خاص لبوابة الحركات الإسلامية: الإسلام المسلح.. حوار رؤوف مسعد مع نصر أبو زيد
الخميس 01/نوفمبر/2018 - 01:29 م
طباعة
حسام الحداد
يصدر قريبا في "معرض القاهرة الدولي للكتاب" عن دار ابن رشد، كتاب "الإسلام المسلح"، وهو عبارة عن حوار طويل أجراه الكاتب والروائي رؤوف مسعد وهو مصري مقيم في هولندا مع الدكتور نصر حامد أبو زيد، وقد اختصت دار ابن رشد بوابة الحركات الإسلامية بتصريحات حول الكتاب وأهميته لمناقشة الحالة الاجتماعية والخطاب الديني الذي يمر بأزمة حاليا، خصوصا وأن المحاور "رؤوف مسعد" له وجهة نظر في تأسيسه لبنية هذا الكتاب، ينطلق فيها من موقفين محددين.. الموقف السياسي: حيث كان، ولا يزال، ينتمي سياسيًّا وإنسانيًّا إلى الفلسفة الماركسية والمادية الجدلية.
ولموقف الثقافي: النابع من جذوره المتعددة والمتشابكة، فرعونية وإغريقية ومسيحية، ممتزجة بتراث عربي قبل إسلامي.. قديم. ومعاصر إسلاميًّا - عربيًّا عبر الأدب والثقافة العربية الإسلامية.
كما جاء في كتاب "الإسلام المسلح" على لسان كاتبه: "الصدام "حتمي تاريخيًّا" لأن كل دين، كما يوضح أبو زيد، حينما يظهر لاحقًا بعد دين سابق يعتبر أنه الأكمل و"النهائي" و"الخاتمة"، وإلا لما كان هناك سبب لظهوره من الأصل! كيف يمكن تجنب هذا الصدام وتحويله من عامل توتر واحتقان، إلى عامل إثراء حضاري وإنساني؟ الإجابة، مع الإقرار بأنني لا أنفرد بالحقيقة، هي اكتشاف الزخم الثقافي والإنساني في الأديان، باعتبارها – كما قال أبو زيد أيضا في هذا الحوار - تتحول بعد استقرارها في ضمائر المؤمنين بها لتكون مُنتجة للثقافة.. بصيغة الفاعل. والثقافة هنا بالطبع هي الرؤية الشاملة والمتجددة أبدًا للكون بوصفه كلاًّ لا يتجزأ؛ أي أن علاقة الإنسان بهذا الكون ومشاركته للآخرين من بشر وحيوان وجماد وفضاء، تكون في الوجود في هذا الكون بشكل ديالكتيكي "جدلي" أي حركة ديناميكية متصلة من الأخذ والعطاء بدون استعداء أو عداء
ويقول رؤوف مسعد في مقدمة هذه الطبعة من الكتاب: "في هذا الكتاب أردت أن أشتبك مع الحالة التي تعيشها الحضارة الإنسانية، فبعد مقولات "صدام الحضارات" ومحاولة الإسلام السيطرة على الحضارة الإنسانية وفرض مفاهيم "شرقية إسلامية" على أسلوب الحياة الغربية خاصة.. وظهور أحزاب أوروبية تعتنق خطاب "الإسلاموفوبيا" وتفوز بمقاعد لا بأس بها في برلمانات بلدانها. بالتوازي مع تفجر متفاقم لـ"الجهاد الإسلامي"، بدا لي، من قبل ومن بعد، أن مفكر بحجم ونوعية نصر حامد أبو زيد هو الأجدر على الاقتراب، معنا، من ظاهرة دموية تقلق العالم.
ظاهرة وظفها الحكام الديكتاتوريون، في الشرق العربي والإسلامي، غذوها دومًا، وباعوها ثانية إلى الغرب، لكي يتغاضى عن قمعهم الوحشي لآمال الشعوب الرازخة تحت حكمهم البوليسي.
تغاضى الغرب، الذي يتشدق بالديمقراطية، عن هؤلاء الحكام عقودًا طويلة، كما حدث مع زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر وعلي عبد الله صالح في اليمن ومعمر القذافي في ليبيا. وكلنا نعرف النتائج الوخيمة لهؤلاء، ونتابع ثورات شعوبهم عليهم وضدهم.
خلال هذه الثورات، ظهرت «الجماعة الأم/ الإخوان المسلمين» بتلونات كثيرة ومتناقضة. في مصر، انضمت متأخرة للثورة ضد مبارك، بعد تردد وتلكؤ، الذي كان نظامه يطارد أعضاءها رغم أنهم لم يناوئوه.. ولكن لكي «يبيع» للغرب وللمسيحيين المصريين.. إن النظام البوليسي القمعي ضروري لحماية الغرب والمسيحيين من "إرهاب" الإسلاميين.
لم يمتد حواري مع أبو زيد، بالطبع، لتجربة حكم الإسلاميين في مصر، ولا للثورة عليهم، لكن الحوار يضيء على الظاهرة كلها، ويستشرف سياقات لم تكن قد حدثت حين أجريته، كأنه يتنبأ بها".
وفي رد نصر ابو زيد على سؤال حول تأسيس الإسلام السياسي في عهد الرسول وان الإسلام كان تبشيريا منذ البداية ويريد اقامة دولة باسم الدين يقول: "محمد حينما بعث لم يكن يهدد أو يرسل سيفًا، كان يدعو إلى الإيمان. كان هذا مساويًا لما قام به الرسل "أتباع المسيح" الذين خرجوا من القدس إلى بقاع الأرض يدعون للمسيحية. أي دين في بنيته هو تبشيري.
قلنا إن الإسلام نتاج منظومة اجتماعية سياسية عالمية. أنا لا أنفي أن الإسلام ليس به سياسة. لا يوجد دين ليس به سياسة. المسيح وهو يحطم تجار المال قال: ما جئت إلا بالسيف (إنجيل متى) يعني قوله أنا لم آتِ بالسلام بل جئت بالسيف. ممكن تفسير هذا، دعوة المسيح بالأساس كانت دعوة سياسية بدون شك، ليس هناك دين يطلب من الناس أن يعبدوا الله في الكهوف. كل دين، بما في ذلك الأديان "الأرضية"، هو بالضرورة دعوة للبشر جميعهم.
مسألة السيف.. العرب كانوا يريدون نشر الإسلام. كانوا يريدون الفتح. هذا بالطبع جزء من موقعهم في العالم. فبعد أن أقاموا مجتمعًا، لا مانع أن يقيموا إمبراطورتيهم. على أنقاض الإمبراطوريتين المتهالكتين.
ثمة فرق بين إقامة إمبراطورية وبين نشر الإسلام بالسيف. فنشر الإسلام بالسيف معناه أنه حينما أفتح مدينة، أحارب مدينة، مدينة استسلمت أن أضع السيف فوق رقبة كل واحد. هذا لم يحدث.
أولاً: من يقول إن الإسلام فتح بالسيف يرتكب مغالطة منطقية بين موقف دولة أو مجتمع يريد أن يبني إمبراطورية، وموقف فرض على كل فرد، بالسيف، أن يتحول إلى الإسلام. هذا الفرق البسيط معيب في الخطاب بين المسلمين وغير المسلمين.
ثانيًا: إن معظم العالم الإسلامي لم يتم فتحه بالسيف. لا إندونيسيا ولا أفريقيا الغربية فُتحتا بالسيف. تم الفتح بالتجار والمتصوفة. لكن الإسلام انتشر عبر نماذج فاعلة من المتصوفة والتجار. فلا تستطيع أن تضع القاعدة أن الإسلام انتشر بالسيف.
الفتح الذي تم بالجيوش، هذه سياسات إمبراطورية، لا تستطيع أن تخرج منها الإمبراطورية الإسلامية. أكان من المعتقد أن تبني الإمبراطورية الإسلامية الوليدة نفسها على أسس مختلفة من قوانين تشكيل الإمبراطوريات في العالم وقتها؟
السؤال هنا: هل فُرض على الفرد التحول إلى الإسلام؟
وحول رده عن سؤال ماذا تعني الدولة؟ وما علاقتها بالمجتمع؟ وعلاقتها كبنية مع الوعي الاجتماعي؟ هذه كلها مشكلات يتم تجريدها بشكل ثنائي، حينما يقال: هنا حدث وهنا لم يحدث.
يقول أبو زيد: "أنا أريد التركيز على القوانين الوضعية في المجتمعات الإسلامية والعربية. نحن سلمنا منذ البداية أن هذه المجتمعات تعيش أزمة. هذه الأزمة لها عوامل كثيرة للغاية. ليس هذا تبريرًا لما هو حادث، إنما من أجل الفهم. ما تراه الآن في العالم هو نتيجة عدم الفهم. إما يقال عن المجتمع المتحضر والمجتمع غير المتحضر، الديمقراطي واللاديمقراطي. هذه المعادلة قائمة على عدم الفهم. نحن نريد أن نفهم، لا نريد أن نبرر. أنا غير تبريري. أنا أكبر ناقد لما يحدث في العالم الإسلامي. لكننا في هذا الكتاب – الحوار، نريد إفهام الناس أنه توجد أزمات، وأن هذه المجتمعات لم تتجاوز أزماتها، وأن جزءًا من هذه الأزمات، هو الغرب العلماني، الذي فصل بين الدين والدولة. «الغرب» الذي أقام دولة على أساس ديني هي إسرائيل، وفصل باكستان عن الهند باسم الدين، ولا يزال يعتبر إسرائيل فتى العالم المدلل، وهي دولة دينية بالأساس.
جزء من مشكلات العالم الإسلامي هذه "الحبسة" داخل مفاهيم ملتبسة، وجزء من التباسها الوجود الاستعماري في المنطقة منذ القرن الـ18.
المشكل هنا، كيف يخرج العالم الإسلامي من أزمته؟ ويدخل إلى الديمقراطية ويدخل إلى الحرية؟
العالم غير الإسلامي لا يعطي العالم الإسلامي الأرض التي يتنفس فيها بحرية. يوجد تدخل طوال الوقت، مثل مسألة الجزائر".
ويستطرد نصر حامد أبو زيد قائلا: "لن تخرج الدول العربية من أزماتها بالكبت.. تخرج من أزماتها بتجارب قد تكون دامية أحيانًا. فالقضية هنا إذن ليست قضية دين، إنما قضية مجتمعية، فالدين تصنعه المجتمعات، وليس الدين هو الذي يصنع المجتمعات. بالطبع فالمسألة معقدة. لكن بشكل جوهري، يصنع الناس دينهم.
إذا كان الناس متخلفين، يكون دينهم متخلفًا، وإذا كانوا واعين يكون دينهم واعيًا.
حينما نواصل مناقشة قضايا العالم الإسلامي، باعتبارها قضايا دينية بالأساس، فنحن نساهم في تزييف هذه القضايا. وهذا للأسف الشديد هو الخطاب الكولونيالي الذي لا يزال مستمرًا. لو راجعنا مقولات المؤرخ الفرنسي «أرنست رينو» وزميله "جابرييل هانوتو"، وزير خارجية فرنسا الأسبق، سنجد أن الخطاب الكولونيالي للعالم الإسلامي في جوهره كان بهذه البساطة: "أنت مسلم، فأنت متخلف. تريد الخروج من التخلف، يجب أن تجد حلاً في إسلامك"، أنا أحاول أن أضعه بشكل مبسط. رد الفعل لهذا الخطاب الكولونيالي أنه قادم لي من عدو.
رد الفعل وأنا أقوم بتبسيطه: أجد أن الخطاب الكولونيالي مستمر في مناقشة قضايا العالم الإسلامي لأنها مرتبطة بالإسلام. هل بالفعل أن مشكلات العالم الإسلامي مرتبطة بالإسلام؟ وهل لو جددنا الإسلام فكريًّا، يمكن أن يتطور العالم الإسلامي؟
إن تجديد الفكر الديني موجود منذ محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وصولاً لنصر أبو زيد. لكن المناخ العام مناخ محكوم بآفاق تحتمي بالدين. فالدين حماية عند العامة، لهذا ما أسهل أن نجد مبررًا لكل مشكلات العالم الإسلامي في الدين. وهذا موقف الأصوليين أنفسهم، الذين يرون أن كل مشكلاتهم يقوم الدين بإيجاد حل لها".