" مسكونية الدم" ...مظاهرات وصلوات واصرار على البقاء

الأربعاء 12/أبريل/2017 - 11:25 ص
طباعة  مسكونية الدم  ...مظاهرات
 
مازال الحدث الكبير- تفجير كنيستى مارجرجس والمرقسية -  الذى نجم عن اوجاع ملتهبة في قلوب كل من يمتلك الانسانية حيث اعلنت الكنائس المصرية اقامة صلوات قداس العيد دون احتفلات واستقبال المسئولين للعزاء فقط وشهدت عدة مدن وبلدات في منطقة الجليل والساحل وقفات احتجاجية صامتة على التفجيرات الإرهابية الأخيرة في كنيستي الإسكندرية وطنطا بمصر، يوم الأحد الماضي أثناء الاحتفال بأحد الشعانين، والتي تبنتها منظمة داعش الإرهابية التكفيرية.
ففي شفاعمرو شارك المئات من أهالي المدينة بمسيرة شموع صامتة ووقفة استنكارية حدادًا على ضحايا التفجير، ووقف على رأس المسيرة كهنة الكنائس: اندراوس بحوث، ايلي كرزم، فؤاد داغر، صموئيل زايد ونائل حلو، وإلى جانبهم راهبات المدينة. وتقدمت المسيرة سرية كشافة شفاعمرو المسيحية الأولى وهي تقرع دقات الحزن، كما انطلقت الابتهالات الدينية طوال المسيرة من حناجر المشاركين. وكانت المسيرة قد انطلقت من ساحة كنيسة القديس بولس الانجيلية، وانتهت في ساحة باب الدير.
وشارك في المسيرة عدد من الشخصيات العامة في مقدمتهم رئيس البلدية الأستاذ أمين عنبتاوي، ورئيس البلدية السابق السيد ناهض خازم، ومدير عام البلدية د. كمال شوفانية، والمدير العام السابق السيد عمر الملك، والقائم بأعمال رئيس البلدية السيد نسيم جروس، وأعضاء البلدية: زياد الحاج، د. كميل عزام، زهير كركبي وجريس حنا وأعضاء المجالس الرعوية وممثلي هيئات محلية وجمهور واسع من أبناء المدينة.
كما شهدت مدينة حيفا وقفة تضامنية مع الشعب المصري وأقباطه خاصة، تلبية لنداء كاتدرائية مار الياس للروم الكاثوليك في حيفا، وراعيها الأب أغابيوس أبو سعدى. وشارك فيها المئات من أبناء حيفا من مختلف الكنائس استنكارًا للإرهاب التكفيري الذي أوقع العديد من الضحايا الأبرياء، لدى احتفالهم بأحد الشعانين في كنائس الإسكندرية وطنطا.
كما شهدت قرية عبلين مسيرة رفع شعارات ووقفة احتجاجية انتهت في بيت القديسة مريم بواردي، شارك فيها المطران الياس شقور والاب ميشيل طعمة والاب سابا حاج والاب مضر سلمان ورفع المتظاهرون الشعارات المنددة بالاجرام والارهاب بثلاث لغات.
هذا وتشهد ت مدينة الناصرة مسيرة ووقفة احتجاجية مشابهة وايضا في الاردن 
وعن موقف الفاتيكان بعد ، صلى البابا فرنسيس لضحايا الهجمات الإرهابية في مصر. وقال قداسته: "أعرب عن تعازي العميقة لأخي العزيز قداسة البابا تواضروس الثاني، وللكنيسة القبطية، ولجميع الأمة المصرية العزيزة".
وأضاف: "أصلي من أجل الضحايا والجرحى، كما أنني قريب بالروح من عائلات المتوفين والجرحى والمجتمع بأسره. أدعو الرب أن يغير قلوب الناس الذين يزرعون الإرهاب والعنف والموت، وأيضًا قلوب أولئك الذين يصنعون الأسلحة ويتاجرون بها".
فأقل من ثلاثة أسابيع، في 28 ابريل ، سيتوجه البابا فرنسيس إلى القاهرة في زيارة تستغرق يومين. إنها زيارة مسكونية للإخوة الأقباط الذين هم من بين المسيحيين الذين عانوا الكثير في السنوات الأخيرة. فهي زيارة تحمل في معناها الحوار بين الأديان، حيث سيزور البابا الإمام الأكبر أحمد الطيب في جامعة الأزهر السنية، ويقدم التحيه إلى حوالي ألف مشارك في المؤتمر الدولي للسلام.
إن هجمات علي  الكنائس  قد ألقت بظلال جديدة على الزيارة البابوية المرتقبة، إلا أن الفاتيكان قد أشار إلى أن الرحلة لا تعتبر تحديًا بشكل خاص من وجهة نظر أمنية، علمًا أن معظم لقاءات البابا ستعقد في مواقع مؤسسية وأخرى تتميز بوقوعها تحت السيطرة التامة. كما سيحظى القداس الإلهي الذي سيحتفل به البابا فرنسيس في 29 ابريل  باستاد مغلق في القاهرة مع حوالى ثلاثين ألف مؤمن وسط تدابير أمنية مشددة.
ينتمي الأقباط إلى كنيسة قديمة كثيرة العدد، قادرة على إسماع صوتها والمطالبة باحترام حقوقها. لقد استهدفهم الأصوليون لأنهم، شأن مسلمي الأزهر، قد دعموا الرئيس السيسي الملتزم بالدفاع عنهم. وبالتالي فإن رحلة رحلة البابا فرنسيس، التي تستغرق يومين، ستكون مبنية على "مسكونية الدم"، بسبب الاضطهاد المستمر في الوقت الحالي للمسيحيين من مختلف الكنائس. وسيقدم بابا روما نفسه شقيقًا لبابا الأقباط تواضروس الثاني، وصديقًا للإسلام الذي يدين العنف، بدلاً من أن يقدم نفسه كزعيم غربي جاء لاستدعاء الحماية للجماعة المسيحية.
قال رئيس مجلس الأساقفة في إيطاليا إن "الهجمات ضد الكنائس المصرية الأحد الماضي علامة أخرى للتعصب الشديد الذي يميل لتقويض الحوار ويريد دائمًا تخويف الرأي العام بمختلف البلدان، في أوروبا أو خارجها".
وفي تصريحات على هامش لقاء صلاة لأجل المرسلين الشهداء في مدينة جنوة الإيطالية، أضاف رئيس أساقفتها ورئيس مجلس الأساقفة الإيطاليين، والمجالس الأسقفية لأوروبا الوسطى والشرقية، الكاردينال أنجلو بانياسكو، "نحن قريبون من الضحايا بالصلاة ومن أولئك الذين تضرروا في المجتمع القبطي".
وأكد بانياسكو وفقًا لما نقلت عنه خدمة الإعلام الديني التابعة لمجلس الأساقفة الإيطاليين أن "زيارة البابا فرنسيس لن تلغى، وستكون عزاء كبيرًا لمصر بأسرها"، وعلى وجه الخصوص "للمجتمع القبطي الذي نصلي لأجله". وتابع "كل الأديان الأخرى يمكنها أن تنضم إلى المسيحية لمحاربة ومعارضة دوامة العنف هذه التي ترتدي قناع التدين، لكنها لا تمت الى الدين بأية صلة".
وأشار الكاردينال إلى أن "المسيحيين هدف مستمر (للإرهاب)، ومعرضين بشكل خاص في أماكن صلاتهم وعبادتهم والأماكن الأخرى الهامة بالنسبة لهم"، وأن "الدين المسيحي، كأي دين حق آخر يقوم على السلام والعدل والتسامح". وخلص إلى القول "آمل أن يتأمل العالم وأوروبا بشكل خاص، بالبعد الديني ويدرك قيمته كاملة، ليقيّم من ثم الحاجة إلى تعزيزه الى جانب احترامه"، وذلك "ليس في ظل الميل الطائفي بل القيم الأساسية التي تشكل قارتنا".
 وكتب الاب رفعت بدر مقالة مهمة بعنوان  "الغلبة للإنسانية بإذن الله"
من اختار الهجوم على الكنائس في مصر، يعرف، بلا شك، جيدًا ثلاثة أمور: قدسية هذا اليوم، وسلميته وحميميته. فالشعانين من أقدس أيام السنة، ومن بوّابته يدخل المؤمن المتعبد والصائم على مدى أربعين يومًا، في الأسبوع العظيم، أو المقدس، أو أسبوع الآلام ، ويرفع بخور باكر الشعانين (كما في الطقس القبطي) ويدور حول الصليب المزين بالورود مصليًا وطالبًا صفح الرب الغفور عن كل أخطاء البشر.
ويستذكر أهل الايمان الدخول الظافر للسيد المسيح إلى مدينة القدس العزيزة على الله تعالى، وعلى قلوب البشر الذين ما زالوا ينظرون إليها، بالرغم من آلامها، على أنها المدينة الأقدس في تاريخ البشر. وبين دخول السيد المسيح المقدس، إلى محاولة دخول الإرهابي من بوابات تمنع وجود أي أمر فيه سلاح كراهية وقتل للبشر وأعيادهم، هنالك اختيار خبيث لكي تدمر القداسة وتأتي الذئاب المنفردة، والمجتمعة، لتقتل القداسة والصلاة والصوم والصدقة التي ميزت مسيرة الأربعين يومًا وشكلت أقدس أيام السنة.
والشعانين هو يوم السلام بامتياز، فما يُرفع هو غصن الزيتون وسعف النخل السلمية والتي ترمز الى النصر على الشر وأعوانه وتابعيه. وهو يوم «الريحان والسباسب» على حد قول النابغة الذبياني في بيت الشعر الشهير، حين قال، واصفًا المسيحيين: رقاق النعال، طيبٌ حُجُزاتهم، يُحيّون بالريحان يوم السباسب. والسباسب هو يوم الشعانين، ومحتفلوه هم رقاق النعال، لأنهم يعيشون بكرامة، والحجزات هي منطقة الخصر أو الوسط، وهي دلالة على العفة والطهارة والسلم الذي يميز هذا النهار. وبين طيب الحجزات والأحزمة الناسفة الموضوعة على خصر تلك الذئاب، ثمة رغبة جنونية بإحراق أغصان الزيتون وإزهاق أرواح الداعين إلى المحبة والوئام. وفي كنائس العالم اليوم كانت الحناجر تصرخ مرنمة، بينما الأيدي تلوح بأغصان الزيتون، يارب السلام أمطر علينا السلام.
وهذا النهار، أي الشعانين هو يوم حميم وعائلي بامتياز، فيه تكون العائلة قد حضرت كل ما يلزم لإدخال البهجة وبالأخص لنفوس الأطفال. وكم كان الفرح هذا العام مضاعفًا، حين تصادف التقويمان الشرقي والغربي معًا، فيحل عيد الفصح معًا، نظرًا لأسباب فلكية، والقمر هو الذي وحد فابتهج البشر. ومن اختار هذا النهار لإحداث مآسٍ متتالية، اختار أن تكون العائلات حاضرة في أجواء لا توصف سنوياً، من التلاقي والتآلف العائلي والحميمية، فارتكب هذا الجرم ، لكي يقتل الاجواء العائلية التي تتميز بالمحبة.
وبعد، أما وقد تتالت خطابات وبيانات الإدانة، وكلها تعبر ليس عن المشاعر المسيحية فقط وليس عن التضامن الاسلامي المسيحي، فحسب، وإنما كذلك عن التضامن الانساني الواسع، فاننا نرفع دعاءنا إلى الله العلي أن تكون الانسانية أكثر وحدة وتضامناً ووقوفاً صفاً واحداً في وجه الارهاب والظلام. وصلاتنا الحارة في هذا الاسبوع العظيم لكي يرحم الله العزيز والذي هو على كل شيء قدير، نفوس الشهداء والراقدين بفعل الاعمال الوحشية. ودعاؤنا الخاص كذلك الا تؤثر هذه الأعمال الذئابية على الزيارة البابوية الى «أم الدنيا»، التي أرادها البابا فرنسيس كما يقول شعار الزيارة في نهاية هذا الشهر: «بابا السلام في مصر السلام».
وسلام على مصر وأهلها الطيّبين، والغلبة للانسانية، باذن الله.

شارك