الخطر المنتظر بعد المعركة.. مواجهة المستفيدين من الانقسامات العرقية والطائفية في الموصل

الأربعاء 23/نوفمبر/2016 - 02:04 م
طباعة الخطر المنتظر بعد
 
ملاحظات مهمة سطرها باحثون بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حول المنتظر بعد معركة الموصل المشتعلة حاليًّا؛ حيث كتب مايكل نايتس انطباعاته عن زيارته الأخيرة إلى العراق التي دامت أسبوعين، تحدث خلالها مع القادة العسكريين الذين يخدمون في الخطوط الأمامية. وكتب نجم الدين كريم وهو حاكم محافظة كركوك منذ انتخابه في عام 2011 بعد سنوات من الخدمة كناشط كردي رائد، وطبيب في صفوف "البيشمركة"، وزعيم في المعارضة في عهد صدام حسين. وفيما يلي ملخص لملاحظاتهما:
مايكل نايتس
في الوقت الذي تحتدم فيه المعركة في الموصل ومحافظة نينوى، يركز معظم الخبراء على ما سيأتي لاحقاً بالنسبة لهذه المنطقة المتعددة الأعراق والعابرة الطوائف. فنطاق المعركة الهائل يجعلها فريدة؛ إذ تتألف من سبع وحدات بحجم فرق تلتقي في مدينة كبيرة؛ وتمثل القوات المشاركة جميع الأعراق والطوائف الدينية التي يمكن إيجادها في العراق. ورغم أن المعركة تتطور بطريقة تقليدية، إلا أنها تتسم بتعايش مضطرب بين الميليشيات الشيعية والأتراك والقوات العسكرية الأجنبية الأخرى والصحافيين، وهكذا دواليك.
وتحدد المعركة شكل البيئة السياسية المستقبلية في البلاد بعدة طرق. أولاً، إنها تؤدي إلى ازدياد القبول السني لقوى الأمن العراقية والحكومة المركزية، حتى في مناطق أقل ودّاً عادة مثل شرق الموصل. ثانياً، قد يُترجَم التعاون غير المسبوق بين قوات "البيشمركة" وقوات الحكومة العراقية إلى ثقة متبادلة أكبر بين قادة الفصيلين. ويلائم هذا التعاون ديناميكية أكبر من التفاعل الإيجابي بين بغداد وأربيل حول عدد من القضايا، من بينها السيادة الكردية والمساحة الاقتصادية المشتركة.
وبالنظر إلى المستقبل، تبقى علامة الاستفهام حول إمكانية نجاح الجهود الرامية لإرساء الاستقرار بعد المعركة. وتتضمن التحديات إدارة التقلب، وتحقيق العدل، وضبط النظام في المنطقة، وإعادة توطين المشردين داخلياً. وعلى المستوى الكلي، يواجه العراقيون أيضاً عقبات المصالحة واللامركزية وتسريح الجنود.
وفي الوقت الراهن، هناك فكرتان متنافستان في ما يتعلق بإرساء الاستقرار. وتتمثل الفكرة الأولى بنقل الناس على طول الخطوط الطائفية إلى مناطق يشعرون فيها بالأمان. والفكرة الثانية هي إنشاء حكومة تمثل الناس بشكلٍ أفضل في الأماكن المتواجدين فيها بالفعل. ويبقى أن نرى ما هي الرؤية التي ستصبح حقيقة واقعة.
إن سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق ليست مخطوطة جيداً، ولكن افتقار واشنطن إلى خطة مفصلة ليس بالضرورة أمراً سيئاً. فعلى الولايات المتحدة أن تركّز على أهداف شاملة مع مضيّها قدماً، بينما تؤدي دور الوسيط الصادق. وإذا تريد واشنطن محاربة التطرف، سوف تحتاج للبقاء في العراق لفترة كافية لإنهاء المهمة التي لا تتعلق بتنظيم «الدولة الإسلامية» فحسب، بل أيضاً بجهود توطيد الاستقرار على نطاق أوسع، حيث إن الاستقرار الطويل المدى فقط يمكنه أن يضع حداً لحلقة التدخل. ويساعد العمل تحت رعاية "قوة المهام المشتركة - »عملية الحل المتأصل«" أيضاً في تعزيز التحالف الدولي ضد التطرف؛ وهذا شكل من أشكال تقاسم الأعباء الكبيرة التي يمكن أن تحمي مصالح الولايات المتحدة، وربما تتجاوز مجرد إلحاق الهزيمة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية».
نجم الدين كريم
يُظهر الهجوم الأخير الذي شنه تنظيم «الدولة الإسلامية» على كركوك كلّاً من التحديات التي تواجهها المحافظة والنقاط الإيجابية التي تتمتع بها. فمقاتلو تنظيم «الدولة الإسلامية» يختلطون بسهولة بين السكان المحليين والنازحين، وخاصةً لأن الكثيرين منهم مراهقون. لكن ما زالت كركوك صامدة. فبدلاً من هرب السكان - من بينهم السنّة العرب - تعاون هؤلاء مع قوى الأمن للقبض على مرتكبي الهجوم الأخير. وقد استعادت القوات العراقية بسرعة جميع المناطق التي تم الاستيلاء عليها، ولم يتمكن تنظيم «الدولة الإسلامية» من السيطرة على أي من المباني الحكومية.
ومع ذلك، لم تُحل المشاكل الكامنة التي تسمح بترسّخ التطرف؛ فما زال الانقسام الشيعي- السنّي قائماً، وكذلك الاختلافات بين الأكراد والحكومة المركزية. إلى ذلك، يبدو أن التطرف سيبقى بعد زوال تنظيم «الدولة الإسلامية». فعلى سبيل المثال، لطالما كان قضاء الحويجة مرتعاً للإرهاب، وحالما يغادره تنظيم «الدولة الإسلامية» نهائيّاً، ستستمر الجماعات الإرهابية بعملها كما كانت تفعل قبل وصول التنظيم. ومع أن التعاون الناشئ بين "البيشمركة" وقوى الأمن العراقية يُعد تطوراً إيجابياً، إلا أنه لا يزال سطحيّاً في الوقت الراهن، حيث يسعى كلا الفصيلين إلى أن ينسب إلى نفسه الفضل في النجاحات حصرياً.
ومن التحديات الأخرى التي تلوح في الأفق هو توزيع الموارد، وهي مشكلة تفاقمت مع بروز العرب السنّة المشردين داخليّاً في المدينة. فسكان كركوك يستمرون بمشاركة مدارسهم والكهرباء والأدوية والمياه مع هؤلاء النازحين، في حين يتلقون مساعدة ضئيلة من بغداد. وبسبب الصراع الطائفي، غالباً ما لا يستطيع هؤلاء النازحون العودة إلى المناطق في محافظتي ديالى وصلاح الدين اللتين يُفترض أنه قد تم تحريرهما من تنظيم «الدولة الإسلامية». وإذا لا يتمكن الناس من العودة إلى منازلهم في المناطق الآمنة، لن يتوصّل العراقيون أبداً إلى بناء الوطن الذي يأملون رؤيته في المستقبل.
أما العقبة الأخيرة أمام المصالحة، فهي وجود سياسيين محترفين يستفيدون من الانقسامات بين الجماعات العرقية والطائفية. إن الحقيقة على أرض الواقع مختلفة كثيراً، إذ يتفاعل أعضاء هذه الجماعات ويتعايشون بسلام تام. بالتالي، على الحكومة أن تستمع إلى احتياجات الشعب وأن تتجاوز بنظرتها هؤلاء السياسيين المحترفين من أجل إعادة بناء الوطن.
ويتوقع العراقيون أيضاً أن تقف الإدارة القادمة في الولايات المتحدة إلى جانب هؤلاء الذين يحاربون تنظيم «الدولة الإسلامية» - ولم يقم أحد بذلك بشكل أفضل من الأكراد. فربما يأتي دونالد ترامب، الرجل الذي يُعتبر جديداً في ميدان السياسة، بأفكار جديدة حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
أما بالنسبة إلى الموصل، فستتطلب المعركة استثماراً طويل المدى. فللفصائل المتنافسة المختلفة - بما فيها معسكر النجيفي، والحكومة المركزية، والمجموعات الشيعية، والعرب السنّة - رؤى مختلفة لمستقبل المدينة. ومن الاقتراحات المقدَّمة، إنشاء مناطق تُدار محليّاً تبعاً للطائفة والعرق، وهي فكرة تجذب العديد من الأقليات، من بينها المسيحيين واليزيديين. وسواء كانت اللامركزية هي الحل العملي أم لا، فالدرس المستخلَص من كركوك هو أنه على الحكومة توزيع الموارد بصورة عادلة بين جميع الفئات، من أجل بناء الثقة والحث على المصالحة.

شارك