تحليل امريكي يرصد استخدام المليشيات العراقية للطائرات المسيرة
الإثنين 15/نوفمبر/2021 - 01:17 م
طباعة
روبير الفارس
قبل هجوم الطائرات بدون طيار على رئيس الوزراء الكاظمي في 7 نوفمبر الجاري كان جهد المليشيات الأول ينصب في محاولتها الإظهار بأنها الضحية، التي اختارات طريق الاحتجاجات للتنديد بسياسة الكاظمي، لكنها بعد الهجوم تشعر بالعزلة .
واكد تحليل امريكي مطول نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني علي استمرار حالة الانعزال التي تعاني منها "المليشيات "، فبدايةً، مُنيت الجهود الانتخابية لـ "عصائب أهل الحق" و"حركة حقوق" التابعة لـ "كتائب حزب الله" بفشلٍ ذريع، ثم أخذ مقتدى الصدر يفصل أنصار "المقاومة"، أمثال "منظمة بدر" ونوري المالكي، عن «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق».
وفي الوقت نفسه، شهدت "المليشيات" إدانة لعناصر من «كتائب حزب الله» بتهمة قتل متظاهرين في البصرة وتطهير أجهزة الاستخبارات من مسؤولي "المليشيات ". ويبدو أن هذه العزلة أثارت ردّاً منسقاً بل متسرّعاً من «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق».
وفي هذا السياق، تناول التحليل الذى شارك في كتابته كريسبين سميث المتخصص في شؤون الأمن القومي. وتركز أبحاثه على قضايا الأمن، وحقوق الإنسان، وقانون النزاعات المسلحة في العراق. والباحث مايكل نايتس المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج. والدكتور حمدي مالك المتخصص في الميليشيات الشيعية. وهو المؤسس المشارك لمنصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات"، التي تقدم تحليلاً متعمقاً للتطورات المتعلقة بالميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا. تطور مظاهر الاحتجاج للمليشيات من التعبير العنيف الي التطور في استخدام العنف .
حيث رصد التصعيدٌ في الخطابات فمنذ الرابع من نوفمبر، عملت «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» على رفع نبرة خطاباتهما قبل بدء التظاهرات الاحتجاجية. ففي مقابلة على قناة العهد، قال أمين عام «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، إن "المشاركين في الاعتصام لا يمكنهم العودة إلى منازلهم خاسرين"، مضيفاً أن «عصائب أهل الحق» قد تقاطع مجلس النواب.
وذهب أعضاء آخرون في التنظيم إلى أبعد من ذلك، حيث غرّد النائب عن كتلة "صادقون" (الجناح السياسي لعناصر «عصائب أهل الحق») عبد الأمير التعيبان في 4 نوفمبر على تويتر: "نصيحة إلى #الزعماء_العراقيين الذين أزاحتهم السفارة الأمريكية من ساحة القرار السياسي بواسطة انتخابات لا يختلف عليها اثنان أنها مزورة. إنكم إذا ابتلعتم الطعم وتغاضيتم عن هذه المهزلة مقابل حصص زائلة، فإن مصيركم كنهاية معمر القذافي [الزعيم الليبي المقتول] الذي مزقت رأسه عصابات منفلتة [عاملة] بإشراف فرنسي".
ومع بدء المظاهرات في المنطقة الخضراء رصدت سلسلة "الأضواء الكاشفة للميليشيات" نشاطاً إعلامياً مكثفاً ومعداً مسبقاً عبر قنوات "المقاومة" الإعلامية، وخاصة قنوات «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق»، التي نشرت صوراً ومقاطع فيديو للاحتجاجات، من بينها صور للمتظاهرين الجرحى. ولكن طوال هذا الوقت، بقيت المنصات التابعة لـ «منظمة بدر»، مثل "منصة باء"، صامتة إلى حد كبير فيما يتعلق بالاحتجاجات، مما يعكس عدم وجود اهتمام أو دعم من جانب «منظمة بدر» في الكتلة السياسية لـ «تحالف الفتح».
كما أعادت "صابرين نيوز" نشر بيانٍ صادر عن "اللجنة التحضيرية للتظاهرات الرافضة لنتائج الانتخابات في بغداد والمحافظات" التي تشكلت حديثاً، وتبعتها عدة قنوات على "تلجرام" تابعة لـ «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله».
وكرّر البيان مزاعم التزوير في الانتخابات ودعا إلى تحميل رئيس الوزراء الكاظمي وعبد الوهاب الساعدي وحامد الزهيري "المسؤولية المباشرة لسقوط العشرات من الشهداء والجرحى". (وتم أيضاً استهداف مسؤول المخابرات أبو رغيف و "نائب قائد العمليات المشتركة" عبد الأمير الشمري بالتهديدات) وسعت العمليات الإعلامية التي قامت بها "المقاومة" إلى خلق موجة من التأييد لإدانة تلك الشخصيات والقضاء على محاولة الكاظمي لإعادة تكليفه بولاية جديدة. (وفي اليوم التالي، تم إنتاج مثل هذه الرسوم البيانية بكميات كبيرة على اللوحات الإعلانية لكي يحملها المتظاهرون).
وعندما وصل أمين عام «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي إلى ساحة الاعتصام صرّح قائلاً: "سنحاسب كل المسؤولين عن الاعتداء على المتظاهرين السلميين بالقانون"، كما هدد الكاظمي مباشرةً بالقول: "رسالتي إلى الكاظمي نفسه، دماء هؤلاء الشهداء من ردّك بالرصاص الحي... الرد على هذا النحو يعني أنك المسؤول الأول عن هذا التزوير [في الانتخابات] يا كاظمي.. وكل من يقف مع الكاظمي وخلف الكاظمي وأمام الكاظمي وكل من شارك بهذه الجريمة... أيها الكاظمي دم الشهداء هو محاكمتك... دماء هذه الشهداء لن نتركها كما لم نترك دماء أبو مهدي والحاج قاسم، ووصل ردنا لكل القواعد الأمريكية، فحق دماء الشهداء برقبتي [وسنأخذ بحقهم عبر محاكمتك ومحاكمة كل من شارك في إطلاق الرصاص على المتظاهرين]". وفي اليوم التالي، أطلقت "الوحدة 10000"، التي تعتبر من أبرز قنوات «كتائب حزب الله» الإعلامية على منصة "تلجرام"، قوائم بأسماء عناصر قوى الأمن زاعمةً أنهم مسؤولين عن جرائم القتل التي ارتكبتها قوات الأمن. وكتبت التعليق الآتي: "هذه المرة سنكتفي بنشر هذه الأسماء، لكن المرة المقبلة لا تلُمنا على نشر اسمك صورتك وعنوانك وحتى رقم سلاحك ونوعه".
واكد التحليل علي أن «كتائب حزب الله» و «عصائب أهل الحق» تعملان معاً بطريقة سريعة ومتكاملة، وتدمجان بين شبكات الدعاية التابعة لهما، للإشارة إلى أنهما لن تُعزلا وأن لديهما مصالح مماثلة (في هذا الجهد). ولا شك في أن هذه الرسالة موجهة جزئياً إلى سياسيي "المليشيات" الذين ربما يبحثون عن طرقٍ للتعامل مع مقتدى الصدر، أمثال هادي العامري ونوري المالكي. كما رصد التحليل انه في الخامس من نوفمبر، هدد أمين عام «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي رئيس حكومة تصريف الأعمال الكاظمي شخصياً، قائلاً: "رسالتي إلى الكاظمي نفسه، اسمعها من شروكي أصيل، حق دماء الشهداء برقبتي [وسنأخذ بحقهم عبر محاكمتك ... ومحاكمة كل من شارك في إطلاق الرصاص على المتظاهرين]. إلا أن الخطوة الأولى التي اتُّخذت ضد الكاظمي كانت بعيدة كل البعد عن أن تكون قانونية: ففي وقت مبكر من السابع من نوفمبر، ضربت طائرتان مسيّرتان رباعيتا المراوح ومحمّلتان بالمتفجرات مكان إقامة رئيس الوزراء الكاظمي، فأوقعتا أضراراً في البناء لكنهما لم تصيبا الكاظمي بأذى.
وعلي الرغم من نفي المليشيات وجود هجوم حقيقي بطائرة مسيرة.نشر أبو علي العسكري من «كتائب حزب الله» بياناً زعم فيه أنه "لا أحد في العراق لديه حتى الرغبة لخسارة طائرة مسيّرة على منزل رئيس وزراء سابق [على حد قوله]"، وأشار إلى أنه إذا كان أي شخص قد فعل ذلك، "فتوجد طرق كثيرة جداً أقل تكلفة". كما كرّر أمين عام «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي سردية العمل الزائف، لافتاً إلى ضرورة البحث بجدّ عن منفّذي العملية لأنها [الانفجار] "محاولة لخلط الأوراق [أي تعكير المياه] لمجيئها بعد يوم واحد على الجريمة الواضحة بقتل المتظاهرين والاعتداء عليهم وحرق خيمهم".وقدم التحليل تتبع للطائرات الرباعية المراوح المستخدمة في الهجوم
فقد كانت الطائرات المسيّرة التي استُخدمت في هجوم 7 نوفمبر عبارة عن أنظمة رباعية المراوح قصيرة المدى من النوع الذي شوهد بشكل دوري منذ يوليو 2020.ورصد التحليل تاريخ الهجوم بهذه الطائرات من هذا التوقيت ففي
23 يوليو 2020: تم العثور على طائرة رباعية المراوح على سطح مبنى في منطقة "الجادرية" ببغداد عند الضفة المقابلة من ضفة نهر دجلة التي تقع عندها السفارة الأمريكية. وكانت مفخخة بذخيرة تطابق بشكل وثيق النوع الذي عُثر عليه (غير منفجر) على سطح منزل الكاظمي في 7 نوفمبر.
وفي 4 مارس 2021 تم استخدام طائرة رباعية المراوح مشابهة لتلك التي عثر عليها في 23 يوليو في محاولة التحليق فوق مجمّع القيادة الكردية في أربيل خلال فترة توتر بين عناصر "المقاومة" المدعومة من إيران و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» بسبب تفاوض الأكراد المسبق مع مقتدى الصدر. وتم الإبلاغ عن مشاهدة طائرة ثانية رباعية المراوح عند منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في الليلة نفسها، مما يعكس على الأرجح قلق "المليشيات " من المحادثات التي جرت بين الصدر والكاظمي و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» قبل الانتخابات.
2 يوليو 2021: تم العثور على طائرة رباعية المراوح ومطابقة تقريباً للطائرة المحطّمة التي عثر عليها في 23 يوليو في بغداد .
5 يوليو 2021: كشفت الدفاعات الأمريكية في بغداد عن طائرة أخرى رباعية المراوح ومطابقة تقريباً للطائرتين اللتين عثر عليهما في 23 يوليو 2020 و 2 يوليو 2021، وأسقطتها تلك الدفاعات.
تقدّر "الأضواء الكاشفة للميليشيات" أن تكون الجهة التي نفّذت الهجمات السابقة ربما نفسها التي شغّلت الطائرات الرباعية المراوح التي استُخدمت لاستهداف الكاظمي في 7 نوفمبر 2021. وتشير الخصائص التقنية للطائرات المسيرة (المظهر، نظام إدارة البطارية عالي الجودة، علبة البطارية المطبوعة بالتقنية الثلاثية الأبعاد، ونظام القياس عن بُعد، والكابلات المميزة) إلى تورّط فريق هندسي ماهر في الهجمات ضد خصوم "المليشيات" في العراق.ويختتم التحليل بالتاكيد علي ان الهجوم يترك «عصائب أهل الحق» و «كتائب حزب الله» أكثر انعزالاً من ذي قبل، في حين أن الكاظمي نال دعماً قوياً في الخطابات الدولية بعد الهجوم بالطائرات المسيّرة. وقد يكون ذلك مؤشراً إضافياً على أن «عصائب أهل الحق» أو «كتائب حزب الله» أو كلا التنظيمين فاقدٌ للحس السياسي.