الرحلة المقدسة فى مصر

الأربعاء 31/مايو/2023 - 06:05 م
طباعة
 
" ُ قم وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ "  (إنجيل متى 2: 13)
" وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي "   ( هوشع 11: 1 )
كانت هذه الفترة المقدسة تقريبا أربع سنوات قضتها العائلة المقدسة فى أرض مصر ، ولكنها صارت خطوات خالدة وآثار تشع نورا لمصر فالارض والهواء والماء وكل ما فى مصر صارت مقدسة بعد هذه السنوات وصرنا نفتخر فى تاريخ العالم بهذه السنوات ويؤرخ لبداية هذه الرحلة بيوم 24 بشنس بالتقويم القبطى أى ا يونيو
وهناك بعض الملاحظات عن هذه الزيارة : 
أولا بابليون مصر القديمة هى الخطة الاولى قبل الرحيل الى مصر
أن العائلة المقدسة كانت تريد منذ البداية أن تسكن فى منطقة بابليون مصر القديمة وتعيش وسط اليهود الساكنين هناك وبجوار المجمع اليهودى الشهير الذى أقيم فى القرن الثانى قبل الميلاد والذى يظن أنه مكان سكنى إرميا النبي والناظر الى خريطة السير وأماكن الترحال تبين هذا إذ أنهم وصلوا عند تل بسطا ثم مسطرد إذن اتجاههم كان جنوبا أى عند بابليون ثم غيروا اتجاهتهم ورجعوا شمالا إلى بلبيس وقد يكون هذا لا يعنى شئ سوى أنهم لم يكونوا لهم خطة للمسير ولكنهم بذهابهم إلى الصحراء وادى النطرون نفهم أنهم هاربين من اشخاص يطاردونهم لأنهم لماذا يذهبون الى الصحارى إذ لم يكن هذا ما قد حدث . ثم رجوعهم مرة أخرى الى نفس النقطة التى تحولوا منها شمالا يعنى إصرارهم على الذهاب نفس المكان . وأذا أضفنا أهمية بابليون من ناحية سكنى اليهود هناك وإن العائلة المقدسة كانت لا تملك مالا ولا لغة فيكون ذهابهم الى بابليون هو للمقابلة مع أقاربهم اليهود والسكنى فى وسطهم .
ولكن غالبا ما يكون قد حدث شيئا أشعرهم بأن هيرودس قد ارسل أحد خلفهم وهناك من يتتبعهم مرة أخرى فتزودوا بالمال وارتحلوا الى الصعيد وقد يكون هذا نصيحة أقاربهم اليهود الساكنين هناك والعارفين بأن فى الصعيد سيكونون اكثر أمانا نظرا لطبيعة الحياة هناك وهذا ما جعلهم يرتحلون من مكان الى مكان حتى وجدوا الامان فى دير المحرق الذى قضوا فيه ستة اشهر وهى اكبر مدة . ثم عادوا مرة أخرى بعد ظهور الملاك ليوسف النجار وأعلمه بموت هيردوس فعادوا مباشرة عبر النيل الى بابليون مرة اخرى . وقد يكونوا قد تزودوا أيضا باعاشتهم فى رحلة العودة الى وطنهم عبر الفرع البيلوزى الذى كان يصل من بابليون الى رفح ومنها الى الناصرة عبر الصحراء كما فى رحلة المجئ أيضا .
ثانياً أربعة سنوات هى بداية طفولة السيد المسيح كانت هنا فى مصر 
تعنى أن اللغة التى تعلمها بجانب لغته الاصلية كانت اللغة القبطية أو المصرية القديمة التى كانت الديموطيقية وطفولته فى السنوات الاربع تعنى أن ذكريات الطفولة من أماكن وأشخاص وحياة كانت هى مصر فذكريات الطفولة فى ذهنه كانت مصرية وعلى ذلك لا يمكن أن يكون السيد المسيح مجرد زائر لمصر بل صار مواطنا عاش طفولته الاولى هنا وحمل فى ذهنه عبر مروره على المدن والقرى والحقول كل ما فى مصر ما يجعلها أرض مقدسة .
كما كان الطعام الاول والماء الذى تغذى عليه السيد المسيح كان من مصر فتخيل معى أول مذاق للطعام كان مصريا فقد جاء الى مصر حسب الدراسات وهو فى عمر الثلاثة أشهر وغادر وهو عمر الاربع سنوات تقريبا وهذا يعنى أنه أكل وشرب وتنفس ونام هنا على هذه الارض .
والان نسرد هذه الرحلة المقدسة والشاقة جدا فى ارضنا عبر الطرق والقرى والمدن وكيف سارت فى طريق معيشتهم أربعة سنوات ثم رحيلهم الى الناصرة مرة اخرى .
خريطة سير العائلة المقدسة 
رفح : وقد سارت العائلة المقدسة حوالى مائة كيلومتر منذ خروجها من بيت لحم حتى وصولها الى رفح وهم راكبين على حمار وهى الصورة المعتادة للعائلة المقدسة وقد كان مع القديس يوسف النجار والسيدة العذراء والطفل يسوع سالومى ابنة خالة السيدة العذراء .
الشيخ زويد : وهى على مسافة أربعة وعشرون كيلومتر للجنوب الغربى من رفح وكانت هذه المدينة فى عصر البطالمة لها مكانة حضارية كبيرة 
العريش : وقد وجدت بها بقايا كنائس قديمة .
محمية الزرانيق : وهى على بعد 37 كم غرب العريش وكانت تسمى بالفلوسيات وكانت مدينة محصنة فى العصر البيزنطى وبها ثلاث كنائس .
القلس : وكانت تعرف قديما باسم حصن النصارى وكان بها دير ، وهى على بعد 38 كم غرب محمية الزرانيق . 
المحمدية : وهى على بعد 40 كم من الفرما وكان بها دير قديم .
الفرما : وهى المحطة الاخيرة الصحراوية داخل مصر قبل أن تستقل العائلة فرع النيل البيلوزى وهى تقع على بعد 25 كم شرق بورسعيد الان وكانت الفرما احدى قلاع مصر على حدود الشرقية ومن اهم التجمعات الرهبانية فى القرن الرابع وكانت ايبارشية كبيرة وبها كنائس كثيرة ومن الفرما أخذت العائلة المقدسة فرع النيل البيلوزى وفى هذه الاثناء كان النيل سبعة افرع وهذا أحدهم وهو الفرع الذى كان يربط بابليون بسيناء لذلك بنيت الحصون فى بابليون .
وهذه الأماكن تعتبر المحطة الأولى فى مسار رحلة العائلة المقدسة .
تل بسطا : مدينة بوباستيس وتوجد خارج مدينة الزقازيق أطلال مدينة " بوباستيس " وهى واحدة من أكبر المدن القديمة في مصر وتُعرف الآن باسم " تل بسطا " ، والمعبودة العظيمة لتلك المدينة القديمة              " بوباستيس " كانت القطة الرشيقة باستيت إلهة الحب والخصوبة .
ودخلت العائلة المقدسة وجلسوا تحت شجرة وكان السيد المسيح يصنع معجزة دائما فى كل مكان يستقروا فيه وهو كان يضع يده فتنبع عين ماء تشرب منه العائلة الماء العذب .
مسطرد : وهى مدينة تبعد عن بابليون فى حدود خمسة عشر كيلومترا وسميت بالمحمية لان التقليد يقول أن العذراء غسلت ثياب السيد المسيح وحممته هناك فى عين ماء وبها كنيسة أثرية وحسب التقليد أن هذه العين كانت مصدر شفاء لكل من ياخذ منها 
بلبيس : وكان المفروض أن يذهبوا جنوبا الى بابليون ولكن غالبا وجدوا من يتتبعهم من جنود هيرودس فغيروا اتجاههم ودخلوا مدن الدلتا وكانت المحطة الاولى فى الاتجاه الاجبارى لهم هو بلبيس . وهى مدينة عاش فيها شعب اسرائيل فى فترة وجودهم فى مصر .
وجلسوا تحت شجرة يقال أن عسكر بابليون عندما مروا بها أرادوا قطع هذه الشجرة فنزلت منها دماء فتركوها ، وهى تبعد عن القاهرة 55 كم 
سخا : كانت تسمى في العصر المصرى القديم (خاست) وفى العصر اليونانى أو الرومانى (اكسويس) واحتلت سخا مركزا متميزا أيضا بعد دخول المسيحية مصر نظرا لاقامة العائلة المقدسة بها أثناء هروبها إلى أرض مصر وسميت (بيخا ايسوس) أي قدم يسوع نسبة إلى الحجر الذي طبع عليه قدم السيد المسيح وهو طفل عمره سنتان كما جاء في سنكسار 24 بشنس وهو تذكار هروب السيد المسيح إلى مصر
ويقول المؤرخ المصري المقريزي في القرن الخامس عشر ان دير المغطس كان يحج اليه المسيحيين من سائر الأنحاء في يوم 24 بشنس كما يحجون إلى كنيسة القيامة في القدس وكانت السيدة العذراء تظهر دائماً في هذا اليوم لذلك سمى عيد ظهور السيدة العذراء مريم 
وهدم هذا الدير في القرن الخامس عشر وتقلصت اهمية المكان وانتهت ايبارشية سخا
وادى النطرون : وغادرت العائلة المقدسة سخا واتجهوا جنوبا نحو الصحراء حتى وصلوا الى وادى النطرون وهذا يؤكد أنهم كانوا هاربون ممن كان يتتبعهم لانه لا يوجد سبب يدعو عائلة فقيرة للذهاب الى الصحراء سوى الهروب وقد صارت هذه الصحراء اكبر تجمع للرهبنة فى مصر حيث كان بها حوالى خمسون ديرا هدمت أغلبها ولم يبق منها الا أربعة فقط .
المطرية والزيتون وعين شمس : وبعدما اطمأنت العائلة المقدسة ألى عدم ملاحقة أحد لهم رجعوا الى خطتهم الاولى ومقصدهم الاهم وهو بابليون حيث يوجد التجمع اليهودى الاهم والاكثر أمانا لهم فدخلوا الى منطقة المطرية والزيتون وعين شمس . 
وفى هذه المدينة تربى وتعلم موسى النبى حكمة المصريين حيث كانت مدينة الحكمة والعلم قديما قبل أن يهدم أغلب معابدها قمبيز فى القرن الخامس قبل الميلاد واستراحت العائلة تحت شجرة فى المطرية قائمة الى الان واستمرار وجودها الى الان معجزة بكل المقاييس 
بابليون مصر القديمة : وأخيرا وصلت العائلة الى المقر الذى أرادوا أن يصلوا اليه منذ البداية حيث أقاربهم والمجمع اليهودى الشهير " أونياس ومكان سكنى إرميا النبى وبجوار الحصن الرومانى الشهير .
وغالبا أن هذا التجمع اليهودى كان أيضا ملجا لكل اليهود الغرباء اذ وجدت العائلة مغارة مكثت فيها ثلاثة أشهر هى مدة أقامتهم فى هذه المنطقة ولكن هذه المغارة كانت مكان معد أصلا للغرباء ويوجد بئر ماء شربت منه العائلة المقدسة .
وأصبحت كنيسة منذ العصر الرسولى والكنيسة التى بنيت فوقها هى كنيسة المغارة حاليا . ولكن بعد الثلاثة أشهر رحلت العائلة المقدسة من بابليون والسبب الوحيد هو أنهم كانوا مهددين من اتباع هيرودس اذ أن الاتجاه الذى أخذته العائلة المقدسة هو الصعيد مما يؤكد أنهم أرادوا مكانا اكثر أمانا من الوجة البحرى وبابليون فعبروا النيل عن طريق المعادى .
المعادى : وهو المكان الذى منه أخذت العائلة المقدسة مركبا متجهة نحو الصعيد وقد كانت هذه المنطقة هى الميناء على الحدود الجنوبية للعاصمة منف وأغلب الظن أنه كان هناك معبد فرعونى على النيل . وفى عام 1976 وجد كتاب مقدس عائم على صفحة النيل واستقر على ضفاف هذه الكنيسة مفتوحا على اصحاح إشعياء 19 الذى فيه "مبارك شعبى مصر " 
البهنسا : ومن المعادى وعبر النيل وقفت العائلة المقدسة فى منطقة دير الجرنوس أو البهنسا وهى الان مدينة البهنسا ببنى مزار مركز مغاغة وكانت قديما تسمى " بر أيسوس " أى بيت يسوع ومكثت فيها العائلة المقدسة أياما .
والبهنسا كانت مدينة قبطية كبيرة كان بها ثلاثون الف راهب وراهبه وبها ثلثمائة كنيسة عامرة قبل دخول العرب مصر .
جبل الطير : ولكن العائلة المقدسة كانت ترتحل من مكان لمكان تبحث عن مكان اكثر أمانا فرحلت الى سمالوط ومنها عبر النيل الى الناحية الشرقية ومكثت اياما فى مغارة هى الان جبل الطير 
ويذكر التقليد أنه أثناء عبورهم فى النيل الملاصق للجبل كانت صخرة كبيرة ستقع عليهم فمد السيد المسيح يده فوقفت الصخرة وانطبع كف السيد المسيح عليها وقد بنيت الملكة هيلانة هناك كنيسة فى القرن الرابع سميت " كنيسة الكف "
وعلى بعد 2 كم جنوبا توجد شجرة العابد وهى من اشجار اللبخ وهذه الشجرة كل فروعها تميل الى الارض كانها ساجدة وفى القصص والميامر يقال انها قد سجدت عند مرور العائلة المقدسة عليها .
الاشمونين وهى الان ملوى وقد عبرت العائلة الناحية الغربية من النيل واتجهت الى مدينة هامة شهدت حضارة فرعونية حيث كانت مركزا دينيا ومن اسمها الاشمونين من الكلمة المصرية القديمة " خمنسو أى الثمانية وهو أحدى النظريات الدينية فى اللاهوت الفرعونى الثمانية الهة وكانت أيضا مركزاً لاله الحكمة تحوت .
دير المحرق : ثم ارتحلوا نحو جبل قسقام الى منطقة دير المحرق وهو من أهم المحطات لان العائلة المقدسة مكثت فيه ستة اشهر وهى اكبر مدة ومنها كانت رحلة الرجوع .
وايام البابا ثيوفليس البطريرك الثالث والعشرون اراد ان ياخذ بركة هذا الدير فوصل هناك قبل عيد نياحة العذراء 21 طوبة بثلاثة ايام ووجد المذبح الاثرى صغير ورأى انه لا يليق بمكانة المكان المقدس فأراد ان يبنى مذبح أكبر وفى تلك الليلة ظهرت له العذراء وقالت له لا تفكر فى هذا ولا تدشنه لان ابنى الحبيب قد دشنه بيديه الطاهرتين . 
اما كيفية الرجوع فكانت لابد أن يتجهوا جنوبا الى منطقة مراسى السفن وقد يكونوا عبروا على دير العذراء بدرنكة ثم جنوبا الى منطقة الجنادلة بابوتيج لانها كانت مركز للسفن الكبيرة اذ أن العائلة المقدسة أرادات العودة السريعة بلا توقف فاخذت النيل من الجنادلة الى منف مباشرة ولا يقوى على هذه الرحلة الا سفن كبيرة وليست مراكب كما كانت رحلة المجئ .
ومن المعادى عبروا الى بابليون مرة اخرى وغالبا مكثوا اياما فى مغارة ابى سرجة لترتيب رحلة العودة واخذ ما يكفى رجوعهم من عائلاتهم اليهودية وهذا ما جعل بعض المؤرخين يضعوا مغارة ابى سرجة فى طريق المجىء والبعض فى طريق العودة لان هناك مراجع تقول هذا واخرى تللك ولكن الحقيقة انهم سكنوها فى المرتين فى المجىء والعودة  .
ثم أخذوا فرع النيل البيلوزى الى رفح ومنه عائدين الى الوطن حيث سكنوا الناصرة .

شارك