بنت الشاطئ.. ناصرت المرأة ودافعت عن التراث
الأربعاء 06/نوفمبر/2024 - 10:50 ص
طباعة
حسام الحداد
يبدو أن الأوضاع الاجتماعية التي عاشتها الكاتبة عائشة عبدالرحمن (بيئة إسلامية محافظة) أثرت كثيراً على شواغلها واهتمامتها الفكرية وإنتاجها العلمي، حيث حملت عائشة عبدالرحمن مسؤولية الاهتمام بقضايا المرأة وطالبت بإعطائها الكثير من الصلاحيات والمهام، كما حملت بتفنيد البهائية وعملت على إثبات مواطن الضعف فيها بحسب ما صدؤ عنها.
وعائشة عبد الرحمن التي سُميت بـ(بنت الشاطئ) لها تاريخ طويل في العمل العلمي الذي ساهمت به بقدر كبير في الانتصار للقضايا التي تؤمن بها، فقد ساهمت بنت الشاطئ في العديد من القضايا الساخنة المثارة في مجتمعها ومن أهم هذه القضايا: قضية المرأة ومكانتها في الإسلام، ومادار من جدل صاخب بينها وبين العقاد في هذه القضية فقد كتب العقاد كتابًا بعنوان "المرأة في القرآن" وأورد في كتابه فقرات فيها انتقاص للمرأة مثل أن النظافة ليست من اختصاصات المرأة، فقابلت عائشة العاصفة بالعاصفة وترجمت مشاعرها الغاضبة في مقال بعنوان "اللهم إني صائمة "واتبعت هذا المقال بمقاليين آخرين للرد على العقاد.
ولقد عاشت عائشة وحيدة بعد وفاة زوجها أمين الخولي، ووفاة ابنها وابنتها، وهجرة ابنتها الثالثة مع زوجها، فوهبت بقية حياتها للعلم ولم يتوقف عطاؤها العلمي حتى وافتها المنية في الأول من ديسمبر عام 1981، وأعلنت وزارة الأوقاف المغربية عن إقامة سرادق عزاء لها، وصلّى عليها شيخ الأزهر صلاة الجنازة بنفسه في جنازة مهيبة لفقدان إحدى أعلام العلم المضيئة في العصر الحديث وحضر جنازتها العلماء والأدباء والمثقفون الذين جاؤا من شتى بقاع الأرض لتوديع "بنت الشاطئ".
ورُغم الملاحظات والمداخلات النقدية التي يمكن رصدها على ما طرحته عائشة عبدالرحمن من اعمال علمية، إلا أنها تعتبر نموذجاً كبيراً من النماذج المصرية المشرفة في الوطن العربي بأثره، فقد كان لها مواقف فكرية شهيرة، واتخذت مواقف حاسمة دفاعًا عن الإسلام، فخلّفت وراءها سجلاً من السجلات الفكرية التي خاضتها بقوة؛ وكان أبرزها موقفها ضد التفسير العصري للقرآن الكريم ذودًا عن التراث بحسب فهمها، ودعمها لتعليم المرأة واحترامها بمنطق إسلامي وحجة فقهية أصولية، وموقفها الشهير من البهائية وكتابتها عن علاقة البهائية بالصهيونية العالمية.
حياتها:
وولدت عائشة عبد الرحمن في مدينة دمياط بشمال مصر سنة ١٩١٢ م، وكما أوضحنا ان طبيعة البيئة الاجتماعية التي عاشتها عائشة ساهمت بقدر كبير في تشكسل وعيها، فقد كان والدها عالماً من علماء الأزهر، فتربت على يديه تربية إسلامية، وباتت منذ صغر سنها على مقربة من الدراسات الفقهية والأدب التي كان يقيمها والدها.
حفظت القرآن الكريم في كتاتيب بلدتها، وحصلت من المنزل على شهادة الكفاءة للمعلمات سنة ١٣٤٨هـ/١٩٢٩م وكان ترتيبها الأولى على القطر المصري، ثم حصلت على الشهادة الثانوية سنة ١٣٥٠هـ/١٩٣١م، ثم التحقت بكلية الآداب في جامعة القاهرة وتخرجت في قسم اللغة العربية سنة ١٣٥٨هـ/١٩٣٩م، وواصلت دراساتها العليا حتى حصلت على الدكتوراه في الأدب سنة ١٣٦٩هـ/١٩٥٠م.
تزوجت أستاذها بالجامعة الأستاذ أمين الخولي صاحب الصالون الأدبي والفكري الشهير بمدرسة الأمناء، وأنجبت منه ثلاثة أبناء، وواصلت مسيرتها العلمية حتى نالت رسالة الدكتوراة عام 1950م وناقشها عميد الأدب العربي دكتور طه حسين.
وانشغلت في بدايتها بالتدريس الجامعي في تسع دول عربية، فكانت محل إعجاب وتقدير الجميع، وكانت عند فوزها بجائزة الملك فيصل العالمية أستاذة للدراسات العليا في الشريعة بجامعة القرويين في المغرب، وأستاذة اللغة العربية وآدابها في جامعة القاهـرة.
وتدرجت عائشة في المناصب بدءًا من معيدة بقسم اللغة العربية في كلية الآداب حتى أصبحت أستاذة للتفسير والدراسات العليا بجامعة القرويين بالمغرب، مرورًا برئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية, بجامعة عين شمس، وعملت كأستاذ زائر بجامعات أم درمان، الخرطوم، الجزائر، بيروت، الإمارات وكلية التربية بالرياض، كما قامت بالتدريس بجامعة القرويين قرابة العشرين عامًا.
سر لقب "بنت الشاطىء":
كانت عائشة عبدالرحمن تحب أن تكتب مقالاتها باسم مستعار، فاختارت لقب "بنت الشاطئ"، لأنه كان ينتمى إلى حياتها الأولى على شواطئ دمياط والتي ولدت بها وشكلت فكرها الأساسى، حتى توثق العلاقة بينها وبين القراء وبين مقالاتها والتي كانت تكتبها في جريدة "الأهرام" وخوفاً من إثارة حفيظة والدها كانت توقع باسم بنت الشاطئ أي شاطئ دمياط الذي عشقته في طفولتها.
وحاولت "بنت الشاطئ" أن تكون كاتبة ومفكرة وأستاذة وباحثة ونموذجًا للمرأة الشرقية المسلمة التي حررت نفسها بنفسها بالإسلام، فمن طفلة صغيرة على شاطئ النيل في دمياط إلى أستاذ للتفسير والدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة القرويين في المغرب، وأستاذ كرسي اللغة العربية وآدابها في جامعة عين شمس بمصر، وأستاذ زائر لجامعات أم درمان 1967م والخرطوم، والجزائر 1968م، وبيروت 1972م، وجامعة الإمارات 1981م وكلية التربية للبنات في الرياض 1975- 1983م .
وتركت "بنت الشاطئ" وراءها أكثر من أربعين كتاباً في الدراسات الفقهية والإسلامية والأدبية والتاريخية، وأبرز مؤلفاتها هي: التفسير البياني للقرآن الكريم، والقرآن وقضايا الإنسان، وتراجم سيدات بيت النبوة، وكذا تحقيق الكثير من النصوص والوثائق والمخطوطات .
كما كان لها دراسات لغوية وأدبية وتاريخية أبرزها، نص رسالة الغفران للمعري، والخنساء الشاعرة العربية الأولى، ومقدمة في المنهج، وقيم جديدة للأدب العربي، ولها أعمال أدبية وروائية أشهرها: على الجسر.. سيرة ذاتية، سجلت فيه طرفا من سيرتها الذاتية، وكتبته بعد وفاة زوجها أمين الخولي بأسلوبها الأدبي.
وكتاب "بطلة كربلاء"، وهو عن السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، وما عانته في واقعة عاشوراء في سنة 61 بعد الهجرة، ومقتل أخيها الحسين بن علي بن أبي طالب، والآسر الذي تعرضت له بعد ذلك.
ومن مؤلفاتها سكينة بنت الحسين، مع المصطفى، مقال في الإنسان، نساء النبي، أم الرسول محمد.. آمنة بنت وهب، أعداء البشر، أرض المعجزات.. رحلة في جزيرة العرب.
وحصلت "عائشة" على الكثير من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب في مصر عام 1978 م، وجائزة الحكومة المصرية في الدراسات الاجتماعية، والريف المصري عام 1956م، ووسام الكفاءة الفكرية من المملكة المغربية، وجائزة الأدب من الكويت عام 1988 م، وفازت أيضا بجائزة الملك فيصل للأدب العربي مناصفة مع الدكتورة وداد القاضي عام 1994 م.
كما منحتها العديد من المؤسسات الإسلامية عضوية لم تمنحها لغيرها من النساء مثل مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، والمجالس القومية المتخصصة، وأيضاً أَطلق اسمها علي الكثير من المدارس وقاعات المحاضرات في العديد من الدول العربية.
ومن التدريس إلى منبر الصحافة، حيث صارت عائشة عبد الرحمن ثانى امرأة تكتب في الصحافة المصرية وخاصة جريدة الأهرام بعد الآنسة مي زيادة، وكانت عائشة تكتب باسم مستعار وهو "بنت الشاطئ" ومن هنا أطلق عليها هذا اللقب الذي نتذكرها به حتى الآن، وجاء اللقب من حبها الشديد لشاطئ دمياط الذي نشأت وترتعرت به.