علي شريعتي.. ملهم ثورة "الملالي" في إيران
الخميس 23/نوفمبر/2023 - 11:37 م
طباعة
حسام الحداد
يُعتبر الفيلسوف الإيراني الدكتور علي تقي الدين شريعتي، أحد الشخصيات الشيعية المعاصرة، ويوصف بانه ملهم الثورة الاسلامية الفيلسوف العصي على التصنيف، والذي حارب (الإسلام البرجوازي الطبقي) فأغضب الدعاة التجار، ترحَّم على عمر بن الخطاب، ووصفه بالعدل؛ فأغضب متطرفي الشيعة الذين نعتوه بالوهابي المتسنِّن، وكان متأثرًا بالفكر الماركسي، ومنظرًا عن العدالة الاجتماعية؛ فنعته المرجع الشيعي آية الله الكوراني بالثوري الشيوعي المتغرِّب، فيما اعتبره اخرون زنديق، وقد كان على عداء مستمر مع النظام البهلوي الايراني الذي سجنته بسبب نشاطه السياسي، واغتالته لاحقًا.
حياته :
ولد المفكر وأستاذ علم الاجتماع علي محمد تقي شريعتي في إحدى قرى منطقة خراسان في إيران، في العام 1933م، وعلى الدوام كان شريعتي .
ينحدر الدكتور علي شريعتي من أسرة متعلمة، فقد كان أبوه كاتباً ومفكّراً إسلاميّاً معروفاً، وقد كان لشخصيّة الأب محمّد تقي شريعتي والبيئة العلميّة التي نشأ فيها الدكتور علي شريعتي دور كبير في رسم معالم شخصيّته وهويّته العلميّة والدينيّة.
في عام 1955 إلتحق علي شريعتي بكلية الآداب جامعة مشهد وتخرج منها بدرجة امتياز عام 1958. أرسل في بعثة دراسية إلى فرنسا عام 1959 حيث حصل على شهادتي دكتوراه؛ الأولى في تاريخ الإسلام والثانية في علم الاجتماع.
تزوج علي شريعتي أثناء دراسته الجامعية في مشهد من زميلته (بوران شريعتي رضوي) عام 1956.
نشطه السياسي:
يعد علي شريعتي من أبرز رواد الحركة الإسلامية الإيرانية وفي مقدمة مفكريها ويراه الكثير من اتباع الحركة الاسلامية الشيعية في ايرن بانه ملهم الثورة الاسلامية التي قادها المراجع الشيعية بزعامة ايه الله الموسوي الخميني في 1979 وات الي الاطاحة بحكم البهلوي في البلاد.
انخرط شريعتي منذ أن كان صغيراً في العمل السياسي، فد كان معارضا لنظام الشاه محمد رضا بهلوي، حيث انضم هو ووالده في نهاية الأربعينيات إلى حركة كانت تضم جماعة من المثقفين الإيرانيين المتأثرين بالأفكار اليسارية، التي كانت تجد صدى واسعاً في ذلك الحين، وهي حركة “الإشتراكيون الذين يخشون الله”.
وكذلك انضم هو ووالده إلى تيار محمد مصدق الذي كان يعرف بـالحركة الوطنية عام 1954 وكان وقتها طالباً في المرحلة الثانوية، وسُجن مدة ستة أشهر بعد فشل حركة المقاومة ضد نظام الشاه، ولم يكن شريعتي آنذاك قد تخرج من الجامعة.
وبعد سقوط مصدّق انضمّ إلى حركة المقاومة الوطنية (حركة تحرير إيران)التي أسسها آية الله الزنجاني وآية الله الطالقاني ومهدي بازركان، وعندما ضربت بعنف، سجن شريعتي ستة أشهر ولم يكن قد تخرّج بعد من كليّة الآداب (سنة 1958). وكان ممثلاً لهذه الحركة في خارج إيران إبان دراسته في باريس.
وفي منتصف الستينيات من القرن الماضي عاد شريعتي إلى إيران، فاعتُقل فور وصوله، لكن أُفرج عنه بعد فترة، وعُيّن مدرسا في جامعة مشهد، وإزاء انتقاداته المتكررة لنظام الشاه ونشاطه السياسي والفكري تم نقله إلى منطقة نائية في إيران معلما في المدارس الابتدائية، لكن سرعان ما تم إعادته، لكن إلى العاصمة للعمل في جامعة طهران، ليكون قريبا من سمع السلطة وبصرها.
وفي سنة 1973 أغلقت السلطات الإيرانية (حسينية الإرشاد) التي ساهم شريعتي في تأسيسها سنة 1969م، واتخذها منطلقا لمحاضراته ونشاطه، وقامت باعتقاله، هو ووالده، لمدة عام ونصف، ثم أفرجت عنه بعد وساطة جزائرية، وسُمح له في مايو من العام 1977م، بالسفر إلى لندن، لكن بعد أقل من شهر عُثر عليه ميتا في شقته هناك، ولم يُسمح لجثمانه بأن يُدفن في إيران، فوافقت السلطات السورية - التي كانت على خلاف مع نظام الشاه – على أن يُدفن فيها، ودُفن – كما تمنى- بجانب ضريح السيدة زينب في دمشق.
حسينية الارشاد:
وقد كانت نقطه التحول في مسيرة شريعتي هي حسينية الارشاد، التي اسسها عام 1969م، لكي تكون مركزاً علمياً ركّز فيه شريعتي كل نشاطه، إلى جانب عددٍ من العلماء والمثقّفين الإيرانيّين من أمثال مرتضى مطهّري. كان يلقي د. شريعتي محاظرات منتظمة عن الإسلام وتاريخ التشيّع، مصححاً من خلالها بعض المفاهيم السائدة.
وأسّس في هذه الحسينيّة خمس لجان للإشراف على النشاطات المتعددة: لجنة تاريخ الإسلام، لجنة تفسير القرآن، لجنة للأدب والفن، لجنة للغة العربية لتصحيح منابع التراث الشيعي، ولجنة للغة الإنكليزية لحمل رسالة الإسلام العالمية ونشرها.
كانت حسينيّة الإرشاد بالنسبة لشريعتي منبراً لشحذ الهمم، والتعبئة الفكريّة والسياسيّة لجيل من الشباب التفّ حولها. فكان يحمل الفكر الإسلامي الأصيل سلاحاً في وجه “التغريب” و”عبادة الشاه” و”المفكّرين المزيّفين” و”رجال الدين الذين استغلّوا الدين ضد الدّين”.
فلم تجد السلطة بدّاً من إقفال الحسينيّة عام 1973، ثم القبض على شريعتي ووالده، وإبقائه في السجن مدّة 18 شهراً متعرّضاً لصنوف العذاب، حتّى تدخّل مسؤولون جزائريّون للإفراج عنه عام 1975.
انتقاده للتشيع الصفوي:
اشتهر في نقده للمؤسسات الدينية ورجالها وبعض أفكارهم وسلوكياتهم، وكان يرى أن العودة للإسلام الحقيقي يكون من خلال القادة والمفكرين الذين يدركون تناقضات المجتمع الداخلية وليس من قبل العلماء، مما أثار سخط الكثيرين منهم، واعتبره البعض منحرفا ضالاً، كما اعتبره آخرون مجددا مصلحا ولا زال يثار حول أفكاره الكثير من الجدل.
في كتابه (التشيع العلوي والتشيع الصفوي)، يتحدث “شريعتي” عن تسييس الدين -التشيع نموذجًا- والذي تم على يد الصفويين في إيران كجزء من لعبة كبرى أرادت رفع شعار آل البيت في مواجهة المد العثماني.
فكرة الكتاب قائمة على إبراز الوجه الحقيقي للمذهب الشيعي كمذهب إسلامي ذي طابع ثوري، يرفض مبادئ التوريث والفصل بين الإسلام والسياسة والتسليم لما هو واقع وغيرها من القيم السلبية التي خيمت على الواقع الإسلامي وقت كتابة الكتاب الذي لا أدري تحديدا متى كان نشره وإن كان من المؤكد في أواخر عقد الستينات أو أوئل عقد السبعينات.
فاللعب على الوتر القومي حسب اعتقاده كان ضروريا لعزل إيران عن بقية الأمة الإسلامية، فالهدف هنا كان تشييد حكم صفوي يواجه العثمانيين، فأحيت السلطة السنن والأعراف الإيرانية القديمة، وزرعت حسا قوميا استقلاليا عن طريق اللعب على الوتر القومي، وإضفاء صبغة دينية عليه لتخلق تشيعا جديدا، تشيعا شعوبيا يؤمن بتفوق الفرس بصورة واضحة تخالف روح الإسلام الذي حارب الطبقية.
ويصل الامر بشريعتي ان يقول "بأن الاختلاف بين التشيع العلوي والتسنن المحمدي ليس أكثر من الاختلاف بين عالمين وفقيهين من مذهب واحد حول مسألة علمية... وأن التشيع العلوي والتسنن المحمدي طريقان متلاقيان من يسير في أحدهما لابد أن يأتي اليوم الذي يلتقي فيه مع صاحبه ليصبحا معا وحدة واحده" وفي المقابل فإن "المسافة بين وجهي التشيع العلوي والتشيع الصفوي هي عين المسافة بين الجمال المطلق والقبح المطلق".
«شريعتى» كان أول من تحدث عن التشيع الصفوى، وفرق بينه وبين التشيع الحقيقى، وهو من كتب قائلًا: عكفت الصفوية على إيجاد منهج انعزالى صوفى، يميل إلى تجاهل الواقع والغياب عن مسرح الأحداث بنحو ينهمك فيه كل إنسان بمشاكله وهمومه الذاتية وتكون رسالته في الحياة هي العمل على إنقاذ نفسه من سجن الدنيا والفرار بها من جهنم الحياة، ولا ريب في أن هذه الحالة تعد حالة مثالية لمثلث التحكم بالناس والمؤلفة أضلاعه الثلاثة من الاستبداد والاستثمار والاستحمار، متسائلا: كيف استطاعت الصفوية أن تنتج تشيعًا يشبه التشيع في كل شىء، وليس فيه منه شىء؟.. إن إكسير الاستحمار الصفوى المشئوم، استطاع أن يصنع من الدم ترياقًا، ومن ثقافة الاستشهاد ترنيمة نوم، أما التشيع العلوي، فهو مذهب الاقتداء بالإنسان الذي يقاتل ببسالة ويتعبّد بخضوع.
شريعتي الذي فضح كذلك ما سماه مونتاج الدين، والقومية الذي جعل للتشيع الإيراني نكهته المميزة، يلتف حول كثير من الأفكار، ولا يستطيع الإقدام على تقويضها مباشرة ... لكن قاريء الكتاب يجب أن يضعه في سياقه التاريخي، وهو منتصف سبعينيات القرن العشرين؛ قمة المشروع الإمبراطوري الشعوبي البهلوي؛ المعتبر امتداداً للصفويين.
وفي حسينية إرشاد، كان يوجه خطابًا لاذعًا لرجال الدين بشقيهم الشيعى والسنى، وهذا ما جمعه تلاميذه من أشرطة مسجلة فيما بعد، ومنها: «إذا أردت أن تعرف أيديولوجية أحدهم، فتش عن مصدر معيشته». ولأن الملالى يحصلون على معاشهم من «الخُمس» و«سهم الإمام»، فهم بالضرورة تربطهم مصالح مشتركة مع الأثرياء والدولة وملاك الأراضى وتجار البازار. وهكذا تصبح المؤسسة الدينية أداة لتزييف وعى الناس ولتبرير الظلم والاستغلال.
ونادي «شريعتى» بتحرير الإسلام من قبضة البرجوازية الصغيرة، رجال الدين والطبقة المالكة، والنهضة به لتحويله عن حاله الراهن من دين سلبى إلى قوى إيجابية تساعد البشر على الترقى والتحرر وإحلال العدل.
كما انتقد «شريعتى» سعى رجال الدين إلى احتكار الحق في تفسير الإسلام، وهو ما وصفه بأنه «أسوأ وأكثر أنواع الاستبداد قمعًا»، لهذا دعا إلى إصلاح بروتستانتي، أو نهضة للإسلام، وفيه يتاح لأى فرد تفسير النص المقدس بنفسه، مسترشدا بعقله وبروح الإسلام الثورية المناهضة لكل أشكال الظلم والاستعباد.
واتهم شريعتي رجال الدين أنهم فرغوا الدين من قيم الجهاد في سبيل العدل، و اختزلوا النصوص الدينية في معانٍ ثابتة لا تعبر عن الواقع، وتحايلوا علي الشريعة من أجل تملق الاستبداد الملكي، وأصبحوا مهووسين بالظاهر: الملابس والطقوس وطول الذقون، ولجأوا إلي التركيز علي الآخرة للهروب من مشاكل الدنيا، بخاصة مشاكل التصنيع والرأسمالية والإمبريالية والصهيونية، وتوقفوا عند أسطورة ماضٍ مجيد بدلا من الانشغال بالمستقبل، وعزفوا عن استكمال مشروع الإصلاح الذي بدأه مفكرون مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد إقبال، ورفضوا كل المفاهيم الغربية بما فيها التقدمية، في حين وقفوا في وجه أي فكرة جديدة وضد أي حركة تصحيحية وأدانوا البدعة التي في نظر شريعتي هي "ضرورة ملحة للحياة والكمال". فغلفوا الدين بنزعة محافظة ورجعية ومتحجرة وانتحلوا صفة "الشرطي المدافع عن مظاهر الكبت والخنق والسكون والسلفية والمحارب لكل قادم جديد". وصنعوا من أمثال الشيخ فضل الله نوري- الملا الرجعي- بطلا، وهو الذي حارب الثورة الدستورية والحركة الديموقراطية في أوائل القرن العشرين وحسبهما كفراً، وهو الذي عدَّه خميني شهيدا مسلما حقاً ومجده المحافظون في إيران ما بعد الثورة. ولم يتوانَ شريعتي عن انتقاد رجال الدين لإسباغهم ألقاباً تراتبية علي أنفسهم مثل "آية الله" و " آية الله عظمي" و"حجة الإسلام"، وإغفال حقيقة أن الزعماء المسلمين الأوائل بمن فيهم الرسول نفسه كانوا عمالا و رعاة ومزارعين وحرفيين.
وبرغم اعتراض شريعتي علي الطرح الماركسي الذي يري أن الدين ليس إلا "أفيونا للشعوب" نعت شريعتي الإسلام الذي يروج له رجال الدين المستفيدون من الوضع القائم بأنه أفيون أو أداة لتزييف وعي المظلومين وتضليلهم رغم الإمكانية الثورية التي تكمن في الدين، وفي الإسلام الشيعي بوجه خاص. فيشير شريعتي في كتابه "دين ضد الدين" إلي أن "الأديان الرسمية دائماَ ما لعبت دوراَ طبقياَ قذراَ ضد الناس والإنسانية ولصالح الطبقات الحاكمة". ويطرح بهذا ثنائية ما بين الإسلام كدين الحاكم في العصور المختلفة والإسلام كدين المحكوم والضحية والشهيد. أي ما بين التفسير السلطوي للدين والتفسير الشعبي الثوري
وقد اتهم جهاز السافاك، جهاز الامن الايراني في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، «شريعتى» أنه وهابى وليس شيعيًا، وحكموا عليه أنه زنديق، وبقى في السجن ثمانية عشر شهرًا حاي الافراج عنه في ١٩٧٥.
وفي المقابل، وبحكم ثقافته الماركسية (وهو ما سنفصل فيه بعد قليل) فإن شريعتي ناصَب رجال الدين الشيعة العداء، وبيّن ما هم فيه من ضلال وانحراف واستغلال للدين، ما أدى إلى نقمتهم عليه أيضا، فأصدروا (مثل مرتضى مطهري) الفتاوى بضلاله وتكفيره ولعنه، حتى امتد التكفير إلى حسينية الإرشاد التي أطلقوا عليها وصف (كفرستان) أي: معقل الكفر.
في حين أن مجموعة أخرى منهم (وإن كانوا قلة) كانت تؤيد شريعتي، وتدافع عن أفكاره، وترى أن ما يوجهه للدين من انتقاد في حقيقته موجّه ضد الممارسات الخاطئة التي تُرتكب باسم الدين، وليس للدين نفسه
ومن رجال الدين الذين دافعوا عن شريعتي: محمود الطالقاني، الذي يُعتبر من رموز الثورة الإيرانية، والذي يقول: "كل يوم... كنّا نشهد معركة ضد شريعتي في أحد أحياء العاصمة. لقد شنّوا عليه حملات ظالمة مستمرة. كنّا نقول لأولئك المتحاملين: ماذا حدث؟ اذهبوا واسمعوا آراءه وناقِشوه، وقدّموا له الردّ الذي تريدون. لكن الأمر كان يجري على نحو آخر، إذ كان البعض يقتطع جملة أو فقرة من كتابٍ له، ويسخدمها لتشويه فكر شريعتي والتحريض ضده".
ويقول الطالقاني أيضاً :"... إن المرحوم شريعتي تميز بروحٍ مستقصية شكّاكة منذ بداية شبابه وأوائل عهده بالدراسة والتحصيل العلمي. كان يشكّ بكل شيئ، حتى بدينه؛ فقد كان يشكّ بالدين السائد بين الناس، أي بذلك الإسلام الممسوخ، ذلك الإسلام الذي حُوّل إلى دكان للارتزاق، ووسيلة للاحتراف وتربية (المريدين). كان لابد لشاب واعٍ مثل شريعتي أن يبدأ بالشك، لكنه لم يبقَ أسير الشك... بدأ بالدراسة، بحث في الأصول، قرأ في المناهل الأولى... فتوسعت آفاق فكره، حتى بلوَر مفهومه عن إسلام ثوري حي...".
كما كان هناك بعض رجال الدين (مثل الموسوي الخميني) كان يتحاشى انتقاد شريعتي لمعرفتهم بشعبيته الواسعة، ودوره في معارضة نظام الشاه.
ملهم الثورة :
كما يوصف شريعتي بأنه "ملهم الثورة الإيرانية" رغم أنه لم يشهد قيامها في فبراير من سنة 1979م، إلا أن أفكاره ومحاضراته وكتاباته الثورية كان لها الأثر الكبير في إلهاب حماس الجماهير الرافضة لنظام الشاه، الأمر الذي حقق لشريعتي شعبية كبيرة داخل إيران، خاصة بين الشباب، ما جلب عليه نقمة نظام الشاه، الذي قام في فترات مختلفة بسجن شريعتي وتعذيبه ونقله من عمله ووضعه تحت المراقبة ومنعه من ممارسة العمل السياسي، ثم اغتياله (كما يُعتقد) في لندن.
وقدم علي شريعتي ارثا مهما من الأفكار التي اسهمت في التمهيد لإسقاط نظام الشاه، حيث ان هناك اكثر من 150 دراسة عنه حتى عام 1997 ومجموع ما طبع لشريعتي في السبعينيات وصل إلى 15 مليون نسخة كما يؤكد الباحث محمد اسفندياري، وقد ذكر شريعتي نفسه أن عدد الطلاب الجامعيين الذين تسجلوا في دروسه تجاوز الخمسين ألف طالب ووزع من كتاب «الولاية» أكثر من مليون نسخة.
وقد كتب مقالًا يوميًا في صحيفة خراسان، وجه فيها رسائل للمثقفين، ومنها: كن على وعى دائما بمسئوليتك العظيمة داخل المجتمع، فعلى المثقف أن يجد السبب الأساسى لانحطاط المجتمع، وإن التناقضات الاجتماعية كالفقر والغنى لن تحرك الشعوب إلا إذا حُملت تلك التناقضات من داخل النظام الاجتماعى ووضعت في ضمائر الناس ووعيهم. وحده الفقر لن يحرك أحدًا وإنما الإحساس به، فكن على وعى بالتناقضات الاجتماعية، فالمجتمع ليس مفعولًا به نسقط عليه أفكارنا ونجرب فيه أساليب تعسفية تناقض الفطرة السوية غالبا ولا تقود إلا إلى انهيار. عامل المجتمع كفاعل به لكنه فاعل مريض ينطق بأسباب مرضه. كن كالطبيب خذ احتياطاتك، وقم بتفحصاتك وابحث عن التناقضات الموجودة واعلمها جيدًا قبل أي خطوة عملية تقوم بها على الأرض.
عرف «شريعتى» النمط الثقافى، أنه الروح الغالبة على مجموعة معارف مجتمع ما. وثقافة المجتمع التي على المثقف الواعى أن يكون متواجدًا في عمقها. متفهمًا لضمير السواد الأعظم من شعبه، قائلًا: إذا كنت من هؤلاء الذين يعتقدون أن المجتمع الحالى وما عليه يساوى الدين الإسلامى، فحتمًا سينتهى بك المطاف إلى تبنى سياسات إصلاحية اجتماعية جديدة لا تصلح للمجتمع الذي تعيش فيه؛ لأنها لا بد ستعادى الدين؛ ونتاجًا لذلك يصبح المثقف مكروهًا تمامًا كحال نخبنا اليوم، فماذا سيحدث بعد ذلك؟! سيلجأ الناس إلى مزيد من الرجعية، وتستغل القوى الرجعية ذلك وتصرف الناس عن المصائر الحالية، وتبدل المشكلات الواقعية إلى أخرى ذهنية فيجذب الاهتمام باسم الدين من مرحلة ما قبل الموت إلى ما بعده فظهر لنا ما مفاده «اقتل ولك الجنة».
وقد اعتبره الرئيس الايراني الاسبق هاشمي رفسنجاني مَعْلماً أساسياً في إرساء النهضة الإيرانية، كما ان مصطفى جمران يقول إن رفيقه الأساسي في متاريس الجنوب اللبناني المواجهة للعدو الصهيوني، كان كتاب شريعتي "الصحراء"
وقال السيد أحمد الخميني نجل ايه الله الخميني:ان ما قدّمه الدكتور شريعتي كان عظيماً ، بحيث يتعذر عليّ الآن الإحاطة به لأنه في الواقع كان ولا يزال معلّم الثورة الإسلامية .
وقال المرجع الشيعي اوتحد قادة ثورة 1979 الدكتور محمد حسين بهشتي: لقد أوجد الدكتور علي شريعتي طوال السنوات الحساسة من عمر الثورة الاسلامية جوا حساسا مؤثرا وكان له دور بناء في جذب الطاقات الشابة المتعلمة نحو الاسلام الاصيل ، واجتذب قلوبا كثيرة نحو الثورة الاسلامية وعلي الثورة والمجتمع أن يقدران ذلك الدور المؤثر .
كان الدكتور شريعتي رجلا عاملا مجدا ، لقد كان فنانا بحق ، وهذا الجانب الفني يظهر في قلمه وكتاباته . كان يرغب حقا أن توجد حركة وثورة اسلامية اصيلة في بلدنا بعيدة عن التاثر بثقافة الشرق والغرب تقوم على أساس التعاليم الاسلامية وكان يعشق تلك الفكرة . (من اجوبة الدكتور الشهيد بهشتي على اسئلة الطلبة الجامعيين حول الدكتور شريعتي . راجع كتاب الدكتور شريعتي باحث على طريق الوصول ، تأليف الشهيد بهشتي ، دار البقعة ، الطبعة الثانية 1999) .
موقفه من السنة:
لا يرى شريعتي - بداية- صواب منهج أهل السنة، بل يعتقد بصواب مذهب الشيعة وأحقيته بالاتباع، كما يتضح من قوله: "إن الخلاف بين الشيعة والسنة هو في الأساس خلاف فكري وعلمي وتاريخي يرتبط بطريقة فهم حقيقة الإسلام، وكل ما يدّعيه الشيعة في هذا المجال – وهو ادّعاء وجيه – أنه ينبغي لمعرفة حقيقة الإسلام الاقتداء بأهل بيت النبي وعلي (ع) لأجل أن تكون المعرفة مباشرة ومن دون واسطة، وهذا بحدّ ذاته كلام معقول، كما يدّعي الشيعة أن مواصلة طريق الرسالة وروحها بعد النبي مرهونة باتباع علي (ع) والاعتراف به خليفة بعد النبي دون غيره ممّن عجزوا عن مواصلة الرسالة بروحها حتى آل أمر المسلمين إلى ما آل إليه مما يعرفه الجميع".
أما موقفه من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يختلف عن بقية الشيعة، فهو لا يرى في الصحابة (الذين رضي الله عنهم وأثنى عليهم وارتضاهم لصحبة نبيه) إلا مجرد مجموعة من ذوي المصالح، المنحرفين والبعيدين عن الدين والمبادئ، والمتآمرين على الإسلام، والغاصبين لحق علي في الخلافة، ولذلك نجدده يردد أكاذيب الشيعة بحق الصحابة كما في قوله:
"الفارق الجوهري بين خط علي وخط أبي بكر يتمثل في هذه النقطة؛ مراعاة المصالح أم المبادئ. في منهج أبي بكر لابدّ من إعطاء شيء لعبد الرحمن بن عوف لكبح جماح شغفه العارم بالأموال! وهو بلا شك شخصية ذات نفوذ ومن قبيلة فيها رجال أصحاب وزن وتاريخ من أمثال سعد بن أبي وقاص، لذا يجب العمل على إرضائه لكي لا يتسبب في إيقاع بلبلة ومشاكل.
أما خالد القائد الذي قَتل مالك بن نويرة وضاجع زوجته الفاتنة في نفس الليلة، فلا بدّ أيضاً من كسبه أو تحييده على الأقل، فهو قائد عسكري مرموق ومقاتل بطل، ولا ضرورة لإقامة الحدّ عليه، بل في ذلك خطورة، والفرق كبير جدا بين أن يكون خالد معنا أو أن يكون ضدّنا!".
وعلى الرغم من موقفه هذا تجاه الصحابة، الذي يوافق معتقد الشيعة، إلاّ أن شريعتي ينكر على الشيعة سبّ الصحابة ولعنهم، لأن عليّا كره لأصحابه أن يكونوا لعّانين، ونجد شريعتي في بعض كتبه يورد ثناء علي على الفاروق عمر رضي الله عنهما (مع خلط ذلك بالمعتقد الشيعي إزاء الصحابة والإمامة)، يقول شريعتي: "إن منطق عليٍّ لم يسوغ له الإساءة إلى عمر والتقليل من شأنه، بالرغم من إهدار حقوقه وجعله حبيس الدار بتواطؤ سياسي بين عمر وأبي بكر، بل إنه لم يتنكّر للخدمات التي قدّمها عمر للدولة الإسلامية لأنه لا يريد أن يغمط حق الرجل على خلفية أخذ الخلافة منه بغير حق".
ويثني شريعتي أحيانا على بعض أئمة أهل السنة أو علمائهم، وعند العودة لهذه الأسماء يتبين أنها تتركز غالبا في العلماء الذين تساهلوا تجاه التشيع أو الناشطين في مؤتمرات التقريب بين السنة والشيعة أمثال: شيخ الأزهر السابق عبد المجيد سليم، وشيخ الأزهر السابق محمود شلتوت الذي أفتى بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية، وأنه كسائر المذاهب السنية الأربعة.
وفي هذا الصدد يثني شريعتي على الخطوات التي اتخذها الشيخ شلتوت تجاه مذهب الشيعة، ويقول: "كان الشيخ شلتوت قد أصدر فتوى بجواز العمل بالمذهب الجعفري أو العدول من المذاهب الأربعة إليه! مضافا إلى دوره في إدخال الكثير من الأحكام والفتاوى الشيعية في القانون المدني المصري مثل عدم قبول الطلقات الثلاث بلفظ واحد،... هذا هو أنموذج من المنطق المعتدل المنصف الذي يعدّ من سمات التسنن المحمدي كما هو سمة بارزة من سمات التشيع العلوي...". كذلك يثني شريعتي أحيانا على بعض علماء أهل السنة الذين يمدحون أهل البيت.
علي شريعتي الاشتراكي:
كما تاثر علي شريعتي بالاشتراكية فيُعتقد أنها جاءت نتيجة للتأثر بجماعة (نهضة الموحدين الاشتراكيين) "نهضت خدابرستان سوسياليست"، التي أسسها الدکتور محمد نخشب (1923-1976) بمعية حسين راضي، وهم شباب متدينون ذوو نزعة اشتراكية، وانصب اهتمام نخشب وجماعته على الأبعاد الأخلاقية والإنسانية في الدين، وعمل على إنتاج قراءة إسقاطية للنص والماضي والتراث، فخلع عليه صورة اشتراكية، وكان يحسب أن الاشتراكية الانسانية العملية تجسدت في صدر الإسلام.
ونتيجة للصراعات الداخلية وضغوطات السلطة اضطرت الجماعة إلى تغيير اسمها إلى: جمعية حرية الشعب الإيراني "جمعيت آزادي مردم إيران"، وقد أسس كاظم سامي وعلي شريعتي في مدينة مشهد فرعا للجمعية.
وتزوج شريعتي أخت قائد طلابي معروف، وعضو في حزب "توده" الشيوعي كان قد قُتل في مظاهرات جامعة طهران سنة 1953
وعندما انتقل شريعتي للدراسة في فرنسا، راح يتردد على الأوساط اليسارية ويُصادق الاشتراكيين الجزائريين أمثال الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين، ويتابع صحف اليسار أو تلك التي تدعم القضايا اليسارية، ويترجم كتب اليساريين مثل "حرب العصابات" لإرنستو تشي جيفارا، ومن هنا جاءت الوساطة الجزائرية لتنقذه من السجن لاحقاً.
وبعد عودته من فرنسا، تعرف شريعتي على أعضاء حركة "مجاهدي خلق"، وهي حركة ماركسية مسلحة مناهضة للشاه. وقد أبدى شريعتي إعجابه بفكرهم رغم اختلافه معهم في بعض النقاط. وفي المقابل كانت محاضرات شريعتي تصب في صالح نشاط وأفكار الحركة وساهمت في توسيع عضويتها.
وبدأ شريعتي ينظر إلى الإسلام وفق منهجه الماركسي، ويفسره حسب مفاهيم الماركسية من صراع وطبقات وثنائيات، وبحسب تعبير د. الرفاعي: "استلهم شريعتي القواعد الأساسية للماركسية، وأقام عليها بناء إسلاميا. كل أولياته ومبادئه ماركسية، ولا يمكن العثور لديه على رؤية إسلامية عميقة".
بدأ نَفَس شريعتي الاشتراكي مبكرا، وذلك من خلال روايته التي ترجمها عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، فعندما كان شريعتي في العشرين من عمره بدأ رحلته الفكرية بترجمة رواية مصرية للكاتب عبد الحميد جودة السحار عن أبي ذر إلى الفارسية ونشرها عام 1956 بعنوان "أبو ذر الغفاري: الاشتراكي المؤمن". أو "أبو ذر الموحد الاشتراكي" "أبو ذر، خدابرست سوسياليست".
حيث رأى شريعتي في أبي ذر اشتراكيا منتقدا للخلفاء لإسرافهم في ملذات الدنيا. وظلت (اشتراكية) أبي ذر - كما رآها شريعتي- مثلا أعلى له، بشهادة والده بعد مماته. ووصفه مريدوه فيما بعد بأنه "أبو ذر إيران الحديثة".
وأكثر شريعتي من استخدامه للأدوات الماركسية في تحليل التراث الإسلامي بما لا يمت إلى النص بصلة، وامتد منهجه (الماركسي الاشتراكي) إلى تفسير آيات القرآن، فأسقط المادية التاريخية على القصص القرآني، كما فعل عندما حلل قصة ابني آدم بأنها صراع بين النظام الزراعي، والمِلكية الخاصة والفردية متمثلة بقابيل، ضد رعوية اشتراكية يمثلها هابيل، وأن هذا الصراع الطبقي يتكرر في كل المجتمعات بنتيجة حتمية تاريخية واحدة هي انتصار العدل.
وكذلك نظر إلى الآيات القرآنية المتعلقة بقصص الأنبياء، إذ فسرها تفسيرا ماركسيا طبقيا، إذ يقول: "إن الله وهو يروي لنا قصص الأنبياء، فإنه يقسم المجتمعات التي حدثت فيها ثورات الأنبياء إلى طبقات حاكمة ومستغلة من جهة، والناس من جهة أخرى. أما الله فهو يصطف دائما مع الناس في هذا الصراع".
وقد اختلف «شريعتى» مع حركة مجاهدى خلق في اعتقاده بوجود طريق ثالث للعالم الثالث غير الرأسمالية والاشتراكية، وذلك في محاضراته الأخيرة والأكثر راديكالية التي نشرت فيما بعد تحت عنوان «التوجه الطبقى للإسلام».
حقق كتابه «النباهة والاستحمار»، في هذه الفترة ذيوعًا وانتشارًا، وكان مما جاء فيه: النباهة هي تلك الصفة التي تُميز الشعوب إدراكها لذاتها ولتاريخها ولتراثها، تلك الصفة التي تتسم بها النفوس الواعية، وعقيدة الانتباه هي عقيدة كل مؤمن حريص على ألا يتم استحماره أو التلاعب بعقله ودينه. حددت السلطات الإيرانية إقامته، ثم سمحت له بعد ذلك بالذهاب إلى لندن عام ٧٧، وبعد شهر من إقامته في لندن عُثر عليه مقتولًا في شقته، وذكر تقرير مستشفى ساوثهامبتون أن سبب الوفاة «أزمة قلبية» ولم تسمح لجثمانه بأن يدفن في إيران، فنقل إلى دمشق ودفن في الحرم الزينبي.
وفاته:
بعد إخراجه من السجن، وُضع الدكتور شريعتي تحت المراقبة ومُنع من أي نشاط. وفي مايو 1977 سمحت له السلطات الإيرانيّة بالسفر إلى لندن (!). وبعد شهر من إقامته في العاصمة الإنكليزيّة عُثر عليه ميتاً في شقّته، ميتةً غامضة، أعلنت السلطة انّها جرّاء نوبة قلبيّة! وأغلب الظنّ أنّ الأمر كان مدبّرا من السلطة في إيران التي استخدمت هذه الوسيلة لتصفية العديد من معارضيها.
لم يسمح النظام البهلوي بدفن جثمان الدكتور شريعتي في إيران، فنُقِل إلى دمشق وتمّ دفنه في الحرم الزينبي، حيث صلّى عليه المرجع الشيعي اللبناني الايراني موسى الصدر. وقد أدّى احتفال تأبيني في بيروت دعا إليه السيد موسيالصدر للدكتور شريعتي إلى سحب الجنسية الإيرانية من السيد الصدر.
مؤلفاته:
توجد كتب عديدة لـلدكتور شريعتي يتداولها المثقفون والمهتمون به، وأكثر هذه الكتب ليست مؤلفات كتبها بيده، بل هي محاضرات ألقاها وسجلت ثم أفرغها طلّابه على شكل كتب، وهذا يفسر كثرة العناوين المطبوعة له والتي عدها بعضهم أكثر من مائة عمل علمي بين فلسفي وأدبي وسياسي ثوري.
1- مسؤولية المثقف
2- معرفة الإسلام
3- مسؤولية المرأة
4- النباهة والاستحمار
5- فاطمة هي فاطمة
6- الإمام علي في محنه الثلاث محنة التاريخ - محنة تشيع - محنة الإنسان
7- الحج الفريضة الخامسة
8- دين ضد دين
9- بناء الذات الثورية
10- منهج التعرف على الإسلام
11- التشيع مسؤولية
12- أبي وأمي نحن متهمون
13- التشيع العلوي والتشيع الصفوي
14- الدعاء
15- قصة حسن ومحبوبة
16- العودة إلى الذات
17- الحر إنسان بين الفاجعة والفلاح
18- الإنسان والتاريخ
19- الإنسان والإسلام
20- الإسلام ومدارس الغرب
21- سيماء محمد (ص)
22- الأمة والإمامة
23- محمد (ص) خاتم النبيين من الهجرة حتى الوفاء
24- الحسين وارث آدم
25- الإمام السجاد أجمل روح عابدة
26- الشهادة
27- تاريخ الحضارة
28- الأخلاق للشباب والطلاب والناشئة
29- تاريخ ومعرفة الأديان