حماة الإيمان ومعرض القاهرة الدولي للكتاب
منذ فترة ليست بالقصيرة كادت أن تختفي ظاهرة رفع دعاوى قضائية ضد الكتاب أو مهاجمة الأعمال الإبداعية في شخص كتابها، ولم تثار ثائرة حماة الإيمان على نص شعري أو عمل ابداعي أو دراسة بحثية هنا او هناك، فمنذ قضية الكاتب احمد ناجي 2015، حتى نوفمبر 2020، لم ترفع قضية واحدة من حماة الإيمان ووكلاء الرب على المبدعين، وأعمالهم الابداعية، أو على هيئة ثقافية ما، وكنا قد ظننا أن تلك الوسيلة التي كانت تستخدمها الجماعات الإسلامية المتطرفة قد انتهت مع ثورة 30 يونيو 2013، وأننا في سبيلنا لبناء الدولة المدنية الحديثة، إلى أن جاءت الدورة 52 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ووجدنا أن هؤلاء المتطرفون عادوا مرة أخرى لتلك الأساليب لترويع الكتاب والمبدعين والباحثين، فهناك واقعتين ربما يكونان جرس إنذار لما هو قادم.
الواقعة الأولى تخص الشاعرة أمينة عبد الله وتعود لنوفمبر 2020، وبعد انتهاء مؤتمر طنطا الدولي للشعر، حيث شاركت الشاعرة في فعاليات المؤتمر، وانتفض أحد الحضور من هؤلاء الذين يظنون في أنفسهم أنهم وكلاء الرب أو حراس الفضيلة والايمان، وأخذ على عاتقه مهاجمة الشاعرة والنيل من شخصها ورفع دعاوى قضائية لمصادرة ديوانها ،،بنات للألم،، ومنع دار النشر من المشاركة في معرض الكتاب، ووصل الأمر إلى رفع دعوى في القضاء الإداري المستعجل بإيقاف هذه الدورة من معرض القاهرة الدولي للكتاب وعدم انعقادها، بسبب ديوان الشاعرة، وأعتقد أن رافع الدعوى متخيل أن الف او ألفين نسخة من ديوان شعر سوف يغيرون وجه مصر، إذا ذهبنا معه فيما يدعيه، وتحت دعوى الدفاع عن ،،الله،، أو نصرته عز وجل ترتكب هذه الجرائم في حق الإبداع والمبدعين وكأنه الله عز وجل في حاجة لدفاع أو نصرة هؤلاء له.
ورغم أن القضايا الخاصة التي تم رفعها ضد الشاعرة تم حفظها لأنها مرفوعة من غير ذي صفة إلا أن هؤلاء مستمرون في التشهير بالشاعرة على صفحات التواصل الاجتماعي ويخلقون حالة من العداء المجتمعي ضد الشاعرة، رغم التزام الشاعرة الصمت التام وعدم الرد الا في مداخلة مع الدكتور محمد الباز لتوضيح الأمر ومدى خطورته على العملية الإبداعية والمنظومة الاجتماعية ومؤسسات الدولة التي لا يعترف بها هؤلاء.
الواقعة الثانية هي واقعة الكاتب والباحث المتخصص في شئون الأقليات، والملف القبطي روبير الفارس، والذي فوجئ بكم هائل من السباب والشتم والاتهامات بمجرد أن نشر غلاف كتابه الذي يشارك به في معرض القاهرة الدولي للكتاب مع عدد آخر من مؤلفاته هذا العام والكتاب هو ،،الجلاد والبريد.. البابا شنودة وجراح جورج بيباوي،، وكذلك كتابه ،،أنياب القديس.. البابا شنودة والأصولية المسيحية،، وكانت ساحة المعركة هذه المرة مواقع التواصل الاجتماعي، واللافت في النظر نوعية الألفاظ المستخدمة أو الاتهامات الموجهة للكتاب سواء كانت لأمينة عبد الله أو روبير الفارس، فلو كان هؤلاء حقا مؤمنين ويدافعون حقا عن المقدس كيف يستخدمون ألفاظا مدنسة للدفاع عن مقدس، وكيف يستخدمون أساليب منحطة ومدنسة للدفاع عن المقدس، لا يسعني هنا سوى استعارة بعض كلمات لروبير الفارس نشرها على صفحته الشخصية ردا على هؤلاء ،،حماة الايمان،، حيث يقول روبير الفارس:
من العبث ان تكتب بالعقل، لقطعان لا عقل لها . ولكن دعونا نحترم بعضا من المضحوك عليهم في هذه الهوجة ووسط بركان الشتائم التى ترفع شعار" كلما كنت سافل كلما عبرت عن غيرتك علي الايمان "والايمان هنا هو الدفاع عن البابا شنودة فقد صار عقيدة عند البعض وإله يعبد بالسلوك حتى لو أنكروا ذلك قولا ".."طيب بالراحة كده" .اذا كان البابا شنودة يحتل هذه المكانة العظيمة الكبيرة والتى فاقت مكانة المسيح نفسه لدرجة أن أسقف يعتبر الاختلاف مع تعاليمه هرطقة اي كفر، رجل بهذه المكانة ماذا يفعل له كتاب، كتاب وسط مئات الكتب التي تصدر عنه وتروج لمعجزاته وسيرة حياته وكتاباته ؟ ألا يعبر هذا الخوف من كتاب عن أمر ما؟ الا يدل على أن هناك عجز أو ضعف عن الرد حول بعض تعاليمه وتصرفاته وسلوكه؟ انه ليس شيئا من الخوف بل كثير جدا ؟ وقارنوا بين رد الفعل البشع والممنهج للدفاع عنه والذي لا نجده عندما تصدر كتب او مقالات تهاجم المسيح نفسه ؟ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ولأننا اصبحنا في مواجهة شرسة مع شارع لايعرف معنى التوثيق او البحث فلنشرح بشكل عملي ماذا يعني ذلك يتواكب مع صدور كتاب " الجلاد والبريء " كتاب " المجلات القبطية " والذي يقع في 511 صفحة يؤرخ ويقدم مختارات من هذه المجلات ما موقع البابا شنودة في هذا الكتاب ؟ وهل تم تجاهله ؟ بالطبع لا الكتاب وثق لدور البابا منذ أن كان اسمه نظير جيد في مجلات الحق ومدارس الاحد تأسيسه لمجلة الكرازة . وقدم رؤيته وتقييمه للمجلات القبطية . بل ونشر العديد من المختارات لانه لايمكن تجاهله خاصة وان فترة رئاسته للكنيسة فرضت وجوده علي افتتاحيات كل المجلات فنشرت له مقالات من مدارس الاحد والكرازة بل ومجلة مرقس حيث وجدت مقال له عن القديس ابو مقار ومقال للاب متى المسكين أيضا عن ابو مقار فاخترت نشر المقالين متجاورين وليقارن القاريء بنفسه بين الكاتبين حول نفس الموضوع ؟ إذا لا عداوة شخصية ولا كراهية ولا تجاهل ؟ بل بحث وتوثيق وهذا الامر ليس جديد بل سبق واتبعته في كتب عديدة عنه منها على سبيل المثال " البابا شنودة والتيارات الاسلامية "فقد وثقت فيه مثلا مقاله الذي نشرته الهلال عن " المسيحية في القرآن " ولكن وثقت ايضا رد الجماعة الاسلامية علي هذا المقال .
وماذا عن كتاب " الجلاد " هذا الكتاب"يقع في 535 صفحة" يسير بنفس المنهج التوثيقي فمثلا انشر ملف مجلة روز اليوسف عن الأزمة مع دكتور جورج بباوي كاملا عام 2007 وهذا الملف تضمن هجوما ضاريا علي دكتور جورج ومقال كامل يستنكر أن يهتم به البابا وينعقد لأجله مجمع الكنيسة المقدس والبرقيات المؤيدة للبابا وانشر الاتهامات ضد جورج وتعاليمه ولكن ليكتمل العمل – وهذا ليس في ملف المجلة -اضع ردود جورج عليها، فالكتاب ككل الكتب يطرح أسئلة توثيقية عن تعاليم وتصرفات غريبة أثرت على الكنيسة وكله موثق بالشهادات والحوارات والدراسات فلماذا هذا الخوف الكبير ؟ هل عجزكم عن الرد على ما جاء في كتاب " انياب القديس " يجعل هجومكم الآن أكثر ضراوة .لانكم لن تقدرون علي الرد هذه المرة ايضا ؟ ببساطة لأنني لا اخترع مواقف أو أفكار للبابا بل أوثق أفعاله وأفكاره..
وأخيرا إن ما يحدث مع الشاعرة أمينة عبد الله والباحث روبير الفارس لهو حقا ضرب من جنون الإيمان والخطاب الدينى المتشدد والمتطرف المهيمن على الساحة، والذي يتوغل في حياتنا الفكرية والثقافية ما يزيد من تراجعنا وتخلفنا عن اللحاق بركب الحضارة الإنسانية الحديثة، والقول الفصل أن الله سبحانه وتعالى ليس في حاجة لهؤلاء المدافعين عنه فهو الغني عن الكل.