البرهان يظهر للعلن ويتفقد قواته في أم درمان/سوريا.. تحديات «داعش» والتواجد الأجنبي/هل يدفع الدبيبة ثمن اشتباكات طرابلس وعلاقته بالميليشيات؟
الاتحاد: «الرئاسي الليبي»: وضع حلول جذرية تمنع تكرار المواجهات المسلحة
البيان:وحدة عسكرية مشتركة لتأمين الحدود الجنوبية الليبية
تستعد ليبيا لإعلان تشكيل قوة عسكرية مشتركة، سوف تكلف بتأمين الحدود الجنوبية، في ظل اتساع دائرة النزاع في النيجر والسودان.
وأفادت القيادة العامة للجيش الليبي ، بأن اجتماعاً لقادة المناطق والوحدات العسكرية والأمنية جنوبي ليبيا، عقد لبدء تنفيذ المرحلة الثانية من خطة تأمين الحدود الجنوبية الغربية.
وبحسب بيان إدارة الإعلام والتوعية التابعة للجيش الليبي، «اجتمع قائد قوة العمليات في الجنوب، مع قادة المناطق والوحدات العسكرية والجهات الأمنية، وتحددت المهام والواجبات».
وأوضح الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء أحمد المسماري، أن المشاركين في الاجتماع أعربوا عن جاهزيتهم التامة لتنفيذ خطة العمليات العسكرية بالخصوص.
وفي طرابلس، كشف محمد الحداد، رئيس الأركان العامة، التابع لحكومة الوحدة الوطنية، عن مجموعة مشتركة من القوات المسلحة في الشرق والغرب يجري تشكيلها لحماية الحدود الجنوبية، ومنشآت النفط.
ويعتبر تشكيل قوة مشتركة لتأمين الحدود الجنوبية، خطوة مهمة على طريق توحيد المؤسسة العسكرية، ففي مارس الماضي، احتضنت تونس مناقشات حول المبادرة خلال اجتماع «مجموعة العمل الأمنية» حول ليبيا، بحضور المبعوث الأممي، عبدالله باتيلي، وأعضاء لجنة «5+5»، وسفراء بريطانيا، وتركيا، وإيطاليا، وفرنسا، وممثلين عن الاتحاد الأفريقي.
وتمتد الحدود الليبية مع النيجر على طول 342 كيلومتراً، حيث تتولى الكتيبة 634 مشاة في الجيش الوطني، مهام تأمينها، بينما تمتد الحدود الليبية مع السودان لمسافة 382 كم من النقطة الثلاثية مع مصر في الشمال، إلى النقطة الثلاثية مع تشاد في الجنوب، ويبلغ طول الحدود الليبية مع تشاد 1050 كم.
ويرى مراقبون أن تشكيل قوة مشتركة من الجيش، وقوات المنطقة الغربية، سوف يوفر فرصة مهمة لتأمين الحدود الجنوبية، من الإرهاب، وتهريب البشر، والسلاح، والوقود، والسلع التموينية، وغيرها.
البرهان يظهر للعلن ويتفقد قواته في أم درمان
تفقد رئيس مجلس السيادة السوداني، القائد العام للقوات المسلحة، عبدالفتاح البرهان، أمس، مدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم، وتجول بين جنود الجيش المتمركزين في المنطقة.
ونشر الجيش السوداني فيديوهات للبرهان، وهو يحمل سلاحاً خلال تفقده الجنود في عدد من المناطق العسكرية بالمدينة، ولقائه مع السودانيين، وهي المرة الأولى التي يظهر فيها خارج مقر قيادة الجيش منذ اندلاع الاشتباكات بين قواته و«الدعم السريع».
ظهور مفاجئ
وأثار الظهور المفاجئ للبرهان، وهو يتفقد جنوده في منطقة «وادي سيدنا» العسكرية، جدلاً كبيراً في السودان، لاسيما أن الظهور هو الأول له، خارج أسوار القيادة العامة في العاصمة الخرطوم، التي تتحدث قوات الدعم السريع عن إحكام محاصرتها منذ اندلاع المعارك بينها والجيش منتصف أبريل الماضي.
وقال البرهان -متوجهاً لقواته في زيارته لمنطقة وادي «سيدنا» العسكرية (شمالي أم درمان)-، إن القيادة العامة للجيش متمسكة بمواقفها من أجل الحفاظ على السودان واستقراره. وخاطب مجموعة من عناصر القوات الخاصة بالقول «نقاتل من أجل السودان، وليس من أجل شخص، أو جهة، أو فئة»، وأكد أن كل أفراد الجيش المنتشرين في كل مكان يقاتلون من أجل السودان.
ووجدت مقاطع فيديو، يبدو أنها التقطت بواسطة كاميرات هواتف، البرهان وهو يتفقد في الصباح الباكر يوم أمس، عناصر القوات الخاصة بجبل سركاب في القاعدة العسكرية تارةً، ويحتسي القهوة مع إحدى بائعات الشاي بمدينة الثورة تارةً أخرى، رواجاً كثيفاً في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي السودانية.
ولم يظهر البرهان منذ اندلاع الحرب، التي دخلت شهرها الخامس، إلا مرات معدودة داخل أسوار القيادة العامة في الخرطوم، ما أثار تساؤلات حول مكان وتوقيت الظهور، الذي جاء بعد معارك ضارية بين الجيش و«الدعم السريع» بسلاح المدرعات في منطقة الشجرة العسكرية جنوبي الخرطوم، الذي يمثل واحداً من الحصون المنيعة للجيش.
دليل سيطرة
ويؤكد الخبير العسكري اللواء الدكتور، أمين مجذوب، لـ«البيان»، أن ظهور القائد العام للجيش في منطقة كرري العسكرية في أم درمان، دليل على سيطرة القوات المسلحة على العاصمة الخرطوم، ودليل على نجاح العمليات الأخيرة. وأضاف: «بالتالي يستطيع القائد العام والقادة التحرك دون أي صعوبات تذكر»، ونوّه مجذوب بأن ظهور البرهان يدلل على أن الخيارات أصبحت مفتوحة أمام القيادة العامة للجيش في إدارة معركتها ضد «الدعم السريع».
وتابع مجذوب: «مثل هذا التحرك، وتفقد القوات، يرفع الروح المعنوية للجنود في كل المواقع».
من ناحيته، يلفت الصحافي السوداني، عثمان فضل، إلى أن وصول البرهان إلى (بر) أم درمان لا يخرج من احتمالين، والاثنين يؤشران إلى قرب انتهاء الحرب، ويلفت إلى أن الاحتمال الأول، يتمثل في انتصار الجيش، وتقهقر «الدعم السريع»، بما يمكّن قائد الجيش من تنفيذ هذه الجولة الواسعة بهذا الارتياح الكبير، الذي بدا عليه، ويعني أن الحرب قاب قوسين من النهاية.
ويؤكد فضل الله في تدوينة على صفحته على «فيسبوك»، أن الاحتمال الثاني يمكن من خلاله قراءة أن خروج البرهان في إطار صفقة بينه وقوات الدعم السريع، هو أيضاً يرجح فرضية أن الحرب في طريقها للتسوية.
الخليج: المعارك في السودان تشرد 700 طفل من ديارهم كل ساعة
واصل الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، أمس الخميس، قصف مواقع تابعة لقوات الدعم السريع في ضواحي العاصمة الخرطوم، فيما كشفت منظمة «يونيسيف» أن النزاع في السودان يجبر نحو 700 طفل على النزوح كل ساعة، وأن الصراع شرد أكثر من مليوني طفل من ديارهم خلال أشهر الصراع، في وقت ظهر فيه قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، في مقاطع مصورة أمس، وهو يتجول في قاعدتين عسكريتين في أم درمان، غرب الخرطوم للمرة الأولى منذ تفجر الصراع في 15 أبريل/ نيسان الماضي.
في الأثناء، أعلنت منظمة اليونيسيف أن أكثر من مليوني طفل نزحوا في السودان خلال أربعة أشهر بمعدل 700 طفل نازح جديد كل ساعة، مع امتداد العنف إلى مناطق جديدة.
وقال ممثل اليونيسيف في السودان مانديب أوبراين، في بيان أمس، إن هناك عدداً لا يحصى من الأطفال محاصرين في مناطق العنف، ومنهم من فقدوا كل شئ، مؤكداً الحاجة بشكل عاجل إلى 400 مليون دولار أمريكي لمواصلة عملياتها في السودان وتوسيع نطاقها.
حاجة عاجلة إلى المساعدات
وأضاف أن هناك في الوقت الحاضر 14 مليون طفل في السودان يحتاجون بشكل عاجل إلى المساعدات، يتعرضون كل يوم لمخاطر مرعبة، وبصرف النظر عن البؤر الساخنة للصراع في الخرطوم ودارفور، فقد انتشر القتال العنيف إلى مناطق أخرى مأهولة بالسكان، بما في ذلك جنوب وغرب كردفان، ما يحد من تقديم الخدمات المنقذة للحياة لمن هم في أمسّ الحاجة إليها، مشيراً إلى أن هناك 20،3 مليون شخص سيعانون الجوع وانعدام الأمن الغذائي قبل سبتمبر القادم نصفهم من الأطفال.
وظهر قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في تسجيل مصور نشره الجيش، أمس الخميس، وهو خارج مجمع قيادة الجيش، لأول مرة منذ بدء الصراع قبل 4 أشهر.
وقال البرهان: «نحن نقاتل من أجل السودان، ليس من أجل شخص أو جهة أو فئة، وأنا هنا لأبلغكم تحيات مجلس القيادة». وقال الجيش إن البرهان زار منطقة وادي سيدنا العسكرية في مدينة أم درمان، فيما قصف الطيران الحربي التابع للجيش مواقع تابعة للدعم السريع بشرق النيل شرقي الخرطوم.
وتزامن هذا الظهور مع تأكيد قوات الدعم السريع على أنها تحاصر قادة الجيش الكبار بمن فيهم البرهان في مقر القيادة العامة بوسط الخرطوم. ويأتي أيضاً مع استمرار العمليات العسكرية بين الجانبين في عدة محاور في الخرطوم ودارفور.
ظهور نادر
وبث إعلام تابع للجيش مقاطع فيديو للبرهان مع عدد من الجنود في قاعدة وادي سيدنا العسكرية شمال أم درمان، وكذلك في قاعدة جبل سركاب بمنطقة كرري العسكرية التي كانت معقلاً رئيسياً لقوات الدعم السريع قبل أن يتم قصفها وتدميرها بواسطة الطيران الحربي. وأظهرت صور كذلك قائد الجيش مع عدد من الأهالي في أم درمان، وصورة يجلس فيها وسط مدنيين قال الجيش إنها في الحارة 100 إسكان الصحفيين بكرري وارتكاز الجيش.
ولم يظهر البرهان، المتمركز في المجمع الذي يضم مقر قيادة الجيش في الخرطوم، في مقاطع فيديو منذ أسابيع، فيما تعد أول جولة خارج المجمع.
وكان أول ظهور له في 18 مايو/أيار الماضي، حيث ظهر البرهان آنذاك بين جنوده في منطقة القيادة العامة وسط العاصمة الخرطوم، فيما كان آخر ظهور في منتصف يوليو الماضي، حيث نشر الإعلام العسكري للجيش السوداني مقاطع للبرهان، وهو يترأس اجتماعاً عسكرياً يضم قادة الجيش.
مبعـوث جزائـري يـزور النيجـر لبحــث حـل سلمـي للأزمـة
أوفدت الجزائر، الأمين العام لوزارة الخارجية لوناس مقرمان إلى النيجر، أمس الخميس، لإجراء مباحثات مع كبار المسؤولين فيها سعياً للتوصل إلى حل سلمي، وفق مصادر رسمية، فيما أصدر وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أمس، تحذيرات تتعلق بالوضع في النيجر بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، كما أعلنت الخطوط الجوية الفرنسية (إير فرانس) أنّها مدّدت «حتى العاشر من سبتمبر ضمناً» تعليق رحلاتها الجوية من وإلى مالي وبوركينا فاسو، فيما تبقى رحلاتها إلى النيجر متوقّفة حتّى إشعار آخر.
وبعدما بدأ وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الأربعاء، جولة مباحثات في ثلاث من دول الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) هي نيجيريا وبنين وغانا للتشاور بشأن أزمة النيجر وسبل حلها، أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية أمس الخميس، على منصة «إكس» أن لوناس مقرمان، يقوم بزيارة إلى جمهورية النيجر، ابتداء من الخميس، يجري خلالها «سلسلة لقاءات مع شخصيات ومسؤولين كبار» من النيجر.
وقالت الوزارة إن هذه الزيارة تأتي «في إطار المساعي الحثيثة والمتواصلة للجزائر بشأن الإسهام في إيجاد حل سياسي للأزمة التي يعيشها النيجر بما يجنبه وكذلك للمنطقة بأكملها المزيد من المخاطر». وساهمت الخارجية الجزائرية بالكثير من مساعي الوساطة والمحاولات لتسوية الكثير من النزاعات الدولية. وفي 6 أغسطس، أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أنه «يرفض رفضاً قاطعاً أي تدخل عسكري» من خارج النيجر سيمثل وفق تعبيره «تهديداً مباشراً للجزائر». وأضاف خلال مقابلة بثها التلفزيون الوطني «لن يكون هناك حل بدوننا، نحن أول المعنيين»، وتشترك الجزائر في حدود تمتد نحو 1000 كيلومتر مع النيجر. كما أن الجزائر هي أكبر دولة في إفريقيا، وتحاذيها دولتان تعانيان أزمات عميقة هما مالي وليبيا، وهي ترفض فتح جبهة ثالثة عند حدودها. بعد الإطاحة في 26 يوليو/تموز بالرئيس المنتخب محمد بازوم، أعلنت إيكواس في 10 أغسطس/آب عزمها نشر قوة من غرب إفريقيا لإعادة النظام الدستوري في النيجر. وشدد تبون على أن أي تدخل عسكري سيؤدي إلى اشتعال «منطقة الساحل بأكملها»، منوهاً إلى أن مالي وبوركينا فاسو مستعدتان لدخول المعركة إلى جانب النيجر.
وفي سياق متصل، حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، من تداعيات تدخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» العسكري في النيجر. وقال الوزير الروسي، في مؤتمر صحفي، في ختام أعمال قمة دول مجموعة «بريكس» في جنوب إفريقيا أمس، إن تدخل «إيكواس» عسكرياً في هذه الدولة سيكون مدمراً لآلاف الأشخاص. وأضاف «لا أعتقد أن التدخل سيفيد أحداً. وبالفعل يتم إنشاء قوة من الجزء الآخر للتجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا لمواجهة التدخل. لا أتمنى حقا للأفارقة هذا النوع من السيناريو، سيكون مدمراً لعدد كبير من الدول ولآلاف البشر».
ودعا لافروف إلى دراسة الأسباب الحقيقية، التي تقف وراء الانقلابات في إفريقيا مثل ما حدث في النيجر.
ليبيا.. السياسة تتراجع والعنف يتصاعد
شهدت ليبيا خلال الأسابيع القليلة الماضية، عدداً من الأحداث والتطورات السياسية والعسكرية المهمة التي كشفت بوضوح عن هشاشة حالة الاستقرار النفسي الظاهرية في البلاد، وكان أخطرها الاشتباكات الواسعة التي وقعت في طرابلس وضواحيها، منتصف الشهر، بين «جهاز الردع» التابع للمجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي واللواء (444) التابع لحكومة الدبيبة، بسبب اعتقال عناصر جهاز الردع لقائد اللواء العقيد محمود حمزة، وهي الاشتباكات التي راح ضحيتها 55 قتيلاً و 150 جريحاً، وانتهت بتسليم حمزة إلى جهاز أمني قام بالإفراج عنه.
معروف أن المجلس الرئاسي، برئيسه ونائبيه، يفترض أن يقوما بمسؤوليات القائد الأعلى للقوات المسلحة، بمقتضى الاتفاق الذي تم التوصل إليه في فبراير 2021 بواسطة «ملتقى الحوار» الذي أشرفت عليه المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز في حينه، وهو الاتفاق نفسه الذي توصّلت إليه خارطة الطريق التي جاءت في إطارها حكومة الدبيبة، وكان مفروضاً أن يتم إجراء الانتخابات في ديسمبر 2021.
لكن ما حدث هو أن الانتخابات تعطل إجراؤها، كما أن الدبيبة احتفظ لنفسه بوزارة الدفاع، وبالسيطرة على القوات المسلحة الرسمية، فضلاً عن تعزيزه للميليشيات القبلية والمناطقية وسيطرته عليها من خلال التمويل السخي، وتم فرض حالة من التهميش على المنفي ومجلسه الرئاسي، الذي ظل بلا صلاحيات فعلية في حقيقة الأمر، يكتفي بالسفر لتمثيل ليبيا في التجمعات الدولية، ويقوم بدور ديكوري في طرابلس، في ظل امتلاك الدبيبة للسلطة الفعلية، وقيامه بتوقيع الاتفاقيات الدولية دون اعتبار للبرلمان أو للمجلس الرئاسي. وظل هذا سبباً لتوتر دفين بين الطرفين ينفجر من وقت لآخر في صورة صدام بين جهاز الردع واللواء 444، أو الميليشيات الأخرى الموالية للدبيبة.
وسنرى لاحقاً كيف انعكس هذا التنافس على السلطة، في تحرك قام به المنفي لإقامة تحالف مع الشرق الليبي، ممثلاً في رئيس البرلمان عقيلة صالح وقائد الجيش الوطني خليفة حفتر.
الإطاحة بالمشري
وكانت بداية شهر أغسطس قد شهدت حدثاً له دلالاته المهمة، كما أن له تداعياته التي لا تقل أهمية، نعني سقوط خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في انتخابات ساخنة لرئاسة المجلس، أمام منافسه محمد تكالة، بعد حصوله على 62 صوتاً مقابل 67 صوتاً حصل عليها تكالة، وذلك بعد خمس سنوات متصلة من رئاسة المشري للمجلس، ظل خلالها واحداً من أبرز اللاعبين على المسرح السياسي الليبي.
معروف أن المشري هو أحد أبرز زعماء جماعة «الإخوان» ومؤسس «حزب العدالة والبناء» الذراع السياسية المعروف بتشدده للجماعة التي تملك غالبية الأصوات في المجلس الأعلى للدولة، لكن الرجل فقد حظوته تدريجياً في صفوف الجماعة، وبصفة خاصة خلال السنة الأخيرة بسبب اتهامه بالتساهل مع المجلس النيابي «الشرق» في المفاوضات حول خارطة الطريق والتعديل الثالث عشر للدستور، والقاعدة الدستورية للانتخابات المطلوب إجراؤها. وموافقته على تنحية حكومة الدبيبة وتشكيل حكومة جديدة مصغرة لإجراء الانتخابات.
ومعروف أن «الإخوان» وحزب «التنمية والبناء» المتشدد التابع لها، يتحالفان مع الدبيبة، برعاية تركية، وبالتالي فإنهما يرفضان مغادرة حكومته للسلطة، كما يطالبان بإجراء انتخابات برلمانية دون الرئاسية، لتشكيل نظام حكم برلماني تكون السلطة العليا فيه لرئيس الحكومة المسؤول أمام البرلمان، مع إمكانية انتخاب رئيس ذي صلاحيات هامشية من جانب البرلمان الذي يملك صلاحية تنحيته.
تكالة.. وانتصار التشدد
وفي المقابل، فإن الرئيس الجديد لمجلس الدولة محمد تكالة، قد نجح بفضل الدعم القوي الذي لقيه من جانب الجناح الأكثر تشدداً في «الإخوان» وحزب العدالة والبناء. وهو أيضاً معروف بتشدده، كما أنه على صلة قوية بالدبيبة، كما تشير التقارير الإعلامية، وهذه نقطة مهمة، وهو أستاذ جامعي في الحاسبات والمعلومات، تولّى مناصب قيادية في لجان المجلس، ويلاحظ أنه في الكلمة التي ألقاها بمناسبة فوزه بالرئاسة لم يشر إلى خارطة الطريق ولا مخرجات لجنة (6+6)، وهو ما ينسجم مع موقف الأغلبية المتشددة التي انتخبته، وغني عن الذكر أن الوضع الجديد في مجلس الدولة يلقي بظلال كثيفة من الشك على مستقبل التزام المجلس بالمسار التفاوضي الحالي مع البرلمان، والمؤكد أيضاً أن هذا الوضع يمثل دعماً إضافياً للدبيبة.
اتفاق بنغازي
ذكرنا في ما سبق، أن تجاهل الدبيبة لصلاحيات المجلس الرئاسي وتهميشه لدور المنفي، خلق حالة من التوتر بين الطرفين، تمثل سبباً للصدام بينهما من وقت لآخر، في ما يمكن تسميته، تجاوزاً، المنافسة على السلطة التي تميل كفتها إلى الدبيبة بوضوح. وفي هذا الإطار يسعى المنفي لتعزيز موقفه، فقام بزيارة إلى بنغازي (20 أغسطس)، اجتمع خلالها برئيس البرلمان عقيلة صالح وقائد الجيش الوطني خليفة حفتر، حيث بحثوا الأوضاع الحالية في البلاد، واتفقوا على ضرورة مواصلة المسار السياسي، وجهود الحوار الوطني، أو المصالحة الوطنية، وتأكيد الصلاحيات الدستورية لمجلس النواب، ودعوة رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى عدم اتخاذ أي خطوات فردية تتجاوز صلاحيات الأطراف الوطنية. كما دعوا إلى عقد اجتماع يضم رئيسي البرلمان ومجلس الدولة برئاسة المنفي، لبحث سبل مواصلة العملية السياسية، ونعتقد أنه في ظل علاقات القوى الحالية، من المشكوك فيه أن تلقى هذه الدعوة استجابة من مجلس الدولة، أو أن تحقق نتيجة ملموسة في حالة انعقاد اللقاء.
ويظل تغيير الموقف الأمريكي والتركي (الغربي عموماً) من حكومة الدبيبة، ومن الوضع في ليبيا، شرطاً جوهرياً لحدوث تغيير جدي في الموقف.
وعلى صعيد آخر، أعلن محافظ المصرف المركزي ونائبه عن المنطقة الشرقية، الاتفاق على توحيد المصرف ككيان سيادي، (20/8) وهو تطور مهم إذا صدقت النوايا، لكنه يحتاج إلى متابعة عن كثب لمراقبة مدى الجدية في تطبيقه، ويمكن أن يمثل بداية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية تدريجياً، بشرط إعلان المصرف خضوعه لرقابة البرلمان والأجهزة الرقابية الأخرى، غير أن هذه قضية تحتاج إلى مناقشة واسعة لا يتسع لها المجال.
سوريا.. تحديات «داعش» والتواجد الأجنبي
في الوقت الذي يشهد فيه مسار عودة سوريا لبيتها العربي تسارعاً كبيراً، بعد استعادة مقعدها رسمياً في الجامعة العربية في 7 مايو/أيار الماضي، وحضور الرئيس بشار الأسد القمة العربية في 19 مايو، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والعديد من الدول العربية، بعد انقطاع لأكثر من عقد، ما تزال سوريا ترزح بين مطرقة تواجد القوات الأجنبية والتدخلات الخارجية وسندان تصاعد خطر تنظيم «داعش» الإرهابي.
شكلت سوريا إحدى ساحات الصراع الاستراتيجي وصراع النفوذ بين القوى الكبرى، خاصة بين أمريكا وروسيا وهما اللاعبتان الدوليتان الأكثر تأثيراً وتواجداً على الأراضي السورية، فروسيا موجودة وفقاً لاتفاقات وتفاهمات رسمية مع الحكومة السورية، ووقفت إلى جانبها منذ عام 2015، وأسهم تدخلها العسكري في تعزيز قدرات وسيطرة الحكومة السورية في مواجهة المعارضة السورية المسلحة. وفي المقابل تتواجد أمريكا في سوريا منذ سنوات بشكل غير قانوني، ومن دون تنسيق مع الحكومة السورية، ولديها قوات متواجدة في القواعد العسكرية الخاصة بها أو الخاصة ب«قوات سوريا الديمقراطية»، ومن أبرزها قاعدة التنف الحدودية مع العراق والأردن. وقد شكلت الحرب الروسية الأوكرانية عاملاً مهماً في تصاعد صراع النفوذ بين الدولتين في الفترة الأخيرة؛ حيث تسعى أمريكا إلى الضغط على روسيا في الساحة السورية، وتستغل الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية، لتعزيز سيطرتها ونفوذها هناك، خاصة منذ بداية هذا العام؛ حيث قامت بزيادة عدد قواتها من 500 جندي إلى 2500 جندي، وقامت بنشرهم في قواعدها في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، إضافة إلى تواجدها في محافظة دير الزور، ونشر أكثر من 75 مدرعة أمريكية في تلك القواعد. هذا التوسع العسكري الأمريكي، يستهدف تحقيق ثلاثة أهداف في سوريا؛ وهي: مساعدة وتدريب قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومحاربة تنظيم «داعش»، وحماية حقول النفط في شرق سوريا. لكن هذا التوسع في القوات الأمريكية، يمثل تحدياً كبيراً للدولة السورية في استكمال بسط سيطرتها على بقية أجزاء البلاد، وتعزيز وحدتها وسيادتها وبشكل خاص في المناطق التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية؛ حيث تسعى القوات الأمريكية إلى فرض سياسة الأمر الواقع، وفرض ما تعده مناطق الحكم الذاتي للأكراد، خاصة أن القوات الأمريكية ليس لديها أي سند قانون شرعي للتواجد، كما أن تعزيز سلطة الإدارة الذاتية للأكراد، يضعف من فرص التفاهمات السياسية بين الحكومة السورية والأكراد للمحافظة على الدولة، والتوصل إلى حل سياسي شامل.
تصاعد خطر «داعش»
وتستهدف أمريكا من وراء تعزيز تواجدها العسكري في سوريا موازنة الميليشيات التابعة لإيران المتواجدة في هذه المنطقة من ناحية، وموازنة النفوذ الروسي من ناحية أخرى، ومن هنا تبرز التداعيات السلبية لصراع النفوذ الأمريكي الروسي في سوريا مع الانتهاك الأمريكي المستمر لبروتوكول عدم التصادم في الأجواء السورية الذي تم التوصل إليه بين أمريكا وروسيا عام 2019، في ظل انقطاع الاتصالات بين البلدين على هامش الأزمة الأوكرانية؛ حيث اتهم مركز المصالحة الروسي، القوات الأمريكية بانتهاك بروتوكول عدم التصادم مئات المرات، خاصة من جانب الطائرات الأمريكية من نوع «إف 16»، وكذلك المسيّرات الأمريكية في الأجواء السورية، وتحرشها بالطائرات الروسية، ما قد يهدد بمواجهة عسكرية بين الجانبين على الأراضي السورية، سيدفع ثمنها بالأساس الشعب السوري والدولة السورية، وجهود تحقيق الحل السياسي الشامل، وعودة اللاجئين، ويضعف من قدرة الحكومة السورية في مواجهة التحديات، خاصة خطر تنظيم «داعش».
وتصاعدت في الفترة الأخيرة العمليات المتكررة من جانب عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي ضد القوات السورية والمراكز العسكرية الحكومية، وفق ما يُعرف ب«الذئاب المنفردة»، فعلى الرغم من هزيمة التنظيم رسمياً في عام 2019، وفقدانه الأراضي التي سيطر عليها في سوريا، فإن الخلايا النائمة التابعة له، ما تزال موجودة، وهناك ما بين 5 و7 آلاف عنصر يتبعون للتنظيم، ينشطون داخل سوريا؛ حيث يستغلون الأجواء المختلفة، لشن عمليات مكثفة، خاصة منذ بداية شهر أغسطس/ آب الحالي، وقام تنظيم «داعش» بالعديد من العمليات ضد القوات السورية، وكان الهجوم الأكثر دموية في العاشر من أغسطس، عندما نصب عناصر التنظيم كميناً لحافلة عسكرية تقل عناصر للجيش السوري من الفرقة 17 في ريف دير الزور، وقتل في الهجوم نحو 33 عنصراً، وأصيب آخرون بجروح. ولا شك أن أمريكا تستفيد من تصاعد نفوذ «داعش»، لتبرير تواجدها وسيطرتها على الأراضي السورية، وفي المقابل التنظيم يستغل تواجد القوات الأمريكية والصراع الروسي الأمريكي، وضعف سيطرة الحكومة السورية على مناطق شرق سوريا، لتعزيز نفوذه، واستعادة قوته مرة أخرى.
التواجد التركي
وتواجه الحكومة السورية أيضاً تحدي استمرار التواجد العسكري التركي في شمال سوريا، وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة انفتاحه على المصالحة مع سوريا، واستعداده للقاء الرئيس بشار الأسد، إلا أن الأخير أعلن بوضوح أنه لن يلتقي الرئيس أردوغان من دون شروط مسبقة، واشترط انسحاب القوات التركية من سوريا، لاستئناف العلاقات، ومقابلة أردوغان؛ حيث اعتبر الأسد أن القوات التركية تتواجد بشكل غير شرعي وغير قانوني، وهو نوع من الاحتلال العسكري تحت مظلة محاربة الإرهاب أو ما تسميه تركيا خطر «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب الكردي»، وقامت تركيا بأكثر من عملية في شمال سوريا في السنوات الأخيرة؛ مثل: «نبع الفرات» و«غصن الزيتون» وغيرهما، وبالتالي لا بد من انسحاب القوات التركية، لاستعادة سوريا لسيادتها، وبسط سيطرة الدولة على كل أجزاء البلاد، وهو أمر يواجه تحديات كبيرة في ظل تأكيد تركيا أنها لن تسحب قواتها من شمال سوريا؛ حيث تسعى إلى فرض منطقة آمنة في الشمال؛ وذلك لإعادة توطين 4 ملايين سوري يتواجدون لديها هرباً من الحرب، في ظل التجاذبات السياسية والانتخابية في تركيا، بسبب قضية اللاجئين السوريين.
لا شك أن تواجد القوات الأجنبية وصراع النفوذ الأمريكي الروسي والتواجد التركي والميليشيات الحليفة لإيران وتصاعد خطر «داعش»، تمثل تحديات كبيرة أمام الحكومة السورية، وتعيق جهودها نحو تحقيق الحل السياسي الشامل والخروج من الأزمة ومحاربة الإرهاب وإعادة اللاجئين وإعادة الإعمار، وعلى الرغم من أن عودة سوريا لبيتها العربي، يمثل تطوراً إيجابياً من شأنه أن يساعد في حل الأزمة السياسية والإنسانية وإعادة اللاجئين، فإن استعادة سوريا لعافيتها السياسية والاقتصادية لن تتحقق إلا بخروج كافة القوات الأجنبية من هناك بلا استثناء، واندحار خطر «داعش».