الباسيج.. ذراع المرشد الايراني في الداخل والخارج
الخميس 09/يوليو/2020 - 03:54 م
طباعة
علي رجب
"الباسيج" قوات شبه العسكرية تنطوي تحت قيادة الحرس الثوري، وهي تشكل ذراع المرشد الايراني علي خامنئي القوي للبطش بالشعب الإيراني، وفرض سطوة خامنئي في الداخل وإسكات كل منتقديه ومعارضيه، بعدما صارت لها فروع في كل مدينة وبلدة إيرانية وايضا مهام خارجية، تتصل بحماية النظام، وتوطيد أركانه، ودعم الجمهورية الإسلامية في طهران، كما ينصّ على ذلك الدستور؛ حيث إنّها تشكل جيشاً موازياً إلى جانب القوات النظامية، بيد أنّها تتجاوزها، من حيث موارده المالية والنفوذ، وتتكون من متطوعين مدنيين، يشملون الذكور والإناث.
ما هي ميليشيات الباسيج؟
تُعتبر قوات الباسيج والتي تعرف بـ"منظمة تعبئة المستضعفين"، وهي ترجمة للاسم الفارسي "سازمان بسيج مستضعفين"،قوات شبه عسكرية قائمة على التطوع تمّ إنشاؤها في أعقاب ثورة عام 1979، حينما أطلق مؤسس الجمهورية الاسلامية ايه الله الخميني دعوته بإطلاق جيش من "عشرين مليون رجل"، بغية الدفاع عن الثورة والنظام، وأهدافهما السياسية والدينية والأيديولوجية، وتتميز تلك القوات بارتباطها العضوي بالمجموعات المسلحة التي تكونت جميعها من مجموعة من المؤيدين لنظام ولاية الفقيه.
ولم يتمّ دمج "الباسيج" بالكامل في هيكلية "دفاع الفسيفساء" الأمنية للمحافظات الخاصة بـ «الحرس الثوري الإسلامي»، حتى أواخر عام 2009 - بعدما ملأ متظاهرو "الحركة الخضراء" الشوارع احتجاجاً على الانتخابات الرئاسية - حيث اكتسبت إطاراً مهنياً خاصاً بها في غضون ذلك.
و تتشكل ميليشيا"الباسيج" هذه الميليشيات الإجرامية أساسًا من ملايين المتطوعين من الرجال والنساء (65 بالمئة من الموظفين في الدولة، وواحد من كل ثلاثة طلاب هم أعضاء فاعلون في الباسيج)؛ وهي تُعدّ اليد الضاربة لنظام الحكم في البلاد، وحائط الصدّ الأول له، ودائمًا ما تنبري لتنفيذ مهمات توصف بـ”القذرة”؛ مثل مواجهة التظاهرات الاحتجاجية في شوارع المدن الإيرانية بالقوة، وكذلك تزوير الانتخابات التشريعية والرئاسية، حسب توجيهات مكتب الولي الفقيه.
عدد ميليشيات الباسج
يبلغ عددهم بحسب مسؤولين إيرانيين 20 مليونا، لكن تقديرات مستقلة تتراوح ما بين 400 ألف عنصر وخمسة ملايين، ويتكون معظم أعضاء الميليشيات من شباب عائلات فقيرة متدينة استفادوا من سياسات رئاسة أحمدي نجاد التي بدأت في 2005.
تنقسم قوات الباسيج إلى "مجموعات مقاومة" في الضواحي الكبيرة، والمدن الرئيسة، فضلاً عن "خلايا فرعية"، في الريف والمدن والأحياء الصغيرة؛ ففي طهران مثلاً، تستحوذ قوات الباسيج على أربع مناطق (منطقة شمال غرب القدس، ومنطقة جنوب غرب أبوزار، ومنطقة شمال شرق شهيد بهشتي، ومنطقة "الباسيج" للطلاب في وسط طهران، بحسب موقعهم الرسمي.
تعتمد قوات الباسيج، على المستوى التنظيمي، ثلاثة مستويات للالتحاق بقواتها وميلشياتها، تتفاوت فيها العضوية بين المستوى "العادي" و"الخاص" والشرفي"؛ ويتوزع جميع الأعضاء على أساس مناطقي، لتغطية كافة المدن الإيرانية، وذلك فيما يعرف بـ "نطاقات المقاومة"، التي تشمل المساجد والمؤسسات الحكومية والتعليمية، كالمداراس والجامعات؛ حيث تعدّ بمثابة قواعد للتدريب، وتأهيل الكوادر، من عدة نواحٍ؛ سياسية وعقائدية وعسكرية.
أبرز فروع "الباسيج" كتائب عاشوراء والزهرة تمثل الفرع الأمني والعسكري المكلف بـ «الدفاع عن الأحياء في حالة الطوارئ»، وهناك كتائب الإمام الحسين من قدامى المحاربين في الباسيج الذين يتعاونون بشكل وثيق مع القوات البرية في الحرس الثوري، وكذلك كتائب الإمام علي تتعامل مع التهديدات الأمنية.
ويتردد أن كتائب "الإمام الحسين" التي تُوصف بأنها "مستقلة"، ومرتبطة بوحدات المحافظات التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي»، تخضع لنطاق موسع تدريجياً من التدريبات المتخصصة، بما فيها الحرب المدنيةوالنووية/البيولوجية/الكيماوية.
ويضّم "فيلق محمد رسول الله" في طهران التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» فرقة كبيرة من قوات "الباسيج" تتولى بوجه خاص مهمة ضمان أمن العاصمة. وتُفيد بعض التقارير أيضاً أن قوات "الباسيج" نظمت عدداً كبيراً من الكتائب الاحتياطية التابعة لـ "بيت المقدس" والتي بإمكانها أن تجتمع بسرعة لتنضمّ إلى كتائب "الإمام الحسين" في حالات الطوارئ.
القائد الحالي
والقائد الحالي لميليشيات الباسيج هو غلام رضا سليماني، والذي تسلم مهام منصبه في يوليو 2019، خلفا لغلام حسين غيب.
التمويل
تلقى الباسيج رواتب ثابتة، تخصصها ميزانية الدولة الإيرانية، وذلك منذ أقرّ بذلك البرلمان الإيراني، في 13 (أكتوبر) عام 1991، ويحصلون عليها من مخصصات فيلق "الحرس الثوري الإسلامي"، على وجه التحديد، وتطورت قوات وميلشيا الباسيج، فتعددت تسمياتها التنظيمية، بحسب التخصصات والأهداف التي تؤديها، في عدة مجالات حيوية، وليس فقط من الناحية المناطقية؛ حيث يوجد "الباسيج" العمالي، الذي يعمل وسط العمال، وكذا "الباسيج" الطلابي، وغيرهما.
وفي 2014 أقر البرلمان الإيراني تعديلاً على مادة قانونية تنص على تكليف مجالس التخطيط والتنمية في المحافظات لتخصيص 1% من ميزانية كل محافظة إلى قوات الباسيج الشعبية التابعة للحرس الثوري. وتقدر الميزانية لميليشيات الباسيج بنحو 357.08 مليون دولار .
دور الباسيج داخليا
تتغلغل قوات الباسيج، في مفاصل الدولة الإيرانية، لحماية النظام بالدرجة الأولى، وقمع أي اضطرابات شعبية تهدد هذا النظام، وتشكل الذراع الاهم في قمع المعارضين بالاضافة الى دعم سلطة النظام في الداخل.
وتستخدم ميليشيات الباسيج دوما في قمع الاحتجاجات الشعبية، وكانت آخر مشاركة له في احتجاجات يناير2018 ، التي شهدت انشقاق عدد كبير من عناصر الباسيج الذين قاموا بحرق هوياتهم العسكرية وتصويرها وبثها عبر مواقع التواصل معلنين انحيازهم للمحتجين الذين رددوا شعارات تطالب بإسقاط النظام ومرشده علي خامنئي مرددين هتافات “الموت لخامنئي” و”اخجل يا خامنئي واترك الحكم” و”اخرجوا من سوريا وفكروا بحالنا”، الأمر الذي فاجأ الجميع.
وقد كان لهذه القوات، التي تشكلت بأمر من القائد السابق للثورة الإيرانية الخميني في نوفمبر 1979، الدور الأبرز في قع المظاهرات في 2009 التي اندلعت احتجاجا على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد للرئاسة.
ووجهت انتقادات عدة لقوات الباسيج بالوقوف وراء عملية تزوير نتائج الانتخابات في عام 2009، التي فاز بها أحمدي نجاد على خصمه مير حسين موسوي، الذي يخضع لإقامة جبرية منذ ذلك العام.
وتقدم قوت الباسيج خدمات تطوعية عدة داخل البلاد باعتبارها قوة مساندة أو رديفة للشرطة وأجهزة الأمن الأخرى. وتتنوع أنشطتها لتشمل فرض الأمن الداخلي بالقوة، والتحشيد لدعم النظام، بالإضافة إلى العمل الاستخباراتي.
دور "الباسيج" في الخارج
كانت قوات "الباسيج" في الأصل وليدة أفكار مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران، آية الله روح الله الخميني الذي تصوّر تعبئة الحشود الإيرانية المظلومة في جيش يبلغ قوامه 20 مليون عنصر. وعندما لم تتحقق هذه الرؤية تماماً، تحوّلت تدريجياً إلى فيلق دولي من الشبان الشيعة المتدينين الذين تمّ تجنيدهم من خلال شبكة موسعة من الحوزات العلمية الدينية والجامعات، بهدف إنشاء "حضارة إسلامية جديدة" (على غرار مفهوم الجهاد السنّي القائم على إعادة الخلافة، ولكن مع تركيز أقل على الأراضي). غير أن طهران لم تباشر تطبيق نموذج "الباسيج" في الخارج على نطاق واسع سوى منذ فترة ليست ببعيدة نسبياً، بدءاً في العراق وسوريا. فعلى سبيل المثال، تشمل «وحدات الحشد الشعبي» العاملة حالياً في العراق عدداً من الميليشيات شكّلتها «قوة القدس» التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» بغرض القتال إلى جانب حلفاء إيران في سوريا (أي جيش بشار الأسد، و«حزب الله»، وألوية أفغانية وباكستانية متعددة).
وقال قائد قوات التعبئة العامة “الباسيج”، غلام رضا سليماني، خلال مراسم تنصيبه قائدا لقوات “الباسيج”، يوليو 2019، إن مهمة الباسيج تتعدى الحدود الإيرانية لتصل إلى سواحل البحر المتوسط.
وقال سليماني، إن “مهمة قوات الباسيج لم تعد محصورة بحدود إيران، وإنما تمتد من سواحل البحر المتوسط إلى العراق وسوريا واليمن”.
وساعدت استخبارات ضمن «الحرس الثوري الإسلامي» في ثمانينيات القرن الماضي، على تأسيس مقر "وحدة قوات الحرب غير النظامية" التي شنّت حملات مسلحة في شمال شرق العراق وتحوّلت لاحقاً إلى «قوة القدس». كما قاد منشقين عراقيين وأسرى حرب سابقين ضمن «فيلق بدر» (الذي أصبح يُعرف الآن بـ «منظمة بدر»)، وساعد الجنرال همداني على تنظيم النسخة السورية من قوات "الباسيج" شبه العسكرية (علماً بأنه في تشرين الأول/أكتوبر 2015، قُتل همداني في حادث طريق في حلب بينما كان يشرف على تشكيل هذه القوات).
من جانبه، تسلّم غيب برور سابقاً قيادة قوات «كتيبة فجر» و«كتيبة كربلاء» الخاصة بالمحافظات والتابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» - وهي وحدات تمثّلت بشكل كبير في مجموعات «قوة القدس» التي تمّ إرسالها إلى العراق وسوريا. وعلى نطاق أوسع، أوضحت تصريحاته الأخيرة في وسائل الإعلام أنه سيواصل العمل نحو تحقيق فكرة الخميني بتشكيل جيش إسلامي دولي.
توسيع الأنشطة في سوريا
يميل القادة والضباط العسكريون في إيران إلى اعتبار سوريا العنصر الأجنبي الأكثر أهمية للعمق الاستراتيجي لبلادهم، بل أهم حتى من لبنان أو العراق أو اليمن. ولهذا السبب أنشأ الجنرال همداني "قوات الدفاع الوطني" السورية، وهي الكتائب غير النظامية الموالية للأسد التي زُعم أنها أنقذت دمشق من السقوط في أيدي المتمردين في صيف عام 2012. كما يُقال إنه أرسى أسس النسخة السورية من فرع شرطة "قوات إنفاذ القانون" الإيرانية، وأكملها بوحدات خاصة لمكافحة الشغب والأمن الإلكتروني. ويَعتبر أن افتقار نظام الأسد إلى مثل هذه الوحدات المتخصصة أسهم في خروج الثورة عن السيطرة. واليوم، لا تزال "قوات إنفاذ القانون" السورية على ما يبدو في مراحلها التأسيسية الأولى، حيث إن التقدّم المحرز أبطأ مما كان متوقعاً.
وفي ظل توسيع «الحرس الثوري الإسلامي» أنشطته في سوريا، فهو يعزّز في الوقت نفسه دور "الباسيج" في البلاد - ربما من أجل دعم عناصر الفيلق المرهقة أو تلبية الطلب المتزايد من الشباب الإيرانيين المتدينين الذين يتوقون للانضمام إلى القتال.
ويدير «الحرس الثوري الإسلامي» حالياً مهمتين منفصلتين في سوريا: الأولى برنامج للمشورة والمساعدة تديره «قوة القدس» ويضمّ أفراداً محترفين من «الحرس الثوري الإسلامي» وبعض عناصر الجيش المحلي ("ارتش") بتعاون وثيق مع «حزب الله»؛ أما الثانية فتشمل وحدات قتالية صغيرة تحت إشراف مشترك من قبل مقر "الإمام الحسين" التابع لقوات "الباسيج" و«قوة القدس».
ونشطت قوات "الباسيج" على نحو أكبر في تجنيد متطوعين إيرانيين من الشباب للقتال في سوريا في إطار مبادرة "المدافعون عن الحرم" التي تدّعي أنها ممولة عموماً من مساهمات خاصة. وبعد تنظيمهم ضمن ما يسمى "كتائب الفاتحين"، يخضع هؤلاء المتطوعون لتدريب قبل وضعهم على لائحة انتظار لإرسالهم إلى سوريا على متن طائرات عسكرية أو رحلات تجارية. ولدى وصولهم إلى سوريا، يعملون إلى جانب "لواء الفاطميون" الأفغاني و"لواء الزينبيون" الباكستاني، المنضويين تحت سلطة «قوة القدس». ووفقاً لقائد "كتائب الفاتحين" مهدي هداوند، تكبّد هؤلاء المتطوعون الخسائر الأكبر في الأرواح في خان طومان في 6 أيار/مايو 2016، حين تعرضت وحداتهم لكمين وخسروا اثني عشر رجلاً.
يشار إلى أن ساحات القتال في سوريا تمنح القوات العسكرية وشبه العسكرية الإيرانية فرصةً لتحسين مهاراتها القتالية والتنظيمية في ظل ظروف صعبة على نحو استثنائي. كما أن تدخّل هذه القوات هناك يساعد طهران على تأجيج نيران الحماسة الثورية في أوساط الشباب المتديّنين في الوطن. وتحت حكم غيب برور، ستواصل قوات "الباسيج" من دون شك استخدام عمليات الانتشار من هذا القبيل كوسيلة لتحديد الجيل القادم من قادة «الحرس الثوري الإسلامي» وتدريبه، وترويج المفهوم الإيراني للقوات الشعبية شبه العسكرية في أرجاء العالم الإسلامي، فضلاً عن توسيع جبهة "المقاومة" التي يمكن أن تصبّ أنظارها على دول أخرى في المنطقة.
وفي ظل استمرار الحرب السورية، لا يقتصر الدور الذي تلعبه إيران على إرسال قوات النخبة في مهام استشارية وداعمة فحسب، بل تُرسل أفراداً من "الباسيج"، أقلّ تدريباً لكن أكثر تحفيزاً، لتنفيذ مهمات قتالية غير محدودة. ونظراً إلى أن المعركة الرئيسية ستنتقل على ما يبدو من حلب (إلى محافظة إدلب على الأرجح)، يمكن توقُّع ازدياد عدد الشباب الإيرانيين في صفوف "الباسيج" الذين يقاتلون في سوريا خلال الأشهر المقبلة - وكذلك ارتفاع عدد الضحايا في صفوفهم.
قوائم الارهاب
في أكتوبر 2018، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية "مكتب إدارة الأصول الخارجية"، قائمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على حوالي 20 شركة ومؤسسة إيرانية و5 بنوك كبرى تشكّل شبكة تمويل لقوات الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني والذي يطلق عليها "قوات التعبئة الشعبية".
وشملت العقوبات بالإضافة إلى تعاونية الباسيج الذي يمول الأنشطة الاقتصادية لأعضاء الباسيج عن طريق تمويل الشركات الصغيرة، عددا من البنوك وهي بنك تعاون الباسيج، وبنك “مهر” الاقتصادي، لدعمها شركات الباسيج ومشاريع تجارية واستثمارية تابعة لهذه الميليشيات.
كما تم تصنيف عدد من الشركات الداعمة لنشاط الباسيج الاقتصادي على قائمة العقوبات وهي شركة “مهر اقتصاد” الاستثمارية وشركة تدبيرغاران عطية للاستثمار، وشركة نيغين ساحل رويال، ومجموعة مهر اقتصاد المالية، وشركة تكنوتار للهندسة، وشركة تكتار للاستثمار.
كما تم تصنيف شركة إيران لصناعة الجرارات (ITMC)، وهي أكبر مصنع للجرارات في الشرق الأوسط، يولد ملايين الدولارات لصالح الباسيج، على قائمة العقوبات.