الجيش المالي و صراع "داعش" و"القاعدة"
الإثنين 22/أغسطس/2022 - 01:29 م
طباعة
حسام الحداد
نفذ تنظيم "القاعدة" الإرهابي هجوما على قرية "أسيلال" الواقعة على بعد 18 كم جنوب ولاية ميناكا شمال مالي، مما أسفر عن مقتل 7 مدنيين، واستيلاء التنظيم الإرهابي على ممتلكاتهم من المواشي.
وتعد منطقة ميناكا هدفا استراتيجيا وقاعدة لتنظيم داعش في مالي ومنطقة الساحل، لتأسيس ولايته، حيث تكررت الهجمات الإرهابية للتنظيم خلال الأشهر الأخيرة، وفي مارس الماضي شهدت المنطقة مذبحة نفذها التنظيم الإرهابي، وراح ضحيتها أكثر من 200 شخص معظمهم من المدنيين، بالإضافة إلى المفقودين، ونزح عدد كبير من الأهالي.
واستطاع الجيش المالي صدّ الهجوم في تحرك يؤشر لاحتمال بروز دور للقوات الحكومية في هذه المنطقة التي يستغل الإرهابيون "الفراغ الأمني" بها للتمدد والسيطرة.
ووفق بيان للجيش، السبت الماضي 20 أغسطس 2022، فقد تصدى بدعم جوي لهجوم نفذته جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، عند مخرج ميناكا على الطريق المؤدي إلى كيدال.
واستهدف هجوم الجماعة الإرهابية نقطة عسكرية للجيش، وانتهى بمقتل عدد من الإرهابيين واثنين من الجنود، في إطار سلسلة هجمات متتابعة الأسابيع الأخيرة على القوات الحكومية.
عودة الجيش الغائب
مصدر من إقليم أزواد بشمالي مالي، فضَّل عدم ذكر اسمه، أكد لـ"سكاي نيوز عربية" أن غياب الجيش المالي عن "ميناكا" أسهم في انتشار "نصرة الإسلام والمسلمين" وتنظيم داعش الإرهابي وسيطرته على ممرات التهريب بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو وليبيا المجاورة.
كما لفت إلى أن داعش يكثف وجوده في ميناكا باستقدام إرهابيين من مناطق نفوذه في نيجيريا، عبر ممرات التهريب.
غير أن الباحث في الشؤون الإفريقية بجامعة باماكو، محمد أغ إسماعيل، يقول إن الجيش المالي على استعداد للتصدي لهذه الهجمات، مستشهدا ببيان الجيش حول نجاح الطيران الحربي في ضرب عناصر "نصرة الإسلام والمسلمين" في ميناكا.
في نفس الوقت، يعول الباحث المالي على الأسابيع القادمة في توضيح مدى فعالية الجيش، وفق قدرته على تحرير بلديات ميناكا أو منع سقوط بلديات أخرى على الأقل.
تنافس داعش والقاعدة
هجوم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، جاء بعد أيام من قتلها 4 من مقاتلي شركة "فاجنر" الروسية المتخصصة في توريد وتدريب المقاتلين، في غاو شمالي مالي.
واستعانت الحكومة المالية بـ"فاجنر" بعد اتهام الجيش الفرنسي بالفشل في محاربة الإرهاب رغم مكوثه 9 سنوات بمالي؛ وهو ما فجَر أزمة بين الجانبين انتهت بانسحاب الفرنسيين.
كذلك نفذ داعش هجوما على ميناكا، أودى بحياة 7 مدنيين واستولى على مواشيهم، وذلك في إطار صراع نفوذ للسيطرة على المنطقة بين التنظيمين، خاصة أنها تقع عند المثلث الحدودي وطرق تهريب السلاح والمقاتلين والتجارة غير المشروعة.
اختلاف الوسيلة
ورغم اشتراكهما في هدف فرض النفوذ فإن داعش والقاعدة يختلفان في وسائلهما، إذ يوضح أغ إسماعيل أنه بينما يركز داعش على استهداف السكان المحليين، تركز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على القوات الحكومية و"فاجنر" الروسية.
كما تستهدف جماعة النصرة بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام "مينوسما"، مستغلة انسحاب الجيش الفرنسي، وشنت 50 هجوما على البعثة؛ ما أودى بحياة 20 شخصا من قواتها، بحسب ما نشره مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها ACLED.
في ذات الشأن، يوضح العضو المؤسس في "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" شمالي مالي، بكاي أغ حمد، أن داعش يستهدف البلدات والسكان ويقتل المدنيين ويجبرهم على الهجرة، أما "نصرة الإسلام والمسلمين" فلا تقتلهم، وإن كانت تجبر من يرفض التعاون معها على الهجرة، وفقا لـ"بكاي".
وقد يعود هذا إلى أن تكوين داعش يعتمد كثيرا على المقاتلين الأجانب، في حين أن تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" يوجد به الكثير من المحليين، ويهتمون بالدعم المحلي لهم.
أما العدو المشترك المستهدف من الجانبين، فهو الجيش المالي، وذلك بهدف الغنائم.
ووفقا لتقرير نشره مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، ومقره واشنطن، في يوليو، تصاعد عنف الجماعات الإرهابية في الساحل، خصوصا بوركينا فاسو ومالي والنيجر، بشكل أسرع من أي منطقة أخرى في إفريقيا، بزيادة قدرها 140% منذ عام 2020.
ومن جانبه، دعا "مجتمع إدكصهك"، إحدى المؤسسات المحلية بولاية مينكا شمال مالي، السلطات المالية، والحركات الأزوادية الموقعة على اتفاقيات الجزائر للمصالحة، مواجهة الجماعات الإرهابية، وإنقاذ المواطنين في ولاية ميناكا من المذابح التي ارتكبت ضد المدنيين، منتقدا الصمت غير المفهوم من قبل حكومة بماكو تجاه النشاط الإرهابي.
فرنسا ومنطقة الساحل
كان قد أعلن الجيش الفرنسي، الأربعاء 17 أغسطس 2022، أن حوالي 3 آلاف من جنوده سيظلون منتشرين في منطقة الساحل الإفريقي، وذلك بعد يومين من إتمام انسحابه من مالي.
وردا على سؤال لـ"فرانس برس"، قالت رئاسة الأركان الفرنسية إنه "في إطار إعادة تنظيم عملية برخان خارج مالي، سيبقى نحو 3 آلاف جندي في منطقة الساحل وسيؤدون مهامهم من قواعد موجودة في النيجر وتشاد، إلى جانب شركائنا الأفارقة: شراكة عسكرية قتالية وشراكة عسكرية تشغيلية وعمليات لوجستية".
وأوضح المتحدث باسم رئاسة الأركان الكولونيل بيير غوديير، أن "نهاية وجود العسكريين الفرنسيين ضمن عملية برخان في مالي لا يمثل نهاية العملية. تحول عملية برخان أعمق بكثير من هذا الانسحاب من مالي".
وأكد أن "هذا الأمر يندرج في إطار نهج جديد للشراكة مع الدول الإفريقية التي طلبت ذلك".
وأعطى المتحدث العسكري الفرنسي مثالا على ذلك النيجر، حيث يسير الجيشان الفرنسي والنيجري "دوريات مشتركة ويقومان بتدريبات مشتركة".
وكانت قوة برخان تعد ما يصل إلى 5500 عسكري في ذروة انتشارها في الساحل.
ودفع المجلس العسكري الحاكم في مالي منذ 2020، الذي يقال إنه بات يتعامل مع مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية رغم أنه ينفي ذلك، الجيش الفرنسي إلى مغادرة البلاد نهائيا الإثنين، بعد انتشاره فيها على مدى 9 سنوات ونصف ضمن مهمة مكافحة الجماعات المتشددة.
وقالت الرئاسة الفرنسية الإثنين إن "فرنسا تبقى ملتزمة في منطقة الساحل"، وكذلك في "خليج غينيا وفي منطقة بحيرة تشاد مع كافة الشركاء الملتزمين بالاستقرار ومكافحة الإرهاب".
وبحسب رئاسة الأركان الفرنسية، فإن باريس لديها أيضا بالإضافة إلى قوة برخان، 900 جندي منتشرين في كوت ديفوار و350 في السنغال و400 في الغابون.