خيانة الداخل.. توثيق للإرهاب الإيراني متعدد الوجوه (الجزء الثالث)
الجمعة 21/ديسمبر/2018 - 11:50 ص
طباعة
خيانة الداخل ... (الجزء الثالث)
حسام الحداد
نظرا لإشارة العديد من التقارير إلى تمدد إيران خارج محيطها الإقليمي؛ لتثير العديد من الأسئلة عن نواياها وطبيعة مشروعها ورؤيتها للعالم وللعلاقات الدولية، ففي الوقت الذي ترسل فيه إيران ميليشياتها بمناطق واسعة داخل العالم العربي، وتخوض حرب مناطق ونفوذ، وتتوسع مذهبيا وأيديولوجيًا في أفريقيا، وتنشر أذرعها الاستخباراتية في أمريكا الجنوبية؛ فإنه -بناء على ذلك- تتزايد بالتدريج الحاجة إلى تكوين معرفة حقيقية عن إيران نفسها؛ إيران من الداخل.
ومن هنا نحاول قراءة ما كتبه المتخصصون في هذا الصدد، رغم كثرة الكتابات في الموضوع سوف نركز على مجموعة قليلة من الكتب والتي تفي بالغرض لحد ما، حتى تعطي ولو فكرة عن محاولات ايران التمدد خارج محيطها الإقليمي وتورطها في أعمال التطرف والإرهاب في المنطقة العربية وغيرها.
وقد تناولنا في الجزء الأول (إيران والإخوان المسلمين، و الأيديولوجيا السياسية لعلي خامنئي، و إيران والسياسة الخارجية: خيانة الداخل)، وتناولنا في هذا الجزء الثاني (الخليج العربي ومخاطر الإسلام السياسي الصفوي، إيران دولة الحرس الثوري، إيران والتشيع السياسي، جماعات الضغط الإيرانية في أميركا)
وسوف نتناول في هذا الجزء (فقه الانتظار: توثيق انقلاب الخميني على التراث الشيعي، والحكومة الإسلامية: كتاب الخميني الذي يؤسس لدستور الوالي الفقيه، والسياسة والدين في رحلة تأسيس الدولة الصفوية: يتناول التشابهات والاختلافات بين الدولة الصفوية ودولة الملالي الحالية، والحرس الثوري الاراني راعي الإرهاب في المنطقة والعالم: دراسة تتناول دور الحرس الثوري الإيراني في دعم ورعاية وتدريب الجماعات والميليشيات المسلحة والإرهابية، التجربة الإيرانية.. الواقع والمآلات: حيث يكشف مشروع الأمة الإسلامية لولاية الفقيه).
الحرس الثوري الإيراني راعي الإرهاب في المنطقة والعالم
الحرس الثوري الإيراني
كشفت دراسة من اعداد المكتب العربي الأوروبي للأبحاث والاستشارات السياسية فرع لبنان ، تحت عنوان" الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب" عن تاريخ ونشأة الحرس الثوري والعقيدة التي أسس عليها والمهام الموكل بها ودورهم في الفوضى الخلاقة في عدد من الدول العربية وعلاقته بالجماعات الارهابية في مقدمتها تنظيم "داعش" الارهابي والقاعدة وشبهات حول تورطه في هجمات 11 سبتمبر 2001 بنيويورك وكذلك علاقته التاريخية بجماعة الجهاد الإسلامي التي قامت باغتيال الرئيس أنور السادات بعلم وتنسيق مسبق مع الحرس الثوري وقتئذ.
قالت الدراسة ان للحرس الثوري دور و نفوذ استثنائي في إيران و حضور مميز لا يمكن تجاهله من مختلف النواحي، فهو إلى جانب امتلاكه للقوات البرية و الجوية و البحرية، وامتلاكه أيضا جهاز استخباري خاص به، فإنه يعتبر صاحب الدور الأهم في التصدي لأية حالة تهدد النظام الإسلامي، وحتى أن دوره يبرز في حالات الصراع بين أجنحة النظام وكذلك في التصدي للحركات الاحتجاجية والانتفاضات الجماهيرية، كدوره في انتفاضة عام 2009 للشعب الإيراني و التي شكلت وقتها تهديدا جديا للنظام الإيراني، فنزل الحرس الثوري بين الحشود الإيرانية المنتفضة بملابس مدنية و تمكن من إرباك الانتفاضة و إفشالها و بالتالي جعل قادتها تحت الإقامة الجبرية.
الحرس الثوري و السياسة:
وحول حضوره السياسي في ايران، رأت الدراسة انه على الرغم من كون دور الحرس الثوري ذو طابع عسكري ـ أمني بصبغة عقائدية، لكنه مع ذلك نجح في اختراق الميدان السياسي و سجل دوره وحضوره الذي لم يعد بالإمكان تجاهله، إذ أن وصول العديد من قادته بعد تقاعدهم أو تسريحهم من الحرس إلى البرلمان الإيراني وإن علي لاريجاني، الذي يشغل منصب رئيس البرلمان، خير مثال على ذلك بالإضافة إلى محمود أحمدي نجاد الرئيس السابق، بمعنى أن الحرس الثوري قد تمكن من الوصول إلى رأسي السلطتين التشريعية و التنفيذية، هذا ناهيك عن مسٶولين کبار في الوزارات أو مختلف مرافق الدولة، وهم بذلك يشکلون قوة سياسية لها اعتبارها ولا يمکن الاستهانة بدورها و حضورها.
الحرس الثوري و الاقتصاد الإيراني:
وللحرس الثوري دور و حضور قوي و فاعل في مجال الاقتصاد الإيراني، فله دور اقتصادي فاعل من أقصى إيران إلى أقصاها، إذ أنه بالإضافة إلى کونه اللاعب السياسي والأمني الأول في البلاد فإنه کذلك أيضا في الجانب الاقتصادي.
بحسب المعلومات الواردة في التقارير المختلفة المتعلقة بدور الحرس الثوري في مجال الاقتصاد الإيراني، فإنه وعلى سبيل المثال، فإن"مقر خاتم الأنبياء"، وهو الجناح الاقتصادي للحرس الثوري، يعتبر أکبر مقاول في إيران، حيث يضم 812 شرکة في إيران و خارجها، وله أسهم کبيرة في عدد من البنوك و المصافي و مصانع السيارات و البتروکيمياويات و الألمنيوم والصناعات البحرية وصناعة الجرارات والصلب والحديد ومصانع الأدوية والمطاحن وشرکات الحفر و الصناعات الغذائية.
وخلاصة الأمر، فإن الحرس الثوري، يعتبر بمثابة الشريان الأبهر لقلب نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا يمکن لهذا النظام أن يستمر فيما لو جرى شيء غير عادي له.
الحرس الثوري والتدخلات في المنطقة:
للحرس الثوري جناح مختص بالنشاطات الخارجية له، هو "فيلق القدس"، وليس هناك أي جدل بشأن الدور غير العادي لهذا الجناح في العراق و سوريا واليمن و لبنان، وهذا الدور قد يکون مباشرا کما في الحالتين السورية والعراقية أو يکون غير مباشرا کما في الحالتين اليمنية و اللبنانية، کما أن قائد هذا الجناح "الجنرال قاسم سليماني"، له دور و حضور کبير على مستوى البلدان الأربعة، ولا ننسى بأنه قد أطلق عليه لقب "الحاکم المطلق للعراق و سوريا ولبنان"، وهو بحسب ما تشير أوساط سياسية واستخبارية وإعلامية مطلعة، صاحب القرار الأهم في سوريا و العراق لبنان، وإن التدخلات الإيرانية التي يکثر الحديث بشأنها، إنما جرت وتجري على يد هذا الجناح وتحت إشراف و توجيه قائده سليماني.
دور الجناح الخارجي للحرس الثوري، و المتمثل في تصدير التطرف الديني و الإرهاب إلى دول المنطقة والسعي لفرض الحالة الإيرانية وسحبها على دول المنطقة وخصوصا تلك التي يتواجد فيها الشيعة، وإن تشکيل أحزاب و ميليشيات و منظمات من جانب فيلق القدس و الإشراف على تدريبها وإعدادها عسکريا و عقائديا، کما کان يجري في العراق إبان فترة ولايتي نوري المالکي، رئيس الوزراء العراقي السابق، حيث کان يتم إرسال الکثير من الذين تم إعدادهم و تدريبهم إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات نظام بشار الأسد.
الحرس الثوري وعلاقاته مع التنظيمات الإرهابية:
للحرس الثوري الإيراني، وبناءً على العديد من المعلومات المتباينة، علاقات وطيدة و حتى متميزة مع العديد من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، مثل تنظيم القاعدة و حرکة طالبان وتنظيم داعش بشکل خاص، کما کانت له علاقات قوية مع المجموعات التکفيرية مثل حرکة الجهاد الإسلامي في مصر ، التي قامت باغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات بعلم وتنسيق مسبق مع الحرس الثوري وقتئذ.
أما مع حرکة طالبان، فقد تم إطلاق الکثير من التصريحات الرسمية من جانب مسٶولين أفغان يطالبون فيها إيران بالکف عن دعمها وتنسيقها مع الحرکة، الذي جرى و يجري عن طريق الحرس الثوري، علما بأن الحرس الثوري نفسه کان رتب الأمور، أيام کانت حرکة طالبان تحکم أفغانستان للإطاحة بها من أجل تحقيق أهداف خاصة له.
ورات الدراسة في ختام عرض موجز لتاريخ الحرس الثوري ودوره في الفوضي بالدول العربية، أن للحرس الثوري الإيراني دور بالغ الخطورة تعدى وتجاوز الحدود الإيرانية منذ بدايات الثورة، وهو اليد المدبرة للتدخلات السافرة في المنطقة وکذلك مختلف النشاطات المشبوهة التي تٶثر سلبا على الأمن والاستقرار ولاسيما عندما تتطلب الأوضاع في إيران ذلك، ولا يمکن للمنطقة أن تنعم بالهدوء من دون إنهاء تدخلات الحرس الثوري الذي يعتبر القوة الأولى الأهم في إيران، وإن إدراجها في قائمة التنظيمات الإرهابية يخدم السلام و الأمن و الاستقرار في المنطقة، خصوصا وأنه وکما أسلفنا يمثل الشريان الأبهر لقلب نظام الجمهورية الإسلامية الايرانية، وإذا ماتم قطع هذا الشريان فإن النظام کله يصبح في مواجهة خطر مصيري.
"فقه الانتظار".. كتاب يوثق انقلاب الخميني على التراث الشيعي
فقة الانتظار
حيث تناول في المقدمة، تاريخ الفكر السياسي الشيعي منذ عهد الأئمة ونشوء المرجعية الشيعية، مرورًا بعهد الصفويين والقاجاريين والبهلويين، وحتى ظهور نظرية «ولاية الفقيه» على يد «روح الله الخميني»، وتطبيقها على أرض الواقع في الدستور الإيراني الصادر عام 1979، والذي كرس هيمنة المرشد الأعلى على السلطة.
وأوضح «الصياد»، أن منهج «فقه الانتظار» ظل معتمدًا لدى الطائفة الشيعية، حتى تمّ تغييره والقفز عليه على يد «الخميني»، و«محمد الشيرازيّ»، مبينًا أن ذلك شكل انقلابًا في الفكر السياسي الشيعي المتوارث تاريخيًّا، مسلطًا الضوء على أبرز مدرستين تاريخيتين تبنتا فكرة الانتظار السلبي ورفض الانخراط بالعمل السياسي، وهما المدرسة الإخبارية، والمدرسة الأصولية الانتظارية، واللتان اتفقتا على ضرورة تجنب رجال الدين مسالك السياسة.
وأكد الكاتب، أن المدرسة الإخبارية تؤمن بالفقه التقليدي الشيعي، المتوارث منذ نشأة الحوزة، وهو الفكر السياسي الشيعي المعتمد؛ فلا يؤمن الإخباريون بالسياسة ولا يملكون طرحًا سياسيًّا، بل يعتقدون أنّ الشيعة غير مكلفين بإقامة دولة طيلة غياب الإمام المعصوم (الإمام المهدي)، وأنه المكلّف بإقامة الدولة وحده، لأنه منصب من الله بالاسم والتعيين، ومن ثمّ سيعدل بين الرعية ولن يمارس ظلمًا وجورًا.
وتتشارك الأصولية الانتظارية مع المدرسة الإخبارية في ذات الطرح، والأمر المشترك بين الفريقين يكمن في الناحية السياسية فقط، لأنهم في الدرس الفقهي والحوزوي مختلفون غاية الاختلاف، وخاصة في أصول الاستنباط وموارده.
وتنقسم الأصولية الانتظارية بدورها إلى فريقين: الفريق الأول هو الأصولية التقليدية الانتظارية، وهي التي تمثلها حوزة النجف، وجناح من حوزة قم، وبعض فقهاء الشيعة في مواطن مختلفة، وهذا الفريق لا يؤمن بالعمل السياسي مطلقًا، وهو ما يتوافق مع المدرسة الأخبارية الأمّ.
أما الفريق الثاني، فتمثله الأصولية الانتظارية الإيجابية، وهي التي تمردت على الأصوليتين: التقليدية الانتظارية، والتقليدية الحركية الممثلة في «ولاية الفقيه»، وقرأت الانتظار قراءة إيجابية، فسعت إلى قيام دولة في ظل غياب «الإمام المعصوم»؛ لكن الدولة وفقًا لرؤيتهم ليست دينية، بل هي مدنية دستورية تحفظ حقوق الجميع، حتى ظهور «المهدي»، وهي بهذا الطرح تعادي أصحاب نظرية «ولاية الفقيه»، وأتباع الحوزة التقليدية الانتظارية بشقيها الأصولي والإخباري.
ويمثل الأصولية الانتظارية الإيجابية، منظرو الثورة الدستورية التي قامت عام 1906، وروافدهم حتى اليوم، بدء من الميرزا النائيني، ومرورًا بموسى الصدر، وشريعتمداري، وحتى حسين فضل الله، ومهدي شمس الدين، وتيار العلمانية المؤمنة.
وركز «الصياد»، على النظرية السياسية لـ«الشيرازية»، موضحًا سبب ابتعادها عن ولاية الفقيه الخمينية، وتأسيسها لنظرية «شورى الفقهاء» التي تقلق السلطة الإيرانية حتى اليوم.
وألقت الفصول الأربعة الأولى من الكتاب، الضوء على الخلافات بين الفرق الشيعية، واقتصر الفصل الخامس على مناقشة فكرة «المهدوية» كعقيدة يتجاذبها الشيعة، ويوظفونها دينيًّا أو سياسيًّا، وكيف أثَّر ذلك على البيئة الدينية والسياسية الإيرانية؟ وتناول الفصل السادس موقف النظام الإيراني من تلك التيارات، وموقفه من المراجع المعارضين للنظرية الخمينية كافة، ليطرح في النهاية تساؤلات عن مدى قدرة تلك التيارات على إحداث تغيير جوهري في الحياة الدينية والسياسية الإيرانية.
"الحكومة الإسلامية».. دستور الولي الفقيه
الحكومة الإسلامية
تنطلق التدخلات الإيرانية من أسس أيديولوجية وفكرية صاغها المرشد الإيراني الأول "روح الله الخميني" في كتابه «الحكومة الإسلامية»، الذي نظم فيه أطروحته الفكرية حول نظام الولي الفقيه والثورة.
وكتاب «الحكومة الإسلامية» هو المرجعية الأيديولوجية الأولى للثورة الإيرانية، ومن بعدها النظام الإيراني القائم على تولية فقهاء الدين مقاليد الحكم والسياسة في الدولة، ويرجع تاريخ تدوين الكتاب إلى العام 1969، حين كان "الخميني" منفيًّا في مدينة النجف، ملقيًا محاضراته على طلاب الحوزة العلمية في المدينة.
واستهل الكتاب بمقدمة شاملة دسمة لخصت تقريبًا أبرز المحاور الفكرية الجدلية، التي تناولها الفكر الإسلاموي خلال العقود الأربعة الأخيرة، بداية من محاولة علاج حالة الفجوة الحضارية الكبيرة بين المسلمين والغرب، مدعيًا أن الاستشراق والاستعمار الغربي عمل على تجريف الحركة الإسلامية، وإخماد طابعها الثوري عبر ادعاءات عديدة، منها أن الإسلام لا علاقة له بالحكم والسلطة، وهو ما يُعدُّ مغايرًا تمامًا للشرائع الدينية التي أولت اهتمامًا بالسياسة وتنظيم الشؤون الاجتماعية أكثر من تنظيم العبادات.
وتناولت افتتاحية الكتاب أيضًا مفهومي «الحاكمية والجهاد في الإسلام»، فأوضحت المقدمة أن «الحاكمية» في الإسلام لله سبحانه وتعالى، في مقاربة كبيرة مع فكر سيد قطب، أما مفهوم «الجهاد» فأوضح «الخميني» أن الاستعمار عمد إلى إبطال مفهومه لدى نفوس المسلمين المعاصرين، رغم أن الأئمة السابقين كانوا لا يترددون في سل سيوفهم للجهاد في سبيل الله.
وتناول الكتاب ثلاثة محاور رئيسية تُنَظّر وتؤدلج لمفهوم الدولة الإسلامية في الفكر الشيعي، وهي كالتالي:
أولًا: ضرورة الثورة السياسية:
تُعدُّ الثورة السياسية من الأفكار التي طرحها الكتاب، محاولًا إضفاء بُعد شرعيّ على الثورات السياسية، واصفًا الحكومات غير الإسلامية بالكفر والطاغوت، فكل نظام لا يُطبق الشريعة الإسلامية يعتبر نظامًا كافرًا وطاغوتًا يجب إزالته والقضاء عليه، بحسب زعمه.
واشتبك الكاتب مع مفهوم الطاعة ومسألة الخروج على الحاكم؛ حيث أكد وجوب الخروج على الحاكم الكافر الذي لم يحكم بما أنزل الله تعالى؛ لذا على المسلمين مسؤولية إزالة هذا الطاغوت.
وأدخل «الخميني» معظم الحكومات في الدول الإسلامية دائرة الشرك والطاغوت، ولفت لأهمية الخروج عليهم وإزالة حكمهم؛ حيث أوضح أن الحكم السائد اليوم في تلك الدول هو حكم ملكي أو سلطنة، والإسلام لا يعرف الملكيات أو السلطنات.
والدولة الإسلامية دولة شاملة للمسلمين كافة، ويكون الحكم فيها غير وراثي، وأن الحاكم ليس ملكًا أو سلطانًا، إنما ميسرٌ لتطبيق شؤون الدين والشريعة وتدبير أحوال العباد والبلاد، وذلك عودة للسيرة الأولى في عهد خلافة الإمام علي، قبل أن تنقلب إلى ملكيات وراثية في عهد الأمويين والعباسيين، بحسب الكاتب.
ويرى «الخميني»، أنه لتوحيد المسلمين ينبغي أولًا العمل على إسقاط الحكومات العميلة للغرب والاستعمار والقضاء عليها؛ حتى يتمكن المسلمون من تحقيق وحدتهم المزعومة وتشكيل الحكومة الإسلامية التي تُطبق الشريعة الإسلامية وترعى مصلحة المسلمين في الأرض، ولتحقيق تلك الغاية -إسقاط الحكومات العميلة- ينبغي على العلماء المسلمين أخذ راية النضال والمقاومة ضد المستغلين؛ حتى يتحقق العدل، ولا يكون في المجتمع المسلم سائل أو محروم.
ثانيًّا: الحاكم في زمن الغيبة:
في البداية تطرق الكاتب إلى شرعية الحكومة الإسلامية، فأكد أن الدولة الإسلامية الأولى هي التي أسسها الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وتطرق إلى الدور السياسي والإداري للرسول؛ حيث كان يرسل الرسل والسفراء وقادة الجيش، ويُعين الولاة والقضاة في دولته الإسلامية الوليدة، بل عمل على استخلاف خليفة المسلمين من بعده.
أي أن الدين الإسلامي جاء بحزمة من الشرائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ينبغي تطبيقها، فالإسلام دين مستمر لكل عصر وزمان، ولا ينبغي تعطيل أحكامه وحدوده لأي سبب من الأسباب، حتى ولو كانت هناك غيبة للإمام، فلا يجوز الارتكان إلى عدم وجود الإمام وغيبته في إهمال وإسقاط الشرائع الدينية، كالزكاة والدفاع عن ثغور الأمة.
أحدثت تلك الفكرة انقلابًا فكريًّا حادًّا في الفكر الشيعي السياسي، الذي أسقط فرضية الحكم والسياسة منذ الغيبة الكبرى للإمام، حتى جاء «الخميني»، وانتقد إهمال المرجعيات الدينية الشيعية لمسألة الحكم والسياسة، والثورة على الحاكم الطاغوت، وهو ما لاقى جدلًا واسعًا في تلك الفترة ما بين مؤيد ومعارض لفكرة «الخميني».
ثالثًا: دولة الفقهاء:
أما المحور الثالث الذي تناوله الكتاب فكان عن أحقية الفقهاء والمرجعيات الدينية في تولي السلطة والإدارة في الدولة، فـ«الخميني» أقرَّ في الكتاب أحقية العلماء والفقهاء، دون غيرهم من فئات المجتمع المسلم في تولي السلطة والحكم في الدولة الإسلامية المنتَظَرة، كما حدد «الخميني» في كتابه شرطي تولي الحكم، وهما: «الإدراك الكامل للقوانين الإسلامية، وعدالة الحاكم في تنفيذ القوانين الإسلامية».
وذلك من منطلق أن الفقيه هو الأكثر دراية بالقوانين الإسلامية، والأكثر عدالة في تنفيذها، فالفقهاء هم أمناء الرسل في قيادة الجيش وإدارة المجتمع، مؤكدًا أن ندرك ولاية الفقيه هنا ولاية اعتبارية وظيفية، وليست مرتبة دينية يرتقي خلالها الفقهاء إلى منزلة الرسل والأئمة، زاعمًا أن الفقهاء منوط بهم تطبيق الشريعة والأحكام الإسلامية، وعدم تعطيلها لأي سبب من الأسباب، حتى ولو كانت هناك غيبة كبرى للإمام.
التجربة الإيرانية (الواقع والمآلات)
التجربة الإيرانية (الواقع والمآلات)
كتاب يكشف مشروع الأممة الإسلامية لولاية الفقيه
التجربة الإيرانية: الواقع والمآلات” من أهم الدراسات البحثية الصادرة عن مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، يخوض الباحث عبد الستار الراوي من خلالها في تفاصيل دقيقة عمّا يسمى “الثورة الإسلامية الإيرانية”، ويشرح من خلال دراسته النقدية في تشكيل الحكومة الإسلامية (الإيرانية) ورسائل ولاية الفقيه وتصدير الثورة الإسلامية (الخمينية).
يصف الإمام الخميني مشروعه السياسي، قبل أربعين عاماً، بأن حاكمية الفقيه تسعى إلى تثبيت النظام الإلهي في الأرض، وبسط العدالة بين الناس، وإنقاذ المستضعفين في العالم من شرور وظلامة المستكبرين، ومن هذا المنطلق يواصل منظرو الولاية الدينية نداءاتهم اليوم، فيدعون العالمين: أهل المشرق والمغرب إلى إقامة "الجنة الإيرانية" من أندونيسيا إلى الدار البيضاء، بحسب ما ذكر الدكتور عبد الستار الراوي في مقدمة كتابه.
ويرى الباحث الراوي أن التجربة الدينية لولاية الفقيه الممتدة لسبع وثلاثين سنة هي خلاف لما روجه الإعلام الإيراني، فهي ليست أكثر من مجرد ثورة من المراسيم والطقوس والنداءات التعبوية الصاخبة التي تنمو وتذبل وتسقط أوراقها واحدة تلو الأخرى.
واوضح الباحث ان السنوات السبع والثلاثون الفائتة من عمر التجربة الدينية، حاولت فرض نوذجها الأيديولوجي علي الوطن العربي، عن طريق تصدير الثورة المسلحة، فدشنت ايامها الأولي بالحرب مع العراق، وعادت عام 2003 مرة اخري بالمقاصد والغايات ذاتها، لتجعل من الأقطار العربية قواعد تصدير لثورتها، فتشعل الحرائق في لبنان والعراق وسوريا واليمن، وتنطلق منها في تنفيذ مشروعها السياسي ضد أمن وسلامة الخليج العربي، بحثا عن مجال حيوي توسيعا لرقعة "ولايتها السياسية".
واشار الكاتب الي مبدأ "ولاية الفقيه" ومكانتها في الدستور الإيراني، مما يجعلها الأمر الناهي في موقف او قرار أو رأي يتعلق بالأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، فالولي الفقيه "المرشد الأعلي" هو إمام الزمان وإمام المكان معا، وتنتهي بين يديه كل الحدود وببركاته تنهض الحياة.
ويرى الباحث أن هناك ثمة اشكاليتان في قراء العقل السياسي الإيراني، الاولي: إن الفكر الثيوقراطي يتقوقع داخل منظومة قيمية من المطلقات الميتافيزيائية مقررة سلفا يمليها منطق ذاتي محض، طبقا لـ"إلهامات" المرشد الأعلى التي يستمدها من قداسة موقعه بوصفه نائب الإمام الغائب، لذلك تبدو التجاوزية العابرة للزمان والمكان في الكثير من المواقف المفارقة للواقع.
والإشكالية الثانية من وجهة نظر الباحث هي، تبدي في المتغير الذي أحدثه الملف النووي في العقل السياسي القائد، بإعلانه أن بلاده أصبحت الدولة الإقليمية الأولي، فبات من الصعب التنبؤ بخطط طهران وأهدافها، وهي تغيرات آليات عملها من أسلوب إلي أسلوب أخر، ومن وسيلة لأخري بصرف النظر عن كون هذا الفكر أو النداءات أحادية، ذاتية، ماورائية، فإن ولاية الفقيه في ترتيباتها الفكرية ونظامها الهرمي وسلطتها المطلقة، تحرص علي تأكيد اتساق نظريتها في ادارة الدولة وعلي تماسك بنيتها الفكر والعمل، ومن الثورة إلي الدولة ومن التجربة المحلية إلي الولاية الأممية.
وخلص الباحث إلي أن إيران تسعي عبر مراحل أربعة لتطبيق مشروع الأممية الإسلامية، حيث يري ولي الفقيه أن ايران هي دولة الإسلام الشرعية الوحيدة في هذا العصر.
والأربع مراحل التي يتركز مشروع الأممية الإسلامية، هي المرحلة الأولي اقامة حكومة اسلامية في ايران يكون الفقيه مسؤولها الاول.. وهي الحكومة الاسلامية الحقيقية ومن لا يتبعها يكون قد خالف الله.
المرحلة الثانية للمشروع الأممية الإسلامية تأتي عقب الانتهاء من إقامة وتوطيد أركان الحكومة الإسلامية تحت قيادة القائم بالأمر الإمام الخميني، يتوجب علي جيش الجمهورية الإسلامية القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإطاحة بالحكومات الطاغوتية الراهنة في الدول الإسلامية واحدة تلو أخري وعند التمين والقضاء عليها واسقاط طواغيتها يتم عندئذ تشكيل حكومة اسلامية واحدة للعالم .
والمرحلة الثالثة لمشروع الأممية الإسلامية، يأتي بعد تأسيس حكومة اسلامية واحدة ومن ثم تأتي مرحلة افتتاح وغز البلدان الأخرى، ونشر الشريعة الاسلامية في جميع أنحاء العالم.
والمرحلة الرابعة تتشكل في العمل علي استمرار دعائم حكومة العدل الإسلامي في جميع انحاء العالم ويتم ذلك بحد السيف.
السياسة والدين في مرحلة تأسيس الدولة الصفوية
السياسة والدين في مرحلة تأسيس الدولة الصفوية
يتناول الباحث علي إبراهيم درويش في كتابه هذا علاقة "الشاهات" برجال الدين في الدولة الصفوية: هل كانت علاقة استتباعية أم علاقة ندية؟ ما كانت مواقف العلماء؟ هل كانت موحدة أم متعددة؟ وترتسم هذه الأسئلة وغيرها حين مراجعة تاريخ الدولة الصفوية، لكنها تصبح أكثر إلحاحاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، ورواج عقيدة "ولاية الفقيه" جراء ذلك.
فقد ظهرت الدعوة الصفوية في القرن السادس عشر متخذة المذهب الإمامي الإثني عشري مذهباً رسمياً، وعاشت في إيديولوجية "الدولة الغاصبة لحق الإمام الغائب" واستمرت الدولة الصفوية حتى القرن الثامن عشر.
وطبقت في الدولة الصفوية نظام الحاكمية أو ما عرف لاحقاً "بولاية الفقيه". وهذا الوضع ترك أثراً في المجالين السياسي والاقتصادي. وهكذا بدأت الدولة الصفوية وسيطرت على بلاد فارس عندما حكم الشاه اسماعيل الأول وابنه طهماسب (1578-1501)م، وانفرد الصفويون باتباع المذهب الإثني عشري وتحول إسماعيل من شيخ إلى شاه.
وقام الشاه إسماعيل بمقاطعة خليفة المسلمين، وأعلن بدلاً منه خليفة شيعياً إمامياً هو الإمام الثاني عشر (المهدي المنتظر) والذي تمارس المراجع سلطتها بالنيابة عنه، ويعرف المرجع بـ "نائب الإمام".
وعندما نقارن الآن بين الدولة التي فرضها الشاه اسماعيل الأول في مطلع القرن السادس عشر، وبين الدولة التي أقامها الخميني في عام 1979م نجد أن هناك عدة نقاط مشتركة، وهي:
أولاً- تشترك الدولتان في أنهما قامتا بعد ضعف وانقسامات شهدتها الساحة السنية، فقد قامت دولة إسماعيل الأول بعد سقوط الخلافة العباسية، وصراع الأمراء المسلمين في العراق والشام، وكذلك جاءت دولة الخميني بعد سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وتقسيم المنطقة إلى دويلات متعددة، واصطراع دائم بينها.
ثانياً- تشترك دولتا الشاه إسماعيل الأول والخميني في أنهما تتطلعان إلى التوسع باتجاه البحر المتوسط، فلم تصل دولة إسماعيل الأول إلى البحر المتوسط بسبب وقوف الدولة العثمانية في وجهها، ولكن دولة الخميني وصلت إلى البحر المتوسط عندما سيطرت على العاصمتين: بيروت ودمشق بسبب عدم وجود دولة تصدها وتقف في وجهها.
ثالثاً- تشترك لدولتان في أنهما استفادتا من شيعة جبل عامل، فقد استقدم الشاه إسماعيل الأول رجال دين من شيعة جبل عامل ليعضد بهم قوته داخل إيران، كما استفاد الخميني من شيعة جبل عامل في إنشاء حزب الله الذي كان أكبر أداة في يده للسيطرة على بلاد الشام.
رابعاً- تشترك الدولتان في أنهما قامتا على استخدام الغزو والقتال في توسيع نفوذهما، فاستخدم الشاه إسماعيل الأول الغزو أداة رئيسية في مواجهة القبائل والشعوب المحيطة من أجل إخضاعها وتشيعها.
راسل الشاه إسماعيل الول الأسبان والبرتغاليين وتعاون معهم، كما راسل الخميني الرئيس الأمركي ريغان وتعاون مع إسرائيل في حربه على العراق 1980-1988
كما استخدمت دولة الخميني الميليشيات في توسيع سيطرتها، فقد أنشأت عصائب الحق والنجباء في العراق، كما انشأت مليشيات "الفاطميون"، و "الزينبيون" في باكستيان وأفغانستان، و "الحوثيون" في اليمن.
خامساً- تفترق الدولتان في أن دولة الشاه إسماعيل الأول تصدت لها الخلافة العثمانية في اسطنبول من لحظة قيامها وهددت وجودها عددة مرات، احتلت عاصمتها تبريز كما فعل السلطان سليم الأول عام 1514م، ولكن دولة الخميني لا توجد دولة تتصدى لها، لذلك استطاعت أن تنجح في احتلال أربع عواصم حتى الآن وهي: بيروت، بغداد، دمشق، صنعاء.
سادساً- تشترك الدولتان في أنهما تخدمان عدو الأمة الخارجي، وتتعاونان معه، فقد ثبت أن الشاه إسماعيل الأول راسل الأسبان والبرتغاليين وتعاون معهم، كما راسل الخميني الرئيس الأمركي ريغان وتعاون مع إسرائيل في حربه على العراق 1980-1988 والتي فضحتها قضية كونترا-غيت كما ساعدت دولة الملالي إيران أمريكا على احتلال أفغانستان عام 2001م والعراق 2003م.