بطريرك الكلدان: ما بعد داعش يتطلب أعمال العقل وتنوير الناس قبل عودة المهجرين

الإثنين 23/يناير/2017 - 12:44 م
طباعة بطريرك الكلدان: ما
 
في الوقت الذى طالب فيه الرئيس العراقي فؤاد معصوم  بعودة الاقليات المهجرة دعا البطريرك الكلداني ساكو الي اعتبار ان اي خطاب تحريضي ضد اقليات العراق هو ارهاب فعلي بحيث لا تكون مطلبات العودة مجرد امنيات وكلمات حيث أكد رئيس الجمهورية العراقية فؤاد معصوم أن العراق الذي يحقق بعزم مقاتليه وشعبه الانتصار الناجز على داعش سيجعل إعادة الاعمار والبناء وعودة النازحين والمهجرين، وخصوصًا أبناء الديانات، إلى مدنهم وقراهم في مقدمة الأولويات التي تتطلب عملاً وطنيًا حثيثًا ودعمًا دوليًا لتأمين متطلبات ذلك.
وخلال استقباله وفد مجلس الكنائس العالمي، تحدث الرئيس عن الدور التاريخي لمسيحيي العراق في البناء الثقافي والعلمي والاقتصادي على مدار العصور وإسهامهم في صنع الحضارة والثقافة في البلاد، مشيرًا إلى أن المجتمع العراقي بمختلف أطيافه حريص على بقاء المسيحيين في بلدهم العراق وعودة المهاجرين والمهجرين منهم إلى البلد بعد القضاء على داعش وبما يؤمن حياةً حرة وكريمة لجميع المواطنين باختلاف دياناتهم وعقائدهم.
وبهذا الصدد أشار رئيس الجمهورية العراقية إلى أن الإرهاب الداعشي لا يمثل أي مكوّن ولا أي معتقد ديني، وإنما هو تفكير إجرامي كان الجميع ضحيةً له، وهو ما ساعد في أن تتوحد كلمة وإرادة العراقيين جميعًا من أجل أمنهم وسلامهم وحرية بلدهم.
من جانبه، تحدث وفد مجلس الكنائس العالمي عن تقديرهم وامتنانهم للدور المهم الذي قامت به رئاسة الجمهورية لصالح أبناء الديانات في العراق وخصوصًا منهم المسيحيون. كما قدّم شرحًا مفصلاً عن مسعى المجلس من أجل المساعدة في تهيئة الظروف الأفضل لبقاء المواطنين المسيحيين في العراق والمنطقة والمساعدة على عودة المهاجرين إلى مناطق سكناهم في ظروف سلام وعدل وحسن تعايش بين الجميع.واعتبر البطريرك الكلداني ساكو أن المرحلة الراهنة تستدعي تحركًا إسلاميًا مسيحيًا مكثفًا لتدارك خطر الخطاب التحريضي خصوصًا ما بعد داعش وتنوير الناس ووضع العقل والمنطق فوق التفسيرات الخاطئة والممارسات الغريبة والشاذة. وفي حين دعا لتصنيف ذلك الخاطب قانونيًا كـ"فعل إرهابي" مهما كان مصدره، أكد على ضرورة تطبيق مصالحة مجتمعية حقيقية واستثمار الانتصارات الأمنية لبناء دولة مدنية ديمقراطية عابرة للطوائف.
وقال البطريرك لويس روفائيل الأول ساكو، إن "مرحلة ما بعد داعش تتطلب تنوير الناس ووضع العقل والمنطق فوق التفسيرات الخاطئة والممارسات الغريبة، وبناء الاعتدال وتعزيز السلم الأهلي من خلال قبول الآخر المختلف وحماية الخطاب الديني والوطني، وإشاعة تعاليم المسيحية والإسلام في المحبة والرحمة والخير والسلام"، عاداً أن تلك "المرحلة تتطلب أيضاً اتخاذ تدابير حاسمة لمكافحة الإرهاب والتجريم الفعلي والمحاسبة القانونية لأنواع التحريض على البغضاء والكراهية والقتل والاستحواذ على ممتلكات المواطنين".
وأضاف إن "التطرف الإرهابي ظاهرةً مخيفةً ومقلقةً في المنطقة والعالم، ومحنةً تصدمنا نحن المسيحيين الشرقيين، وكذلك الأقليات الدينية الأخرى، وليس لنا أن نجابهها سوى بالصلاة والهجرة والحزن"، مبيناً أن "الحاجة أضحت ماسة إلى التركيز على التوعيَّة، وعلى نطاق واسع بأن استخدام المتطرفين والأصوليين الدين كسلاح لخلق الصراعات والحروب هو تقويضٌ للسلام، وزرع الفتنة، وتقسيم الناس، بدل الحفاظ على الدين كقوة مؤثرة لنشر السلام وترسيخ العيش المشترك في المنطقة والعالم".
ورأى بطريرك الكلدان أن هنالك "حاجة لتصنيف قانوني رسمي للخطاب التحريضي العدواني من أي دين كان، على أنه فعل إرهابي مهما كان مصدره"، معرباً عن أسفه الكبير لأن "التطرف المقيت الذي يحرِّض على الكراهية والقتل والدمار والترويج له ودعمه، ما يزال يعدّ عند الكثيرين، كمجرد نوع من ممارسة لحرية التعبير، في حين يجب أن يُعد رسمياً وقانونياً، شكلا آخر من أشكال الإرهاب وجريمة تستوجب العقاب لمنع التلاعب بمفاهيم الدين".
واعتبر غبطته أن "المرحلة التي يعيشها العراق والمنطقة تستدعي تحركا إسلاميا مسيحيا مكثفا لتدارك خطر الخطاب التحريضي خصوصا ما بعد داعش وتنوير الناس ووضع العقل والمنطق فوق التفسيرات الخاطئة والممارسات الغريبة والشاذة"، لافتاً إلى أن هنالك "علامات إيجابية تمثل فرصة حقيقية لإنقاذ شعبنا من التطرف والإرهاب وويلات الحروب، منها إعادة النظر في مناهج التعليم وتنقيتها من سموم الفكر الظلامي والانغلاقي والإقصائي إلى جانب الاعتماد على ثقافة التلاقي والتسامح، ثقافة أكثر انفتاحا ونضجا وحضارة".
وأشاد بطريرك الكلدان ببعض "المؤشرات الايجابية في هذا المجال كبيان المرجعية في النجف الأشرف بشأن مشاركة المسلمين المسيحيين في أعياد الميلاد وإجراءات ديوان الوقف السني في متابعة الخطابات التحريضية والداعية إلى الكراهية والمتضمنة أدعية تلعن الآخرين وتدابير وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كردستان لتحريم الخطاب التحريضي ضد الآخرين ومعاقبة مروجيه مع إجراءات أخرى"، مثمناً "الموقف الحضاري والمبدئي من لدن دولة الإمارات العربية المتحدة التي أصدرت قانونا لتجريم الخطابات الدينية التي تؤجج وتزرع الفتنة وتهدد العيش المشترك".
ودعا البطريرك لويس رفائيل الأول ساكو، إلى "مصالحة مجتمعية بسبب تركيبة العراق الفسيفسائية بثقافات وحضارات ولغات وديانات متعددة، ما يستوجب تطبيق المصالحة المجتمعية الحقيقية كما طبقتها الجزائر ودولة جنوب أفريقيا، بعيداً عن الاصطفاف الطائفي الذي لم يجنَ منه سوى الانفجارات والموت والخراب"، وتابع أن "الوقت حان لاستثمار الانتصارات على تنظيم داهش الإرهابي للتقدم في بناء دولة مدنية ديمقراطية عابرة للطوائف تعتمد المواطنة الكاملة لكل شخص، وتتعامل معه كانسان مواطن بغض النظر عن الدين أو القومية، كما فعلت الدول المتقدمة وحتى بعض الدول الإسلامية ففصلت الدين عن السياسة".
وأكد البطريرك ساكو أن "الدولة المدنية تختلف عن العلمانية التي تتعارض مع الدين"، مستطرداً أن "الدولة المدنية تحترم الدين وقيمه وتشرع قوانين تحافظ على حقوق المواطنة، وتطبقها على الجميع بلا استثناء، تكون قادرة على تدوير الزوايا لبناء نظام يضمن حقوق الجميع ويساعدهم على السير في طريق السلام والمصالحة واستعادة بعض الثقة والأمل في غدٍ أفضل".فهل تلتقي الدعوتان ؟

شارك