"فورين بوليسي": على امريكا أن تعيد بث الخوف في نفوس الملالي
اعتمدت مقاربة إدارة بايدن تجاه إيران على إعادة تحجيم برنامج إيران النووي من خلال العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 والقيود التي يفرضها على البنية التحتية النووية الإيرانية حتى عام 2030.
وما أن يتم تحقيق ذلك، تعتقد الإدارة الأمريكية أنه
سيكون أمامها الوقت للتفاوض بشأن اتفاق "أطول أمداً وأكثر متانة" - والذي
من شأنه أن يمدد بنود انقضاء الوقت التي تضع حداً للقيود المفروضة على حجم البرنامج
ونوعيته وكذلك معالجة قضايا الصواريخ الباليستية الإيرانية وسلوك طهران العدائي في
المنطقة. وعلى غرار الخطة العسكرية التي تبدو ناجحة إلى حين مواجهتها العدو، تطلبت
الخطة موافقة الإيرانيين - وقد أظهروا أنهم لن يكونوا شركاء في خطط البيت الأبيض.
وبدلاً من ذلك، جعلوا برنامجهم النووي أكثر تهديداً وفي خضم ذلك أثاروا تساؤلات
حول ما إذا كان هناك ردّ دبلوماسي عليه. فالإيرانيون لم يكتفوا بعدم السماح لـ
"الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بمراقبة بيانات أنشطة التخصيب الخاصة بهم،
إلّا أنهم كانوا يتخذون خطوات ليس لها هدف مبرر، وهو: تخصيب اليورانيوم إلى مستوى
60 في المائة وإنتاج معدن اليورانيوم. وأعلنوا
أن هذه الخطوات كانت رداً على أعمال تخريب، إسرائيلية على حدّ قولهم، استهدفت منشآتهم
ومصانعهم في ناتنز وكرج، التي تعمل وتُنتج أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. لكن
ذلك كان مجرد ذريعة لاتخاذ خطوات لا علاقة لها على الإطلاق بالاستخدام السلمي للطاقة
النووية.
واكد السفير دينس روس المساعد الخاص
السابق للرئيس أوباما، في مقال على موقع "فورين بوليسي"، بان التهديد بالحرب هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام
مع إيران وجاء بالمقال انه على الرغم من رفض
التبرير الإيراني للخطوات المتخذة والرامية إلى إيصال إيران نحو صنع سلاح نووي، إلّا
أن مسؤولي إدارة بايدن أخبروا الإسرائيليين، كما علمتُ مؤخراً خلال تواجدي في إسرائيل،
أنه "تمت ممارسة ضغوط جيدة وأخرى سيئة على إيران" - مستشهدين بتخريب منشآت
ناتنز وكرج على اعتبار أن العملية تشكل ضغوطاً سيئة حيث استغلها الإيرانيون للتخصيب
إلى مستوى قريب من صنع الأسلحة وإنتاج معدن اليورانيوم الذي يتمثل هدفه الأساسي في
صنع نواة لقنبلة نووية.
وفي حين أنه من المؤكد أن إيران استخدمت هذه الخطوات لتجاوز عتبات خطيرة، إلا
أن هذا الجدل يغفل نقطة أساسية. لقد أدرك الإيرانيون أهمية هذه الخطوات ولم يشعروا
بالخوف؛ ومن الواضح أنهم توقعوا ردّ فعل محدود، إن وجد أساساً، سواء دبلوماسياً أو
خلاف ذلك، من الولايات المتحدة أو الأعضاء الآخرين في مجموعة دول الخمسة زائد واحد،
وهي الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة.
وكانوا على حق - فلم يترتب أي تداعيات على تلك الخطوات. واكد روس علي إن عدم
خوف الإيرانيين من تبعات طموحاتهم النووية أمر خطير.
فقد يسفر عن سوء تقدير في الحسابات
من الجانب الإيراني حول إمكانية إقدام الولايات المتحدة على أي ردّ عسكري، ويقلّص بالتأكيد
احتمال تحقيق أي نتيجة دبلوماسية. ومن بين
الأسئلة التي تطرح نفسها هنا، هل يمضي الإيرانيون الآن قدماً بالتخصيب القريب من صنع
سلاح نووي، وإنتاج معدن اليورانيوم، وسلاسل من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة للضغط
على واشنطن لتحسين شروط الاتفاق النووي، حيث يحصلون على تخفيف العقوبات بأكثر مما يحق
لهم به مقابل قيود أقل على بنيتهم التحتية النووية؟ أم هل يقومون بذلك لأنهم يرغبون
في امتلاك قدرات عتبة نووية - كتلك التي تتمتع بها اليابان - تمكّنهم من الانتقال بسرعة
كبيرة نحو صنع سلاح نووي إذا اختاروا القيام بذلك؟ أو الاثنان معاً، بما أنهما ليسا
خيارين متعارضين؟ وقال روس ما لم يدرك الإيرانيون
أن المسار الذي يسلكونه يشكل خطراً عليهم، فسترتفع احتمالية استخدام القوة.
ومن المؤكد أن الإسرائيليين، انطلاقاً من اعتقادهم بأن التهديد النووي الإيراني
هو تهديد وجودي، هم أكثر ميلاً إلى الذهاب أبعد من التخريب وشنّ هجوم عسكري على البنية
التحتية النووية الإيرانية بالكامل، ولا سيما في الوقت الذي يرون فيه أن إيران تقترب
من نقطة التحول للوصول إلى قدرات عتبة سلاح نووي على غرار اليابان - وهي القدرة التي
من شأنها أن تمنح إيران قابلية تقديم واقع نووي للعالم في التوقيت الذي تختاره.وإذا
أرادت الولايات المتحدة تقليل مخاطر نشوب صراع ومنح الدبلوماسية فرصة للنجاح، فسيتعين
على إدارة بايدن أن تعيد بث الخوف في نفوس الإيرانيين من ردّ فعل أمريكي وممارسة الضغط
بشكل أكثر فاعلية.