الدكتور حيدر جود : لا احد يحارب الجانب المعرفي للموروث الديني عند داعش
الأحد 08/مايو/2022 - 06:26 م
طباعة
روبير الفارس
اكد الباحث العراقي الدكتور
حيدر عبد السادة جودة ان وجود تنظيم داعش المشؤوم في الساحة العراقية حتي اليوم, يمثل وجوداً فكرياً, وعلينا أن نتصدى لمثل هذه الأفكار, وأول خطوات النجاح, تتمثل في قتل القديم بحثاً, كما يقول أمين الخولي. فيتضح من ذلك أن أساس المهمة يتمثل في إعادة مداولة الفكر والتراث, لتكون المساحة الكبرى لمهمة التجديد لمحتوى الخطاب الديني, ونشر التوعية الدينية عن طريق إقامة الندوات والمؤتمرات التي تناقش ضرورات الحرية الدينية, وإضفاء مساحة كبيرة على السلم المجتمعي
والدكتور حيدر حصل علي الدكتوراه من قسم الفلسفة في كلية الآداب/ الجامعة المستنصرية ويعمل حالياً في السلك التربوي و صدر له مؤلفان عن دار مصر العربية, احدهما بعنوان: ((الفكر التنويري عند نصر حامد أبو زيد ودوره في تجديد الخطاب الديني)), والآخر عن ((بشرية النص الديني في ضوء التفسير الموضوعي-قراءة تكاملية بين الصراع الإسلاموي والحداثوي)) وتكشف كتاباته عن تفرد وعمق في قراءة الواقع العراقي. الامر الذي دعانا للحوار معه
كيف ترى من موقعك البحثي الصراع الطائفي الحالي في العراق؟
يعيش العراق في سنيّه الأخيرة على مشارف الانجراف نحو الهاوية, ولا يعود السبب في ذلك إلى ما تقدْمت به من سؤال عن الصراع الطائفي الحالي في العراق, فيكاد يكون هذا الصراع معدوماً, ولكن يجدر القول أن كل حركةٍ أو فعلٍ في العراق لا يتحقق إلا بفعل العوامل السياسية والسلطات الجاثية على رقبة الحكم في العراق, فحينما تجد العملية السياسية في العراق نفسها أمام موقفٍ مُحرجٍ من قبل الشعب, قد يُهدد أركانها, تلجأ إلى تفعيل الخطاب الطائفي, لتستثمر في ذلك تعاطف المجتمع الذي دائماً ما يندفع بسهولة تامة نحو تحقيق مجمل الغايات المنشودة لمجتمع السلطة, فيتحقق في ذلك الصراع الطائفي بين أكبر طوائف الإسلام, السنة والشيعة...
وبالتالي فإذا حدثتني عن وجود ثغرات في المجتمع العراقي قد تؤدي إلى صراع طائفي, فإن ذلك لا يرجع إلى نفسية المجتمع, بقدر ما تكون السياسة هي المروج الرئيس لتلك الصراعات, عن طريق نفوذها على بعض أدوات القتل من المجرمين, ودفعهم إلى الشارع لصناعة الفتن والبلبلة, وهم بذلك –أي السياسيون- أشبه بما أطلق عليهم عالم الاجتماع الأمريكي (Herbert Schiller) بـ(المتلاعبون بالعقول).
على الرغم من الإعلان عن القضاء على داعش عسكرياً إلا أن وجود التنظيم ما زال قوياً في العراق, هل تتفق مع ذلك؟
نعم أتفق معك تمام الاتفاق, فتشييد معالم الدولة الإسلامية في وانطلاقها عبر نافذتي العراق والشام نحو العالم, لم يكن مجرد صدفة, أو كما أحب العراقيون أن يعزوها إلى المد الكولونيالي الاستعماري, فهي في حقيقة الأمر مجموعة من النظم والأفكار المعقدة التي تستمد جلَّ رؤاها عن طريق ما ترسب في أذهاننا عن العقيدة الإسلامية, وبالتالي فهي امتداد معرفي لجانب من جوانب الموروث الديني.
وبذلك فهي فكرة, والفكرة كما يُقال لا تموت, نعم قد تنهزم, لكنها لا تتلاشى كما يتصور البعض, وقد قلنا مراراً وتكراراً أن النصر الذي أُنعم به علينا يجب أن لا يبقى حسير السلاح والإمداد العسكري, بل يجب أن يتحول لبَّ اهتمامنا إلى القلم, فهو الكفيل بأن يساهم في التحرير الفكري, بعدما نجحنا في التصدي لمثل هذه الفلول التكفيرية والإجرامية عن طريق السلاح.
وبالتالي فوجود التنظيم المشؤوم في الساحة العراقية اليوم, يمثل وجوداً فكرياً, وعلينا أن نتصدى لمثل هذه الأفكار, وأول خطوات النجاح في تقنين هذه الهوة, تتمثل في قتل القديم بحثاً, كما يقول أمين الخولي. فيتضح من ذلك أن أساس المهمة يتمثل في إعادة مداولة الفكر والتراث, لتكون المساحة الكبرى لمهمة التجديد لمحتوى الخطاب الديني, ونشر التوعية الدينية عن طريق إقامة الندوات والمؤتمرات التي تناقش ضرورات الحرية الدينية, وإضفاء مساحة كبيرة على السلم المجتمعي.
وفي رأيك ما هي أسباب وجود بيئة حاضنة لداعش بالعراق وكيف يمكن مواجهتها؟
لا اعتقد بأني سأُفلِح في الإجابة عن هذا السؤال, لخطورته طبعاً, ولكني أعتقد بأن النظام الهش الذي ورثناه عن احتلال أمريكا للعراق, وتولى رجالات الصدفة على دفة الحكم, قد يكون سبباً رئيساً في استفحال مجموعةٍ من الخلايا النائمة, والتي تعتنق فكراً موروثاً عن السلف, فتهيئ لها المناخ الملائم لمزاولة مجمل الممارسات الإرهابية...
ولا شك في وجود سبباً آخر عن سلطت الضوء عليه في تساؤلٍ سابق, ويتمثل بالصراع الطائفي في العراق, فالمتابع لأوضاع العراق في عام 2007-2008, وهو عام اندلاع الحرب الأهلية الطائفية بين سنة العراق وشيعته, وقد كان المُسبب كما أسلفنا غبي من أغبياء السلطة, راح ضحيتها آلاف الأبرياء, وتمَّ على إثرها تهجير مئات العوال العراقية الأصيلة, كل ذلك زرع في قلب بعض الأفراد عقدٌ نفسية ضهر مفعولها في عام 2012, واعتبر أن حكّام السلطة في هذه السنة كانوا أكثر طائفية من السابقين واللاحقين, فنتج عن كل ما تقدم قيام مجموعة بشرية مخربة في إعلان سقوط ثلاثة محافظاتٍ عراقية, وإعلاء راية الدولة الإسلامية في العراق والشام.
كيف تقيم الدعوات لتجديد الخطاب الديني في العراق؟
لا زال موضوع تجديد الخطاب الديني, يُلاقي موجة من التهميش والإقصاء في الساحة المعرفية العراقية, وقد يعود السبب في ذلك لعدم توافر الفرض الأكاديمية في فتح هذا الباب, فكنا ولا زلنا نتأمل أن يندرج هذا الموضوع تحت السقف الأكاديمي في العراق, ويكون درساً مهماً يُزاوَل الحديث فيه بمختلف أروقة الجامعات العراقية, على اعتبار أن الجيل الجامعي هو الأولى في فهم خبايا الخطاب الديني, وما يترتب عليه من آثار سلبية قد تُشعل فتيل الاقتتال الطائفي وتسويف الاختلاف الطائفي وتحويله إلى خلاف مُبطن إيديولوجياً.
وأجد من جانبي في شخصية الاستاذ الدكتور جعفر نجم نصر, المتخصص في أنثروبولوجيا الأديان في الجامعة المستنصرية, جدية كبيرة في طرح معالم التجديد, لكنها تبقى مجرد حالة, نتيجة لفردانيتها التي تحول دون تحويلها إلى ظاهرة. وبالتالي يجب أن نمضي قدماً نحو تحقيق ذلك التجديد, وضرورة تحويله إلى ظاهرة لها معالمها الواضحة, والذي نستطيع من خلاله الإبداع والابتكار, ومغادرة منطقة التقليد والإتباع, التي تصر على تبني القوالب الجاهزة سواء من فكرة الأصالة أو المعاصرة.
ما هي الطرق الأمثل لمواجهة المليشيات ذات الانتماء الايراني في العراق, وهل من الممكن أن تختفي صورة كاملة عن المشهد العراقي؟
يشهد العراق حالياً, ومع الأسف الشديد قولُ ذلك, ساحة لتصفية الحسابات الدولية, فإذا اشتعل فتيل الحرب البيضاء ما بين دولتين, فإن انعكاس تلك الحرب يُضفي بظلالهِ على العراق, ولكنها ليست بيضاء هذه المرة, وإنما يُستعمل فيها صواريخ عابرة للقارات, فإذا قتلت إسرائيل شخصيات إيرانية في سوريا, فإن لإيران موقفاً مقاوماً قد أسفر عن قصف مدينة أربيل في العراق, وإذا تحركت إيران لضرب قواعد أمريكية, فليس لأمريكان إلا شنُّ غاراتٍ على العراق... وهذا عجب العُجاب.
وبالتالي فليس ايران وحدها من تمد المليشيات في العراق, فهنالك جهات موازية لها نصيبٌ مقابلاً في دعم مجموعةٍ من المنفلتين, فالأخيرة تدافع عن دولة معينة ضد ايران, والميليشيات تدافع عن إيران ضدها, والغريب أن العراق هو الذي يُشرف على هذه النزاعات في أرضه وبسواعد أبناءه.
وكل ذلك يعود إلى ضعف السياسات الحاكمة في التصدي والحفاظ على معالم السيادة العراقية, والتي هي في أغلب الأحيان تعيش في العراق جسداً, وفي الدول الأخرى روحاً وفكراً ومنطقا.
وإذا ما سألتني عن إمكانية اختفاء هذه الحركات المُنفلتة عن العراق, فأقول لك بأن ذلك منوط بحركتين: الأولى شيوع ظاهرة الاحتجاجات الشعبية, والأخرى في تصدي من ينتمون إلى العراق حصراً على دفة الحكم, وقد تحقق الشرط الأول في نشأة احتجاجات مهيبة عُرفت بـ(ثورة تشرين), لكنها قد أخفقت لسبب عدم وجود العونِ في السلطة, فما هي حلول تشرين إذا كان مجمل الحاكمين ينتمون ويُستَخدمون كأجندات خارجية تعمل لمصلحة دولٍ خارجية, تعمل بالأساس على ضرب المصالح العاقية؟.
نأمل في أن يأتي اليوم الذي نشد فيه تحرر العراق من أشباه هذه الفلول, لينعم وأهله في عيشة يستحقها.
هل اهتمامك بفلسفة الخطاب الديني من خلال قراءة نصر حامد أبو زيد والصراع بين الإسلامويين والحداثويين له مردود في الفكر والثقافة العراقية؟
نتمنى أن يتحقق ذلك المردود الثقافي, ليس لأنني قد كتبت عنه, بل لضرورته وحساسيته ونتيجته العملية والمثمرة في الساحة العراقية, ولكن الحقيقة تقول أن المجتمع العراقي أمامه الكثير لكي يتم النظر إلى التجديد كضرورة معرفية.
وفي واقع الأمر أن ما كتبته قد استحسنه البعض, ولم يقابل من البعض الآخر إلا بالرفض, سواءٌ من الأهل أو الأصدقاء, ولكن ذلك الرفض لم يُبنى على معالم الإقصاء والحقد, بقدر ما هو خوفٌ عليَّ من المحيط الموازي, فأنا أعيش في منطقةٍ شعبية, هي وإن كانت نبيلة ومثقفة, إلا أن أغلب أفرادها يندرجون تحت عباءة الفصائل والأحزاب الإسلامية, الذين يبرعون في (استراتيجية البحث عن العفريت) كما يقول نصر حامد أبو زيد.
ما هي دراستك التي تعمل عليها حالياً
كتبتُ دراستي الأولى عن تجديد الخطاب الديني, وقد عُدِّل العنوان لاحقاً ليكون (الفكر التنويري...), وكان بمثابة المدخل العام لدراسة الخطاب الديني, ونوّهتُ فيه إلى أن معالم الخطاب الديني تتألف من ركيزتين: النص الديني من جهة, ومشروع الحكومة الإسلامية من جهة أخرى, نجحت في دراسة النص الديني في كتاب (بشرية النص الديني) والصادر عن دار مصر العربية, بقي علينا أن نناقش الحكومة الإسلامية بين ولاية الفقيه والحاكمية, وهو ما نسعى جاهدين إلى إنجازه, وهو قيد الاكتمال.