ليبيا.. صراع لا ينتهي بين السياسة والاقتصاد والارهاب
الثلاثاء 26/أبريل/2022 - 05:09 م
طباعة
حسام الحداد
كثيرا ما نتسائل في ظل تلك الأزمات والصراعات الداخلية على السلطة في ليبيا، عن أثر الاقتصاد في هذا الصراع، ولا شك أن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية أظهرت الانحرافات والسياسات الخاطئة التي تتحكم في ليبيا منذ 2011؛ حيث تسببت خلال الأربعة أشهر الماضية في تفاقم معاناة الليبيين من زيادة الأسعار ونقص السلع أضعاف ما تعانيه بلاد أخرى خلال الأزمة.
وما بين الاقتصادي والسياسي نجد الارهاب الذي ما زال فاعلا في الداخل الليبي، ونحاول في هذا التقرير وضع القارئ على أخر تطورات هذا الصراع.
مكافحة الإرهاب:
أعلن الجيش الوطني الليبي، مساء أمس الاثنين 25 ابريل 2022، أن وحداته العسكرية اشتبكت مع مجموعات تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي بمنطقة غدوة، جنوب شرقي ليبيا.
وجاء في بيان للمسؤول الاعلامي بالقيادة العامة للجيش خليفة العبيدي، أن "وحدات استطلاع تابعة للقيادة العامة رصدت تحركات هذه المجموعات، وأسفرت الاشتباكات بعد نحو ساعة عن إصابة إرهابيين اثنين، فيما تقوم الوحدات بعمليات تمشيط لكامل المنطقة للقبض على المختبئين، ومنهم مسؤول التفخيخ القيادي بداعش هشام بن هاشمي، تونسي الجنسية، وهو أحد المحاصرين".
وأضاف البيان أن قوات الجيش "صادرت هواتف محمولة وعبوات ناسفة ومتفجرات كانت بحوزة الإرهابيين وفي إحدى عرباتهم".
ووفق تقدير خبراء ليبيين، فإن الهجوم "يأتي ضمن عدة عمليات تثبت أن المبادرة في المواجهة مع التنظيمات الإرهابية باتت لحد كبير في يد الجيش الليبي، خاصة بعد تعزيز قدراته التسليحية وتنسيقه مع دول الجوار".
وقال الجيش إنه أحكم سيطرته على الجنوب وقطع الطريق على إمدادات جماعات إرهابية، مما دعاها لتشكيل تحالف لمتابعة نشاطها، غير أن الجيش يسعى لتتبعها عبر الاستطلاعات البرية والجوية والدوريات المتحركة، مشددا على أن الأوضاع الأمنية "أصبحت أفضل".
وفي هذا السياق، أكد آمر منطقة سبها العسكرية اللواء فوزي المنصوري، أن أغلب التنظيمات التي تستهدف الجيش جنوبا لها امتداد في الدول المجاورة، مما دعاه للتنسيق مع هذه الدول لمحاصرة المتسللين.
ووفق تقارير عسكرية وأمنية، فإن عمليات الجيش قضت بنسبة كبيرة على انتشار عصابات التهريب، وقللت نشاط الفصائل المسلحة التي تدخل ليبيا من دول الجوار، خاصة التابعة لمتمردي تشاد والسودان، وأضعفت قوة تنظيمي "القاعدة" وداعش في المنطقة الجنوبية التي كان يأمل التنظيمان أن تكون منطلقا لمهاجمة باقي المدن الليبية.
الأزمة الاقتصادية:
وعلى المستوى الاقتصادى للأزمة الليبية نجد أنه منذ 2011 تتحكم في السوق شركات استيراد للسلع الغذائية ركَّزت همها على المتاجرة بالعملة الصعبة وليس تحقيق الأمن الغذائي لليبيين، واعتمدت الحكومات المتعاقبة على أساليب المسكنات أو ترحيل الأزمات للمستقبل، دون الاهتمام بحلول جذرية مثل زيادة الرقعة الزراعية وصوب تخزين الغلال وتخزين الخضراوات.
ويُعيد الخبير الاقتصادي الدكتور عمران التاجوري، أسباب عدم انضباط الأسعار في ليبيا إلى أمورٍ تُضاف للأزمة العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، ومنها غياب الدولة والأجهزة الرقابية؛ ما أدى إلى ارتفاع الأسعار أكثر من مرة خلال عام، وتباين هذه الأسعار من منطقة إلى أخرى.
ويضيف التاجوري أن ما وصفها بـ"السياسات الاقتصادية المتسرعة والخجولة وغير المدروسة بعناية، من الحكومة لا ينتظر منها إحداث أي فارق في هذه الأزمة، وتركت السوق للمضاربين، فيما تبرر ارتفاع الأسعار بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار الليبي"، في إشارة إلى الحكومة المنتهية ولايتها بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
وحسب المحلل السياسي جابر الهمالي، فإن الشركات المستوردة التي انتشرت بعد 2011، وتعود ملكيتها لشخصيات ذات نفوذ في الغرب الليبي، احتكرت الاعتمادات المستندية بالعملة الصعبة، ولم يكن هدفها الأساسي استيراد المواد الغذائية، بل المتاجرة في العملة مقابل جلب جزء بسيط كبضائع تباع في السوق بسعر مضاعف لأكثر من مرة، دون مراعاة للقدرة الشرائية للمواطن.
يرى الهمالي بدوره أن "عجز الحكومة ومؤسساتها الكثيرة هو السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار وإرهاق المواطن"، مشيرًا إلى أن أكبر عجز لم تفسره مؤسسات هذه الحكومة هو إغلاق مؤسسة السلع التموينية التي تزود المواطن بالسلع المدعومة وفق سياسة معروفة منذ أكثر من 50 سنة.
ومع غياب هذه المؤسسة لم يتم صرف البديل النقدي، بينما بقي سقف المرتبات على حاله منذ أكثر من 20 سنة؛ الأمر الذي ولَّد معادلة صعبة طرفها الضعيف المواطن، وفق الهمالي.
وسبق أن حذر خبراء اقتصاديون من الاتجاه لرفع الضريبة الجمركية الذي دعت له حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها، وأرجعوا خطوة هذه الخطوة إلى أنها ستزيد أرباح التجار، دون تحسين في مستوى بقية المواطنين.
واعتبر الخبراء أن "الحل الأمثل" هو إزالة الفروق الشاسعة بين الدخول من خلال نظام مرتبات موحد لكل العاملين في الدولة، بالإضافة إلى تفعيل الضرائب على الدخول العالية، وإعفاء السلع الغذائية من الرسوم الجمركية لتخفيف العبء على المواطن، وتشجيع أدوات الاستيراد على زيادة وارداتها من السلع الغذائية، ورفع مستوى المخزون الاستراتيجي لتغطية الطلب على السلع.
وقبل أيام، قررت تونس وقف تصدير أنواع من الخضراوات إلى ليبيا التي تعتمد عليها بشكل أساسي، خاصة في المنطقة الغربية؛ وهو ما زاد من أسعار الخضراوات التي لا تلبي حجم الطلب.
وحمَّل المحلل الاقتصادي، محمد الرفادي، في حديث سابق مع "سكاي نيوز عربية"، المسؤولية للسلطات لإهمالها القطاع الزراعي، وعدم استغلال المسطحات القابلة للزراعة نتيجة ضعف تقنيات الري، وكذلك عدم الجدية في إنشاء العدد اللازم لمخازن حفظ الخضراوات.
التحديات :
وفي ظل هذه الازمة الاقتصادية التي خلفها الارهاب وجماعات الاسلام السياسي المنتشرة في ليبيا، حذر البنك الدولي من مواجهة ليبيا "تحديات اقتصادية هائلة"، في ظل تفكك مؤسسات الدولة وتحديات اجتماعية، مع توتر الأوضاع السياسية، مشيرا إلى الحاجة لاهتمام عاجل بتلك الملفات.
وقال المدير الإقليمي للبنك الدولي لمنطقة المغرب العربي ومالطا، جيسكو هينتشل، إن ليبيا "تحتاج بشدة إلى مؤسسات موحدة، وإدارة جيدة، وإرادة سياسية قوية، وإصلاحات طال انتظارها".
وكشف تقرير صادر مؤخرا عن المرصد الاقتصادي الليبي، التابع للبنك الدولي، أن أداء اقتصاد البلاد في معظم العام 2020 هو الأسوأ في آخر السنوات، في ظل مشكلات في قطاع النفط، وأيضا تأثر البلاد بجائحة فيروس "كورونا" المستجد، ما "تسبب في مزيد من الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي"، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام نفسه.
ورغم التقديرات الإيجابية بشأن تعافي الاقتصاد الليبي خلال العام 2021، فقد نبه التقرير إلى أن النمو في القطاعات غير النفط ظل ضعيفا، يعوقه الصراع المستمر، وسوء الخدمات، بما في ذلك قطاع الطاقة، ومع استمرار الجائحة.
وأوصى البنك بحاجة البلاد إلى استثمارات عاجلة في البنية التحتية، والمساعدة الاجتماعية للفئات الضعيفة، بما في ذلك حملة تطعيم ضد الجائحة أكثر فعالية وانتظاما، مع محاولة احتواء الصراع في البلاد، وتحسين الظروف الأمنية في أجزاء كبيرة من البلاد، بما قد يسهم في تحسين توفير الخدمات العامة وتهيئة الظروف لتحقيق انتعاش سريع في القطاعات غير النفط.
وأكد البنك الدولي التزامه بدعم ليبيا من خلال المساعدة الفنية والخدمات التحليلية، إضافة إلى تمويل الصناديق الائتمانية والمنح، مركزا على شقين الأول تسريع الانتعاش الاقتصادي، والثاني استعادة تقديم الخدمات الأساسية، حيث يعمل عبر برنامج خاص على إجراءات تحسين الحياة بشكل ملموس.
وسبق أن نبه صندوق النقد الدولي، إلى حاجة ليبيا لإصلاح نظامها الاقتصادي بشكل هيكلي، وسط مخاوف من تبعات الأزمة الأوكرانية والتضخم الذي ضرب دول العالم بعد وباء كورونا.
كما أشارت المصادر إلى توصية الصندوق باتخاذ آليات نقدية أكثر انضباطًا وحزمًا، بما يسمح بمواجهة حقيقية للفساد، وتحسين إجراءات الرقابة المصرفية، وفتح باب النقاشات مع مؤسسات الدولة الأخرى؛ لتقييم بعض السياسات المالية والتجارية، والوضع الاقتصادي بشكل عام.
البعثة الاممية والأزمة:
على أنغام الخلافات بين أعضائه حول مهمتها، يعقد مجلس الأمن الدولي الأسبوع الجاري، جلسة لمنافشة مسألة التجديد للبعثة الأممية في ليبيا.
وينتهي في 30 أبريل الجاري، قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في الأول من فبراير 2022، بتمديد تفويض بعثة الأمم المتحدة السياسية في ليبيا.
وفيما شهدت جلسة مجلس الأمن التي عقدت قبل 3 أشهر جدلا كبيرًا بين أعضاء المجلس من الدول دائمة العضوية، حول البعثة التي كان مقترحًا تمديد مهمتها حتى 15 سبتمبر المقبل، توقع مراقبون أن يستمر هذا الجدل، وخاصة مع "فشل" المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز، في مهمتها ومعظم الملفات التي تولت إدارتها، خلال الفترة الماضية.
آخر تلك الملفات كان "فشل" مشاورات تونس وتعليق أخرى في القاهرة دون توافق كامل، بالإضافة إلى انسحاب الجيش الليبي من اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، وتعليق صادرات النفط الليبي.
تلك الملفات التي تأزمت نتيجة لـ"فشل" المبعوثة الأممية في التأثير على عبدالحميد الدبيبة لتسليم السلطة للحكومة التي منحها مجلس النواب الثقة برئاسة فتحي باشاغا، جعل من مهمة البعثة الأممية مثار جدل واستياء بين الليبيين.
المحلل السياسي والحقوقي الليبي جمال عامر، توقع التمديد لمهمة البعثة الأممية دون التوافق على اسم رئيسها؛ لأن المجتمع الدولي لا يزال في حاجة لوجودها، لاستمرار إدارة الأزمة.
وأوضح عامر أن الليبيين يرون أن البعثة تدير الأزمة في ليبيا وتعمل على استمرار الانسداد السياسي وإرباك المشهد، بداية من وجودها في عام 2011، ومؤخرا بملتقى جنيف والذي جاء بحكومة الدبيبة عن طريق "التزوير" الذي غضت ستيفاني ويليامز الطرف عنه، على حد قوله.
وأشار إلى أن لقاءات وتصريحات ويليامز الغامضة التي تعطي أحيانا إشارات إلى أن حكومة الدبيبة هي الرسمية، وتارة تشير لباشاغا وأن حكومته المعترف بها، كانت أحد أسباب تأزيم الملف الليبي.
ورغم توقعه تمديد مهمة البعثة الأممية، إلا أنه قال إن بقاء ستيفاني على رأسها يعود إلى روسيا وأمريكا وبريطانيا، والتي تحدد من يكون على رأس تلك البعثة، مشيرًا إلى أن استمرار الاختلافات بين أعضاء مجلس الأمن على تسمية من يقودها يعطي الفرصة لاستمرار المبعوثة الحالية بمنصبها.
وحول مقترح تسمية أفريقي على رأس البعثة، قال المحلل الليبي إنه مقترح قديم لم يحدث توافق بشأنه حتى الآن، إلا أنه أكد أنه حال تمريره فسيكون محل ارتياح بالنسبة لليبيا ولليبيين.
وأكد أن الحرب الدائرة في أوكرانيا ستؤثر على اختيار شخصية رئيس البعثة في ليبيا، فمواقف الدول المتداخلة في ليبيا متباينة بشأن الأزمة الأوكرانية، بين تأييدها لأمريكا وروسيا.
وكانت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو أكدت خلال الجلسة المغلقة، التي عقدها مجلس الأمن الثلاثاء الماضي لبحث تطورات الأوضاع في ليبيا، أهمية تمديد البعثة الأممية في ليبيا.
وشددت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد على أهمية تعيين مبعوث خاص للأمين العام في ليبيا، ليتمكن من القيام بمهامه.
ومنذ الاستقالة المفاجئة للسلوفاكي يان كوبيش من رئاسة البعثة في نوفمبر الماضي 2021، تشغل وليامز منصبه بالإنابة، بعد أن استدعاها الأمين العام للأمم المتحدة لاستلام الملف مجدداً، ومنحها رسمياً منصب مستشارة خاصة، في محاولة منه للاستغناء عن موافقة مجلس الأمن على اختيار البديل.