انتقام السلطان العثمانى
الثلاثاء 02/أغسطس/2016 - 08:02 م
طباعة
الانتقام التركى ضد المعارضين لايزال مستمرا، وبالرغم من أن الفرصة كانت سانحة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى استغلال فشل الانقلاب العسكري وتمسك الشعب التركى والمعارضة بقواعد الديمقراطية، إلا انه بدأ يتراجع خطوة تلو الأخري عن مسار الديمقراطية الذى وصل به لمنصبه، وبدأ فى الانتقام من المعارضين له، وتفتيت مؤسسات الدولة التركية، واعتقال الالاف من القضاة والعسكريين والصحفيين والنشطاء الحقوقيين، بل والعمل على تأسيس كيانات جديدة من شأنها تكريس الولاء له، والتخلص من العلمانية الأتاتوركية.
اليوم نشرت الجريدة الرسمية في تركيا قراراً بمرسوم يقضي بتأسيس جامعة جديدة باسم "الدفاع الوطني" تابعة لوزارة الدفاع، وبموجب حالة الطوارئ، وتتشكل الجامعة من معاهد تهدف لتقديم خدمات التعليم العالي وتخريج ضباط ركن، إضافة إلى أكاديميات حربية وبحرية ومدارس إعداد ضباط صف، وهذه الخطوة جاءت بعد اعلان الحكومة التركية نيتها فى ضم المزيد من الوزراء إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والاشارة إلى أن نواب رئيس الوزراء بالإضافة إلى وزراء العدل والداخلية والشؤون الخارجية سيصبحون أعضاء.
والآن أردوغان يواصل المخطط الذى بدأ فيه منذ 2007، حيث يعمل على إعادة تشكيل الجيش التركى كما يريد، فلازلنا نذكر الأحكام التى صدرت فى أغسطس 2013، بعد إدانة ما عرفت باسم شبكة أرجينيكون، والسجن مدى الحياة على رئيس الأركان التركي السابق ايلر باشبوغ وضباط سابقين في الجيش متهمين بالسعي للإطاحة بالحكومة التركية برئاسة أردوغان فى ذاك الوقت.
لا أحد ينكر النهضة الاقتصادية التى حققها أردوغان منذ توليه منصب رئيس الحكومة فى 2003، وبالرغم من فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية فى 2002، إلا انه لم يتمكن من رئاسة الحكومة بسبب تبعات سجنه وقام بتلك المهمة عبد الله جول، حتى تمكن في مارس عام 2003، من تولي رئاسة الحكومة بعد إسقاط الحكم عنه، وبعد توليه المنصب عمل على الاستقرار والأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تركيا، وتصالح مع الأرمن بعد عداء تاريخي، وكذلك فعل مع اليونان، وفتح جسورا بينه وبين أذربيجان وبقية الجمهوريات السوفيتية السابقة، وأرسى تعاونا مع العراق وسوريا وفتح الحدود مع عدد من الدول العربية ورفع تأشيرة الدخول، وفتح أبوابا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا مع عدد من البلدان العالمية، وأصبحت مدينة إسطنبول العاصمة الثقافية الأوروبية عام 2009.
على الصعيد الاقتصادى خطت تركيا خطوات كبيرة للأمام، حيث كانت الصادرات التركية 36 مليار دولار عام 2002، والآن وصلت إلى 158 مليار دولار، وفى قطاع السياحة كانت عائدات تركيا 12.5 مليار دولار حتى وصلت إلي 34.5 مليار دولار، كما كان احتياطي البنك عام 2002 يبلغ 26 مليار دولار وصل إلى 130 مليار دولار.
أعلم ان هناك خلافات كبيرة بين السلطات التركية وبين النظام المصري على خلفية الاطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وبعيدا عن التوافق الايدولوجى بين أردوغان ومرسي، إلا أن السبب الأكبر فى الخلاف هو الاطاحة بمرسي من خلال الجيش المصري، وهى الاشكالية التى يخشاها اردوغان، بعد أن شهدت تركيا انقلابات عسكرية كثيرة، لذا يعكف منذ 2003 على تقليم اظافر الجيش التركى، وخطوة تلو الاخري التخلص من معارضيه حتى ولو منهم من خاض بداية الطريق معه وكان معلمه الروحى وقدوته فى العمل السياسي وهو فتح الله جولن، والمعارض الأول له حاليا.
الأزمة ليست فى اردوغان وعبد الفتح السيسي فى مصر، وإنما فى ما حدث 2013 ، والاطاحة بحكم الاخوان، وإذا كان الجيش المصري قاد عملية الاطاحة بالاخوان تحت ضغط ملايين المصريين الذين نزلو للشوارع فى 30 يونيو 2013، وهو ما كان ظهيرا شعبيا كبيرا، وهو ما لم يكن موجودا فى تحرك الجيش التركى الأخير، لذا أصبح انقلابا لأنه لم يكن له معنى ولم تكن هناك أهداف واضحة يسعى لأجلها، فلم تتحد معه المعارضة ولا المواطنين الأتراك، بينما فى الحالة المصرية كانت المعارضة أعلنت يأسها من تغول جماعة الاخوان وانقلاب مرسي على الشرعية التى جاءت به للحكم واصدار اعلان دستوري مستبد، واقصاء كل المعارضين له، ورفض مطالب المعارضة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة يشارك فيها من جديد، لذا لم يعد الا الشارع للتعبير عن رفض الحكم المستبد حتى وان بدا انه ضد الديمقراطية شكلا.
ما تعرض له مرسي ليس هو الأول فى التاريخ، فقد حدث للرئيس الأمريكي ريتشارد نيسكون عزلا شعبيا رغم انه جاء بالانتخاب، كذلك ادولف هتلر جاء للحكم فى المانيا بصناديق الانتخابات عام 1933، إلا انه عمل على إرساء دعائم نظام تحكمه نزعة شمولية وديكتاتورية وفاشية.
أعتقد أن رجب طيب أردوغان لو كان اكتفي بفترة رئاسته للحكومة التركية لكن من أهم الزعماء الأتراك الذين جاءوا فى العصر الحديث، بما حققه من ايجابيات أو ما وصع فيه من سلبيات، ولكنه جنون العظمة والاستمرار فى السلطة، والانتقال فى عملية مكشوفة إلى منصب الرئيس الشرفي والرغبة فى تعديل الدستور لتصبح تركيا دولة رئاسية بدلا من نظامها الحالى تكشف عن نوايا استبداية قمعية، ظهرت بوضوح فى تداعيات الانقلاب الفاشل، والانتقام من المعارضين فى أيام قليلة، حتى وصل عدد المعتقلين إلى ما يقرب من 20 الف فى أقل من اسبوعين.
الخلاصة..أردوغان ماض فى طريق الاستبداد والقمع، ودفاع المعارضة عن الديمقراطية سيتحول إلى عناد وانشقاق كبير خلال الفترة المقبلة، وإذا كان الانقلاب منح اردوغان الفرصة من جديد للبقاء فى تركيا، إلا انه كان نصرا للدولة التركية العظيمة وليس نصرا لشخص اردوغان، وما لم يتوقف عن مسار القمع ستخسر تركيا كثيرا خلال السنوات القليلة المقبلة، وسينضم اردوغان إلى قائمة زعماء الاستبداد والقمع مثل هتلر وموسوليني وغيرهم.