أما جيش النبي، فقد اختلف تكوينه هذه المرّة، ففي الغزوات السابقة كان الجيش يتكون من المهاجرين وعدد محدود من الأنصار، كما كانت الحال في غزوة بدر الكبرى، أو من المهاجرين والأنصار معا، كما في سائر الغزوات، لكن بفتح مكة اختلف الأمر، لقد انضمت مكة وأهلها من المقاتلين والفرسان إلى الجيش، وهؤلاء ليسوا من المهاجرين ولا من الأنصار، وفيهم المسلم وفيهم الكافر الذي لم يعتنق الإسلام بعد، ذلك أن الرسول لم يفرض عليهم الإسلام يوم الفتح ولا ألزمهم به، وإنما منحهم أمانًا مطلقا غير مشروط: اذهبوا فأنتم الطلقاء». أما وإن المعركة للدفاع عن مكة فقد تقدم أبناؤها للدفاع عنها، وفيهم من لم يمر على إسلامه سوى أيام، وفيهم الكافر الذي ما زال على موقفه القديم، وقد قبلهم النبي جميعًا في الجيش، وقاتلوا ببسالة.

استحلال الاموال

قراءة النمنم ليوم حنين تقع في 180 صفحة وسوف اعرض لنموذج قراءته لمشاركة صفوان بن امية وسهيل بن عمرو بن عبد شمس وشارك غيرهما من الاعيان او الوجهاء وعشرات من شباب مكة في جيش " حنين " من دون ان يعتنقوا الاسلام . ومن الواقعة التاريخية يناقش النمنم قضية استحلال اموال الكفار .والتى تعيش عليها بعض الجماعات الارهابية

يقول النمنم بين أهم ما يكشفه موقف النبي مع صفوان بن أمية في غزوة حنين سقوط  نظرية أو مقولة استحلال أموال الكافرين تلك التي نادى بها دعاة التطرف والتكفير وأمراء الإرهاب، وقد جعلوا منها موردا أساسيا ومصدرا ماليا لتمويل عملياتهم الإجرامية، خاصة حين تجف منابع التمويل الأجنبي الدولي، ونحن نعرف أنهم توسعوا في التكفير، حتى شمل غير المسلمين جميعًا، وشمل أيضًا المسلمين الذين رفضوا أفكارهم وانطلاقًا من التكفير واستحلال أموال الآخرين قاموا منذ سنوات السبعينيات بالسطو على عدد من محال الذهب المملوكة لمواطنين مصريين أقباط، ولما انكشف أمرهم أمام المجتمع، وتبين أنهم في النهاية حرامية الصاغة»، فضلا عن انتباه أجهزة الأمن، استحلوا أموال المسلمين عبر شركات توظيف الأموال، وكشف هذا الملعوب أيضًا، فكان أسلوب الاستحلال، حيث اتجهوا إلى جمع التبرعات بزعم أنها من أجل الخير والإحسان، الأمر بسيط، جمعية خيرية يتم إشهارها ومن خلالها تُجمع التبرعات لبناء مشروع ما يُقام المشروع على مهل، ويذهب فتات التبرعات إلى المشروع، أما جُلها فتتجه إلى مساربهم، لشراء الأعوان ودفع النفقات لهم، واختراق الجهات التي يريدونها، فضلا عن شراء الأسلحة وتفخيخ السيارات؛ أي تمويل الإرهاب

عرف بعض الفقهاء الاستحلال بأنه استباحة أموال الآخرين وأعراضهم المحرمة واعتبارها حلالاً، وبدأ ذلك مع الخوارج باستحلال أرواح المسلمين وقتلهم وفي زماننا وجدنا جماعة شكري مصطفى في السبعينيات تستحل ممتلكات خصومهم وأرواحهم، كما فعلوا مع الشيخ محمد حسين الذهبي أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، حيث قاموا بخطفه من بيته بعد أن تنكروا في زي رجال الشرطة، ثم قتلوه. وبعدهم جاءت تنظيمات وجماعات استحلت أموال وممتلكات الأقباط المصريين خاصة محال ،الذهب لتمويل عملياتهم، وزادت وتيرة تلك العمليات في سنوات التسعينيات، حيث اقتحموا محال الذهب في مناطق مثل عين شمس والمطرية بالقاهرة، فضلا عن عدة مدن في الصعيد مثل أسيوط والمنيا وسوهاج، حتى زادت وتيرة تلك العمليات بها، وفي التحقيقات تبين أنهم قاموا بذلك بناءً على فتاوى من أمرائهم، جعلت ممتلكات «الكفرة» حلال لهم. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد استحلوا الأموال والممتلكات العامة فخربوها ودمروها، كما حدث في أبراج الكهرباء وخطوط الضغط العالي في صيف ۲۰۱۳ ، وغيرها من مؤسسات الدولة التي سعوا إلى نهبها ثم إحراقها، كما جرى في مقر شركة "المقاولون العرب" برمسيس.

البنا  النموذج الاول

ويؤكد النمنم  " أن أول نموذج للاستحلال عرفناه في العصر الحديث بمصرنا كان مع حسن البنا  الذي جمع تبرعات لإرسالها إلى أهل فلسطين مساعدة لهم بعد ثورتهم الكبرى سنة ١٩٣٦ ، وأرسل جزءًا صغيرًا مما جمعه من مال، أما باقي الأموال فقد وجهها لحسابه، وذكر لأتباعه أنه أنفقها على الجماعة. كانت تلك الواقعة سبب انشقاق جماعة شباب محمد عن الإخوان سنة ۱۹٣٨ . قبل ذلك، كان قد تسلم دعمًا من شركة قناة السويس الإنجليزية الفرنسية وشرع في بناء مسجد بالإسماعيلية من ذلك الدعم. وكما ذكر في مذكراته، سُئل من بعض المحيطين به: «كيف تبني بيتا لله من شركة استعمارية؟»، كان رده: إنها أموالنا ردت إلينا». بعدها جاء تلاميذه  وطوروا تلك الحالة لتصبح نظرية يعملون بها، وقاموا بتطبيقها. ويجب القول إن الأزهر الشريف قد رفض وأدان نظرية الاستحلال تلك

ويعود النمنم ليقابل نظرية الاستحلال للجماعات الارهابية مع ما حدث  في يوم حنين فيقول

موقف النبي مع صفوان كان واضحا، وهو استبعاد استحلال ممتلكاته وأكرر كان صفوان كافرا، لم يكن مسيحيًا ولا يهوديا، ولم يكن أسلم بعد ومع ذلك احتاج النبي إلى ما لديه من أسلحة لاستكمال تجهيز الجيش، هنا لم يستحل ولم يستول على السلاح، بل طلبه منه، وأهل مكة عرفوا بالكرم عموما، لكن أهل مكة تجار أيضًا، أي يجيدون تحديد قواعد التعامل المالي بأدق التفاصيل .النبي نفسه كان تاجراً قبل البعثة منذ أن ذهب مع  عمه أبي طالب إلى الشام للتجارة، ثم خرج في تجارة خديجة، السيدة العظيمة، وبادر الرسول إلى تحديد القواعد مع صفوان بأن قال له: «أعرنا سلاحك هذا المطلب واضح إعارة لا بيع، ولا شراء، ولا استحلال ليس هذا فقط بل حدد الغرض الذي سوف يستعمل فيه السلاح ليكون المعير على بينة، أي شفافية تامة، «نلق فيه عدونا غدًا»، الضمير «نا» هنا قد ينصرف إلى عدو النبي وأصحابه، وقد ينصرف إلى أهل مكة جميعا، المسلمين وغيرهم أي من هم مثل صفوان باعتبار أن أهل الطائف قرروا اقتحام مكة على من فيها، ومن ثَمَّ . العدو مشتركا، وهذا هو الأقرب إلى الفهم باعتبار أنه يتحدث إلى صفوان. ولم نجد الأخير يناقش في هذه المسألة وبدا مقتنعًا، والدليل أنه قاتل مع النبي وكان ضمن جيشه. ما كان يشغل صفوان هو أسلوب الإعارة، وسأل: «أغصبًا يا محمد؟»، أي يُعير السلاح قهرًا أو غصبًا بلا موافقته، وبمعنى آخر هل ما يُطرح عليه من النبي هو أمر ملزم واجب النفاذ، بحكم أن أمر مكة صار إليه، بعد أن ثُمَّ يصير انتصر عليهم، وأن صفوان في الموقف الأضعف، أو بحكم أنه نبي الله لا ترد كلمته ولا يُرفض له أمر أم له فيه الاختيار والقرار؟ ويطمئنه النبي:

بل عارية ومضمونة حتى نؤديها إليك»، أي أنها إعارة وليست مستأجرة ولا مغتصبة، ومضمونة، باختصار إعارة مؤقتة»، أي إذا فقد أو تلف منها شيء يعوض عن قيمة التلف أو ما يفقد منها حتى ترد، أي أن النبي متعهد بردها إليه. هذا حوار النبي مع الكافر، وهذا هو أسلوب التعامل باختصار، لم يمنع النبي التعامل مع الكافر، ولا استعلى عليه، لم يزدره ولا أساء إليه، ولا استحل ممتلكاته ولا أهدر حقه، وفي التعامل المالي عامله بالقاعدة التي عامل بها المسلم بعد المعركة أو فى الرسول بما تعهد به، بأن رد إليه السلاح كاملا، وكانت المفاجأة أن قدم له هدية كبرى تفوق قيمة السلاح نفسه، وإلى اليوم لا تزال هذه القاعدة قائمة. يكتمل هذا المشهد العظيم بتعامل الرسول مع سهيل بن عمرو، حين ذهب ليقابل النبي، وكان كافرًا أيضًا، قال الرسول لأصحابه: «إن سهيلا له عقل وشرف»، أي أن اغتياله معنويًّا والانتقاص من قدره بسبب الموقف الديني مرفوض، وأن عدم اعتناقه الإسلام وتمسكه بالدين القديم لا يجرده من العقل ولا من الشرف. والحق أن نبي الله كان على يقين تام بأن مسألة العقيدة الدينية أمر يفصل فيه الله تعالى، وأن الله أمره أن يبلغ رسالته للناس، أما القرار والاختيار لهم هم والحساب متروك لله وحده، العديد من آيات القرآن الكريم تتحدث عن ذلك بوضوح تام. هكذا فعل النبي مع الكفار، وهكذا كان التوجيه الإلهي، فما بالنا لأولئك الذين يستحلون أموال الآخرين وأعراضهم، حتى لو كانوا مؤمنين موحدین

حين طلب إلى صفوان المشاركة هو وغيره من الكفار، كان يعرف موقفهم الديني ويعرفهم شخصيا، وهو كان يضع هناعدة ،قواعد بل مبادئ يجب التوقف عند بعضها : أولا: هي ليست حربًا دينية ولا عقائدية، كانت حربًا وطنية للدفاع عن مكة ضد القبائل الأخرى، تحديدًا ثقيف وهوازن، فقد قصدوا الهجوم على مكة، باختصار الطائف وما حولها يسعون لاحتلال مكة، لو أن هؤلاء يستهدفون النبي والإسلام لهاجموا يثرب من قبل، أو لأ عانوا أبا جهل (عمرو بن هشام) وأبا سفيان على النبي في معركة بدر أو ما تلاها من معارك. ولما بلغ النبي في نهاية المعركة مقتل عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث، وكان أحد قادة جيش العدو، قال: «أبعده الله، فإنه كان يبغض قريشًا، لم يذكر النبي أنه كان رافضًا أو معاديًا للإسلام، ولم يقل إنه عدو الله ورسوله، إنما كان يبغض قريشا.

ثانيا : إن الدفاع عن الوطن واجب كل أبنائه القادرين على ذلك، بغض النظر عن الموقف والاعتقاد الديني لكل منهم واجب المسلم وغير المسلم المؤمن والكافر، لا يجوز سحب شرف ومسؤولية المواطنة من إنسان بسبب دينه ،واعتقاده هذا ما أرساه النبي. نحن هنا بإزاء نموذج ودولة المواطنة الكاملة لكل الأفراد، بلا تمييز ولا إقصاء أو استبعاد لم يكن صفوان وغيره يقرون بنبوة النبي، ولكن هذا لم يؤد إلى استبعادهم من الدفاع عن مكة ولا المشاركة في الجيش ليس هذا فقط، لقد استعان النبي بقدرات صفوان العديدة وغيره، مثل المشاركة في تسليح الجيش ونقل المؤن والسلاح ثالثا: تأسيسا على ذلك، لا يليق أن ينظر أحدنا باستخفاف أو استهانة إلى النص الدستوري الذي يقول إن حرية الاعتقاد مطلقة»، دستورنا المصري ينص على ذلك، ولا يجوز لأحد أن يعد هذا النص ديكورا أو للوجاهة السياسية، كما لا يجوز لجماعة أن تحاول السير عكس الدستور. رابعا: الدفاع عن الوطن دور الرجل والمرأة معا، في معركة حنين وجدنا مشاركة نسائية تستحق التوقف عندها ، لدينا نموذج أم سليم التي شاهدها الرسول في القتال، وكذلك أم الحارث الأنصارية، وكانت من أثبت الناس في أصعب لحظات القتال.

خامسًا: ليس شرطًا لازمًا أن يعتنق أبناء الوطن جميعًا دينًا واحدًا، أو أن يكونوا على المعتقد نفسه، ولا أن يكونوا في موضع مفاضلة دينية، المطلوب منهم جميعا الدفاع عن الوطن والحفاظ على سلام الدولة وتماسكها، الخلاق والتعدد الخصب يزيدان المجتمع ثراء ويمنحانه حيوية دافقة. لا ينبغي لأحد، فردًا كان أو جماعة أن يدفع بالمجتمع إلى الاحتدام أو الاحتراب الطائفي ولا الاستقطاب المذهبي

سادسا: أن يقدم كل إنسان لوطنه ما يقدر عليه من لديه المال فليفعل. اقترض النبي المال من صفوان وغيره وهو يجهز الجيش، وقدم صفوان وغيره السلاح