المرأة والمعرفة الدينية في الإسلام
الخميس 27/ديسمبر/2018 - 01:47 م
طباعة
حسام الحداد
في ظل ما تعانيه المجتمعات العربية والإسلامية من جماعات التطرف والإرهاب، لم يعد الحل الأمني وحده كافيا، فلا بد أن تتزامن معه مواجهة فكرية لكل ما تقدمه تلك الجماعات من فكر متطرف وتفكيك لتلك الذهنية التي تحرض على القتل وتمارسه، ولان تلك الجماعات تنظر إلى المرأة نظرة دونية وتعمل على قهرها واقصائها جاء كتاب مركز المسبار للدراسات والبحوث هذا الشهر بعنوان «المرأة والمعرفة الدينية في الإسلام»، حيث يتناول فاعلية ودور المرأة المسلمة في المساهمة المعرفية في العلوم الدينية على مدار ثلاثة عشر قرناً، واختار نماذج نسائية كان لها إسهامات بارزة في مجالات علوم الحديث والفقه والإفتاء والرقائق. وقد سعت الأبحاث إلى إعادة النظر في المصادر التراثية من وجهة نظر تاريخية وتحليلية فرصدت النشاط الديني النسائي في الحضارة الإسلامية إلى جانب الأدوار التشريعية والسياسية.
وقد شهدت العقود الأخيرة تطوراً لافتاً في الإصدارات النسوية المختصة في مجالات المعرفة الدينية. استندت المشتغلات والباحثات في هذا الميدان المعرفي إلى المناهج الحديثة لفهم وضعية النساء وموقعهن في تاريخ الديانات التوحيدية وبنائها العقائدي والإيماني؛ وساعد علم التأويل على فهم كيفية تشكل النصوص الدينية وحضور المرأة فيها، فأسهمت هذه المنهجية في تظهير الأبعاد المساواتية للخطاب القرآني.
إن النشاط التأويلي سمح بتفكيك النظرة السلبية الكامنة حول موقع المرأة في الإسلام، مما أدى إلى تقديم إشكاليات وفرضيات جديدة تفارق التفسيرات التقليدية. وعلى خلاف النظريات ووجهات النظر الشائعة حول تهميش النساء في الحضارة الإسلامية، سجلت المسلمات حضوراً تاريخياً متقدماً في أبواب المعرفة الدينية، يمكن إعادته إلى حقبة الإسلام المبكّر الذي شهد حراكاً نسائياً تصدرته السيدة عائشة بنت أبي بكر، يحاكي الطفرة القيمية التي أحدثها الدين الجديد.
وتعتبر أم المؤمنين عائشة ، من أوائل النساء اللواتي خضن حقول العلوم المنبثقة عن القرآن الكريم من تفسير وفقه وحديث؛ لقبها عبدالله بن عباس بـ«أعلم أهل الأرض»، نظراً لاتساع فقهها ومعارفها، واشتهرت بدفاعها عن النساء بروايتها للأحكام التي تخصهن، ووقوفها أمام التفسيرات المسيئة لهن، فهي لم تكن حافظة للحديث فقط، تروي ما سمعت، وإنما كانت أيضاً ناقدة حجة في علمي الدراية والرواية.
وقد اهتم الكتاب بالسيدة زينب بنت علي، التي تحظى برمزية كبيرة في التراث الديني الإسلامي، فنظر في طرق بناء صورتها، ودرس مختلف الأدوار التي اضطلعت بها، ووقف عند ملامح البنية الاجتماعية التي سمحت لفئة من النساء بأن يكنّ فاعلات، مواجهات لمختلف العقبات، طارحاً إشكاليات عدة متعلقة بصلة النساء بالسياسة وكيفية تعاطي المصادر التراثية معها.
وفي العهدين الاموي والعباسي برزت النساء في مجالات عدة، واستجبن للتحديات العلمية التي فرضتها مسيرة الإسلام عبر تطوره التاريخي، فسطعت أسماء نسائية في مجال العلوم الدينية، كالمحدثات والفقيهات؛ ويمكن لنا تسجيل أكثر من ستين امرأة برزن في الفقه والحديث رصدهن الكتاب، ثم أتبعهن بإظهار أثرهن الإيجابي ولعالمات أتين بعدهن في العهود الفاطمية والأيوبية والمملوكية وحتى العثمانية.
كذلك تطرق الكتاب إلى دور النساء المرتبطات بدراسة الحديث، واللواتي نشطن في مصر في العهد الفاطمي، فعمل على شقين: الأول: الكشف عن إطار تاريخ المساهمة النسائية في علوم الحديث؛ والاعتراف بالمكان الذي شغلته النساء في التاريخ الفكري لمصر في ذلك العهد؛ والثاني: تسليط الضوء على تجارب النساء، ضمن المعايير الاجتماعية والثقافية التي أثّرت في وكالة النساء في مجتمع العلماء السنّي الذي كان يعمل في ظل نظام رسمي مخالف. واستكمالاً للتحقيب التاريخي تمّ بحث دور المرأة المسلمة في الحياة العلمية الدينية خلال العصر الوسيط الإسلامي، في أبواب الإفتاء والفقه والتصوف وتأسيس المدارس.
ولم تنحصر أدوار النساء في المعرفة الدينية، فثمة نساء مارسن السلطة مباشرة أو من وراء حجاب وخضن معارك في سبيل تقوية السلطان لأبنائهن أو لأنفسهن، لذا سعى الكتاب إلى فهم الواقع السياسي والاجتماعي والظروف التي قادت إلى تسلم عدد من المسلمات مقاليد الحكم في التاريخ الإسلامي، مركزاً على شخصيتين إسماعيليتين: ست الملك الفاطمية والحرة أروى الصليحية اليمنية. في عصر الدولة العثمانية تم التركيز على أربعة عناوين رئيسة: أولاً: وضع المرأة إبان الفترة التقليدية للدولة العثمانية (1299-1839)، ثانياً: وضع المرأة في المجال الخاص إبان الحقبة التاريخية نفسها، ثالثاً: الممارسات المتعلقة بالمرأة على الساحة العامة، والأسس الإسلامية إبان هذه الفترة، رابعاً: وضع المرأة في الدولة العثمانية إبان فترة الإصلاحات.
كما ضم الكتاب دراسة عن الحضور النسائي الصوفي بأدواره المختلفة خصوصاً في مجال الإنتاج المعرفي، فالمتصوفات في الإسلام لا يختزلن بكونهن عابدات زاهدات فحسب، فمنهن من بلغت مرتبة «الولي» ومن تمتعن بالقيادة الروحية. يكشف التاريخ الإسلامي عن وجود سبع جماعات دينية صوفية للنساء في حلب، ما بين 1150م و1250م، كما وُجد ببغداد جماعات دينية صوفية عدة أشهرها على الإطلاق رباط فاطمة الرضية المتوفاة عام 521هـ/ 1127م، وفي القاهرة رباط البغدادية الشهير الذي بنته ابنة السلطان بيبرس الأول عام 684هـ/ 1285م على شرف المتصوفة الشيخة زينب بنت أبي البركات التي عرفت باسم بنت البغدادية.
ويكشف الكتاب عن تجاوز عدد المحدثات في الإسلام عدد الفقيهات، فكتب الطبقات والتراجم ملأى «بأمثلة نساء عملن بالحديث وروايته ونقله وتدريسه»، بينما النساء المشتغلات في العلوم العقلية بما تتطلبه من دراية واجتهاد واستنباط أحكام مثل الفقه والإفتاء أقل بكثير. درس الكتاب الفقيهات في الإسلام مدفوعاً بطرح ثلاث إشكاليات: لماذا يبدو دور الفقيهات في الإسلام مجهولاً في تاريخنا المعاصر؟ وكيف لم تسعفنا المصادر على تظهير دور المرأة في الفقه على الرغم من وفرة المعلومات فيها؟ وهل تركن تراثاً فقهياً خصوصاً أن ثمة دلالات في قواميس الأعلام وكتب الطبقات تشير إلى «ألف لها أو أخرج لها»؟
كذلك بحثت إحدى الدراسات في أوقاف النساء في مجال العلم، وسلطت الضوء على حجم إسهاماتهن في إحداث نهضة علمية من خلال تخصيص أوقافهن على المدارس والمكتبات العلمية وحلقات التعليم في المساجد والزوايا، وعلى العاملين بها وعلى العلماء والمتعلمين. واحتوى الكتاب على دراسة عن «الشيخة فاطمة العوضية» فأبرزت الصعاب التي تعاني منها النساء اللواتي يتدرجن لطلب العلم في المؤسسات الدينية الرسمية في الإسلام في بدايات القرن العشرين، على عكس الرحابة العلمية التي كانت في القرون الماضية.