"حقيقة الحجاب" قراءة نقدية للأيات والأحاديث والأفكار الداعية للحجاب
السبت 06/أبريل/2019 - 11:14 ص
طباعة
سوف تظل قضية الحجاب من القضايا المثيرة للجدل والتى تصدر عنها الكتب بشكل مستمر علي مستوي الكم والكيف ومن بين هذه الكتب كتاب " حقيقة الحجاب " للباحث عبد السميع جميل الصادر عن دار الياسمين وينطلق باحثا عن اراء الفقهاء في هذه القضية حيث يقول عبد السميع " إن وقوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا يأتي من كشفهن او سترهن، بل منشأ ذلك التربية الجيدة أو الخسيسة».
هذا كلام إمام أول بعثة مصرية توجهت من «محمد علي باشا» إلي فرنسا، فقائل هذا الكلام هو الشيخ «رفاعة رافع الطهطاوي» في كتاب «المرشد الامين للبنات والبنين»، وبالمناسبة «الطهطاوي» هذا توفي سنة ١٨٧٣م!
كان هذا الكلام من قرن ونص بمثابة فاتحة لآخرين غيره قاموا بتمهيد الطريق نحو حصول المرأة علي حقوقها كاملة مثل الشيخ «محمد عبده» «وقاسم أمين» و«هدي شعراوي»، ويرجع الفضل لهذه العظيمة الأخيرة في كل الجهود التي جعلت المرأة المصرية تخرج للتعلم والوصول إلي المرحلة الثانوي وحتى التعليم الجامعي، بل والخروج إلي المجال العام للعمل العام وحتى العمل السياسي، حتى جاء الرئيس «عبد الناصر» ليستكمل قائمة تلك الحقوقالخاصة بالتعليم والعمل والزواج والطلاق والحضانة التي استطاعت «هدي شعراوي» استردادها للمرأة المصرية، وأضاف عليها «عبد الناصر» ليكون هو أول من أعطي للمرأة المصرية حق التصويت والترشح للانتخابات والحصول علي الحقوق السياسية كاملة، فقد حصلت المرأة المصرية على حق التصويت مثلا قبل أن تحصل عليه المرأة فى سويسرا!، بل وصلت المرأة المصرية في عهده إلي كل المناصب عملا بمبدأ تكافؤ الفرص.
إذن، هل أدركت الآن لماذا ينشغل الكاتب المصري دائما بقضية الحجاب أم مازلت في حاجة إلي الشرح والتوضيح أكثر من هذا التوضيح والتبسيط الذي يصل تقريبا إلي درجة التسطيح؟ ويطرح الكتاب اسئلة مهمة مثل
لماذا يخفي دعاة الحجاب اليوم أن الحجاب في كتب الفقه رمزا للتمييز والعنصرية وليس رمزا لعفة النساء؟
كيف تزعم كتب التفسير أن «الحجاب» نزل لتلبية رغبات عمر بن الخطاب؟ ويقدم الكتاب هذه الاجابات القوية :تُجمع كتب الفقه علي أن عورة «الإماء» كعورة الرجال «من السرة للركبة»!، فالأمة عندهم في كتب الفقه هي المرأة من العبيد، ويحق لها أن تكشف رأسها وشعرها وصدرها عارية!. صحيح هناك رأيان مختلفان في هذا الأمر عندهم، ولكن حتى هذين الرأيين المختلفين لا يُسلم أحدهما بأن رأس وشعر الأمة عورة يجب عليها تغطيتها!، فالمذهب المالكي والمذهب الشافعي مع: «إِنَّ عَوْرَتَهَا هِيَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا». بينما يخالف المذهب الحنفي هذا الرأي قليلاً، ويرى: «إن عَوْرَتُهَا مِثْل عَوْرَةِ الْحُرَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَحَارِمِهَا». ويري المذهب الحنبلي: «إِنَّ عَوْرَتَهَا كَعَوْرَةِ الْحُرَّةِ». وهو قول نظري علي الورق فقط عند الحنابلة، فالثابت عند المذاهب الأربعة أن الحجاب فرض على النساء الحرائر فقط دون العبيد، بل وممنوع علي العبيد من النساء ارتداء الحجاب من الأصل!، والمؤكد لديهم جميعاً في كتب الحديث والسير أن عمر بن الخطاب كان يعاقب ويضرب الأمة التي ترتدي الحجاب ويقول لها: «أتتشبهين بالحرائر»؟! وهي رواية ثابتة عندهم ومذكورة في الجزء السابع صفحة «127» من كتاب «الطبقات الكبرى» لابن سعد.
إن هذا الكلام ثابت ومؤكد لديهم جميعا، ونحن نعلم أن المسلم العادي اليوم يجهل هذا الكلام ويستنكره ويكاد لا يصدقه، ونحن ندعو القارئ الكريم إن كان من الذين يتبعون شيوخ السلفية الوهابية ويعتبر «ابن تيمية» شيخا للإسلام، أن يفتح فقط الجزء «15» صفحة «448» من كتاب «مجموع الفتاوى» لابن تيمية، الذي يقول فيه نصاً: «قوله (قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) دليل على أن الحجاب إنما أمر به الحرائر دون الإماء؛ لأنه خص أزواجه وبناته ولم يقل: وما ملكت يمينك وإمائك وإماء أزواجك»!.
ليس هذا فقط، بل يقول «ابن تيمية» في نفس الكتاب بوضوح : «الحجاب مختص بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي وخلفائه؛ أن الحرة تحتجب والأمة تبرز(أي تظهر وتكشف)»!. ويحاول «ابن تيمية» تقديم تبريرا لهذا السلوك والفعل العنصري الذي يجعل الدين يميز بين النساء الحرائر والنساء من العبيد والإماء، فيقول ذلك في كتابه «الشرح الممتع- الجزء 2 صفحة 157»: «إنَّ الإماء في عهد الرسول، وإن كُنَّ لا يحتجبن كالحرائر؛ لأن الفتنة بهنَّ أقلُّ، فَهُنَّ يُشبهنَ القواعدَ من النِّساء اللاتي لا يرجون نكاحاً»!. وهي محاولات مهما وصلت إلي درجة من درجات الإقناع عند البعض، إلا أنها تؤكد المأساة ولا تدفعها.
حتى إذا تركنا كلام «ابن تيمية» السلفي الحنبلي هذا وذهبنا بعيداً عنه تماما، فإن جميع المفسرين لآية : «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا». يزعمون أن الآية تأمر بحجاب المرأة الحرة وليس المرأة من العبيد!؛ فالطبري يقول إن الآية تأمر النساء بأن: «لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهنّ؛ لئلا يعرض لهن فاسق إذا علم أنهن حرائر بأذى من قول». وابن كثير هو الآخر يقول: «يقول تعالى آمرا رسوله أن يأمر النساء المؤمنات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء». وإن حاولت البحث في تفسير الصابوني أو الشنقيطى أو السعدي أو الآلوسى أو الشوكاني أو الخازن أو البيضاوي أو القرطبي أو الفخر الرازي أو البغوي أو حتى الشعراوي لن تجد كلاماً مختلفا عن هذا الكلام الديني العنصري!، فجميع التفاسير تكرر نفس الكلام بالحرف، وكلها تفاسير لا تقوم - من وجهة نظري - على رؤية قرآنية سليمة، وإنما تقوم على روايات تاريخية عجيبة وغريبة، فسبب نزول الآية عندهم في «صحيح البخاري» هو ما جاء في الحديث رقم «146» عن السيدة عائشة أنها قالت: «أن أزواج النبي كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع، وهو صعيد أفيح، فكان عمر يقول للنبي: احجب نساءك. فلم يكن رسول الله يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة. حرصا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب»!.
وإذا نظرت إلي هذا الحديث المثير للعجب عند «البخاري» المقدس لديهم، وجدت جملة «فكان عمر يقول للنبي: احجب نساءك. فلم يكن رسول الله يفعل» تجعلك في حيرة متسائلاً: «مَن الرسول بالضبط؛ عمر أم محمد»؟! وكذلك جملة: «فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة». تجعلك في حيرة أكثر وتكاد لا تصدق أن يفعل عمر ذلك ويلاحق زوجات النبي بغض النظر عن أي هدف نبيل أو غير نبيل من وراء تلك الملاحقة، وأيضاً جملة «فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة. حرصا على أن ينزل الحجاب» تزيد من حيرتك أضعافاً – إن كنت إنسانا عاقلاً حراً- وتدفعك إلي عدم تصديق أن عمر كان أكثر حرصاً علي الدين وعلي زوجات النبي من النبي نفسه!، وحتى الجملة الأخيرة في الحديث التي تقول إن عمر فعل ذلك: «حرصا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب». هي في الحقيقة جملة تزيد وترفع مستوي الحيرة والعجب إلي درجة لا تحتمل تصديق أن ينزل القرآن تلبية لرغبة وطلب وأمر وهوي شخص، مهما بلغ هذا الشخص من فضل مثل «عمر بن الخطاب»، فالقرآن يؤكد لنا بوضوح أنه لا ينزل تلبية لرغبة وهوي النبي نفسه، فحين فكر النبي في تحريم بعض الأمور علي نفسه بدون أن ينزل بذلك أوامر من الله، عاتبه الله علي ذلك وأنزل عليه آية: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ». فكيف يزعمون بعد ذلك أن القرآن نزل لتلبية رغبات عمر وفرض علي النساء الحجاب الذي رغبه عمر؟!
هذه إذن تفاسيرهم وأحاديثهم وفقههم ووقائعهم التاريخية التي يعتمدون عليها في تفسير الآية «59» من سورة الأحزاب، فهي الآية الثالثة التي يلجئون إليها في دعوتهم لفكرة الحجاب وغطاء الرأس حين يفشلون في إقناع أحد بالآية الأولي التي تقول: «وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ». والآية الثانية التي تقول: «لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ». وهي آيات قمنا بمناقشتها بالتفصيل في الفصول السابق، وهو ما دفعنا في هذا الفصل لتأمل تلك التفاسير والأحاديث والوقائع التاريخية التي يقدمها هؤلاء للآية الثالثة والأخيرة لديهم في دعوتهم للحجاب، وهي تفاسير وأحاديث - كما رأيت - لا تقنعنا ولا نقبلها ولا نتصور أنها تتسق مع العقل والمنطق وفهمنا البسيط للدين، فنحن نفهم الآية «59» في سورة الأحزاب هذه بعيداً عن تفاسيرهم وأحاديثهم وتاريخهم وفقههم، ونراها لا علاقة لها بالحجاب أو النقاب أو تغطية رأس المرأة أو التمييز والعنصرية بين الأمة والحرة من قريب أو من بعيد!؛ فالآية حينما تقول للنبي محمد صلي الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا». نفتش في الآية فلا نجد فيها أي دعوة من أي نوع لتغطية الرأس علي الإطلاق!، فالأمر في الآية لإدناء وإرخاء الجلباب لأسفل، والجلباب معروف وثابت لدي الجميع أنه لا علاقة له بالرأس، والأمر في الآية لإرخائه وإدنائه أكثر وليس لرفعه إلي أعلي ليغطي الرأس، وليس في الآية أية نوع من العنصرية أو التمييز، فمقطع «ذلك أدنى أن يعرفن» لا يعني أن ذلك تمييز، فالهدف الواضح في الآية من إرخاء وإدناء الجلباب لئلا يعرفن هو عدم الإيذاء، وهي آية لها سياقها وظرفها التاريخي الذي كان يعالج حالة معينة، كما تذهب كتب التاريخ وتقول إن النساء كن يذهبن إلي الخلاء في الصحراء لقضاء حاجتهن قبل أن يظهر الحمام في المنازل، فكان الشباب يتحرشون بهن، فنزلت الآية لمعالجة هذا الوضع بالتحديد فقط، وهي آية في جميع الأحوال لا علاقة لها بالعنصرية كما تزعم كتب الحديث والتفسير، ولا علاقة لها أيضاً بالعفة والشرف كما يزعم دعاة الحجاب هذه الأيام، فكتب الفقه والحديث والتفسير - كما رأيت تؤكد أن الحجاب الذي يتحدثون عنه فُرض بهدف العنصرية والتمييز بين الحرائر والإماء وليس بهدف العف والشرف، فالعفة والشرف مفاهيم أخرى بعيدة عن الملابس، وتحتاج منا مناقشة موسعة