وصية بابا الفاتيكان في ميانمار: العدالة

الأربعاء 29/نوفمبر/2017 - 01:48 م
طباعة وصية بابا الفاتيكان
 
في رحلته التى وصفت بالشجاعة حيث منطقة الصراع الملتهبة ببنجلادش يجول رسول السلام البابا فرنسيس بابا الفاتيكان محاولا نزع مكمن الكراهية وغداة وصوله إلى يانغون في ميانمار قام البابا فرنسيس بزيارة مجاملة إلى رئيس الجمهورية في القصر الرئاسي بـ"ناي بي تاو" حيث كان له لقاء أيضا مع مستشارة الدولة أوينغ سو كيي ووزير الخارجية. بعدها توجه البابا إلى مركز المؤتمرات حيث كان له لقاء مع ممثلين عن السلطات الحكومية والمجتمع المدني وأعضاء السلك الدبلوماسي.وقال موقع ابونا الكاثوليكي 
وأكد البابا في كلمته أنه يرغب في يوجه كلمة تشجيع إلى جميع الأشخاص الساعين إلى بناء نظام اجتماعي عادل ومصالح ولا يستثني أحدا. وإذ أشار البابا إلى أن ميانمار تنعم بطبيعة خلابة وبموارد هامة، أكد أن الكنز الأثمن الذي يتمتع به هذا البلد هو الشعبُ الذي عانى وما يزال يعاني بسبب صراعات داخلية دامت لفترة طويلة وولّدت انقسامات عميقة. وشدد على أهمية أن تعمل الأمة على تضميد الجراح في وقت تسعى فيه إلى استعادة السلام. وعبّر عن تقديره للجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة من أجل مواجهة هذا التحدي.
ثم أكد البابا أن عملية بناء السلام والمصالحة الوطنية الصعبة يمكن أن تحقق تقدماً فقط من خلال الالتزام لصالح العدالة واحترام حقوق الإنسان، مذكراً بأن الحكماء والأنبياء قد أثنوا على مبدأ العدالة كأساس لسلام حقيقي ومستدام. ولفت البابا بعدها إلى أن الحربين العالميتين أفضتا إلى تأسيس منظمة الأمم المتحدة وصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كأساس لجهود الجماعة الدولية في إحلال العدالة و السلام وحلّ الصراعات بواسطة الحوار لا بالقوة. واعتبر البابا أن حضور ممثلين عن السلك الدبلوماسي يعكس رغبة هذا البلد في الحفاظ على هذه المبادئ الأساسية، مشدداً على ضرورة أن يرتكز السلام في ميانمار الغد إلى احترام كرامة وحقوق كل فرد في المجتمع، واحترام هوية كل جماعة عرقية على أساس نظام ديمقراطي يسمح لكل شخص بأن يقدم إسهامه لصالح الخير العام.
ولم تخلُ كلمة البابا من الإشارة إلى الدور الهام الذي ينبغي أن تلعبه الجماعات الدينية في هذا المجال مشيراً إلى أهمية ألا يُنظر إلى الاختلافات الدينية كمصدر للتفرقة والريبة لكن كدفعٍ للوحدة والتسامح. واعتبر أن هذه الجماعات الدينية قادرة على الإسهام في القضاء على جذور الصراعات وبناء جسور للحوار وتحقيق العدالة. وإذ أشاد فرنسيس بالجهود التي يبذلها القادة الدينيون على هذا الصعيد وسعيهم إلى مساعدة الفقراء والتربية على القيم الدينية والبشرية الأصيلة، أكد أن هؤلاء يساهمون في تحقيق الخير العام ويضعون الأسس الخلقية الضرورية لمستقبل من الرجاء والازدهار.
هذا ثم شدد البابا على أهمية دور الشبان في صناعة مجتمع الغد لافتاً إلى ضرورة أن يحظى هؤلاء بتنشئة سليمة، ليس في المجالات التقنية وحسب إنما أيضا على صعيد القيم الخلقية والنزاهة والتضامن البشري. في الختام وجه البابا كلمة تشجيع إلى الجماعة الكاثوليكية في ميانمار وحثها على الرسوخ في الإيمان ونشْر رسالة المصالحة والأخوّة من خلال أعمال خيرية تعود بالفائدة على المجتمع بأسره كما عبّر فرنسيس عن أمله بأن يتمكن الكاثوليك ـ وبفضل التعاون مع أتباع باقي الديانات والأشخاص ذوي الإرادة الحسنة ـ من إطلاق مرحلة جديدة من الازدهار والترقي لشعوب هذه الأمة وتمنى للجميع التوفيق في خدمة الخير العام.
وبدأ البابا فرنسيس زيارة حساسة غير مسبوقة إلى بورما حيث استقبله آلالاف في رانغون بملابسهم الفولكلورية، قبل أن يلتقي قائد الجيش الذي أكد "عدم وجود تمييز ديني" في بلاده رغم اتهامه بممارسة "تطهير عرقي" بحق المسلمين الروهينغا.
وأعلن الجنرال مين اونغ هلينغ عبر حسابه على موقع "فيسبوك" أنه أكد للبابا فرنسيس خلال لقائهما "عدم وجود تمييز ديني" في بلاده، و"كذلك الأمر بالنسبة لجيشنا... فهو يسعى من أجل سلام واستقرار البلاد". وأضاف أنه لا يوجد كذلك "تمييز بين المجموعات الاتنية" في بورما.
وعقد اللقاء الذي استمر 15 دقيقة مع الجنرال هلينغ في مقرّ إقامة البابا. ووصف الفاتيكان اللقاء بأنه من باب "المجاملة". وقال متحدث باسم الفاتيكان أن اللقاء تطريق أن الرجلين "تحدثا عن المسؤولية الكبيرة على عاتق سلطات البلاد في هذه المرحلة الانتقالية".
وسيلتقي البابا اونغ سان سو تشي الحاكمة المدنية للبلاد، الحائزة نوبل للسلام، والتي تواجه انتقادات بسبب عدم تحركها في قضية الروهينغا، الذين هرب أكثر من 620 ألفًا منهم منذ أواخر آب من قراهم في راخين إلى بنغلادش من حملة القمع التي يشنها الجيش، ووصفتها الأمم المتحدة بأنها "تطهير عرقي".
وتزيد زيارة الحبر الاعظم التي تستمر أربعة أيام الضغوط على سلطات بورما بشأن معاملة أفراد هذه الأقلية الذين وصفهم البابا بأنهم "اخوتنا" وكرر نداءاته للتخفيف من معاناتهم. ويدرك البابا أن القوميين البوذيين المتشددين يتابعون من كثب تصريحاته خلال الزيارة، وقد نصحه رئيس أساقفة بورما الكاردينال تشارلز بو بعدم لفظ كلمة "الروهينغا" التي تثير غضب البوذيين واستخدام تعبير "المسلمين في ولاية راخين" بدلاً منها.
وحضرت حشود من الكاثوليك الإثنين إلى رانغون لاستقبال البابا البالغ 80 عامًا، ملوحة بأعلام بورما والفاتيكان من المطار وعلى الطريق التي سلكها موكبه. وقالت كريستينا اي اي سين موظفة البنك التي ارتدت قميصًا قطنيًا عليه صورة البابا وكلمتا "السلام والمحبة"، "رأيت البابا. لقد بكيت من شدة فرحي. إنه لطيف وحنون. لقد أتى من أجل السلام".
ويعلق المسيحيون الكاثوليك البالغ عددهم نحو 650 الف شخص ويشكلون نحو واحد بالمئة من سكان بورما الذين يعدون 51 مليونًا، آمالاً كبيرة على الزيارة. وقالت الراهبة جينيفياف مو من ولاية كارين في شرق البلد إن "الناس جاءوا من كل مكان لمجرد رؤيته لبضع دقائق. أنا سعيدة وفخورة بحكومتنا التي أتاحت تنظيم هذه الزيارة".
وبالمثل يترقب الزيارة لاجئو الروهينغا الذين رووا شهادات مروعة عن فظاعات جيش بورما التي تمثلت في عمليات اغتصاب وقتل وتعذيب. وقال إمام المسجد نور محمد البالغ من العمر 45 عامًا في مخيم للاجئين الروهينغا في كوكس بازار الحدودية في بنغلادش انه يأمل أن يقنع البابا مسؤولي بورما بعودة اللاجئين ومنحهم "المواطنة وانهاء كل اشكال التمييز" بحقهم.
وقبل اندلاع أعمال العنف كان يعيش نحو مليون من الروهينغا في بورما، عدد كبير منهم منذ عدة أجيال. ويطلق عليهم البوذيون "البنغاليين" لأنهم أساسًا هاجروا من هذا البلد. وقد أقرت بورما عام 1982 قانونًا يمنعهم من الحصول على الجنسية وهذا جعلهم أكبر مجموعة محرومة من الجنسية في العالم. وهم يتعرضون فيها لشتى انواع التمييز من العمل القسري إلى الابتزاز وحرمانهم من حرية التنقل وقوانين زواج غير عادلة عدا عن مصادرة أراضيهم.
لكن هامش المناورة لدى البابا محدود، إذ يقول ريتشارد هورسي المحلل المستقل المقيم في بورما أن "الغالبية في بورما لا يصدقون الروايات الدولية حول تعرض الروهينغا لفظاعات وحول لجوء مئات الآلاف منهم إلى بنغلادش". وأضاف "اذا أصر البابا على التطرق إلى المسالة، فسيؤجج ذلك التوتر"، وهو ما يخشاه الكاثوليك.

شارك