الأزمة الليبية إلى أين.. ؟
الإثنين 04/يوليو/2022 - 02:48 م
طباعة
حسام الحداد
يعكس خروج الاحتجاجات في أنحاء البلاد الإحباط المتزايد بين الليبيين، من تناحر السياسيين المنقسمين، والفصائل التي يدور بينها الاقتتال منذ سنوات في شرق البلاد وغربها، وهو ما انعكس على تردي الخدمات وسوء الأحوال المعيشية.
وتعليقا على الأوضاع في ليبيا حذر الأمين العام للجامعة العربية، اليوم الإثنين 4 يوليو 2022، من تبعات حالة الانسداد السياسي في ليبيا وتداعياته الوخيمة على الاستقرار.
وأعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، مجدداً عن قلقه إزاء تطورات الوضع في ليبيا، وذلك عقب الإخفاق في التوافق حول بعض القضايا العالقة بمسودة الدستور، والتي سبق لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة أن حققا توافقاً مشجعاً في معظمها خلال اجتماعات القاهرة وجنيف.
واعتبر أبو الغيط في بيان لـه الإثنين اطلعت "العين الإخبارية" عليه، أن "الانسداد السياسي قد تكون له تبعات وخيمة علي استقرار ليبيا".
وقال المتحدث باسم الأمين العام جمال رشدي إن "هناك تفهماً للأسباب التي دعت المواطنين للتظاهر في مختلف المدن الليبية للتعبير عن الاحتجاج على الوضع العام الذي تعيشه البلاد، لاسيما في ظل تفاقم الأزمة السياسية، وانعدام الخدمات الأساسية، وعودة مظاهر الانقسام في المؤسسات الاقتصادية".
ونقل المتحدث عن الأمين العام رفضه الكامل للأفعال المليشياوية أو تخريب وتدمير المنشآت العامة للدولة الليبية، كوسيلة مفترضة من البعض للتعبير عن الاحتجاج.
وأهاب المتحدث بجميع الفاعلين السياسيين أن يضطلعوا بمسؤولياتهم ويبادروا بتكثيف الاتصالات فيما بينهم لإنهاء الجمود السياسي.
وجدد دعم الأمين العام للمساعي التي تصُب في هذا الاتجاه وتنهي حالة الإحباط التي يعيشها المواطن في ليبيا نتيجة إخفاق المعنيين في إتمام إعداد الأساس الدستوري اللازم لإجراء الانتخابات التي باتت مطلباً شعبياً مُلحاً وهي السبيل الوحيد لتجديد شرعية جميع مؤسسات الدولة الليبية وإنهاء الانسداد السياسي الراهن.
محاولات مصرية لحل الأزمة
ورغم التصعيد السياسي للأزمة الليبية، ووصول الأطراف إلى حالة الانسداد السياسي، هناك محاولات خارجية لحل الأزمة ومحاولة خلق حالة من السيولية لسياسية تسمح للأطراف بالتفاهم وفي هذا الإطار أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، يوم الأحد 3 يوليو 2022، أن الاضطرابات التي حدثت مؤخرا في ليبيا تعد مؤشرا لعدم رضا قطاعات عريضة من الشعب بسبب استمرار الأزمة وإرجاء العملية السياسية الانتخابية والوصول إلى التوافق المنشود.
جاء ذلك ردا على سؤال حول تقييم الوضع الراهن في ليبيا خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده شكري ونظيره النمساوي ألكسندر شالينبرغ.
وقال شكري: "إننا دعمنا منتدى الحوار الوطني الليبي وما اتخذه من قرارات، ولكننا نرى الآن أن هذه القرارات ليست محل تنفيذ حيث كان هناك إطار زمني محدد كان يجب أن تتم مراعاته واحترامه قد تجاوزناه"، مشيرا إلى أن "هناك قرارا من مجلس النواب الليبي يتعلق بتشكيل حكومة جديدة وهذا المجلس هو المنتخب منذ 2014 ويعبر عن إرداة الشعب الليبي، وهذا أمر معلق".
وأضاف أن "هناك ازدواجية في إطار الأجهزة التنفيذية وقدراتها على الاضطلاع بمسؤوليتها لتوفير احتياجات الشعب الليبي والحفاظ على مقدرات ليبيا وسيادتها واستقرارها".
وأوضح شكري أن "مصر تبذل جهدا كبيرا في إطار التأكيد على عدم اللجوء إلى العمل العسكري والوصول إلى حل للأزمة الليبية وتعزيز الحوار والعمل على التوصل إلى توافق ليبي - ليبي يقود إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية المتزامنة ويؤدي إلى وجود مجلس نواب يعبر عن إرادة الشعب وحكومة ورئيس يعبرون عن إرادة الشعب الليبي ويتخذون قرارات تتوافق مع مصالح الشعب الليبي وعلى سيادة وأراضي ليبيا ومقدراتها".
وأشار إلى "الجهود التي بذلت في إطار الحوار الدستوري الذي انعقد في القاهرة، وتم استئنافه في جنيف واجتماعات اللجنة العسكرية (٥+٥) لتثبيت الأوضاع وعدم اللجوء إلى أي عمل عسكري آخر والجهد الذي يبذل مع كافة الأطراف الليبية".
واعرب وزير الخارجية المصري عن "الأمل في الوصول إلى التوافق الليبي الليبي"، مضيفا "إننا نرى فيما حدث من اضطرابات في ليبيا قدرا من عدم الارتياح واسع النطاق لدى الأشقاء فى ليبيا."، مشددا على "الاهتمام الذي توليه مصر بحكم الجوار والروابط الوثيقة بين الشعبين الشقيقين وتستمر في بذل كافة الجهود للوصول إلى الحل الليبي الليبي التوافقي الذي يقود إلى العملية الانتخابية وبالتالي يرسخ شرعية كل مؤسسات الدولة".
ولفت إلى أن "هناك شرعية قائمة في المجلس الرئاسي ومجلس النواب الليبي ويجب أن يتم احترام هذه الشرعية وتجاوز الخلافات والسير قدما نحو الانتخابات وهو ما يتسق مع مقررات مجلس الأمن ومخرجات مساري برلين وباريس، ولابد وأن يكتمل بخروج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية والتعامل مع قضية الميليشيات والتنظيمات الإرهابية وكل هذا متشابك لكن الشيء الذي يؤدي إلى التعامل مع كل هذه التشابكات هو وجود سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية منتخبة تكون لها الشرعية والمصداقية في اتخاذ القرارات السليمة المعبرة عن إرادة الشعب الليبي".
الجيش الليبي والأزمة
وبعد تصاعد الأزمة السياسية وتنامي الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن ليبية بسبب تردي الأحوال المعيشية وتناحر السياسيين بين حكومتين متصارعتين، قال بيان صادر عن القيادة العامة للجيش، إنها "تتابع القيادة العامة الحراك الشعبي، الذي يعبر عن مطالب مشروعة، في ظل تفاقم الأزمة الليبية، وانغلاق الأفق وتدني المستوى الخدمي والمعيشي للمواطن".
وتابع البيان: "إذ تعلن القيادة العامة وقوفها التام مع الإرادة الشعبية، وتأييدها لمطالب المواطنين، وانطلاقا من دورها في حماية الأمن القومي للبلاد، وحرصا منها على رعاية الشعب وحماية استقراره، الذي انتزعه بعد معركة طويلة مع الإرهاب، ترى أنه من واجبها الوطني أن تخاطب الشعب مباشرة صاحب السيادة".
وشدد البيان على ضرورة "عدم المساس بالمرافق العامة والخاصة"، وأكد أن "القوات المسلحة لن تخذل الشعب، ولن تتركه عرضة للابتزاز والعبث، وهي عند وعدها له بحمايته متى اختار خارطته للخلاص والعبور نحو مستقبل يسوده الاستقرار والسلام والرخاء".
كما دعت القيادة العامة الشعب الليبي إلى "تنظيم تظاهره المشروع بحراك مدني سلمي منظم، لوضع خارطة لطريق الخلاص من الواقع المرير والعبث القائم، والتوجه نحو بناء الدولة المدنية بإرادته الحرة دون نيابة أو وصاية من أحد".
وتابع البيان: "ستتخذ القيادة العامة الإجراءات الواجبة لصيانة استقلال القرار الليبي، إذا ما حاول أي طرف الانفراد به تماشيا مع أي إرادة خارجية تسعى لفرض مشاريعها وقرارها على الليبيين".
مواقف الأطراف
وحول مستقبل العملية السياسية في ليبيا نشر مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية رؤية الباحث في المركز أحمد عليبه والذي وصف مواقف الأطراف قائلا: اللافت في المشهد الليبي الحالي، أن هناك اتفاقاً عاماً لدى كافة الأطراف السياسية على تأييد الحراك، والتأكيد على مشروعية الحق في التظاهر، والعمل على تحقيق مطالبهم، وكأن هذه التظاهرات لم تندلع للإطاحة بهذا الشخصيات والكيانات السياسية التي يمثلونها، وكان عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة أول المبادرين بهذا التأييد على الرغم من أنه على رأس قائمة المطلوب مغادرتهم مواقعهم. كذلك أشار رئيسا مجلسى النواب والأعلى للدولة عقيله صالح وخالد المشري إلى تأييدهما أيضاً للحراك، لكن الواضح من تحليل مواقف وخطاب هذه الأطراف أن كل طرف تعامل مع الموقف من منظور حساباته السياسية، فالدبيبة أعاد التأكيد على أنه لن يسلم السلطة إلا بالانتخابات، وصالح والمشري أكدا على وصولهما إلى نقطة متقدمة فى مسار القاعدة الدستورية.
فى السياق نفسه، كان من اللافت أن الحراك لم يوجه انتقادات للقوات المسلحة فى الشرق والغرب الليبي، وهي نقطة مهمة، فالقيادة العامة أصدرت بيان تأييد للحراك شريطة الإبقاء على سلميته، كما حذر من القفز على الحراك وتوجيه مساره من جانب الأطراف التي تحاول استغلال الموقف، بينما لم تعلن رئاسة الأركان فى الغرب الليبي عن موقفها، وربما تترقب تطورات المشهد فى طرابلس.
كذلك، سارت البعثة الأممية فى ليبيا في نفس مسار الأطراف السياسية، ببيان مقتصب، أيدت فيه الحراك، ودعت الأطراف السياسية إلى ضبط النفس، ويمكن تفسير هذا الموقف على أنه محاولة لعدم الظهور كطرف فى المشهد، خاصة وأن هناك انتقادات توجه للبعثة الأممية ومستشارة الأمين العام ستيفاني وليامز من جانب بعض الأطراف التي تتهمها بالتدخل فى الشأن الليبي بما يتعارض مع السيادة الوطنية.
مسارات محتملة
وأما عن المسارات المحتملة فقد قال عليبة: أصبح الحراك السياسي طرفاً فى المعادلة السياسية الليبية حالياً، وبالتالي سيتحول تدريجياً إلى قوة سياسية، لكنه يواجه العديد من التحديات، منها مطالب الحراك ذاتها، لاسيما بعد تعثر المفاوضات مع المجلس الرئاسي، حيث أن إنهاء وضع الأجسام السياسية بالكامل دون وجود بديل يعني وجود فراغ سياسي، ما سيزيد الأمور تعقيداً، مع الوضع فى الاعتبار أن النخبة الليبية استهلكت نفسها فى المشهد السياسي فى المراحل السابقة، ولا توجد نخبة بديلة يمكن الاستعانة بها لتغيير المشهد، فضلاً عن أن إجراء الانتخابات لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، حتى وإن أمكن الإسراع منه. فعلى الأقل، ستكون هناك فترة انتقالية ولو محدودة تتطلب بقاء بعض الأجسام السياسية.
كما أن الانتقال سريعاً من مشهد التظاهرات دون عملية إعادة تنظيم وضبط بعد مشهد الفوضى، سيسمح بهامش أوسع للأطراف التي تسعى إلى زيادة التوتر وأعمال التخريب، وقد يتحول المشهد برمته إلى حالة من الفوضى فى ظل صعوبة السيطرة عليه.
ويبدو أن نقطة عدم الاتفاق ما بين الحراك والرئاسي لا تتعلق بتنحية حكومة الوحدة فقط، إذ من المؤكد أن الرئاسي حتى لو عمل على تنحية حكومة الوحدة، فهو لا يملك قرار تنحية حكومة فتحي باشاغا التي يصر البرلمان على الإبقاء عليها، وتوفير الموارد اللازمة لها، بالإضافة إلى أن الرئاسي لا يملك أيضاً قرار إنهاء الوجود الأجنبي فى البلاد، الذي يتطلب وجود سلطة منتخبة وقوية، وقوات مسلحة موحدة تمتلك القرار والقدرة على تأمين البلاد. كما لا يملك الرئاسي القدرة على إعادة تشغيل قطاع النفط، وبالتالى فالمجلس حتى وإن كان يمتلك سلطة القرار، لكنه لا يمتلك القدرة على تنفيذه.
ولا يعتقد أن أى طرف سياسي لديه نية الانسحاب من المشهد، وهو ما يؤكد على بقاء الوضع السياسي على ما هو عليه، من حيث بقاء الحكومتين، والسير باتجاه الجدول الزمني مع المجلس الأعلى للدولة فى وضع القاعدة الدستورية، ثم طرحها للاستفتاء، وهو ما يعني أنه لا توجد أى مبادرة لاستيعاب غضب الشارع، رغم الخطابات الهادئة والمؤيدة له، وربما ترى القوى فى شرق ليبيا أن تمركز التظاهرات فى غربها، وعدم التوافق بين الحراك والرئاسي يصب لصالحها، بل إن تطور المشهد إلى موجة عنف جديدة فى الغرب سيعزز، في رؤيتها، من هذه المصالح، وإن كانت لا توجد ضمانات للسيطرة على الوضع وفق هذا المنظور.