هل تراجعت الآلة الإعلامية لتنظيم الدولة الداعشية؟

السبت 15/أكتوبر/2016 - 10:00 م
طباعة هل تراجعت الآلة الإعلامية
 
لم يكن ليمر أسبوع واحد الا وقام تنظيم الدولة في العراق والشام "داعش" بنشر فيديو لعملية ارهابية قام بها او بنشر اخبار هنا وهناك عن تبنيه عمليات ارهابية الا انه منذ عدة أشهر وتقريبا حينما تدخل الجانب الروسي على خط المواجهة لهذا التنظيم خصوصا في سوريا، وتراجعت بشكل كبير هذه العمليات وقد كشفت دراسة أعدها مركز مكافحة الإرهاب في أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية الأمريكية عن تراجع ملحوظ في الآلة الإعلامية لتنظيم الدولة المعروف إعلامياً بـ"داعش". وبالطبع دون ذكر دور الجانب الروسي في انكماش عمليات تنظيم الدولة "داعش".

هل تراجعت الآلة الإعلامية
ويشير تقرير أعده سكوت شين في صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن الدعاية، التي أسهمت في تجنيد عشرات الآلاف من الجهاديين للتنظيم من مناطق واسعة، "تراجعت بشكل جذري".
وتذكر الصحيفة أن الباحثين لاحظوا تحولا في المادة المنشورة على مواقع  التواصل الاجتماعي، والمطبوعات التابعة للتنظيم، التي لم تعد تركز على أساليب بناء الدولة؛ من مؤسسات بيروقراطية وأسواق مزدهرة وسكان يعيشون بسعادة.
وينقل الكاتب عن مدير المركز دانيال ميلتون، قوله: "لا يقتصر التدهور على الجانب العددي، لكن على فكرة (الخلافة) التي يروج التنظيم لها، ويبدو الآن عاجزا عن الحديث عن فعل أشياء تصلح للدولة، التي كانت وراء الجاذبية التي تمتع بها".
وتعلق الصحيفة قائلة إن "التنظيم كان يصدر في ذروة نشاطه مواد إعلامية ضخمة، ففي أغسطس 2015، أصدرت مؤسساته في سوريا وخارجها أكثر من 700 مادة إعلامية، إلا أن هذه المواد تراجعت بعد عام إلى 200 مادة".
ويلفت التقرير إلى أن الباحثين لاحظوا زيادة في المساحة المخصصة للعمليات العسكرية، بحيث تفوقت على الأخبار المتعلقة بالإدارة والتجارة، والقضايا الأخرى المتعلقة بالحياة المدنية.
وينوه شين إلى أن دراسة "ويست بوينت" تكشف عن سقوط مستمر لما يطلق عليها الدولة، بشكل يشير إلى تراجعها من الناحية الإعلامية، والسيطرة على الأراضي، مستدركا بأن الخبراء يحذرون من أن تراجع التنظيم لا يعني نهاية للأيديولوجية المحركة له.

هل تراجعت الآلة الإعلامية
وتقول الصحيفة إن "دعاية التنظيم كانت في بداية عام 2014 أداة فاعلة، ليس بسبب الحرفية العالية التي أنتجت بها، بل للرسالة التي كانت تحملها عن النصر القريب، ودعوتها للمسلمين في أنحاء العالم كله إلى الهجرة والمساعدة في بناء الدولة، وجذبت رسالته الشباب المسلم في العالم العربي والدول الأوروبية، في وقت كان يتمدد فيه ويسيطر على مدن وبلدات في العراق وسوريا وليبيا لاحقا".
ويفيد التقرير بأن الدراسة تشير إلى أن زيادة الحملات الجوية للتحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، واستهداف قادتها، جعل التنظيم كمن يدير جيشا إرهابيا، لا "خلافة"، وفي تراجع مستمر.
ويورد الكاتب نقلا عن مؤلف كتاب "تنظيم الدولة: دولة إرهاب"، والباحث في المركز الدولي لمواجهة الإرهاب في لاهاي في هولندا جي إم بيرغر، قوله إن باحثين آخرين لاحظوا تراجعا في الإنتاج الإعلامي، وأضاف أن المراقبين كلهم لاحظوا نقصا وانخفاضا في الترويج للفكرة الخيالية التي بدأ بها بشكل أثر في معدلات التجنيد.
وبحسب الصحيفة، فإن دراسة مركز مكافحة الإرهاب "ويست بوينت"، ركزت على المادة المرئية من مصادر تعد "رسمية"، وتشمل أشرطة فيديو، وتغريدات على "تويتر"، وصورا، وتقارير مصورة.
ويعتقد ميلتون أن السبب الرئيسي وراء تراجع المادة الإعلامية للتنظيم مرتبط بشكل أساسي بالحملة الجوية للتحالف التي استهدفت المؤسسات والمؤلفين، مشيرا إلى أن مسؤولي الإعلام هم مقاتلون بالضرورة، وعندما ينشغلون في القتال لا تتاح لهم الفرصة لكتابة رسائل إعلامية، ويضيف ميلتون أن تراجع دعاية التنظيم ربما كان نتاجا للسياسة المتشددة التي اتبعتها مواقع التواصل الاجتماعي، التي تقوم بشطب أو تعليق الحسابات التي تشك بأنها متعاطفة مع تنظيم الدولة، حيث اضطر الأخير لاستخدام تطبيقات أخرى مثل "تيلغرام".
ويعلق شين قائلا إن التنظيم عندما برز فجأة عام 2014 لم يطلب من أتباعه القيام بهجمات ضد الغرب، كما فعل فرع تنظيم القاعدة في اليمن، بل دعاهم إلى الهجرة والمشاركة ببناء "الخلافة".

هل تراجعت الآلة الإعلامية
ويشير التقرير إلى أن دراسة "ويست بوينت" وجدت ملامح من تراجع  في المواد الإعلامية الفظيعة، وفي مشاهد إعدام المقاتلين الأعداء، الذين ألقي القبض عليهم، لافتا إلى أنه في المقابل كانت هناك زيادة نسبية في عمليات إعدام مقاتلي التنظيم، ممن اتهموا بالخيانة والتجسس.
وتورد الصحيفة أن الباحثين يرون أن التحول دليل قلق داخل التنظيم من الجواسيس، والرغبة في منع محاولات الانشقاق عن "الخلافة"، مشيرة إلى أن تراجع مادة التنظيم الإعلامية لا يعني نهاية لخطره، بل يحذر باحثون من أن الخطر سيزيد، خاصة بعد هروب المقاتلين الأجانب من ساحات سوريا والعراق، وحين يعودون إلى بلدانهم، ويثيرون فيها المشكلات.
ويقول ميلتون أن أحد الأسئلة الغامضة هو ذلك المتعلق بالدعاية التي ينشرها التنظيم يوميا للسكان الخاضعين لحكمه، حيث تعرض الكثيرون، خاصة الأطفال، لثقافة غسيل دماغ والتعصب، ويتساءل ميلتون قائلا: "كيف تتعامل مع الأطفال الذين عاشوا هذه التجربة وتعرضوا لهذه الرؤية؟"، مشيرا إلى أن هذه ستكون مشكلة ذات آثار على المدى البعيد. 
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن بعض الذين قتلوا من أعضاء التنظيم أطلق عليهم "شهداء الإعلام"، واعترف التنظيم يوم الاثنين بمقتل "وزير الإعلام" وائل الفياض، المعروف بأبي محمد الفرقان، الذي كانت وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت عن مقتله بغارة جوية قرب الرقة، الشهر الماضي.

هل تراجعت الآلة الإعلامية
وكثير من الباحثين في الحركات الإسلامية يؤكدون على انه لن يختفي تنظيم الدولة "داعش" من دون أماكنه الأساسية في الرقة في سوريا والموصل في العراق، ولكنّه سيتجزّأ إلى فروع وأراضي إرهابية. فبإمكان جيوب «داعش» أن تعيد تنظيم صفوفها في مناطق غير مستقرّة في المنطقة، كما سبق وأن تبيّن ذلك في ليبيا، أو تثير المشاكل في أماكن ذات وقع رمزي، كتركيا والسعودية. بالإضافة إلى ذلك، قد تُسوّق هذه الفروع أنفسها على أنّها أكثر أصولية من تنظيم «داعش» الذي كان يحتفظ بأراضي، لكي تنال شعبية في أوساط الجهاديّين.
ومع ذلك، سيختلف تنظيم «داعش» عن الجماعات التابعة لـ تنظيم «القاعدة» في قدرته على إلهام هجمات فردية، وهي استراتيجية ترويج فريدة من نوعها ابتكرها عن طريق إنشاء مجموعة من القواعد المكتوبة، ليس حول العنف فحسب بل حول أكثر الجوانب الدنيوية لتعريف التنظيم الحصري للإسلام. وبينما تبدأ بالختفاء الاستراتيجية المعتمدة لـ تنظيم «داعش» لبناء دولة الخلافة الاقليمية، إلا أن استراتيجيته الناشئة ستركز بشكل أكبر على كيفية إدارة صورته والترويج لها.
وفي الوقت نفسه، ستزيد الجماعات الإرهابية المتفرّعة من تركيز تنظيم «داعش» على حشد أتباعه في الغرب والشرق الأوسط من أجل إلهامهم لتنفيذ هجمات في الخارج ضد أهداف طائفية وغربية مختارة. وستبارك قيادة الجماعة أي نشاط يُنفّذ وفق المبدأ التوجيهي الأوسع نطاقاً لـ تنظيم «داعش»، وهو "البقاء والتوسّع". فصمود فروع تنظيم «داعش» وتوسّعها المقترنان بأفراد "يصبحون متطرفين ذاتياً" في الغرب، سوف تعزز رواية القتال نيابة عن المُثل الأسمى لخلافة تنظيم «داعش» بهدف إنشاء "خلافة ثانية" في أي موقع يقدّم أفضل مزيج من عدم الاستقرار الإقليمي والروح الرمزية - مثل سوريا أو ربما حتى تركيا أو المملكة العربية السعودية في ظل الظروف المناسبة.
وكل ذلك يطرح السؤال: لماذا فكرة الخلافة مهمة كثيراً لـ تنظيم «داعش» ومؤيّديه؟ كبداية، إن ما تروّج له الجماعة لا سابقة له ومحدّد جداً - وهو دمج دولة خلافة سلفية (سنّية متشدّدة) مروّعة وشديدة البطش. ويختلف هذا الهدف عن ذلك الذي يعتمده تنظيم «القاعدة»، والذي، على الرغم من كونه يرتكز على التكوين السلفي-الجهادي، يهتم أساساً بمهاجمة الغرب والأهداف الغربية. فالمشاريع الإقليمية لـ تنظيم «القاعدة» في اليمن وسوريا لا تختلف في فرضها التفسيرات المتشددة والحرفية للإسلام، إلا أنه لم يكن لها أهدافاً توسّعية كما لم تدّعي بأنها خلافة. وتحقيقاً لهذه الغاية، يبذل تنظيم «داعش» جهوداً كبيرة للتحكم بتبريرات فكره الديني من أجل الحفاظ على جاذبيته لتجنيد العقائديّين الأصوليين وبالتالي، أولئك الأكثر التزاماً للعمل باسمه، كما يتوقع المرء.

شارك