أكثر شدّة وحزماً تجاه المهاجرين وخاصةً من دول الشرق الأوسط حفاظاً على هوية بلادهم وأصولهم وتقاليدهم إزاء سياسة رخوة من الأحزاب الوسطية والاشتراكية.
كثير من الخبراء أطلقوا على نتيجة الاستفتاء بأنه "طلاق" ولكن هل بريطانيا وبلاد أوروبا الأخرى تستطيع أن تُطلّق؟.. كيف ذلك وهناك مشتركات كثيرة مثل.. الأمن الأوروبي.. السياسة الخارجية.. مقاومة الإرهاب...حلف الأطلنطي...العلاقة تجاه روسيا وتوسعها بل تدخلها؟ في الكثير من الأحيان... كذلك الزراعة والثروة الحيوانية، ناهيك عن الارتباطات الاقتصادية التي لم تعد تعرف حدوداً بل عابرة للدول والقارات.
ففي تقديرنا المتواضع ، ستكون علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي مشابهة لعلاقة رجل وامرأة نالا الطلاق ولكن ما زالا يسكنان معاً في نفس البيت، وأغلب الأشياء بينهما مشتركة.
اليمين ينتصر 
أما الكاتب اميل أمين فبدأ رؤيته بطرح سؤال يقول: "هل بات الاتحاد الأوروبي هو «قصة الأمس» كما قالت أصوات المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي قدر لها الفوز أمس في استفتاء تاريخي ستمتد تبعاته وتداعياته على أوروبا لوقت طويل؟
لا يخفى عن الأعين تأثير الشعبوية أو القومية، وإن شئت الدقة قل «اليمينية» البريطانية التي وقفت وراء المشهد؛ لأسباب كثيرة، منها التخوف من سيطرة دول منطقة الـ19 على مجريات اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، فضلاً على مخاوفها على سيادتها السياسية والعسكرية، ورغبتها في إعطاء البرلمانات الوطنية الحق في التجمع معًا، بهدف رفض أي تشريع أوروبي يتصادم أو يتعارض مع المصالح القومية للبلاد، بل إلى أبعد من ذلك ذهب أنصار الاستقلال إلى أن الخروج هو الخيار الأفضل للحفاظ على الديمقراطية البريطانية، وحماية الاقتصاد والحدود للمملكة المتحدة، ويرفع عن كاهلها 47 مليار دولار تمثل تكاليف عضويتها في الاتحاد.
يضرب الزلزال البريطاني عموم أوروبا التي باتت وحدتها في مهب الريح، وتأتي نتيجة الاستفتاء لتمثل شرخًا واضحًا في النسيج الاجتماعي الأوروبي، وبداية لتفتت الهياكل السياسية والأمنية التي بنى عليها النظام الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس بداية فقط لتدمير الاتحاد الأوروبي، بل للحضارة السياسية الغربية بأسرها؟
هذا كلام يؤكده دونالد تراسك رئيس المجلس الأوروبي المؤرخ ورئيس وزراء بولندا الأسبق.. لماذا؟
لأنه سيفتح الباب واسعًا أمام أنصار التيارات اليمينية في عموم أوروبا للمطالبة باستفتاءات مشابهة، وقد صدقت توقعات الرجل بالفعل، فما إن أعلنت النتائج النهائية للاقتراع، حتى وجدنا ماريان لوبان زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية المعروفة بنزعاتها العنصرية، تطالب باستفتاء مماثل في فرنسا، وفي السياق ذاته دعا اليميني الهولندي المتطرف خيرت فيلدرز مواطنيه الهولنديين إلى استفتاء ينهي عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي.
أما عن اسكتلندا التي صوت معظم مواطنيها للبقاء في الاتحاد الأوروبي فسيفكر من جديد في الانفصال عن بريطانيا وعدم البقاء رهينة لرغبات الإنجليز الذين صوتوا للخروج.
الوحدة الأوروبية تبدو بالفعل تعود إلى الوراء من جديد بعد حلم يوتوبي، والدليل نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته شركة «ابسوس - موري» في مايو الماضي وأعلنت نتائجه في التاسع منه، وفيه أشار 45 في المائة من أكثر من 6 آلاف شخص شملهم الاستطلاع في بلجيكا وألمانيا والمجر وإيطاليا وبولندا وإسبانيا والسويد، إلى رغبتهم في إجراء استفتاءات خاصة بهم، وأن الثلث سيختارون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي إذا منحوا الفرصة، فيما تراوح حجم التصويت المحتمل بالانسحاب بين 41 في المائة و48 في المائة في فرنسا وإيطاليا على التوالي.
يضرب زلزال الاستفتاء بريطانيا فيما الارتدادات العميقة تؤثر في ألمانيا في الداخل الأوروبي بنوع خاص، كما تطال الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام.
فيما يخص ألمانيا سيلقي الانسحاب البريطاني عليها تبعات اقتصادية ثقيلة، تتصل بالأحوال المالية المضطربة لعدد من دول القارة الأوروبية التي دون الدعم الألماني لأشهرت إفلاسها، مثل اليونان والبرتغال، وإسبانيا غير بعيدة عن المشهد، الأمر الذي يدعم الأحزاب اليمينية الألمانية مثل «حزب البديل من أجل ألمانيا»، التي تشكك في جدوى البقاء في الاتحاد، ما دام الأمر ظل على حساب رفاهية المواطن الألماني، ولهذا فإن الطلاق البريطاني - الأوروبي، إن جاز التعبير سوف يعتبر نذير شؤم بالنسبة للألمان.
أما الولايات المتحدة فتمثل نتائج الاستفتاء خسارة شخصية للرئيس أوباما الذي أعلن من قبل أن بريطانيا أقوى ما دامت بقيت عضوًا في الاتحاد، وإن برر إعلانه هذا بأنه يفعل من موقع الصديق الحريص.
غير أن البراجماتية الأمريكية تتخفى وراء تصريحات أوباما، فالرجل يدرك تمام الإدراك أن الاتحاد الأوروبي داعم رئيسي للسياسات الأمريكية على ضفة الأطلسي، وخروج بريطانيا من الاتحاد يعني فقدان واشنطن الشريك الأكبر والأقرب، فقد كانت لندن دائمًا وأبدًا الأداة الأمريكية الضاغطة في محافل بروكسل لتمرير ما يريد ساكن البيت الأبيض من قرارات، مستفيدًا من ثقل بريطانيا في الاتحاد.
على أن هناك بعدًا خطيرًا يدركه الأمريكيون في هذا الوقت «القيم»، كما يقول علماء النفس، إذ تأتي نتائج الاستفتاء في الوقت الذي يتعاظم فيه الدور الروسي آسيويًا وعالميًا، فهل يعني انفراط عقد الاتحاد الأوروبي رواج فكرة «أوراسيا» التي ينادي بها الروس، لتجمع دول آسيا مع دول أوروبا في امتداد جغرافي سياسي غير مسبوق في تاريخ البشرية؟ وإذا كان لهذا الطرح نصيب من حظ ولو على المدى البعيد، فأي خسائر جسيمة تضرب الإمبراطورية الأمريكية من جرائه؟
وراء كل ما تقدم مخاوف أخرى لدى الأمريكيين والأوروبيين كامنة في «الذات التاريخية»، فالانسحاب البريطاني يجعل من ألمانيا القطب الأوروبي المهيمن على القارة بأكملها، مما يعني أن تاريخ أوروبا يمكن أن يكون في طريق العودة إلى المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الأولى، وأن ألمانيا الآرية في طريقها للعودة والأصوات داخلها في هذا المسار العنصري تتنامى.
هل الاستفتاء الأوروبي حادثة تاريخية؟ قد يكون كارثة وليس حادثة".

شارك