بعد تحريرها من قبضته.. "داعش" سرت إلي أين؟
الثلاثاء 06/ديسمبر/2016 - 05:00 م
طباعة
بعد قرابة الـ6 أشهر علي معركة تحرير سرت الليبية من قبضة التنظيم الإرهابي "داعش"، نجحت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني "البنيان المرصوص"، في السيطرة علي المدينة بالكامل، أمس الأثنين 5 ديسمبر 2016، حيث قال المتحدث باسم القوات الليبية الموالية لحكومة الوفاق الوطني، رضا عيسى، "قواتنا تفرض سيطرتها بالكامل على سرت"، و"شهدت قواتنا عملية انهيار تام للدواعش".
وتحت شعار "انتصر البنيان.. وعادت سرت"، أعلن المركز الإعلامي لعملية البنيان المرصوص، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أن هناك انهيارًا تامًّا في صفوف الدواعش والعشرات منهم يسلّمون أنفسهم لقواتنا، مضيفًا: "أبطالنا يتعاملون مع أفراد من عصابة داعش في آخر معاقلهم في منطقة الجيزة".
وانطلقت العملية العسكرية في 12 مايو الماضي، وحققت القوات الحكومية تقدما سريعا في بدايتها مع سيطرتها على المرافق الرئيسية في سرت 450 كلم شرق طرابلس" المطلة على البحر المتوسط.
تمكنت قوات البنيان المرصوص في الأسابيع الأولى من تحقيق نجاحات مهمة ضد عناصر داعش، وسيطرت على معظم المدينة قبل أن يتباطأ تقدمها بشكل أثار العديد من التساؤلات، خاصةً وأن عناصر داعش لم يعد يسيطر سوى على ثلاث كيلومترات من مساحة سرت وتحديدًا في منطقة الجيزة البحرية.
وتعرضت القوات الحكومية لخسائر في مواجهة التنظيم الإهابي؛ حيث تكبّدت خسائر بشرية فادحة في معركتها ضد تنظيم "داعش".
وفي هذا الصدد، يتساءل مراقبون حول مصير سرت بعد تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي، والذي حولها علي مدار المرحلة الماضية لوكر إرهابي ومعقل رئيسي وقاعدته الخلفية المهمة المطلة على البحر المتوسط، وبالأخص بعد أن فقد التنظيم الإرهابي بذلك نقطة الاستقطاب الرئيسية له في شمال أفريقيا.
ويري محللون أن خروج داعش من مدينة سرت لا يعني خروجه من المشهد الليبي حاليًا، ولكن قد يتحول التنظيم الإرهابي نحو الجنوب الليبي المحاذي للسودان وتشاد والنيجر، ليفرض سيطرته علي مدنها الغني بالنفط، والغارق في الصراعات القبيلة.
ويرى مؤسس موقع "آيز أون ليبيا"، جيسون باك، أن إنهاء سيطرة تنظيم "داعش" على سرت لا يعني إنهاء وجوده في ليبيا، مضيفا أن قدرة التنظيم على تأسيس قواعد له في مناطق أخرى في ليبيا هي نتيجة مباشرة للفوضى والانقسام السياسي وغياب سلطة الدولة” منذ 2011، مضيفًا أنه من المحتمل أن يكون قادة كبار في تنظيم الدولة الإسلامية قد تمكنوا من الفرار نحو الجنوب في الأيام الأولى من المعركة، أو خلال مراحل وقف إطلاق النار، التي هدفت إلى إخراج عائلات من سرت، لذا فإن التنظيم لن يواجه الكثير في سعيه لإعادة التجمع في الجنوب الليبي.
الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ماتيا توالدو، يقول في تصريحات صحافية، إن اجتياح سرت وإقامة ولاية فيها شكلا ضربة دعائية كبيرة لتنظيم داعش نجح خلالها في استقطاب المقاتلين من كل أنحاء شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي، مضيفًا أن فقدانها قد يعني خسارة مرحلية لقوة محركة أساسية له.
ويتوقع توالدو أن يقوم عناصر داعش بالانضمام إلى تنظيمات جهادية أخرى في ليبيا، على رأسها جماعة أنصار الشريعة القريبة من تنظيم القاعدة.
ويوضح الباحث أن بعض المقاتلين الليبيين في صفوف تنظيم "داعش"، انضموا إليه بعدما كانوا ضمن صفوف جماعة أنصار الشريعة، ولذا تبقى إمكانية العودة إليها قائمة، لكن أغلبية عناصر داعش في ليبيا هم من المهاجرين اللذين جاءوا من دول أخرى في شمال أفريقيا على رأسها تونس، ومن دول خليجية أيضا بعدما فشل في استقطاب الليبيين الذين يعيشون في مجتمع بدوي محافظ إنما غير متشدد.
واستغل تنظيم "داعش" في ذلك الوقت، الفراغ الأمني الذي تشهده ليبيا منذ الإطاحة بنظام القذافي بفعل الصراع على السلطة ليرسخ موطئ قدم له في 2014، بدءا من مدينة درنة في أقصى الشرق، ومرورا ببنغازي (ألف كلم شرق طرابلس) ووصولا إلى سرت القريبة من أبرز موانئ تصدير النفط.
ومنذ سيطرت التنظيم الإرهابي علي مدينة "سرت" مسقط رأس القذافي، في يونيو 2015، شكلت ملاذا له، حيث جعل منها قاعدة خلفية لاستقطاب المقاتلين الأجانب الذين جرى تدريبهم على شن هجمات في الخارج.
وشهدت سرت منذ دخول داعش، حالة من التوتر والقلق وسط سكنها، حيث رفعت رايات التنظيم الجهادي السوداء، وفرض على السكان أداء الصلاة في مواعيدها، ومنعت النساء من مغادرة منازلهن من دون محرم.
وتعتبر مدينة سرت آخر وأهم معقل لتنظيم داعش الإرهابي في ليبيا؛ لذا فإن إعادة السيطرة عليها تعني نهاية داعش من الناحية النظرية على الأقل.
وتحظى مدينة سرت بأهمية استراتيجية كبيرة بحكم موقعها الجغرافي على خريطة ليبيا، فهي تعتبر حلقة الوصل بين شرق ليبيا وغربها وتقع بمحاذاة ما يعرف بالهلال النفطي، وتشكل السيطرة عليها نجاحًا مهمًّا في معركة محاربة داعش، وكانت أغلب القوات للتنظيم في ليبيا متمركزة في سرت، والتي تضعها أغلب التقديرات قبل الحملة العسكرية التي تخوضها قوات حكومة الوفاق منذ ثلاثة أشهر، بين 2000 و5000 مقاتل.
وتشهد ليبيا حاليا انقسام بين حكومتان؛ الأولى مدعومة من المجتمع الدولي ومقرها طرابلس تحظى بمساندة قوات البنيان المرصوصالتي قاتلت التنظيم في سرت، والأخرى تتمركز في الشرق وتحظى بمساندة الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وهي قاتلت تنظيم "داعش" في بنغازي، والأرجح أنها قد تلعب دورا في حال محاولة التنظيم الانتقال إلى منطقة أخرى في ليبيا، وفق محللون.
وفشل تنظيم "داعش" في التمدد والانتشار بصورة واسعة في ليبيا، علي غرار ما حدث في العراق وسوريا، حيث نجح الجيش الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق في "كسر شوكة" التنظيم في أنحاء البلاد.