ليبيا وطرق أبواب الحرب الأهلية من جديد
الأربعاء 31/أغسطس/2022 - 02:36 م
طباعة
حسام الحداد
أعاد باشاغا ودبيبة ليبيا إلى حالة الانقسام بين الإدارات المتنافسة التي كانت سائدة منذ اندلاع الحرب الأهلية في 2014 وحتى تشكيل حكومة الدبيبة العام الماضي. ظهر الانقسام المتجدد بعد إلغاء الانتخابات المقرر إجراؤها في ديسمبر2021، مما أدى إلى غرق آمال الليبيين في انتهاء أزمة الشرعية الطويلة الأمد في البلاد.
وعاد الهدوء إلى طرابلس أول أمس بعد اشتباكات بين مجموعات مسلحة اندلعت في العاصمة الليبية ليل الجمعة السبت أسفرت عن سقوط 32 قتيلا و159 جريحا، حسب حصيلة رسمية.
وسمع إطلاق نار كثيف ودوي قصف مدفعي طوال ليل الجمعة ويوم السبت حتى حلول الظلام في عدد من أحياء طرابلس وسط فوضى سياسية مع حكومتين متنافستين.
وتتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا منذ مارس: واحدة مقرها طرابلس ويقودها عبد الحميد الدبيبة، والأخرى بقيادة فتحي باشاغا ويدعمها المشير خليفة حفتر رجل الشرق القوي.
وذكرت وسائل إعلام وخبراء أن الاشتباكات "انتهت بهزيمة محاولة باشاغا للإطاحة بحكومة منافسه".
الموقف الأممي
حول هذه الأوضاع المتوترة والتي تنبئ بحرب أهلية ان لم يتدخل المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة في السيطرة على الموقف وفك حالة الإنسداد السياسي، أعربت مساعدة الأمين العام للأمم المتّحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي الثلاثاء 30 أغسطس 2022،عن خشيتها من تجدّد أعمال العنف في ليبيا حيث "لم يتمّ إحراز أيّ تقدّم" نحو إجراء الانتخابات.
وقالت ديكارلو "على الرّغم من جهودنا المستمرّة، لم يتمّ إحراز أيّ تقدّم نحو التوصّل إلى توافق على إطار دستوري للانتخابات".
وأضافت أنّ هذا "المأزق" يشكّل "تهديداً متزايداً للأمن في طرابلس ومحيطها، وربّما لجميع الليبيين"، وهو تهديد "تحقّق" قبل أيام قليلة.
وتعليقاً على جولة العنف الأخيرة قالت ديكارلو "يبدو أنّها كانت محاولة جديدة من قبل القوات الموالية لباشاغا لدخول العاصمة من الشرق"، مشيرة إلى أنّ هذه المحاولة "صدّتها" الموالية للدبيبة.
وأضافت أنّه منذ انتهت تلك الاشتباكات "لا يزال الوضع متوتّراً ومتقلّباً" في العاصمة، مشيرة إلى "هدوء هشّ يسود طرابلس ويصعب التكهّن بمدى استمراره".
وأعربت المسؤولة الأممية عن خشيتها من أن تكون الأعمال "الانتقامية" والتوقيفات التي أُعلن عنها سبباً لاندلاع "اشتباكات مسلّحة" جديدة.
وخلال الجلسة دعا عدد من أعضاء مجلس الأمن الدولي إلى الإسراع في تعيين رئيس جديد لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
ومنذ قدّم مبعوث الأمم المتّحدة إلى ليبيا السلوفاكي يان كوبيتش استقالته بصورة مفاجئة في نوفمبر، فشل مجلس الأمن في تعيين خلف له.
ولتعيين مبعوث أممي يتعيّن على مجلس الأمن الدولي أن يوافق على الشخصية التي يرشّحها الأمين العام للأمم المتّحدة لتولّي هذا المنصب.
وبحسب مصادر دبلوماسية عدّة، فقد وافق مجلس الأمن أخيراً على تعيين السنغالي عبد الله بيتالي مبعوثاً للأمم المتّحدة، لكنّ حكومة طرابلس "تحفّظت" على هذا الاسم.
حلول من الداخل الليبي
وتفاعلا مع حالة التوتر وتخوفا من نشوب حرب أهلية أصدر 58 عضوا بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، الثلاثاء 30 أغسطس 2022، بيانا موجها إلى الشعب الليبي، أوضحوا فيه وجهة نظرهم حول أزمة الانسداد السياسي التي تشهدها البلاد منذ نهاية العام الماضي.
وكشف الأعضاء عما يرون أنه الحل للأزمة، ملخصا في إجراء انتخابات تشريعية في المرحلة الأولى، تفضي إلى برلمان تنبثق عنه حكومة، على أن تكون المهمة الأساسية للبرلمان الجديد هي إنجاز الاستحقاق الدستوري وإجراء الانتخابات الرئاسية.
وبحسب وجهة نظر الأعضاء، في البيان: "بالإمكان إجراء الانتخابات التشريعية بناء على القانون رقم 4 لسنة 2012 والصادر عن المجلس الوطني الانتقالي، دون الحاجة إلى اعتماد قانون جديد، أو قاعدة دستورية".
واقترح بيان الأعضاء إجراء الانتخابات التشريعية قبل نهاية العام الحالي إن أمكن، مع ترك هذا الأمر للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، من أجل تحديد الموعد المناسب لإجرائها.
وأخلى الأعضاء بهذا البيان ذمتهم أمام الشعب الليبي، مؤكدين أن هذا المقترح يعد اجتهادا منهم في سبيل الخروج من حالة الانسداد السياسي، وفق نص البيان.
ردود فعل دولية
وتشهد الأزمة الليبية اهتماما دوليا واقليميا على كافة المستويات وكان من بين ردود الأفعال على الأزمة أن دعا نائب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة داى بينج، الأطراف فى ليبيا إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وحل خلافاتها من خلال المفاوضات، وبذل قصارى جهدها لتجنب جميع أشكال العنف.
وقال المبعوث فى إحاطة إلى مجلس الأمن الدولى حول ليبيا، فى تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الصينية، الأربعاء 31 أغسطس 2022، إن بكين تشعر بقلق عميق إزاء الاشتباكات الأخيرة في العاصمة طرابلس، موضحا أن الاشتباكات التي دارت في طرابلس بين جماعات مسلحة أسفرت عن سقوط قرابة 200 شخص ما بين قتيل وجريح.
وأشار إلى أن الوضع السلمي تحقق بشق الأنفس وينبغي أن يحظى بتقدير مضاعف من قبل الأطراف الليبية.
وأعرب عن أمله في أن تحافظ الأطراف الليبية على زخم الحوار والمفاوضات الذي تحقق في الفترة السابقة، وتسعى جاهدة للتوصل إلى حل وسط، وتتوصل إلى اتفاق على أساس دستوري لتهيئة ظروف مواتية لإجراء انتخابات مبكرة.
وأوضح نائب مندوب الصين أنه يتعين على المجتمع الدولي الالتزام بالمبدأ المتمثل في عملية يقودها ويمتلكها الليبيون، وتقديم مساعدة بناءة للبلاد، وتجنب فرض حل من الخارج، داعيا بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى العمل بنشاط على تعزيز الحوار والمفاوضات بين الأطراف الليبية.
وأضاف أن استعادة حركة الاقتصاد وتنميته وتحسين سبل العيش هي الأدوات الرئيسية لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا، مضيفا أن النفط مصدر أساسي للدخل بالنسبة للاقتصاد الليبي.
وأكد الدبلوماسي الصيني أن بلاده "ترحب بالاستئناف الكامل لإنتاج النفط الليبي، وتحث الأطراف على تكثيف التشاور بشأن توزيع عائدات النفط، من أجل ضمان أن تعود عوائد الموارد بالنفع على جميع السكان".
ادانات عربية
دانت دول عربية أحداث العنف التي شهدتها طرابلس مؤخرا بين فصائل مسلحة متناحرة، وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات، داعية إلى وقفها على الفور.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في تغريدة على "تويتر": "أستشعر قلقا كبيرا إزاء الأوضاع في طرابلس، وأطالب الجميع بتحمل مسؤولياتهم".
وأضاف أبو الغيط: "أدعو الجميع إلى الحوار وليس استخدام السلاح".
ودعت مصر جميع الأطراف والقوى الوطنية والمكونات الاجتماعية الليبية إلى "وقف التصعيد وتغليب لغة الحوار وتجنب العنف وضبط النفس حقنا للدماء، مؤكدة على ضرورة حماية المدنيين وتحقيق التهدئة بما يحفظ للشعب الليبي الشقيق أمنه واستقراره ومقدراته ويعلي المصلحة العليا للبلاد".
وأعرب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد حافظ، عن "حرص مصر على توصل الأشقاء الليبيين إلى حل ليبي ليبي توافقي، على نحو يلبي تطلعاتهم ورؤيتهم للانطلاق نحو المستقبل ويحقق الاستقرار المنشود في ليبيا".
وفي السياق ذاته، عبرت تونس عن "عميق القلق وبالغ الانشغال للتطورات الخطيرة في ليبيا"، ودعت إلى ضبط النفس والتهدئة والوقف الفوري للعمليات المسلحة "حقنا لدماء الأشقاء الليبيين".
ودعت وزارة الخارجية التونسية في بيان مساء السبت، إلى "تغليب صوت الحكمة بين كافة الفرقاء الليبيين وانتهاج الحوار سبيلا لتسوية الخلافات، وإعلاء مصلحة ليبيا حفاظا على أمنها واستقرارها ووحدتها".
وأكدت تونس في البيان ذاته على "أهمية تضافر جهود المجموعة الدولية لمساعدة ليبيا على استكمال مسارها السياسي، وإجراء الاستحقاقات الانتخابية في كنف الوفاق والوئام، لوضع حد للأزمة القائمة وبناء المؤسسات الدائمة في هذا البلد الشقيق".
كما أعلنت الجزائر أنها "تتابع بقلق بالغ" تطورات الأوضاع في طرابلس، إثر تجدد المواجهات المسلحة منذ مساء الجمعة، داعية جميع الأطراف الليبية إلى السعي الفوري من أجل إيقاف العنف والاحتكام إلى لغة الحوار.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية أن الجزائر "تشدد على أهمية الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار الذي يعتبر مكسبا مهما في سبيل استعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق".
وأضاف البيان: "كما تهيب الجزائر بالمجتمع الدولي وكل الأطراف الخارجية المعنية العمل على إنهاء التدخلات في الشؤون الليبية، والانخراط في الجهود الرامية لإحياء مسار التسوية السياسية السلمية من أجل تحقيق المصالحة الوطنية، وتكريس سيادة الشعب الليبي عبر انتخابات حرة ونزيهة تنهي الانقسامات وتصون وحدة وسيادة دولة ليبيا الشقيقة".
كما أكدت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي "متابعتها ببالغ الانشغال للتطورات الأمنية في طرابلس"، حسب بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس).
وحثت الأمانة الأطراف الليبية كافة على وقف العنف، وحماية المدنيين وتجنب التصعيد، داعية إلى التهدئة واللجوء إلى الحوار لحل الخلافات في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها ليبيا لتجنيب شعبها ويلات العنف والمزيد من المخاطر.
وشددت الأمانة على حرص منظمة التعاون الإسلامي على أمن ليبيا واستقرارها وسلامة شعبها.
كما دانت دولة الإمارات العربية المتحدة أعمال العنف المسلح الأخيرة في ليبيا، ودعت كافة الأطراف إلى وقف العمليات العسكرية بشكلٍ فوري، مؤكدة على أهمية خروج كافة الجماعات المسلحة والمليشيات من المناطق المدنية في مدينة طرابلس على نحوٍ عاجل، وضمان أمن وسلامة المدنيين العُزّل، خاصة النساء والأطفال، والمرافق المدنية والطبية وعدم تعريضهم للمزيد من الخطر.
وذكرت الإمارات الجهات المعنية وكافة الأطراف في دولة ليبيا بالتزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي، داعية إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والاستماع لصوت العقل والحكمة، للخروج من الأزمة الراهنة.
وحثت دولة الإمارات على نبذ الفُرقة وإعادة التهدئة وتغليب لغة الحوار الجاد والمصلحة الوطنية، لإعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، منبهة إلى إن الرجوع للاشتباكات والتصعيد ليس حلاً ولن يعود إلا بالخراب على كافة الليبيين.
جاء ذلك في بيان الدولة اليوم في مجلس الأمن بشأن بند الحالة في ليبيا
وركزت الإمارات في بيانها على أربعة جوانِب مهمة:
أولاً: دعوة كافة الأطراف الليبية إلى اتخاذ خُطُواتٍ ملموسة لتوحيد المؤسسات العسكرية ومعالجة حالة الانفلات والاقتتال بينَ المجموعات المسلحة في طرابلس وضواحيها، مؤيدة ما وَرَدَ في البيان الصادر عن بعثة (أونسميل) بشأن الوقف الفوري للأعمال العدائية، مجددة التأكيد على موقفها الثابت بشأن أهمية انسحاب كافة القوات والمقاتلين الأجانب والمرتَزَقة من ليبيا على نحوٍ مُتزامن، ومرحلي، وتدريجي، ومتوازن. كما دعت للحفاظ على المكاسب الناتجة عن الاتفاقية الشاملة لوقف إطلاق النار، ومخرجات خارطة الطريق وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ثانياً: وجوب تقديم الفُرَقاء في ليبيا التنازُلات المطلوبة بهدف التوصل لاتفاقٍ حولَ النِقاط الخِلافية الُمتَبقية في مُسَوَّدَة الدستور، ومن ثَمَّ عَقْد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بوصفِها خُطُواتٍ ضرورية لإنهاء الجُمود في العملية السياسية، فَبعد مُجرَيات الفترة الأخيرة، باتَ واضحاً ومعلوماً للجميع الأسباب التي تُعرقِل العملية الانتخابية، والتي بدورها أصبحت رهينةً لتجاذُباتٍ وتحالفاتٍ ومصالح متغيرة لا تخدِم تطلعات الشعب الليبي ورغبة ما يقارب ثلاثة ملايين ليبي من رجالٍ ونساء وشباب تم تسجيلُهُم للمشاركة في الانتخابات.
كما نوهت إلى أهمية مشروع المصالحة الوطنية القائم على مبادئ المُلْكِيَة والشُمولية الليبية، بقيادة المجلس الرئاسي، والذي يلعب دوراً أساسياً في دعم العملية السياسية واستدامة السلام في كل مناطق ليبيا.
ثالثاً: وجوب أنْ تَظَل حقوق الشعب الليبي والحِفاظ على ثرواتِهِ وأصولِهِ المُجَمَّدة أولويةً قُصوى، ينبغي صونُها وِفقاً لقرارات مجلس الأمن، ومع مُراعاة مشاغِل الجانب الليبي بشأنِها.
كما رحبت الإمارات بكافة الخُطُوات المُتَّخَذَة لتوحيد وتحييد المؤسسات المالية والحيوية، بما في ذلك قِطاعي الطاقة والنفط. مشيرة إلى أنه مع إيلاء الأهمية للأوضاع الأمنية والسياسية، لا يجب إغفال الوضع الاقتصادي الذي يلعب أيضاً دوراً هاماً في دعم استقرار البلاد.
رابعاً: التطلع إلى أن يُعين الأمين العام مُمَثلِه الخاص إلى ليبيا، بحيث يقود البعثة الأممية من طرابلُس ويحظى بدرجةٍ كافية من التوافق، ويدعم الليبيين في نزع فتيل التوترات وتعزيز مسار العملية السياسية والمسارَين الأمني والاقتصادي.
وأكدت الدولة في ختام بيانها على أنَّ الشعب الليبي الشقيق يستحقُ العيشَ في سلام، آملة أنْ تضع كافة الأطراف في ليبيا بعين الاعتبار التدابير التي تُحقق طموحات هذا الشعب في إحلال السلام والأمن والتنمية في ليبيا.