الفاتيكان يشارك البروتستانت احتفالاتهم بـ"لوثر ".. مصالحة الأخوة الأعداء
الأربعاء 02/نوفمبر/2016 - 01:38 م
طباعة
بعد 500 عاما علي الاصلاح الذي قام به مارتن لوثر ضد الكنيسة الكاثوليكية وتسبب في اندلاع معارك وحروب بين الكاثوليك والبروتستانت استطاع الفاتيكان والبروتستانت ان يطو صفحة الماضي ويشتركوا معا في صلاة واحدة و بمناسبة عيد جميع القديسين، ترأس البابا فرنسيس القداس الإلهي في استاد سويدبانك الرياضي في مالمو بحضور الجماعة الكاثوليكية في السويد، وللمناسبة ألقى قداسته عظة قال فيها نحتفل اليوم مع الكنيسة بأسرها بعيد جميع القديسين، فنتذكّر هكذا ليس الذين تمّ إعلان قداستهم عبر التاريخ وحسب وإنما أيضًا العديد من إخوتنا الذين عاشوا حياتهم المسيحيّة في ملء الإيمان والمحبّة من خلال حياة بسيطة وخفيّة.
تابع: نحتفل اليوم بعيد القداسة. تلك القداسة التي، أحيانًا، لا تظهر في الأعمال الكبيرة أو النجاحات العظيمة وإنما تعرف أن تعيش متطلبات المعمودية يوميًا وبأمانة. قداسة تقوم على محبة الله والإخوة. محبة أمينة حتى نسيان الذات وبذل الذات بالكامل في سبيل الآخرين، كحياة تلك الأمهات وهؤلاء الآباء الذين يضحون بأنفسهم في سبيل عائلاتهم ويتخلون بإرادتهم عن العديد من الأمور والمشاريع والبرامج الشخصية. ولكن إن كان هناك ما يميز القديسين فذلك بأنهم سعداء حقًا. لقد اكتشفوا سر السعادة الحقيقية التي تسكن في عمق النفس وتنبع من محبة الله. لذلك يدعى القديسون طوباويين. فالتطويبات هي حياتهم وهدفهم ووطنهم. التطويبات هي درب الحياة التي يدلنا إليها الرب لكي نتمكّن من إتباع خطواته.
أضاف: التطويبات تعكس ملامح المسيح وبالتالي ملامح المسيحي أيضًا. ومن بينها أريد أن أسلّط الضوء على واحدة: طوبى للودعاء. يقول يسوع عن نفسه: تتلمذوا لي فإني وديع متواضع القلب. هذه هي صورة يسوع الروحية وتُظهر لنا غنى محبته. الوداعة هي أسلوب عيش يقربنا من يسوع ويجعلنا أكثر اتحادًا فيما بيننا: يجعلنا نترك جانبًا ما يقسمنا ونبحث عن أساليب جديدة على الدوام للتقدم في درب الوحدة. إن القديسين ينالون التغيير بفضل وداعة القلب، من خلالها نفهم عظمة الله ونعبده بصدق؛ أضف إلى ذلك هي أيضًا موقف من ليس لديه شيئًا ليخسره لأن غناه الوحيد هو الله.
تابع: التطويبات هي نوعًا ما بطاقة هويّة المسيحي وهي تحدّده كشخص يتبع يسوع. نحن مدعوون لنكون طوباويين وأتباعًا ليسوع فنواجه آلام ويأس زمننا بروح يسوع ومحبّته. بهذا المعنى يمكننا أن نشير إلى أوضاع جديدة لنعيش بروح متجدّد وآني على الدوام: طوبى للذين يحتملون بإيمان الشرور التي ينزلها بهم الآخرون ويغفرون من كل قلبهم؛ طوبى للذين ينظرون في أعين المقصيين والمهمّشين ويظهرون لهم القرب؛ طوبى للذين يرون الله في كل إنسان ويكافحون كي يكتشفه الآخرون أيضًا؛ طوبى للذين يحمون البيت المشترك ويعتنون به؛ طوبى للذين يتخلّون عن رفاهيّتهم من أجل خير الآخرين؛ طوبى للذين يصلّون ويعملون من أجل ملء شركة المسيحيين... جميع هؤلاء هم حملة رحمة الله وحنانه وبالتأكيد سينالون منه المكافأة التي يستحقّونها.
كما ألقى البابا فرنسيس كلمة قال فيها "لقاء الصلاة هذا، نريد أن نظهر رغبتنا المشتركة في البقاء متحدين به لننال الحياة. لنطلب منه: ساعدنا يا رب بنعمتك لتكون أكثر اتحادًا بك لنُعطي شهادة فعالة في الإيمان والرجاء والمحبة. لقد بدأنا كاثوليك ولوثريون بالسير معًا على درب المصالحة، والآن، وفي إطار إحياء الذكرى المئوية الخامسة لإصلاح عام 1517، لدينا فرصة جديدة لنقبل مسيرة مشتركة تمّت خلال السنوات الخمسين الأخيرة في الحوار المسكوني بين الاتحاد اللوثري العالمي والكنيسة الكاثوليكية. لدينا الإمكانية للتعويض عن مرحلة أساسية من تاريخنا متخطين سوء التفاهم والخصامات التي غالبًا ما منعتنا من فهم بعضنا البعض".
أضاف: "يقول لنا يسوع إن الآب هو الكرام الذي يعتني بالكرمة وينقّيها لتأتي بثمر أكثر. إن الآب يعتني باستمرار بعلاقتنا مع يسوع، ليرى إن كنا حقًا متحدين به. ينظر إلينا، ونظرته نظرة المحبة تشجعنا على تنقية ماضينا والعمل في الحاضر لتحقيق مستقبل الوحدة التي يتوق إليها. وبالتالي ينبغي علينا نحن أيضًا أن ننظر بمحبّة وصدق إلى ماضينا ونعترف بالخطأ ونطلب المغفرة.
تابع الحبر الأعظم: "الله هو الكرّام، وبمحبة كبيرة يغذيها ويحميها، لنسمح لنظرة الله بأن تجعلنا نتأثر؛ إن الأمر الوحيد الذي يرغب به هو أن نبقى متحدين كأغصان حية بابنه يسوع. بهذه النظرة الجديدة إلى الماضي، نحن لا ندعي القيام بتصحيح مستحيل لما حصل وإنما أن نخبر هذا التاريخ بأسلوب مختلف. فيسوع يذكرنا على الدوام: بمعزل عني لا تستطيعون أن تعملوا شيئًا. فهو الذي يعضدنا ويشجعنا على البحث عن أساليب لنجعل الوحدة واقعًا أكثر وضوحًا على الدوام. إن الانفصال بلا شك قد شكّل مصدر ألم كبير ولكنه حملنا في الوقت عينه لنتيقن بصدق أن بدونه لا يمكننا أن نعمل شيئًا، ويعطينا الإمكانية لنفهم بشكل أفضل بعض جوانب إيماننا. بامتنان نعترف أن الإصلاح ساهم في إعطاء محورية أكبر للكتاب المقدس في حياة الكنيسة. لنطلب إذًا من الرب أن تبقينا كلمته متحدين، لأنها مصدر غذاء وحياة، وبدون إلهامها لا يمكننا أن نعمل شيئًا".
أضاف: "إن الخبرة الروحية لمارتن لوثر تُسائلنا وتذكّرنا بأنه لا يمكننا أن نعمل شيئًا بدون الله. كيف يمكنني أن أحصل على إله رحوم؟ لقد كان هذا السؤال يُثير لوثر. في الواقع، إن السؤال عن العلاقة الصحيحة مع الله هو السؤال القاطع للحياة. وكما نعلم، اكتشف لوثر هذا الإله الرحوم في البشرى السارة ليسوع المسيح المتجسّد، المائت والقائم. من خلال مبدأ ’بواسطة النعمة الإلهية فقط‘ يتم تذكيرنا بأن المبادرة هي دائمًا لله الذي يسبق أي جواب بشري، وفي الوقت عينه يريد أن يولّد فينا هذا الجواب. إن عقيدة التبرير تُعبّر إذًا عن جوهر الحياة البشرية أمام الله. إن يسوع يشفع بنا كوسيط لدى الآب ويرفع الصلاة له من أجل وحدة تلاميذه لكي يؤمن العالم. هذا الأمر يعزينا ويدفعنا لنتحد بيسوع لنطلب منه بإلحاح: أعطنا عطية الوحدة لكي يؤمن العالم بقوة رحمتك. هذه هي الشهادة التي ينتظرها العالم منا. لأننا كمسيحيين سنصبح شهادة صادقة للرحمة بقدر ما يصبح التجدد والمغفرة والمصالحة خبرة يومية بيننا".
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول: "نصلي معًا، لوثريون وكاثوليك، في هذه الكاتدرائية ونحن ندرك أننا بدون الله لا يمكننا أن نعمل شيئًا؛ لنطلب مساعدته لنكون أعضاء حية متحدة به، يحتجون دائمًا لنعمته ليتمكنوا من أن يحملوا معًا كلمته للعالم الذي يحتاج لحنانه ورحمته".