بعد دفن كاهن فرنسا.. مونت كارلو ترصد قوة الكنيسة الكاثوليكية

الأربعاء 03/أغسطس/2016 - 01:07 م
طباعة بعد دفن كاهن فرنسا..
 
رصدت إذاعة مونت كارلو قوة الكنيسة الكاثوليكية في تعاملها بهدوء بعد ذبح الكاهن جاك هاميل 84 عامًا؛ حيث قال أسقف باريس الكاردينال "أندريه فان تروا" بعد خروجه من قصر الإليزيه غداة الاعتداء على الكاهن الفرنسي وقتله في عملية تبناها تنظيم "الدولة" داعش: "إن لحظة الحقيقة التي نعيشها اليوم هي محاولة معرفة الإله الذي نعبد".
وكانت فرنسا قد شهدت أمس جنازة الأب جاك؛ حيث نشرت أعدادًا كبيرة من رجال الشرطة حول كاتدرائية مدينة روان الفرنسية، وجرت الجنازة الرسمية للكاهن الكاثوليكي الذي قتله متشددان ذبحًا في كنيسته في منطقة النورماندي الفرنسية قبل أسبوع.
وخلال التشييع الرسمي للكاهن الذي جرى وسط إجراءات أمنية مشددة، قال العسكري المتقاعد جان فرنسوا (72 عامًا) الذي فضل عدم كشف اسم عائلته إن «إرهابيين قتلوا كاهنًا. يجب أن نؤكد مشاركتنا لنقول لا لهذه الجريمة».
وأدخل النعش إلى الكنيسة على أكف أربعة أشخاص، يسبقه ويليه لفيف من الكهنة. وشارك نحو ألفي شخص داخل الكاتدرائية المبنية على الطراز القوطي وخارجها متحدين المطر، في هذا التكريم للأب جاك هاميل (85 عامًا) الذي قتل بينما كان يترأس قداسًا صباحيًا في كنيسته.
وشارك عدد من المسلمين واليهود أيضًا في الجنازة.
وأثار قتل الكاهن الذي يحمل طابعًا رمزيًا كبيرًا، بيد متشددين اثنين في الـ19 من العمر، استياءً كبيرًا في فرنسا أكان في الأوساط المسيحية أو الإسلامية على حدٍّ سواء. وعرف الأب هاميل في منطقته بجهوده الشخصية من أجل الحوار بين الديانات وخصوصًا مع المسلمين في سانت اتيان دي روفري.
ووقع هذا الاعتداء الذي كان الأخير في سلسلة هجمات ضربت فرنسا منذ عام ونصف، بعد 12 يومًا على هجوم نيس الذي أودى بحياة 84 شخصاً نفذه متشدد على متن شاحنة خلال الاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي في 14 تموز.
وتم تعزيز الإجراءات الأمنية حول الكاتدرائية بمناسبة هذه الجنازة التي حضرها وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف. وتمركزت نحو عشرين شاحنة لقوات الأمن في الموقع، بينما خضع الأشخاص الذين دخلوا الكنيسة لعمليات تفتيش.
وفي الخارج، بثت مراسم التشييع على شاشة عملاقة. ولن يدفن الأب هاميل المتحدر من شمال فرنسا، في روان بل في مكان لم يكشف وفي مراسم عائلية حصرًا، كما قال أقرباؤه. أما كنيسته في سانت اتيان دي روفري، حيث عمل نحو خمسين عامًا وشهدت مقتله، فستبقى مغلقة عدة أسابيع حسب ما ذكرت أبرشيته.
وتأتي هذه المراسم بعد يومين من مشاركة مئات المسلمين في صلاة في كنائس فرنسا إلى جانب الكاثوليك تعبيرًا عن «التضامن» و «الأمل». وكان البابا فرنسيس بنفسه دان الهجوم ورفض أي خلط بين الإسلام والعنف.
مما يشد الانتباه في الطريقة التي تعاملت من خلالها الكنيسة في فرنسا وأتباع الديانة المسيحية في هذا البلد والبابا فرنسيس مع عملية مقتل الكاهن الفرنسي جاك هاميل، يوم 26 تموز الماضي، أنها تقوم على الرصانة والتفكير والشجاعة والجرأة أيضًا.
وقد لخص كثير من مسلمي فرنسا، من الذين ثمنوا هذا الموقف ارتياحهم له من خلال تكرار سؤال تردد على ألسنة الكثيرين. ويمكن أن يطرح على الشكل التالي: ما الذي كان بالإمكان أن يحدث في فرنسا لو دخل أشخاص إلى مسجد باريس الكبير وذبحوا عميده أو إمام صلاة الجمعة فيه؟
فقد قال أسقف باريس الكاردينال "أندريه فان تروا" بعد خروجه من قصر الإليزيه غداة الاعتداء على الكاهن الفرنسي وقتله في عملية تبناها تنظيم "الدولة الإسلامية": "إن لحظة الحقيقة التي نعيشها اليوم هي محاولة معرفة الإله الذي نعبد".
وأضاف متسائلاً عما إذا كان الفرنسيون والمقيمون في فرنسا وفي العالم يؤمنون بإله يرمز إلى الموت أم إله يجسد الحياة في إشارة إلى منطقين اثنين: منطق تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يطالب باسم الدين بقتل الأبرياء بوحشية طمعًا في الجنة، ومنطق الديانات الأصلي ومنها الديانات السماوية الثلاث. وهو منطق يدعو الناس إلى التضامن والتآزر وفعل الخير للحفاظ على الإنسان.
أساقفة فرنسا الآخرون دعوا كلهم أتباع الكنسية الكاثوليكية للترحيب كثيرًا بالمسلمين الذين شاركوا في قداديس مشتركة ترحمًا على الكاهن جاك هاميل. وكل المسلمين الذين شاركوا في هذه القداديس يثنون على رباطة جأش مضيفيهم وهدوئهم برغم ما ألم بهم.
والحقيقة أن البابا فرنسيس، رئيس الكنسية الكاثوليكية، ظهر أكثر من مرة في تعليقه على مقتل الكاهن الفرنسي بشكل مباشر أو غير مباشر بمظهر الحريص على تجسيد منطق الحياة: كما كان حريصًا جدًا على استخدام لغة التهدئة والابتعاد عن العبارات التي يمكن أن توظف بشكل أو بآخر لتغذية منطق تصادم الأديان والذي يتغذى منه تنظيم "الدولة الإسلامية". فقد قال أمام أكثر من مليوني شاب وشابة من الذين شاركوا في فعاليات "أيام الشبيبة العالمية" التي أقيمت دورتها الأخيرة في بولندا إنهم مدعوون للابتعاد عن "الحزن" لأنه يشكل حسب البابا "فيروسًا يؤثر في كل شيء ويعرقله ويمنع استئناف الحياة".
وفي الطائرة التي أقلت البابا فرنسيس إلى هذه التظاهرة التي تجمع أتباع الكنيسة الكاثوليكية من شباب العالم وأعادته منها إلى روما، بدا رئيس الكنيسة الكاثوليكية مدافعًا عن الإسلام وتعالميه أكثر بكثير مما كان منتظرًا منه، ومتجاوزًا في تحاليله العبارة التي يتوقف عنها كثير من المسؤولين عن المؤسسات الدينية الإسلامية ولكنهم لا يتجاوزونها في التحليل وفي الجرأة، والتي يقولون بموجبها: إن الإسلام براء مما يأتيه تنظيم "الدولة الإسلامية".

شارك