سجون الدواعش.. مصانع تحريض للهجمات الإرهابية
في اكثر من مرة دعت الحكومة الأمريكية إلى إعادة الأشخاص المرتبطين بتنظيم «داعش» إلى بلدانهم الأصلية. وقد أعادت الولايات المتحدة ذاتها 39 فرداً إلى وطنهم اعتباراً من يوليو الماضي واعترفت فرنسا بخطورة الوضع الحالي هذا الصيف عندما أعادت 51 إمرأة وقُصر، وهو أكبر إجراء يُتخَذ من هذا القبيل منذ عام 2019. ولكن بشكل عام، كانت باريس وشركاء أوروبيون آخرون مترددين في إعادة مواطنيهم، كما أن إقناعهم بتسريع العملية لا يزال يمثل تحدياً مستمراً إلى حد كبير.
إن التردد الأوروبي
ليس سوى جزء من المشكلة - الغالبية العظمى من الأفراد الباقين في الهول هم من السوريين
والعراقيين. ففي ظل استمرار غياب أي إجابة على المسألة السورية وسط المأزق السياسي
في البلاد، سعت الحكومة العراقية بنشاط إلى إعادة مواطنيها منذ مايو 2021. وحتى يونيو
2022، كانت قد أعادت حوالي 2500 عراقي من الهول، بوتيرة تبلغ نحو 150 أسرة كل شهر.
ومع ذلك، ففي 12
سبتمبر الماضي أشار قائد "القيادة المركزية الأمريكية" الجنرال مايكل كوريلا
إلى أن الوتيرة الحالية للعودة إلى الوطن بطيئة للغاية وأن إتمام العملية سيستغرق أربع
سنوات. وتحاول بغداد تكثيف جهودها، غير أن العقبات ما زالت قائمة، من بينها المخاوف
الأمنية، ومشاكل التوثيق، وقضايا التماسك الاجتماعي.
وبالإضافة إلى تقديم
الدعم من الولايات المتحدة إلى العراق والدول الأخرى التي تتعامل مع قضية الإعادة إلى
الوطن على نطاق أوسع، يجب أن تُضاعِف واشنطن جهودها لحشد التعاون الدولي في هذا الشأن،
وأن تعيد التأكيد على العواقب الوخيمة المترتبة على الدول الحليفة.
وفي 28 سبتمبرالماضي أشادت نائبة وزير الخارجية الأمريكي، ويندي شيرمان،
بالقرار الذي اتخذته مؤخراً "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" والذي قضى بتعيين
منسق خاص جديد لشمال شرق سوريا، مشيرةً إلى أن "هذا المنسق سيؤدي دوراً مهماً
في تحسين الأوضاع في مخيم [الهول] ومراكز الاعتقال هناك".
وفي الواقع، يشكل
القرار خطوة ضرورية جداً في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك، بينما تركز الحجج الداعية إلى
العودة إلى الوطن على الجانب الإنساني في أغلب الأحيان، إلّا أن جولة الهجمات التي
شنها تنظيم «داعش» والعمليات التي نفذتها «قوات سوريا الديمقراطية» تؤكد هذا العام
على إمكانية حدوث تداعيات أمنية محفوفة بالمخاطر إذا لم يتم ضبط الوضع. وسوف يستمر
تنظيم «داعش» في استهداف مرافق الاعتقال في جميع أنحاء سوريا والعراق، طالما يبقى تحرير
المنتمين إليه محورياً لتنفيذ خططه من أجل الظهور مجدداً.
و في السياق طالبت
ديفورا مارجولين الباحثة في "برنامج التطرف" بجامعة جورج واشنطن. انه من الضروري أن تُشدد واشنطن على أن الوقائع
الموجودة على الأرض تُظهِر بلا شك ما كان النشطاء والعاملون في المجال الإنساني والأكاديميون
يحذّرون منه منذ سنوات: فسياسة الأمر الواقع المتمثلة في الاعتقال لأجل غير مسمى تتسبب
في تهديد أمني كبير على الولايات المتحدة والدول الأخرى حول العالم، وهو تهديد لم يواجهه
شركاء التحالف منذ أن فقدَ تنظيم «داعش» الجزء الأخير من أراضيه في عام 2019.
وقد تعتبر حكومات شريكة أن عملية إعادة أتباع تنظيم
«داعش» ومناصريه إلى أوطانهم من شأنها أن تشكل مخاطر أمنية داخلية كبيرة خاصة بها،
لكن المسؤولين الأمريكيين يحتاجون فقط إلى تذكيرها بأن ما يُدعى "خلافة"
تنظيم «داعش» كانت بمثابة منصة إطلاق، ومركز تخطيط، ومصنع تحريض لبعض من أسوأ الهجمات
الإرهابية التي واجهتها على الإطلاق والتي تسببت في سقوط ضحايا بشكل جماعي.
بالإضافة إلى ذلك،
قالت "مارجولين "سيساعد في اعتماد
استراتيجية استباقية ومخططة جيداً في التخفيف من المخاطر المتعلقة بالعودة إلى الوطن،
وتمكين البلدان من رصد التهديدات المحتملة بدلاً من تركها تتسلل عبر حدودها دون الكشف
عنها. وللابتعاد عن المسار الذي يبدو أن المجتمع الدولي مصمم على اتباعه مجدداً، على
واشنطن أن تحث شركاءها على السماح للأدلة - وليس للأمور السياسة - بتوجيه سياستهم.