التغييرات الفكرية في السعودية وأثرها على الجماعات الإسلامية
الخميس 07/فبراير/2019 - 02:52 م
طباعة
الأمير الشاب، محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، حمل شعار التطوير في مواجهة الرجعية، وخاض معارك ليحل الفن في مواجهة هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والاستثمار محل الاقتصاد الرجعى القائم على بيع النفط، معلنا بوضوح أعداءه في الداخل من قوى التطرف والرجعية، وفى الخارج من تنظيمات إرهابية ونظام ملالي يسعى لفرض سيطرته على المنطقة. لكن الواقع الذى حققه ولى العهد منذ إطلاق «رؤية 2030»، تخطى كل ما هو واقعى وإن قلنا قد اقترب من الخيال على الأقل بالنسبة لمخيلة المقيمين داخل السعودية والمرتبطين بها وجدانيا وثقافيًا في كل بقاع الأرض. وحدد الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودي مثلث الشر الذى يواجه المملكة والمنطقة والعالم بأسره بقوله: «نجد فى المثلث أولا النظام الإيراني الذى يريد نشر أيديولوجيته الشيعية المتطرفة، جماعة الإخوان المسلمين، وهى تنظيم آخر متطرف؛ وهم يريدون استخدام النظام الديمقراطي لحكم الدول وبناء خلافات ظل فى كل مكان، وبعد ذلك يحولونها إلى إمبراطورية إسلامية حقيقية». أما عن الضلع الثالث، فيقول ولى العهد: «الإرهابيون- القاعدة وداعش- الذين يريدون أن يفعلوا أي شيء بالقوة». واقتصاديا، قرر الأمير الشاب ألا يسير في نهج من سبقوه بالاعتماد على الاقتصاد الرجعى القائم على بيع النفط، بل قرر فتح بلاده لكافة أنواع الاستثمار، فأعلن مشروع نيوم وغيره من المشروعات التي يسعى بن سلمان لأن تحمل اقتصاد بلاده خلال المرحلة المقبلة.
وفي هذا الإطار أعلنت السعودية، السبت 26 يناير 2019، صدور نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، والذي يتضمن رقابة صارمة على 12 نشاطا ماليا. وتعكس هذه الخطوة رغبة سعودية قوية في تضييق الخناق على الجماعات المصنفة إرهابية ومحاصرة شبكات التمويل الخاصة بها، وخاصة الشبكات المجهولة التي لا تزال تتحرك تحت عناوين مضللة مثل الأنشطة الخيرية. وكشفت الجريدة الرسمية السعودية عن أن النظام الخاص بمكافحة الإرهاب حدد 12 نشاطا ماليا سيتم فرض رقابة صارمة عليها. ومن أبرز المجالات المعنية بالقانون الخدمات الخاصة في المصارف، والإقراض أو الإيجار التمويلي أو أي نشاط تمويل آخر. وشدد النظام على “فرض رقابة صارمة على خدمات تحويل النقد أو العملات، وإصدار وإدارة أدوات الدفع، وتشمل بطاقات الائتمان، وبطاقات الحسم، والشيكات، والشيكات السياحية، وأوامر الدفع، والحوالات المصرفية، والعملة الإلكترونية، وإصدار خطابات الضمان المالي أو غيرها من الضمانات، وتبديل العملات الأجنبية، والمشاركة في إصدار الأوراق المالية وتقديم الخدمات المالية”. كما يتضمن النظام “إدارة المحافظ الاستثمارية، حفظ وإدارة النقد أو الأوراق المالية نيابة عن أي شخص آخر، وإبرام عقود حماية أو ادخار، أو غيرها من أنواع التأمين المتعلقة بالاستثمار بصفة مؤمن أو وسيط أو وكيل لعقد التأمين أو أي منتج تأميني لشركة تأمين، واستثمار الأموال أو إدارتها أو تشغيلها نيابة عن شخص آخر، إضافة إلى ما يتصل بالأوراق المالية، والواردة في نظام السوق المالية ولوائحها”. ونص على أنه في حالة القبض على المشتبه به في ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها، فسيتم إشعار النيابة العامة فور القبض عليه. ويأتي هذا القانون لتدعيم حملات قوية تقوم بها السلطات الأمنية السعودية في تتبع الشبكات المشبوهة التي تعمل لفائدة جملة من الحركات أو الجماعات المصنفة إرهابية في المملكة وتضم حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية وجماعة الإخوان المسلمين وتنظيمي داعش والقاعدة والتفريعات المرتبطة بهما. وكان قانون سعودي صدر في 2014 قد شدد العقوبات على أي شخص يقوم بـ ”تأييد التنظيمات أو الجماعات أو التيارات أو التجمعات أو الأحزاب (المدرجة في قائمة الجماعات الإرهابية) أو إظهار الانتماء إليها أو التعاطف معها أو الترويج لها أو عقد اجتماعات تحت مظلتها سواء داخل المملكة أو خارجها”.
ولقد أثارت تصريحات ولى العهد السعودي ردود أفعال من الحركات المنتمية لتيار الإسلام السياسي، رافضة التغيير في السياسة السعودية، والإجراءات الحاسمة لمواجهة التطرف والإرهاب، التي شرعت فيها السعودية، وأكدها ولى العهد. وتأتى التصريحات والتعليقات الرافضة والمهاجمة لها، ولولي العهد من معسكر صناع التطرف والإرهاب، سواء كدول مثل إيران وقطر، أو كجماعات وتيارات إرهابية مثل الإخوان والحوثيين والقاعدة وداعش، وهو الأمر المتوقع والطبيعي، بعد الضربات القاسية التي طالتهم.
فقد اعتبر حسين العزي، مسئول العلاقات الخارجية في المجلس السياسي لجماعة أنصار الله الشيعية «الحوثيون»، أن تقييم إيران كعدو بدلا من إسرائيل، هو جزء من مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذى تروج له الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية. وقال العزي، في حديث لوكالة «سبوتنيك»: «الحديث عن إيران ووضع العلاقة مع إيران موضع الشبهة وموضع التهمة، فكرة صهيونية أكثر مما هي فكرة سعودية، هذه الفكرة ارتبطت بمشروع الشرق الأوسط الجديد، هذا المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذى يهدف لتصفية القضية الفلسطينية من خلال إعادة تقديم إيران كعدو بديل عن العدو الإسرائيلي». وأوضح القيادي الحوثي أن «العلاقة مع إيران ليست جريمة، وقال نؤكد وأكدنا مرارا وتكرارا أنه لا يوجد أي تأثير إيراني على قرارنا».
ومن جانبه، شن المكتب العام لجماعة الإخوان هجوما حادا على ولى العهد السعودي، متهما إياه بالسعي لتولى العرش «برعاية صهيوأمريكية وبتنازلات مهينة». وأصدر المكتب العام لجماعة الإخوان، في ٦ أبريل 2018، بيانا رد فيه على تصريحات بن سلمان، التي وصف فيها حركة الإخوان بأنها الأخطر بين التنظيمات المتطرفة الأخرى، ومهما تكن ردود تلك الجماعات أو انفعالاتها، فهي في الأخير أمام تغيير حقيقي في المواقف، ليس تغييرا على السطح بل يتم تأسيسه وتثبيته من خلال مجموعة من التشريعات والقوانين، مما يضع هذه الجماعات تحت طائلة القانون وان كانت لا تمارس العنف المادي أو تتخذ شكلا دعويا خالصا كالدعوة السلفية في مصر، مما يضع هذه الجماعات في حالة مواجهة مع النفس لمواجهة هذا التغيير في المواقف.
لقد مارست الجماعات الإسلامية لعبة التصنيف كثيراً على من يخالفها في المجتمع، واتهامه مرة بالخروج من الملة والردة والكفر والخيانة وغيرها، وتواجه هذه الجماعات نفس الاتهامات التي كانت تلقيها على المجتمع، ووُضعت في كثير من قوائم الإرهاب، واستنكارها التهم الموجهة إليها من الغير لن يجدي حلاً، لأن أدبيات التصنيف الحركي تحفل بالتأصيل الشرعي بالتهم الجزاف لكل من يخالفها، ولا أظن المجتمع الذي عاش فترة طويلة تحت ظل هذا التراشق والتنابز بالتهم والألقاب، قادراً على احتواء الجميع في قضايا كلية وأهداف كبرى غائية، فهل ستراجع تلك الحركات والجماعات علاقتها مع الآخرين وهي اليوم في أمس الحاجة للتواصل والتواصي معهم، بل والاحتماء بهم؟!
وقد وضعت الأحداث الأخيرة هذه الجماعات في العراء تتعالى على المجتمع بوصفها وأتباعها ملاك الحقيقة، ومن هنا يسهل شيطنتها دينياً وسياسياً، ولا يُستبعد أن تُلبّس بتهم جنائية وإرهابية تضرّها بشكل أعمق وتضربها بشكل نهائي، لذلك مسألة استهدافها مباشرة هي مسألة وقت -وفق التقديرات البشرية- وبالتالي نتساءل كيف ستواجه هذا المشروع الاجتثاثي؟ وماهي خياراتها القادمة؟ بل هي أمام مسؤولية تاريخية أن لا تُكرر المغامرات الخاسرة وتعرف حدودها وطاقتها، وإلا كانت التبعة مكلفة والنتائج موجعة.
ومن جهة أخرى هناك فجوة تكبر يوماً بعد يوم بين تفكير الشيوخ وتمكين الشباب، وبين خيارات القيادة ومطالب الأتباع، وبين أنظمة الجماعة وانفتاح المجتمع، وبين هذه الفجوات يكمن الشيطان وتتفجر الخلافات وتشتعل الحرائق داخل بيوت الجماعات، ولأن هذه الخلافات تمس حظوظ الأفراد ذوي الهيئات والهيبات وتنتقدهم، فلا إمكان لمعالجتها إلا بالرضوخ لطبيعة المرحلة والاستجابة لمتغيراتها الراهنة والمستقبلية.
ولم يعد هناك وقت كبير أمام تلك الجماعات العاملة في مصر وغيرها لتغيير موقفها أو عمل مراجعات خصوصا والضربات تأتيها من بين أيديها ومن خلفها ومن كل اتجاه سواء كانت ضربات على مستوى تجفيف منابع التمويل السعودي أو الضربات الأمنية التي تقوم بها المؤسسات الامنية أو على مستوى تلقي الشارع لهذه الجماعات فقد انهار جدار الثقة بين المواطن وهذه الجماعات بعد ان طال المواطن العادي جزء كبير من ارهابها.
وأخيرا هناك احتمالات كبيرة ان تقوم هذه الجماعات خاصة "السلفية المصرية" بالبحث عن بديل تمويلي يضمن لها الوجود، وان المرشح بقوة في هذه الحالة هو البديل القطري/ التركي، بوساطة إخوانية فالعلاقة بين الدعوة السلفية وجماعة الاخوان وان كانت مرت بأزمة ثقة في الفترات الماضية إلا أنه من السهل عودة الثقة بينهم خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالتمويل وهنا الخوف من شيطنة الدعوة السفلية واتخاذها مسار العنف تلبية لشروط الممول خصوصا ان كان قطري أو تركي وبواسطة اخوانية كما أشرنا.
ولا ننسى قبل أن نختم هذا المقال بأن هناك دعم مالي من السعودية مستمر للأزهر حاليا ونعتقد أنه لن يتوقف خلال الفترة القادمة خصوصا وأن الأزهر بالنسبة للسعودية الأن هو حائط الصد الذي يقف أمام هذه الجماعات ويفند أفكارهم، ربما يزيد الدعم السعودي للأزهر ولا يقل، خصوصا وأن شيخ الأزهر هو رئيس مجلس حكماء المسلمين والذي مقره السعودية ويتمتع بعلاقات طيبة مع صناع القرار في السعودية وقد استقبل ولي العهد حال زيارته لمصر في الجامع الأزهر، كل هذه مؤشرات لزيادة الدعم السعودي للأزهر على كافة المستويات، ولا شك أن الأزهر الأن يواكب التغيير في السعودية أيضا والدليل على ذلك القرار الأخير بتعديل المناهج الدراسية وحذف كل ما يدعو للإقصاء والتطرف من المناهج فلم يحدث هذا طوال أعوام من مطالبات المثقفين بحدوثه، إلا أنه حدث بعد زيارة ولي العهد للجامع الأزهر.