تقرير أمريكي: رغم منافسة داعش.. برجماتية القاعدة الوجه الإصلاحي لـ«الجهاد»
الثلاثاء 02/يناير/2018 - 10:48 م
طباعة


نشر موقع مركز "راند" للأبحاث الأمريكي، تقريرًا مطولًا بعنوان "الوجه الإصلاحي للقاعدة"، للباحث كولين كلارك، الباحث بالمركز الدولي لمكافحة الإرهاب بلاهاي، ناقش فيه الباحث كيفية تجديد التنظيم العجوز من سياسته الدعائية والعمل الداخلي في المجتمعات المحلية، حتى يكسب وجهًا "معتدلًا وإصلاحيًا" لدى السكان المحليين في سوريا، في ظل منافسة داعش لها، التقرير ترجمه بوابة الحركات الإسلامية.
يقول الباحث أن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة قامت خلال عام 2016 بتغيير اسمها عدة مرات، واستحدثت أسماء أشبه بالعلامات التجارية، ليصبح من جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام إلى هيئة تحرير الشام، في محاولة منه لتقديم نفسه كبديل معتدل للمجموعات الأكثر تطرفا العاملة والناشطة في سوريا، بما في ذلك تنظيم داعش الإرهابي.
وعلى الرغم من أن إعادة تسمية نفسها ورؤية خبراء الإرهاب هذا التغيير إنه مجرد خدعة من التنظيم، ولكن في الوقت ذاته استطاع التنظيم على إعادة تغيير صورة القاعدة ذهنيًا لدى المواطنين السوريين داخل سوريا، كان قرار جبهة النصرة في الابتعاد عن التنظيم الأم محسوب بعناية، وذلك في محاولة منه لتصوير نفسه كقوة شرعية قادرة ومستقلة في الحرب الأهلية السورية الجارية، هذا إلى جانب محاولة إثباته أن المسلحين الموجودين في سوريا كرسوا أنفسهم لمساعدة السوريين في نضالهم ضد نظام الأسد، وأخيرا، فإنه سيعطي التنظيم المركزي قدرة من الاستنكار مجريات الأمور داخل الأراضي السرية مما يمهد الطريق له من الحصول على مساعدات عسكرية من الدول الخارجية الداعمة والمتحالفة معه.
ولم يهدر كل من تنظيم القاعدة الأم أو جبهة النصرة في سوريا العام في محاولة الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، ومع نهاية عام 2017، وبعد أن فقد داعش عاصمته في الرقة، يعد تنظيم القاعدة هي الجماعة الوحيدة التي تعتبر قادرة عسكريا على تحدي نظام الأسد على السلطة، وعلى عكس داعش، تعد القاعدة الآن في نظر المواطنين السوريين التنظيم المعتدل وأصبحت تتعاون مع السكان المحليين، كما إنها تمتلك الموارد اللازمة لتوفير مظاهر الحكم.
ورغم أنه مستبعد أن يتم إطلاق لفظ "معتدل" على التنظيم الإرهابي المسئول عن هجمات 11 سبتمبر 2001، ولكن الميل العام في أواخر عام 2017 أظهر أن القاعدة برزت بهدوء كبديل أقل تطرفا لتنظيم داعش داخل الفلك الجهادي، ويمكن أن يفسر ذلك على المدى الطويل السياسة الدعائية للتنظيم التي سوف تتبعها، والتي يمكن أن تشبه إلى حد كبير جماعة حزب الله اللبنانية - وهي جهة فاعلة غير حكومية عنيفة عززت شرعيتها السياسية مع الحفاظ على قدرتها على القيام بأعمال إرهابية واسعة النطاق وممارسة العنف السياسي.
البديل المعتدل
كان أحد الخطوات الأولى التي اتخذها تنظيم القاعدة في تقديم نفسه على نحو أكثر توازنا هو التنديد بالطائفية الصارخة، والعمل على إقناع إحدى الأفرع الرئيسية التابعة لها – القاعدة في العراق – بالتخلص من الطائفية كمبدأ توجيهي، وفي يوليو 2005 كتب أيمن الظواهري نائب أسامة بن لادن رسالة إلى أبي مصعب الزرقاوي زعيم التنظيم في العراق، عنفه فيها عن الذبح الوحشي الجماعي للشيعة، طالبًا منه تجنب استهداف المسلمين الآخرين حتى لا يلحق الأذى بسمعة التنظيم، الأمر الذ تجاهله الزرقاوي، مما عزز من سمعة "تنظيم القاعدة في العراق" كجماعة طائفية عنيفة لا ترحم.
استطاعت القاعدة كتنظيم من إظهار موهبتها البرجماتية أثناء عملها في خضم الحروب الأهلية في بلدان أخرى، ولا تعد سوريا استثناءً، فقد عملت القاعدة في اليمن ومالي بطريقة طفيلية، وذلك من خلال التسلل إلى صفوف الجماعات المتمردة المحلية، يقوم مقاتلو التنظيم المتطرف بتبني مظالم هذه المجتمعات، يدافعون عن أهدافهم الضيقة، وبعد أن ينخرط مقاتلوها مع شبكات المتمردين المحلية الموجودة، تقوم القاعدة بتنشيط جهود الاستقطاب والتجنيد، وتقدم سردا يخلط بين القضايا المحلية وبين فكرها فيما يخص الجهاد العالمي.
من مرونة تنظيم القاعدة قدرته واستعداده الدائمين للعمل مع جماعات أخرى، كما فعل في سوريا، حيث جعل السكان المحليين مسؤولين في المناطق التي يحكمها أو الخاضعة لسيطرته، في حين يتعاون مع المعارضة أو حتى يعين مقاتليه في مواقع أقل أهمية داخل التسلسل الهرمي في الوظائف، ليتمكن فيما بعد من توسيع نطاق نفوذه إلى مرحلة ما بعد الصراع النشط، ويتضح ذلك مثلًا من التعاون التكتيكي المتكرر مع إيران.
أما عن الوضع في سوريا فقد قامت جبهة النصرة، من تعزيز اسم التنظيم (القاعدة/ جبهة النصرة/ فتح الشام/ تحرير الشام)، وذلك من خلال توفير الخدمات المحلية، بما في ذلك المياه والكهرباء، والعمل في الوقت نفسه على دعم المخابز المحلية ومراقبة أسعار المواد الغذائية الأساسية في السوق، وقد أعلنت الجماعة علنًا أنها ستمتنع عن مهاجمة الغرب، حتى لو كانت الوقفة مؤقتة؛ حتى تتجنب القصف الأمريكي لمناطقها، وبالتالي تركيز مواردها المحدودة على الإطاحة بنظام الأسد، وهي الأولوية العليا للجماعات السنية في سوريا.
في الوقت الراهن، يبدو أن إشكالية مفهوم "العدو القريب في مقابل العدو البعيد" استقر عند تنظيم القاعدة منذ فترة، إذ اعترف بأن أكثر نجاحاته عندما ركز على القضايا المحلية بدلا من النضال غير المتنازع عليه مع الغرب.
داعش وسياسة الأرض المحروقة
في الوقت الذي اتبعت القاعدة فيها لسياستها السابقة لتظهر بمظهر التنظيم المعتدل، كان تنظيم داعش على العكس تمامًا من هذه السياسة، إذ اتبع التنظيم الأخير استراتيجية "الأرض المحروقة"، هي إستراتيجية عسكرية أو طريقة عمليات يتم فيها «إحراق» أي شيء قد يستفيد منه العدو عند التقدم أو التراجع في منطقة ما، وقد اتبعتها الجيوش عسكريًا ليس لإحراق المحاصيل أو المؤن، بقدر إحراق كل معارضيها والتخلص منهم بوحشية، الأمر الذي اتبعته داعش ليتسم التنظيم بالطائفية والوحشية والغزو.
انتهج تنظيم داعش الإرهابي النهج الطائفي، حيث استهدف الشيعة وقام بقتلهم بدعوى أنهم "كفار"، وقام بقتلهم بشكل وحشي وقام بتنفيذ عمليات إعدام جماعية من خلال قطع الرأس أمام العامة من السنة، أو اغتصاب فتياتهم ونسائهم، أو التمثيل بجثامينهم، وبدلا من العمل مع الجماعات المسلحة المحلية، تصرف داعش وكأنه على الدوام جيش مستقل ليتجاوز القادة المحليين المتشددين في تلك الجماعات، وبدلا من العمل جنبا إلى جنب معهم، أو من خلالهم، قام بفرض الضرائب على السكان المحليين، وابتزازهم، ومراقبتهم عن كثب من قبل دوريات داعش الشرطية لضمان التقيد الصارم بأوامر وقوانين التنظيم.
وقد انعكس نهج داعش في الحرب على أسلوبه القتالي، حيث اعتمدت الجماعة على الوسائل التقليدية للحرب، بما في ذلك المدفعية والدبابات، إلى جانب بعض التكتيكات غير المتماثلة مثل الأجهزة المتفجرة المرتجلة التي تنقلها المركبات، عندما سيطر تنظيم داعش على رقعة معينة من الأراضي، فإنه غالبا ما يستبدل السكان المحليين بمقاتليه الأجانب - الشيشان والتونسيون والأوزبك - ليتولوا القيادة.
كانت نتيجة هذه السياسة تعرض داعش لقصف قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، خاصة وأن الدعاية المتواصلة التي يقوم بها داعش موجهة إلى الغرب، مما لم يترك الخيار أمام الولايات المتحدة وحلفاؤها سوى مواجهة التنظيم والعمل على تفكيك حلم الخلافة، الأمر الذي بدوره استفادت منه القاعدة إذ انصب مجهود قوات التحالف على داعش مما ترك للقاعدة في سوريا حرية إعادة بناء مصداقيتها وشرعيتها السياسية بين السوريين المحليين.
الشرعية الدائمة
مستقبل تنظيم القاعدة وداعش سوف يتم تعريفه وتحديد معالمه إلى حد كبير من خلال المنافسة بين الاثنين، فداعش يزعم أنه يقود الحركة الجهادية العالمية على مدار السنوات الثلاث الماضية، ولكن الاخفاقات التي يواجهها حاليا تعمل لصالح تنظيم القاعدة بشكل متصاعد وبوتيرة جيدة، إذ استطاعت القاعدة في زرع الدعم الشعبي في محافظة إدلب السورية، وتقبل الآن عودة انضمام مقاتلي داعش السابقين إلى صفوفها، وهو مؤشر واضح على أن استراتيجيتها في الصبر والحرب تؤتي ثمارها، إذ تدرك قيادة القاعدة أن استجابة الجماعة المسلحة لما يسمى بالربيع العربي أصبحت متجمدة، وهي الآن تقوم بتعديل وتركيز مواردها وطاقتها على المخاوف الأبرز للسوريين السنة، وهي استراتيجية ساعدت القاعدة على نشر جذورها في جميع أنحاء الجزء الشمالي الغربي من سوريا.
إن التنافس المستمر سيحدد قدرة كل من التنظيمين في السيطرة على الأراضي، والقدرة على تجنيد واستقطاب مقاتلي التنظيم الآخر، وتهدف سياسة القاعدة باعتماد إظهار إنها الأكثر توازنا وقابلية للتنبؤ للحكم، وذلك بعد كسب الدعم الشعبي، في ظل سعى داعش الدائم إلى تطبيق معاييره بشكل صارم، فإن تنظيم القاعدة أقل صرامة.
وعلى الرغم من فقدان الظواهري للشخصية الكاريزمية، استطاع الظواهري إعطاء التنظيم قدرة الاستمرار، الأمر الذي فشلت فيه الجماعات الأخرى، خاصة وأن القاعدة تعمل على نفسها من خلال حركات التصحيح الداخلية متعلمة من تجاربها التي شابها الفشل في بعض الأوقات، لتسعى بدأب في تعديل الأخطاء السابقة في العقيدة والاستراتيجية.