حلوى المولد والرد على المتشددين

السبت 10/ديسمبر/2016 - 02:23 م
طباعة حلوى المولد والرد
 
سجال دائم بين المؤسسة الدينية الرسمية وبين الحركات السلفية حول الحلال والحرام، يظهر مع كل مناسبة دينية او قومية، الا ان المؤسسة الرسمية تقوم احيانا بغض الطرف عن بعض الفتاوى التي تصدرها هذه الحركات والفصائل مما يعطى لفتواها مشروعية لدى الجمهور، ونجد أيضا انتشار بعض تلك الفتاوى على القنوات الخاصة والمواقع الخاصة لهذه الحركات وكثيرا ما يتم ترديدها في الشارع، ورغم تحذيرات الخبراء كثيرا حول خطورة فتاوى الدعوة السلفية وشقيقاتها من الفصائل السلفية المنتشرة في طول البلاد وعرضها تحت سمع وبصر المؤسسة الدينية، تلك الفتاوى التي تهيئ الأرض لانتشار التطرف والارهاب وتخلق جو عام من عدم السلم الاجتماعي، فانه يحدث كثيرا ان تغض المؤسسة الدينية الرسمية الطرف عن بعض الفتاوى التي تصدرها هذه الحركات الا انها هذه المرة قد قامت بالرد الفوري ممثل  في ردِّ الدكتور شوقي علام، مفتى الجمهورية، على فتاوى المتشددين التي تحرِّم شراء حلوى المولد النبوي أو التهادي بها في ذكرى المولد النبوي الشريف، التي توافق غدًا الأحد، حيث أكد أن شراء الحلوى والتهادي بها أثناء الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف "مُباح شرعًا ويدخل في باب الاستحباب من باب السَّعة على الأهل والأسرة في هذا اليوم العظيم".
حلوى المولد والرد
جاءت فتوى مفتي الجمهورية ردًّا على سؤال حكم الشرع في شراء الحلوى والتهادي بها في المولد النبوي الشريف، حيث ظهرت بعض الأقوال التي تدَّعي أنها أصنام، وأن ذلك بدعة وحرام، ولا يجوز للمسلم أن يأكل منها، ولا أن يشارك في شرائها ولا في إهدائها ولا في الأكل منها.. فما الحكم الشرعي فى ذلك؟
وأجاب مفتى الجمهورية قائلًا: إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف والفرح بها من أفضل الأعمال وأعظم القربات، ويندب إحياء هذه الذكرى بكل مظاهر الفرح والسرور، وبكل طاعة يُتقرب بها إلى الله عز وجل، ويَدخل في ذلك ما اعتاده الناسُ من شراء الحَلوى والتهادي بها في المولد الشريف؛ فرحًا منهم بمولده صلى الله عليه وآلة وسلم، ومحبةً منهم لما كان يحبه.
واستدلَّ المفتي بما جاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يُحِبُّ الحَلْوَاءَ، وَيُحِبُّ العَسَلَ" رواه البخاري وأصحاب السنن وأحمد، فكان هذا الصنيعُ منهم سُنةً حسنة، كما أن التهادي أمر مطلوب في ذاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تَهَادُوا تَحَابُّوْا» رواه الإمام مالك في "الموطأ"، ولم يَقُمْ دليلٌ على المنع من القيام بهذا العمل أو إباحته في وقت دون وقت، فإذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأخرى كإدخالِ السُّرور على أهل البيت وصِلة الأرحام فإنه يُصبح مستحبًّا مندوبًا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أشَدَّ مشروعيةً وندبًا واستحبابًا؛ لأنَّ "للوسائل أحكام المقاصد".
وقال مفتى الجمهورية: لقد نص العلماء على استحباب إظهار السرور والفرح بشتى مظاهره وأساليبه المشروعة في الذكرى العطرة لمولده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، ويقول الحافظ السيوطي في "حسن المقصد في عمل المولد" المطبوع ضمن "الحاوي للفتاوي": "فيستحب لنا أيضًا إظهارُ الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات". 
وأضاف مفتى الجمهورية: وأما الزعم بأن شراء الحلوى في المولد أنها أصنام، وأنها بدعة وحرام، وأنه لا يجوز الأكل منها، ولا إهداؤها: فهو كلام باطل يدل على جهل قائليه بالشرع الشريف، وضحالة فهمهم لمقاصده وأحكامه؛ فإنها أقوال مبتدعة مرذولة لم يَقُلْها أحدٌ من علماء المسلمين في قديم الدهر ولا حديثه، ولم يُسبَق أصحابُها إليها، ولا يجوز العملُ بها ولا التعويل عليها؛ إذ فيها تشبيه للمسلمين المحبين لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالمشركين العاكفين على الأصنام، وهذا مسلك الخوارج الذين يعمدون إلى النصوص التي جاءت في المشركين فيحملونها على المسلمين، والله سبحانه وتعالى يقول منكرًا على أصحاب هذا المنهج: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35-36]، ويلزم من هذه الأقوال الفاسدة تحريم مظاهر الفرح بمولد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا مع مخالفته للفطرة السوية مخالف لعمل الأمة المحمدية.
وأكد مفتى الجمهورية أن المسلمين عبر القرون يُهدون ويفرحون بالتوسعة على الفقراء والعيال في ذكرى المولد الشريف، من غير نكير، فرحًا بمولد الهادي البشير صلى الله عليه وآله وسلم، والنفوس مجبولة على الفرح بمن تحب، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أعظم من يُحَبُّ، وأَوْلى مَن يُفرَح به، وهذه الدعوى الفاسدة تستلزم تضليل الأمة وتجهيل علمائها عبر الأمصار والأعصار.
واختتم المفتى فتواه قائلًا: وبناءً على ذلك فشراءُ الحلوى، والتهادي بها، والتوسعةُ على الأهل والعيال، وما إلى ذلك من مظاهرِ الفرح الدنيوية المُباحة بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها جائزةٌ شرعًا، ويُثاب المسلم على قصده فيها من محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه، وفيها فضلٌ عظيم؛ فإن الوسائل لها أحكام المقاصد، ومن باب أَوْلى مشروعية المظاهر الدينية للاحتفال، وأما الأقوال التي تحرِّم على المسلمين الاحتفال بنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم والتعبير عن سرورهم بمولده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم بشتى وسائل الفرح المُباحة فإنما هي أقوال فاسدة وآراء كاسدة، لم يُسبَقْ مبتدعوها إليها، ولا يجوز الأخذُ بها ولا التعويلُ عليها.

شارك