التدخل العسكري الفرنسي.. بين رفض الحكومة الليبية والنفير العام في بنغازي
الثلاثاء 26/يوليو/2016 - 11:55 ص
طباعة
على الرغم من أن الأوضاع التي تشهدها ليبيا، لا زالت مرتبكة في ظل تنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية، إلا أن رئيس المجلس لحكومة الوفاق الليبية، فايز السراج، يرفض أي تدخل أجنبي في البلاد؛ حيث جدد رفض حكومته لأي تدخل أجنبي في ليبيا، مطالبًا الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بدعم بلاده في حربها ضد "داعش".
يأتي ذلك في وقت تحارب فيه قوات الوفاق الليبية التابعة لحكومة السراج، تنظيم داعش الإرهابي في مدينة سرت، وبعدما حققت نجاحًا في ضرب معاقل التنظيم في وقت قصير، عادت الأوضاع لتسوء؛ حيث فرض التنظيم الإرهابي نفوذه وبدأ يستعيد قوته ويتحدى قوات الوفاق، لتتراجع الأخيرة في المدينة.
وقال السراج في كلمته بقمة جامعة الدول العربية التي انعقدت أمس الاثنين 25 يوليو 2016، في العاصمة الموريتانية نواكشوط: إن ليبيا تعرف تحديات كبيرة من أهمها تنظيم "داعش"، ممّا جعل الحكومة تطلق عملية البنيان المرصوص لطرد التنظيم من البلاد.
وأضاف السراج أن حكومة الوفاق الوطنية دخلت التحالف الدولي وكذا التحالف الإسلامي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، مناشدًا الدول العربية "عدم ترك ليبيا تواجه هذا العدو بمفردها"، وكذا مساعدة الليبين على وقف تدفق السلاح في بلادهم الذي يستفيد منه داعش.
وتطلّع السراج إلى دور أكبر للجامعة العربية في ليبيا خلال المرحلة القادمة الخاصة ببناء المؤسسات"، مشيرًا إلى أن الحكومة ترّحب بكل المبادرات العربية الساعية لإنهاء حالة اللا استقرار في ليبيا وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة شرط التنسيق مع الحكومة.
في ذات السياق، استدعى السراج، السفير الفرنسي أنطوان سيفان إلى ليبيا أمس الاثنين على هامش القمة العربية بنواكشوط، ليبلغه احتجاج ليبيا الرسمي على التواجد الفرنسي في المنطقة الشرقية الذي تعتبره حكومة الوفاق تجاوز للأعراف الدولية وتدخل مرفوض تماما لدولة ذات سيادة تبني علاقاتها مع دول العالم على أسس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية.
وطالب السراج تقديم توضيح رسمي من الحكومة الفرنسية لحقيقة ما حدث.
هذا وقد أكد السفير الفرنسي أن موقف فرنسا واضح وجلي في دعمها الكامل وبدون حدود للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني، وسيتم تقديم مذكرة رسمية لشرح ملابسات الحادث.
وكانت كشفت بعض التقارير عن وجود قوات فرنسية تعتمد على بعضها القوات العسكرية الليبية في المجال الاستخباراتي وهو ما أكدته سابقا القيادة العامة للجيش.
وفي هذا التوقيت اضطر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في 20 يوليو الجاري، إلى إعلان أن ثلاثة من الجنود الفرنسيين قتلوا بعدما اسقطت طائرة هيلكوبتر كانوا على متنها أثناء تأديتهم لمهامهم ضمن عملية "بالغة الخطورة" بمدينة بنغازي الليبية.
إعلان الرئيس الفرنسي، أثار استياء وغضب السلطات في طرابلس، حيث اتّهمت حكومة الوفاق الوطني الليبية، والتي تسلّمت مهامها في الـ 31 من مارس الماضي، فرنسا بـ "انتهاك" أراضيها، مشددة على أن لا شيء "يبرر تدخّلا" أجنبيًّا دون إعلامها، خصوصًا وأن باريس دعمت اتفاقات الصخيرات والتي انبثقت عنها هذه الحكومة.
وأكدت وزارة الدفاع الفرنسية على لسان المتحدث باسمها ستيفان لوفول لأول مرة وجود عناصر من القوات الخاصة الفرنسية في ليبيا.
وفيما أعلن "مجلس ثوار بنغازي" أكبر تنظيم مسلح في شرق ليبيا النفير العام لمقاتلة القوات الفرنسية والأجنبية الموجودة على الأراضي الليبية.
وكانت بوابة الحركات الإسلامية، ذكرت في تقرير سابق لها، أن سرعة سقوط مدينة سرت ومحيطها في أيدي قوات الوفاق، وراءهها دعم عسكري سري، تقدمه الدول الغربية للقوات الحكومية.
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية آنذاك: "إن وجود قوات خاصة من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا ساعد كثيرًا في التقدم نحو سرت وذلك، في إشارة إلى الدعم الذي يقدمه خبراء عسكريون من هذه الدول للقوات الحكومية التي تحارب داعش".
من ناحية أخرى حذر مراقبون ومحللون سياسيون من أن هذا النصر المهمّ قد يشعل الخلافات بين حكومة الوفاق والجهات الداعمة لها من ناحية وبين المؤسسات الشرعية في الشرق وداعميها من ناحية ثانية.
وتشهد مدينة سرت الليبية معارك طاحنة للقضاء على التنظيم الإرهابي؛ حيث يرى مراقبون أن معركة داعش سوف تكون الأخيرة، ولن تكون في المستقبل محافظة على شكلها الحالي الذي أصبح شكلًا تقليديًّا في تجميع الجيوش والفصائل من حول المدينة التي يسيطر عليها التنظيم للقيام بعملية اكتساح شاملة، تمامًا كما يحدث في العراق مع مدينة الفلوجة.
من جانبه يرى مدير أبحاث العالم الإفريقي، بجامعة إيكس مرسيليا بفرنسا، فرانسيس سيمونيس، أن فرنسا لم تبتعد أبداً عن ليبيا في السنوات الأخيرة؛ حيث أبقت عينيها على هذا البلد الذي حرّرته منذ 5 سنوات، موضحاً أن باريس تمتلك الكثير من المصالح، وفي الظاهر، ترعى باريس اثنين من الأهداف في هذا البلد، وهما: محاربة تنظيم في إطار عمليتها العسكرية في الساحل "برخان"، وثانيهما التصدّي لسيطرة داعش على الأراضي.
من جهته، أشار الباحث المختص في شئون المغرب العربي والساحل الإفريقي، هاني نسايبية، أن لفرنسا أيضاً مصالح ذات علاقة بالطاقة النفط والغاز تماماً كغيرها من العديد من البلدان الغربية، كما أنها تريد السيطرة على ظاهرة الهجرة، وبيع أسلحتها، وغيره.
بعض المحللون أشاروا إلى وجود حالة من التناقض، التي فجرها الاعتراف الفرنسي بوجود قوات لباريس تعمل في بنغازي، خاصة مع إعلان القوات التابعة للفريق خليفة حفتر، أن القتلى هم مستشارون عسكريون لها، وتشير رويترز في تقرير لها إلى أن القوات الفرنسية، تتعاون مع قوات موالية لحفتر الذي يقود عمليات في شرق ليبيا ضد متشددين إسلاميين، وخصوم آخرين في بنغازي وغيرها من مناطق شرق البلاد.
كما يروا أن فرنسيا تؤيد حكومة الوفاق الوطني بشدة، لكنها تسعى لتحقيق هدف صغير لمكافحة الإرهاب في شرق ليبيا من خلال مساعدة قوات حفتر، مشيرين إلى أن نية فرنسا هي محاربة تنظيم داعش، لكن الخطر هو الانزلاق للحرب الأهلية بليبيا، كما أن دعم فرنسا لفصائل مناهضة للحكومة الوطنية له تداعيات سياسية، فهذا الدعم الغربي سيقوي تلك الفصائل.