مطالبة ألمانية لتأسيس مناطق منزوعة السلاح في ليبيا
الخميس 09/يوليو/2020 - 08:59 ص
طباعة
هاني دانيال
ارتفعت الأصوات المطالبة بوجود دور ألمانى أكبر فى الأزمة الليبية، وعدم الاكتفاء باجتماع برلين الذى تم عقده فى بداية العام، والدعوة إلى حل الأزمة الليبية سياسيا، ورفض النزاعات المسلحة، وعدم الميل لفريق دون آخر ، وخاصة الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي أو فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، حتى لو أدى الأمر إلى مشاركة قوات ألمانية ضمن قوات حفظ السلام فى ليبيا، وتأسيس مناطق منزوعة السلاح.
المقترح تقدم به اليوم نوربرت روتجن، وزير البيئة الألماني الأسبق وخبير السياسة الخارجية للحزب المسيحي الديمقراطي، الذى كانت تتزعمه المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، من أجل تأسيس وجود المانى أقوى وأكبر فى ليبيا، ومواجهة المطامع التركية، ووقف أى تهديدات محتملة للقارة الأوروبية، فى ظل تواجد عدد من المرتزقة الأتراك والأجانب فى المدن الليبية، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا لدول الاتحاد الأوروبي.
هذا المقترح يتماشي مع رغبة وزيرة الدفاع الألمانية انجريت كرامب كارنباور التي ترغب فى أن تتوسغ بلادها فى عمليات حفظ السلام والمهام الدولية للجيش الألمانى، بينما يتصادم مع رؤية وزير الخارجية الألمانى هايكو ماس الذى يري ضرورة تقليل التواجد الألمانى بالخارج، وعدم الاشتباك مع القضايا الدولية أو الاقليمية عسكريا، والاكتفاء بالدور الدبلوماسي.
ويري مراقبون ان هذا المقترح سيكون فى صالح كارنباور التى أعلنت مؤخرا عدم ترشحها على منصب المستشارة خلفا لميركل، على خلفية أزمات سياسية داخلية نتيجة تعاون حزبها مع حزب البديل من أجل ألمانيا وممثل اليمين المتطرف فى البرلمان الألمانى فى إنجاح مرشح بإحدى الولايات، وهو ما اعتبره البعض موقفا مخزيا من الاتحاد المسيحي الديموقراطي، وبالتالى إضطرت كارنباور للتنازل عن هذه الخطوة لتخفيف حدة الانتقادات التى تعرضت لها.
ويبدو أن كارنباور وجدت نفسها فى موقف لم تتوقعه، حيث جاء ترشيحها لمنصب وزير الدفاع فى يوليو 2019 على خلفية ترشيح الوزيرة الألمانية أورسولا فان دير لين لرئاسة المفوضية الأوروبية، وبالتالى قامت ميركل بترشيح كارنباور لتخلف فون دير لين فى منصبها، بالرغم من تأكيد كارنباور عدة مرات بأنها لا ترغب فى أى منصب حكومة، وتكتفي بالاستعداد للمؤتمر العام لحزب الاتحاد المسيحي بنهاية 2021 للترشح خلفا لميركل فى منصب المستشارة، حتى جاءت الخطوة الفرنسية الألمانية فى الاستقرار على ترشيح فون دير لين، ثم ترجيح ميركل لكارنباور فى منصب وزيرة الدفاع الألمانية.
هناك أصوات من داخل الاتحاد المسيحي الديموقراطي قد تكون مؤيدة لكارنباور فى المشاركة بقوات حفظ السلام تحت مظلة الأمم المتحدة فى ليبيا، مثل كثير من المهام التى تقوم بها قوات ألمانية فى افريقيا واسيا، ولكن خصوصية وتعقيدات الأزمة الليبية قد تعجل من مخاطبة الأمم المتحدة بتأسيس مناطق منزوعة السلاح حتى يتم حل الأزمة سياسيا، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فى القريب العاجل، بينما موقف الحزب الاشتراكى المسيحي قد لا يؤيد هذه الخطوة، وقد يرفضها فى البرلمان الألمان حال طرح الفكرة والتصويت عليها، ومن ثم سيكون موقف حزب الخضر هو المحرك الأساسي فى الأمر، وموافقته سيكون داعما لموقف كارنباور، بينما رفضه سيكون نهاية لمشروع كارنباور فى التوسع خارجيا.
ويري محللون أن خصوصية الأزمة الليبية تعود إلى أنها من أكثر الدول التى يأتى منها مهاجرين غير شرعيين إلى أوروبا، بما يحمله هذا الملف من إشكالية كبيرة، ويزيد من التحديات التى تواجه القارة العجوز
الإشكالية الآخري هى عدم وجود موقف أوروبي موحد من الأزمة الليبية وأطراف الصراع، ويالتالى فى حال التوافق على إرسال قوات حفظ سلام أو مناطق منزوعة السلاح، مع أى طرف يمكن أن تكون هذه القوات، خاصة وان إيطاليا لديها مصالح مع حكومة فايز السراج المعترف بها دوليا، بينما تقف فرنسا مع الجيش الوطنى الليبي، وترفض الخطوات التى تقوم بها حكومة السراج، وما أبرمته من اتفاق مع تركيا بشكل عقد من الموقف الليبي.
هذه الخلافات كانت محل اهتمام أوميد نوريبور، خبير شؤون السياسة الخارجية بالكتلة البرلمانية لحزب الخضر فى تصريحاته لراديو صوت ألمانيا، والذي أوضح أنه من المهم أن يكون لبرلين موقفا أكبر فى ليبيا، ولكن إذا لم يتفق الأوروبيون على الجهة التي يدعمونها، أي إذا ظل الإيطاليون مثلاً يدعمون حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة، بينما تتحالف فرنسا مع مصر ضد هذه الحكومة، يطرح السؤال نفسه: مع من سيقف الجنود الأوروبيون إذاً في ليبيا؟ هل سيقفون ضد بعضهم البعض؟.
وعلى الرغم من اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الاثنين المقبل، إلا أن الملف الليبي لا يحظى بتوافق، ولا تزال الخلافات مستمرة بين دول أوروبا، وهو ما تستفيد منه تركيا فى خلف مناطق صراع جديدة كما قامت من قبل فى ليبيا، والعمل على انشغال اوروبا بقضايا داخلية، وتدعيم تواجدها عسكريا وسياسيا واقتصاديا فى ليبيا، وهو ما برز من خلال إيداع 8 مليارات دولار فى خزينة البنك المركزى التركي كوديعة، وهو ما تسبب فى انعاش الاقتصاد التركيى الذى كان فى أسوأ حالاته خلال السنوات الأخيرة، ولكن بفضل المطامع التركية فى ليبيا وموقفها فى حماية الأمير القطري والحصول على المزيد من المليارات من الدولارات ساهم فى انعاش خزينة إردوغانن وإن كان ذلك عمليا لم تكن له نتائج إيجابية على الاقتصاد التركى وتحسن مستوى المعيشة، وكذلك الليرة التركية التى تهاوت كثيرا من قبل لم تعد كما كانت.
الأيام المقبلة ستكون فرصة للتعرف على الموقف الأوروبي من ليبيا، وهل سيكون هناك موقف موحد من الأزمة ومنع تركيا من استغلال الأزمات الاقليمية لصالحها ، أم ستكون هناك وقفة حازمة لمنع أنقرة من مواصلة تهديد الدول الأوروبية بشكل مباشر من انتهاك للحدود البحرية اليونانية والقبرصية من جانب، وإرسال مرتزقة فى ليبيا وفتح الحدود البحرية أمام اللاجئين والمهاجرين بما يشكل تهديدا كبيرا للقارة الأوروبية خلال السنوات المقبلة.