دلالات مقتل الظواهري ومستقبل الحوار الأمريكي مع طالبان
الأحد 07/أغسطس/2022 - 12:19 م
طباعة
حسام الحداد
تساءل العديد من المهتمين بشئون الإسلام السياسي وتمدده حول أهمية مقتل الظواهري ودلالات هذه العملية النوعية التي قامت بها الاستخبارات الأمريكية على الأراضي الأفغانية، دون أي تنسيق مع حكومة طالبان التي سيطرت على البلاد في منصف أغسطس من العام الماضي.
وكتب دانيال ر. ديبيتريس في مجلة "نيوزويك" الأمريكية أن أجهزة الإستخبارات الأمريكية التقطت مؤشرات على وجود الظواهري في حي راقٍ بكابول في أبريل، عندما انتقل مع عائلته إلى منزل في العاصمة الأفغانية، وأسس حياة في الأشهر التالية. وبدا أن خليفة بن لادن يحب تمضية بعض الوقت على الشرفة ولم يكن ميالاً إلى الحركة. وقد وضعت خطة عملانية للنيل منه، وعندما وافق الرئيس الأمريكي جو بايدن على المهمة، أطلق صاروخ من طراز هيلفاير على المكان الذي اعتاد الظواهري الجلوس فيه. وتم تنفيذ العملية من دون أخطاء.
وبالنسبة لواشنطن، فإن موت الإرهابي رقم واحد في العالم يعتبر نصراً لا جدال فيه. ومن المؤكد أن تنظيم "القاعدة" سيعثر على خليفة للظواهري وسيواصل العمل، كما كان منذ 30 عاماً، لكن تصفية أحد أعضائه المؤسسين، سيبقى إنجازاً ملحوظاً.
مشكلة رئيسية لـ"طالبان"
وبالنسبة إلى "طالبان"، فإن مقتل الظواهري يعتبر مشكلة رئيسية لأنه من المحتمل أن يفسد الفرصة الضئيلة التي كانت متاحة أمامها لإقامة علاقات عملية وطبيعية مع الولايات المتحدة وأوروبا، وربما مع دول الجوار. وكان القلق من "طالبان" أحد الأسباب الرئيسية لبقاء الأموال الأفغانية مجمدة في المصارف الأمريكية، في وقت يكافح المواطن الأفغاني العادي يومياً ليدفع عنه الجوع.
ويعتبر إقامة الظواهري في منزل بجوار مقر إقامة وزير الداخلية في حكومة "طالبان" سراج الدين حقاني، بمثابة تعزيز لنظرية السلوك المزدوج لحركة "طالبان" في أذهان المسؤولين الأمريكيين.
ولم يتأخر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في إثارة هذه المسألة بقوله إنه "من طريق توفير مأوى لزعيم القاعدة تكون طالبان قد انتهكت بشكل خطير اتفاق الدوحة والتأكيدات المتكررة بأنها لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية من إرهابيين يشكلون تهديداً لأمن دول أخرى".
ويذكر أنه تم التوقيع على اتفاق الدوحة في فبراير 2020، ويتضمن سلسلة من الالتزامات التي يتعين على كلٍ من الولايات المتحدة وطالبان التزامها. وفي مقدمتها تعهد طالبان منع أي جماعة إرهابية، خصوصاً القاعدة "من استخدام التراب الأفغاني لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها".
ويلزم الاتفاق "طالبان" وقف التعاون مع أي مجموعة أو أفراد يهددون الأمن الأمريكي.
ومن المهم ملاحظة أن "طالبان" ليست مجموعة متراصة. وعلى رغم أن الحركة منضبطة داخلياً، وتعاقب المنشقين عنها، وتتبع أوامر زعيمها هبة الله آخوندزاده، فإن "طالبان" نفسها منقسمة على أسس مناطقية وعرقية. وهناك تنافس بين شبكة حقاني، التي ترتبط بعلاقات تاريخية مع "القاعدة"، سياسياً وعملانياً، وفصيل آخر متواجد تقليدياً في الجنوب. والتنافس بين الفصيلين ليس حول الإيديولوجيا أو القيم، وإنما هو على السلطة.
مساعدات إنسانية
وقبل العثور على الظواهري وقتله، كان مسؤولون أمريكيون ومن "طالبان" يناقشون مواضيع كثيرة، من المساعدة الإنسانية إلى الاستقرار الاقتصادي. وحتى أن الجانبين كانا يناقشان اقتراحات تجارية وأفضل الطرق للإفراج عن 3.5 مليارات دولار من الاحتياطات الأجنبية لأفغانستان، وترأس المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان توماس ويست وفداً من وكالات أمريكية عدة سافر إلى أوزبكستان في 27 يوليو الماضي لمواصلة المحادثات مع "طالبان" حول الاقتصاد الأفغاني.
واستناداً إلى تقرير صدر مؤخراً عن المفتش الخاص الأمريكي حول إعادة إعمار أفغانستان، فإن 90 في المئة من الأفغان يواجهون نوعاً من انعدام الأمن الغذائي. ويبقى المدرسون أشهراً من دون تقاضي رواتبهم، والمستشفيات تعاني نقصاً في المواد الطبية بسبب التعقيدات الناجمة عن العقوبات الأمريكية على "طالبان".
وفي هذا السياق استعرض مركز المستقبل، في مقال بعنوان “دلالات تصفية واشنطن أيمن الظواهري”، خمس دلالات لاستهداف الظواهري، قبل أن يعقبها بثلاث تداعيات محتملة قد تسفر عنها تلك التصفية، من قبيل توتر العلاقة بين واشنطن وطالبان، وتعزيز شرعية بايدن الداخلية، والتأثيرات المحدودة على تنظيم القاعدة.
دلالات استهداف الظواهري:
تطرح عملية استهداف زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، في كابول عدداً من الدلالات التي يمكن الوقوف عليها على النحو التالي:
1- قدرة واشنطن على تنفيذ عمليات نوعية: تمت عملية اغتيال الظواهري من قبل وكالة الاستخبارات المركزية، باستخدام طائرة مسيرة أمريكية من طراز “إم كيو 9 ريبر” (MQ-9 Reaper) تحمل صاروخين من طراز “هلفاير آر 9 إكس”، وهي صواريخ مزودة بست شفرات، قابلة للتمدد، ويمكنها تحطيم هدفها عند الاصطدام به من دون حدوث انفجار، حيث إنها تحوي رأساً غير متفجر، وهو ما يمكن تفسيره بأنه رغبة أمريكية في تحاشي حدوث إصابات بين المدنيين أو تدمير للمبنى الذي كان يقطن فيه الظواهري قبل اغتياله في الحي الدبلوماسي في كابول.
وسبقت عملية الاغتيال عملية رصد ومتابعة قامت بها أجهزة الاستخبارات الأمريكية لتحديد هوية المنزل الآمن الذي انتقل إليه الظواهري في كابول، ويلاحظ أن هذا الجهد غير هيّن، بالنظر إلى أنها كانت تعمل في بيئة غير مواتية، لاسيما بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان. وأخيراً، أصدر بايدن أوامره في 25 يوليو الماضي، بتنفيذ “ضربة جوية دقيقة” ضد زعيم تنظيم القاعدة.
2- تأكيد التعهدات الأمريكية بمكافحة الإرهاب: أدى الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية من أفغانستان في أغسطس 2021، بعد زهاء 20 عاماً من التدخل العسكري، إلى اهتزاز صورة واشنطن لدى الحلفاء والأصدقاء، على أساس أن هذا الانسحاب أدى إلى عودة حركة طالبان إلى الحكم، في الوقت الذي لا تزال فيه تحتفظ بعلاقات قوية مع التنظيمات الإرهابية.
وتسعى واشنطن من خلال هذه العملية إلى التأكيد على أنها رغم انسحابها فإنها لن تسمح بأن تكون “أفغانستان ملاذاً آمناً للإرهابيين”، فضلاً عن تأكيد مصداقية ما تعهد به الرئيس بايدن، عقب الانسحاب من أفغانستان، بأن واشنطن ستحتفظ بالقدرة على شن هجمات “عبر الأفق” من أماكن بعيدة ضد العناصر الإرهابية في أفغانستان، وهو ما تم ترجمته في هذه العملية.
3- استمرار علاقة حقاني بالقاعدة: أشارت وكالة أنباء “آماج نيوز” الأفغانية المستقلة إلى مقتل اثنيْن من أقارب وزير الداخلية في حكومة حركة طالبان سراج الدين حقاني خلال عملية استهداف أيمن الظواهري، كما أشارت إلى أن المنزل الذي كان يوجد به الأخير يعود إلى أحد كبار مساعدي حقاني.
وعلى الرغم من صعوبة التثبت من هذه المعلومة، فإنها غير مستغربة بالنظر إلى أنه من المعروف أن شبكة حقاني، المتحالفة مع حركة طالبان وأحد شركائها في حكم أفغانستان منذ الانسحاب الأمريكي في أغسطس 2021، تتمتع بعلاقات وثيقة مع تنظيم القاعدة، وليس من المعروف إذا كانت هذه الشبكة وحدها من استضافت الظواهري، أم أن طالبان نفسها دعمت استضافته.
4- شكوك حول تماسك طالبان: يعتقد أن الاستخبارات الأمريكية حصلت على دعم أحد المتعاونين في أفغانستان لتحديد مكان تواجد الظواهري في كابول، وقد يكون ذلك قد تم بتعاون مع أحد المنتمين إلى المعارضة المسلحة لطالبان، التي لا تزال تتمتع بعناصر لها في الداخل، أو من قبل أحد المنتمين إلى حركة طالبان، الذي قد يكون انشق عن الحركة بشكل فردي، وتعاون مع واشنطن مقابل الحصول على الأموال وتهريبه خارج البلاد، أو بموافقة حركة طالبان.
وفي الحالة الأخيرة، فإن طالبان قد تكون توصلت إلى صفقة مع واشنطن للتخلص من الظواهري من أجل الحصول على الاعتراف الدولي والأموال المجمدة بالخارج، وهو ما قد ينذر بحدوث انقسامات بين طالبان وحقاني، غير أن الاحتمال الأخير يظل مستبعداً في ظل تمسك طالبان بنهجها المتشدد، واحتفاظها بعلاقات قوية مع تنظيم القاعدة، خاصة أن هناك أنباء غير مؤكدة تتحدث عن عودة قيادات لتنظيم القاعدة إلى أفغانستان بعد سيطرة طالبان عليها.
5- الضغط على إيران: أشار المسؤولون الأمريكيون إلى أنه على إيران الاختيار بين إيواء أحد أبرز المرشحين لخلافة الظواهري، هو محمد صلاح الدين زيدان، المعروف باسم “سيف العدل”، وهو الرجل الثاني في القاعدة، وبين طرده.
ويلاحظ أن العلاقة بين تنظيم القاعدة وإيران تحسنت كثيراً مؤخراً، إذ أدار الظواهري العلاقة مع طهران بنهج قائم على التهدئة، ووقف أي تصعيد ضدها، نظراً لوجود عدد كبير من قياديي القاعدة وأسرهم في إيران، مثل سيف العدل وأبي محمد المصري، والأخير تم اغتياله في طهران في أغسطس 2020، وأبي الخير المصري، الذي انتقل للقتال في سوريا منذ عام 2012، وغيرهم.
تداعيات محتملة:
قد تُسفر تصفية الظواهري عن عدد من التداعيات، يمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:
1- توتر العلاقة بين واشنطن وطالبان: لم يُشر إعلان الرئيس بايدن عن العملية إلى أي تنسيق كان قد جرى مع حركة طالبان بشأن استهداف أيمن الظواهري، بل أدان المتحدث باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، القصف الأمريكي لمنزل سكني في منطقة شيربور بالعاصمة كابول، من دون التصريح بمقتل زعيم تنظيم القاعدة، مشيراً إلى قيام الأجهزة الأمنية والاستخبارية بالتحقيق في الحادث، باعتباره انتهاكاً للسيادة الأفغانية.
ولاقت هذه المواقف تنديداً من قبل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي أعلن أن حركة طالبان انتهكت “على نحو صارخ” اتفاق الدوحة، من خلال إيواء زعيم تنظيم القاعدة لديها، إذ تمت الإشارة خلال الاتفاق إلى قطع طالبان علاقتها بالتنظيمات المتطرفة، وهو الأمر الذي يتنافى مع إيواء عائلة الظواهري في أرقى أحياء العاصمة كابول، مما يؤكد استمرارية العلاقة بين الجانبين.
لكن على الجانب الآخر، تبقى خيارات طالبان محدودة في الرد على الولايات المتحدة، نظراً لأنها لم تعترف، حتى الآن، بتصفية الظواهري، كما أنها تسعى إلى الحصول على الاعتراف الدولي بها، وكذا الحصول على دعم المجتمع الدولي مالياً وسياسياً.
2- تعزيز شرعية بايدن الداخلية: قد تُسهم هذه العملية في رفع رصيد الرئيس الأمريكي جو بايدن في الداخل الأمريكي، لاسيما أن صورته تشهد تراجعاً كبيراً، وهو ما عبّر عنه استطلاع للرأي أجراه مركز “أسوشييتد برس- نورك للأبحاث”، الذي كشف أن 39 بالمائة فقط من البالغين في الولايات المتحدة وافقوا على أدائه كرئيس، وهو ما يُنذر بإمكانية فقدان حزبه الأغلبية داخل الكونغرس، خلال انتخابات التجديد النصفي المزمع عقدها في نوفمبر القادم.
كما جاءت تلك العملية قبل أسبوع من الذكرى السنوية الأولى للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وهي الذكرى التي استغلت من قبل الجمهوريين للإساءة إلى الإدارة الديمقراطية، بسبب طريقة انسحابها من أفغانستان، التي تمت بشكل عشوائي. وبالتالي، فإن هذه العملية سوف تساعد على تجاوز هذا الحدث، وتفتح الباب أمام بايدن لاستثمار تصفية الظواهري لتعزيز شعبيته داخلياً.
وتكشف تلك العملية كذلك عن نجاح الإدارات الأمريكية المتعاقبة في إكمال انتقامها من القائمين على تنفيذ هجمات 11 سبتمبر، إذ إن أغلب المخططين لهذه العملية إما أنهم قتلوا، على غرار أسامة بن لادن، أو أنهم محتجزون في سجن غوانتانامو، مثل العقل المدبر للهجمات خالد الشيخ محمد. ولذلك طالب بايدن أسر الضحايا، في إعلانه عن العملية، بطي صفحة أحزانها على ذلك الحادث الإرهابي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، وهو ما قد يكون مؤشراً على أن الولايات المتحدة ستطوي صفحة الإرهاب، وتتفرغ لصراعات القوى الكبرى.
3- تأثيرات محدودة على تنظيم القاعدة: استهدفت العملية الأمريكية زعيم تنظيم القاعدة، ومع ذلك فإن تأثير هذه العملية سوف يكون محدوداً على هيكل التنظيم، نظراً لتراجع قوته بالفعل تحت وطأة الضربات الأمريكية على مدار العقدين الماضيين، حتى أن التنظيمات الفرعية المرتبطة به صارت أكثر قوة، على غرار حركة الشباب في الصومال أو الجماعات المرتبطة بالقاعدة في منطقة الساحل.
من جانب آخر، فإن المهارات القيادية والتنظيمية لأيمن الظواهري تبدو متواضعة عند مقارنتها بقائد التنظيم السابق أسامة بن لادن، ذلك أن الظواهري كان أقرب إلى مفتي التنظيم منه إلى القائد الحركي المُلهم، وليس أدل على تراجع أداء القاعدة، في ظل زعامة الظواهري، إعلان أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش، وأبي محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، الانشقاق والتبرؤ من التنظيم الأم.
وفي الختام، يمكن القول إن عملية اغتيال الظواهري، رغم محدودية تداعياتها على التنظيم وتحركاته، فإن لها قيمة رمزية عالية، لجهة تأكيد واشنطن إصرارها على “الثأر” لمن يتسبب في مقتل الأمريكيين، بالإضافة إلى التأكيد على القدرة على الوصول إلى مصادر التهديد ودحرها من دون تردد، كما أنها قد تكون مؤشراً على أن الولايات المتحدة انتهت من حقبة مكافحة الإرهاب، وسوف تتفرغ لحقبة جديدة عمادها الرئيسي الصراع مع القوى الكبرى.