مطران جنازة حتر: الرصاصة اغتالت قلمه لا رأسه وخرجت من عقل أهوج لا مسدس
الخميس 29/سبتمبر/2016 - 02:13 م
طباعة
شهدت جنازة المثقف اليساري الأردني ناهض حتر تجمع مئات المشيعين الذين وحد بين قلوبهم هَمّ واحد وثقل واحد وضيق من حالة الإرهاب والفكر الظلامي الذي يحصد كل مختلف لمجرد انه مختلف وشارك في الجنازة المطران مارون لحّام، النائب البطريركي للاتين في الأردن والذي قال إن اغتيال الكاتب الصحفي ناهض حتر جاء "ليس لأنه مسيحي، وليس لأنه أهان الإسلام، وإنما لاختلاف في الفكر والنهج مع بعض المتزمّتين"، مشددًا على أن "الاختلاف ليس جريمة، وإنما رحمة. والاختلاف يعالج بالنقاش والحوار لا بالعنف وسفك الدماء".
وقال في عظته خلال الصلاة الجنائزية التي أقيمت في كنيسة اللاتين بالفحيص: "قيل الكثير وكتب الكثير في جريمة اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر. من الجمل التي تعبّر تعبيرًا جيدًا عن الحادث ما قاله أحد المعلقين المسلمين: الرصاصة التي قتلت ناهض لم تتجه أولًا إلى رأس ناهض، بل إلى قلم ناهض. والطلقة لم تنطلق من مسدس أرعن وحسب، بل من عقل أهوج. لهذا نتساءل: من هو القوي ومن هو الضعيف فيما حدث؟ من هو الحي ومن هو الميت؟".
وأكد النائب البطريركي أن "ما حدث ليس له علاقة بالدين، أي دين. فناهض قُتل ليس لأنه مسيحي، وقُتل ليس لأنه أهان الإسلام. قُتل لاختلاف في الفكر والنهج مع بعض المتزمّتين. والاختلاف ليس جريمة، الاختلاف رحمة. والاختلاف يعالج بالنقاش والحوار لا بالعنف وسفك الدماء. لأنه عندما تكون الرصاصة هي الوسيلة الوحيدة للحوار وحسم الخلاف، يكون الإرهاب قد عطل فينا الفكر والشعور الإنساني واحترام الإنسان الذي هو خليقة الله ووكيله على الأرض".
وأضاف: "لسنا هنا لنحكم على أحد، فكلنا ثقة بعدالة القضاء وبمسئولية الحكومة في المحافظة على الأمن وتعزيز العيش المشترك الذي يشكّل فيه الأردن نموذجًا للبلاد التي تحيط بنا، والتي ما زالت تتخبّط بآلامها ودمائها. نحن هنا لنصلي. نصلي كي يبقى الأردن أسرة واحدة متحابة، نصلي كي يملأ الله قلوب الجميع برحمته ومحبته، نصلي كي يرى كل مؤمن في كل الديانات، أن الله رحمة ومحبة. نصلي كي ينير الله قلب القاتل حتى يرى مجد الله في المحبة لا في الموت. نصلي كي يرحم الله ناهض ويقبله في الملكوت حيث الحرية الحقة، وحيث السعادة الحقة، وحيث المحبة هي الكلمة الفصل، المحبة التي لا تعرف حدود الدين ولا العرق، لأنها كبيرة كقلب الله، ولأن أجمل لقب لله تعالى هو أنه محبة، وفقط محبة".
وخلص المطران لحّام عظته بالقول: "نصلي من أجل عائلة المرحوم. نطلب لهم الصبر وعزاء الإيمان والرجاء المسيحي أن فقيدهم لم يمت بل هو حي بصحبة أمه مريم العذراء والملائكة والقديسين في دار الأبدية. فباسمي وباسم العائلة البطريركية بطاركة وأساقفة وكهنة وشمامسة وراهبات، أتقدم بعزاء الإيمان إلى والدته الفاضلة، وزوجته وأولاده وإخوانه وأخواته، وعموم آل حتر والنبر في الأردن والمهجر. له الرحمة ولكم من بعده طول العمر والعزاء. الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركًا".
وفي نفس السياق قام الملك عبدالله الثاني، اليوم الخميس بتقديم واجب العزاء في ديوان عزاء الفقيد الكاتب ناهض حتر، حيث قدم واجب العزاء لآل الفقيد، مؤكدًا رفض جميع الأردنيين والأردنيات للعمل الإجرامي الجبان الذي استهدفه وأودى بحياته.
وأعرب جلالته عن إدانته الشديدة لهذه الجريمة البشعة والغريبة "على شعبنا الأردني الأصيل وثقافتنا"، مشددًا على أن القيم الأردنية استندت، منذ نشأة المملكة، إلى "أن هذا الوطن نشأ بروح الأسرة الواحدة المتعاضدة المتماسكة بين الجميع، مسلمين ومسيحيين، البعيدين كل البعد عن التطرف والعنف والتعصب الأعمى".
وكتب الامير الحسن بن طلال منددا بمناخ الطائفية وتاجيج الكراهية قائلا
أما آن الأوان أن نلتفّ جميعًا حول الصالح العام؟ فمن الضروري أن يخلو الخطاب العام من المفردات التي تؤجج الكراهية وتهدد بنيان العيش المشترك الراسخ في ضمير الأردن؛ هذا الرباط الغالي بتاريخه وأهله، الذي نعتز به ونحرص على صوْنه وتعزيزه والبناء عليه. إن ثقافة العيش المشترك واحترام الاختلاف تمثل القاعدة الإنسانية الصلبة التي نستند إليها جميعًا من أجل الوصول إلى المواطنة الحاضنة للتنوع الديني والثقافي.
لكنّ ما نعيشه اليوم من تحديات الهويات، لا بل الحداثات الطارئة والمنابر الصارخة الإقليمية أو الطائفية أو الأممية الدينية، يعكس أزمة فكر وهوية من أهم معالمها العجز عن تجاوز الخلافات الأيديولوجيّة التي تسهم في تأجيج الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية. وقد يسهم في هذه الأزمات غياب الرؤية الواضحة المشتركة وعدم تقرير مصيرنا مؤسّسيًّا من مكونات الدولة العامة والخاصة والمدنية. إضافة إلى الأدوار العاجزة عن بناء الثقة بتواصل اجتماعي إعلامي يبحث عن خطاب وطني ومضمون ومصداقية.
إننا بحاجة إلى إعمال العقل من أجل الوصول إلى رؤية واضحة تستجيب لمتطلبات الواقع. إن الفكر نتاج التفكير الخلاق الذي يستند إلى الثقة في الذات وقدرتها على التجديد والإبداع من دون حدود. ويعد التعليم والإعلام المعرفي من أهم الموجهات الفكرية للمجتمعات. فمن دون إصلاح فعلي لمنظومة الإعلام المرئي والرقمي وإصلاح منظومة التعليم والتواصل في العالم العربي لا يمكن الخروج من هذه الأزمات. كذلك، فإننا بحاجة لترويج ثقافة التفاعل ونشرها بين مختلف التيارات بما يسهم في عملية التقريب بين مكونات الوطن الإنسانية والمكانية في إطار إدارة التنوّع، الذي من شأنه أن يغني ولا يعيق مسيرة الحاضر والمستقبل.
إن إدارة التنوّع الديني والثقافي من التحديات الملحة التي تواجهها البلدان في المنطقة والإقليم والعالم. ويتطلب النهوض بدور موضوعي واضح ومحايد في هذ المجال ضمان حرية الدين والمعتقد وتبنّي سياسات تعليمية وسلوكية ونفسية من أجل خلق انسجام أخلاقي بين مكونات المجتمع يقوم على الاحترام المتبادل وقبول الآخر ويؤسس للمواطنة الحاضنة.
ويحتاج اجتثاث خطاب الكراهية والتعصب إلى التحوّل من الرعوية برموزها المتعددة إلى المؤسسية الإنمائية تحت مظلة خطاب وطني موحّد يجمع مكونات الهوية الوطنية الغنيّة ويصبّ في خدمة الصالح العام. إلى متى سننتظر حتى تنبثق حركات مجتمعية تستند إلى قيم المساواة والانتماء للمصلحة العليا للوطن؟
لا نزال بحاجة إلى تعريف الصالح العام استنادًا إلى معلومات دقيقة وسليمة غير مسيّسة، وخطاب اجتماعي يعبّر عن مصالح الناس جميعًا. وما لم نسدّ العجز في ميزان الكرامة الإنسانية ووقار الإنسان، سنواجه المزيد من صناعة الكراهية.
يقدّم الكاتب Alex Dewaal في مقالته حول البازار السياسي تحليلاً للخصوصية التاريخية لعوامل بناء الدولة. كما يناقش الصور المعاصرة للرعوية الجديدة، التي تتخللها علاقات الاعتماد والولاءات السياسية والإدارية النخبوية، فلا تكون الأولوية للخدمة العامة بل للمصالح الشخصية وتحقيق الربح. ويختلط الأمر في إطار التمييز بين المصالح الشخصية والمصلحة العامة. ويؤكد الكاتب أن حاكمية الرعوية الجديدة مرنة سياسيًّا لكنها كارثية اقتصاديًّا.
يجب التركيز على العوامل المادية المحركة لرؤية إنمائية تعظّم الصالح العام وتجعل القانون يعمل من أجل الجميع. وفي هذه الآونة، قد نتحدث عن سيطرة ظاهرة السياسة كبازار للولاءات المؤقتة، التي أصبحت متكاملة على الصعيد الإقليمي وتحظى بالتمويل، كما تتسارع فيها عمليات المساومة. إن محركات هذه التغيّرات وأعراضها هي الأثمان المتزايدة للولاءات، الأمر الذي يعكس قوة المساومة المتزايدة للأطراف المعنية بالبازار السياسي.
لقد تزايد اهتمام العلوم السياسية بالتحول من النظام السياسي القائم على الرعوية إلى نظام مؤسسي أو دولة تنموية، وبظهور الحركات المجتمعية والديمقراطية والقومية. وهذه من أهم التحديات الراهنة التي تواجهها الدول الهشة وفقًا لتقرير مجموعة البنك الدولي للسنة المالية 2011، الذي يعرض علامات الضغط التي تمارسها المؤسسات لتأكيد إمكانية البناء التقليدي للدولة بدلاً من مسارات الحاكمية البديلة.
وأخيرًا، يجب التأكيد على أن تحقيق الصالح العام منوط بدولة القانون والمؤسسات.