كيف يفكر العقل السلفي؟
الأربعاء 15/نوفمبر/2017 - 03:42 م
طباعة
بداية لابد لنا من الاعتراف بأن الظاهرة السلفية ليست مجرد سلوكيات ومواقف وبعض من الأفكار المتطرفة أو الفتاوى الشاذة التي تخرج علينا ليل نهار نتيجة لفهم متشدد للدين، فالظاهرة السلفية في حقيقتها منهج في التفكير يختلف كثيرا عن تلك المناهج التي اعتمدتها المدارس الفكرية المختلفة. فمثلما اعتمد الفلاسفة على العقل المجرد لدراسة الظواهر المختلفة انطلاقا من ان التفكير هو المصنع الذي ينتج الأفكار، وان الأفكار هي المصنع الذي ينتج المواقف والسلوكيات. نجد ان العقل السلفي يختلف اختلافاً جذريا عن العقل الفلسفي أو حتى الكلامي فكليهما يحاول ان يبذل جهد فكري للوصول إلى الحقائق سواء باعتماده العقل المجرد، أو مزجه بين العقل المجرد والوحي الالهي.، بينما العقل السلفي لا يطيق هذا الجهد، ولا يمتلك الآليات التي تسمح له بذلك، ولذلك نراه (أي العقل السلفي) يعادي كلا من العقلين ويتهمهما بالهرطقة والضلال والزندقة. ويرى العقل السلفي انه لزاما عليه أن يتجرد من عقله وتفكيره وتأمله ليترك لمن سبقوه (السلف) الحرية في ان يضعوا في عقله ما يشاؤون. بإعتبار أن هؤلاء (السلف) كائنات مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، كما يحدث إذا إقترب أحد الباحثين اليوم من البخاري او ابن تيمية على سبيل المثال لا الحصر. فالأسلاف من وجهة نظر هذا العقل لا ينطقون عن الهوى، ولا تعتريهم الأخطاء، وهو بذلك أكثر العقول راحة، لأنه لا يحتاج سوى لمعرفة رجال السلف الذين يأخذ عنهم دينه، ويحفظ ما قالوا ويظل يردده، وبقدر حفظه بقدر تمكنه من الدين والعلم، وهو في هذا لا يحتاج إلى عرض ما ذكروا على عقله المجرد الفطري كما يفعل الناس فالعقل من وجهة نظره ما هو إلا حجاب وقيد يحول بينه وبين الايمان الذي يقتضي الاتباع المجرد. وبهذا يمزج هذا العقل السلفي بين المتناقضات، بين المقدس والمدنسن وبين الحقيقة والخرافة، ولا يشعر بأي تناقض بينهما، لأن دوره هو الحفظ والسماع للرواية، لا التفكير والنقد والدراسة. وما وصفنا به العقل السلفي هنا ليس من عند انفسنا بل هم يذكرونه في كتبهم، فتجد أن السلفي الحق عندهم هو الذي لا يفكر ابدا، حتى انه لا يتدبر القرآن ليستنبط منه الأحكام أو الفوائد، لأن التدبر كان حكر للأسلاف أما الخلف ليس لهم إلا السمع والطاعة لما أمر به وقاله السلف الصالح. فهم لا يكتفون بالكتاب والسنة والرجوع إليهما لضرورة ما لكنهم يشترطون شرطا جوهريا وهو (فهم السلف)، فنحن لسنا أحرار في أن نفهم الكتاب والسنة حسب ما تقتضيه اللغة والعقل ومناهج البحث الحديثة، انما علينا أن نفهم حسب ما يرويه لنا السلف، لأنهم من وجهة نظرهم الأقدر منا على فهم الدين.