تعاني القوميات غير الفارسية في إيران والأقليات من اضطهاد ممنهج منذ قيام الجمهورية الإسلامية في عام 1979 ، ورغم أن أعداد القوميات غير الفارسية والأقليات تمثل أكثر من 50% من أعداد الشعب الإيراني، إلا أن هؤلاء يعانون من التهميش والتضييق في ممارسة شعائرهم، والحرمان من الكثير من الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الفرس.
ورغم محاولات القوميات غير الفارسية والأقليات الحصول على حقوقهم ، إلا أن هذه المحاولات غالبا مايقابلها النظام الإيراني بالقمع والتنكيل وحملات الاعتقال والإعدام التي وضعت إيران في مرتبة متقدمة بين دول العالم من حيث حالات الإعدام التي يتم تنفيذها سنويا، وتتعرض طائفة البهائيين بشكل خاص لاضطهاد ممنهج منذ مايزيد عن أربعة عقود هي عمر الجمهورية الإسلامية.

البهائيون في إيران

تعتبر الديانة البهائية، ديانة حديثة نسبيا تعود جذورها إلى مطلع القرن التاسع عشر في إيران، وتدعو إلى الوحدة والمساواة بين البشر، وظهرت البهائية في إيران في منتصف القرن الـ19 على يد ميرزا حسين علي نوري، المعروف باسم "بهاء الله"، كديانة توحيدية مستقلة عن الديانات السماوية الثلاث.
وتوصف البهائية بأنها أصغر ديانة في العالم، نشأت في بلاد فارس (إيران) في عام 1844، ويعتقد البهائيون أن مؤسس الدين البهائي، بهاء الله (1817-1892)، هو الأحدث في سلسلة رسل الله الذين يشملون، إبراهيم، وموسى، وكريشنا، وبوذا وزرادشت، ويسوع المسيح، ومحمد نبي الإسلام.
شؤون الجمامعة تُدار من خلال منظومة من المؤسسات ولكل مؤسسة مجال عمل محدد ومعلوم، أبرزها بيت العدل الأعظم، وأصول أصول هذا النظام المعروف بـ"النظام الإداري البهائي" موجودة في الآثار الكتابية لبهاءالله، وفق الجامعة نفسها، وتمنح سلطة التشريع في الأمور غير المنصوصة لبيت العدل الأعظم.
 ووفق معتقدات البهائيين فإن الموضوع الرئيسي لرسالة بهاءالله هو أن الإنسانية هي عرق واحد "واليوم حان الوقت لتوحيدها في مجتمع عالمي واحد"، ومنذ ظهور هذه الديانة، انتشرت في معظم بلدان العالم، إذ تقدر بعض الإحصائيات أعداد معتنقي البهائية بحوالي ستة ملايين شخص عبر العالم، وهم من مختلف الثقافات والأعراق.
لكن السلطات "الشيعية في إيران" تعتبر أتباع الطائفة البهائية مرتدين عن الدين الإسلامي" وتعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية مع حظر دور العبادة الخاصة بهم، ويتعرض الكثير منهم للتعذيب ومصادرة الممتلكات والمضايقة والمراقبة الدينية، ويمنع البهائيون من تولي وظائف حكومية، ودائما ما تُغلق متاجرهم ومؤسساتهم أو يتعرضون للتمييز من قبل المسؤولين على جميع المستويات.
 ويتعرض البهائيون لمضايقات شديدة في ممارساتهم اليومية وطقوسهم الدينية وشعائرهم، حتى إن هذه المضايقات تصل إلى الحق في التعليم و دفن الموتى، حيث  يشتكي البهائيون من تعرّضهم للتمييز رسميا في حياتهم اليومية، ما يجعل من تأسيس شركة تجارية أو حتى دفن موتاهم أمرا صعبا للغاية، كما أنهم محرومون بشكل منهجي من مواصلة تعليمهم العالي في إيران.
ورغم أن البهائيين يصل عددهم في إيران إلى نحو 300 ألف، ويعتبرون أكبر أقلية دينية غير مسلمة في البلاد، لكن على خلاف المسيحيين واليهود والزرادشتيين، فإن أتباع  الطائفة البهائية  لا يتمتعون بالحماية بموجب المادة 13 من الدستور الإيراني كأقلية دينية معترف بها.

حملات اعتقال

على مدار العقود الأربعة تعرض البهائيون لحملات اعتقال وتوقيف، ففي أواخر عام 2022 ، قال ممثلو الطائفة البهائية في الأمم المتحدة الأحد، إن محكمة إيرانية قضت في 21 نوفمبر بسجن سيدتين من الطائفة البهائية لمدة عشر سنوات، بعد أن قضتا عقوبة مماثلة.
 وذكر بيان للجامعة البهائية الدولية، أن التهم الموجهة للسيدتين تتعلق بالأمن القومي. وكانت وزارة الاستخبارات الإيرانية أعلنت في أغسطس اعتقال بهائيين للاشتباه بتجسسهم لحساب إسرائيل والعمل بشكل غير قانوني لنشر دينهم، وهي التهمة التي توجهها إيران للناشطين من القوميات غير الفارسية أو الأقليات في إيران

وفي أغسطس الماضي قالت الجامعة العالمية للبهائية إن ما يصل إلى 60 شخصا أوقفوا في إيران خلال الأسابيع الأخيرة، وأشارت في بيان إلى وقوع 180 حادثة أخرى تشمل استجوابات ومضايقات، موضحة أن من بين الموقوفين، رجل يبلغ تسعين عاما، والذي سبق له أن أمضى عشرة سنين في السجن.
وكان تقرير لصحيفة " تليجراف" قد سلط الضوء على المعاناة التي يعيشها البهائيون في إيران، حيث نقل عن الممثلة الرئيسية للمفوضية البهائية الدولية لدى الأمم المتحدة قولها إن: "هناك مخاوف من أن إيران قد تشرع في أكبر جولة من الاضطهادات منذ الثورة الإسلامية، مضيفة : "البهائيون على دراية جيدة بالاضطهاد والهجمات التي تشنها الحكومة الإيرانية، لكن الطبيعة الصاخبة للهجوم الحالي غير مسبوقة تقريباً".
وأضافت: "يعود الأمر إلى السنوات الأولى للجمهورية الإسلامية في الثمانينيات وبعد ذلك بقليل عندما كانوا يهاجمون المجتمع بشراسة... من الصعب معرفة سبب هذا الازدياد في الاضطهاد، لكنه يأخذ أبعاداً مقلقة للغاية"، لافتة إلى أنه خلال اضطهادات الثمانينات، تعرض أعضاء الديانة البهائية للهجوم من قبل غوغاء، وعذبوا وأعدموا، في حين ترك الناجون بلا مأوى بسبب هجمات الحرق العمد ضد مجتمعاتهم".
كما نقل التقرير عن باديده سابتي، المتحدثة باسم مجتمع البهائيين في إيران ومقرها لندن، قولها: "كل يوم كانت هناك أخبار جديدة عن اضطهاد البهائيين في إيران، ما يدل على أن السلطات الإيرانية لديها خطة تدريجية تنفذها لاقتلاع الطائفة البهائية المسالمة من إيران".
وأضافت: "أولاً أكاذيب صارخة وخطاب كراهية، ثم مداهمات واعتقالات، واليوم الاستيلاء على الأراضي، والاحتلال، وتدمير المنازل، نناشد المدافعين عن حقوق الإنسان دعم البهائيين، وندعو الحكومة الإيرانية إلى وقف هذه الهجمات القاسية والظالمة".

يمتد التمييز الذي يتعرض لها البهائيون  إلى مابعد الموت، ففي مارس الجاري قالت وكالة الصحافة الفرنسية، إن جرّافات أرسلتها السلطات في طهران إلى موقع دفن للبهائيين، قضت على اللوحات والزهور وشواهد القبور. ونقل تقرير للوكالة، عن أتباع أكبر أقلية دينية غير مسلمة في إيران، أن ما حدث " استباحة جديدة لحرماتها، واستمرار للاضطهاد الذي يعانونه، حتى بعد الوفاة".

وفي مقبرة خاوران جنوب شرق طهران، يرقد ما بين 30 إلى 45 بهائياً توفّوا منذ فترة وجيزة، حسب منظمة "الجامعة البهائية العالمية" التي تتولّى الدفاع عن حقوق هذه الأقلّية الدينية المحظورة في إيران.
وجاءت هذه الحملة على قبور البهائيين، بعد حملات سابقة تعرضت لها منازل أتباع الطائفة، حيث نفذت طهران موجة من عمليات هدم المنازل واعتقلت قادة رئيسيين، حيث تم هدم ستة منازل على الأقل، كما اعتقلت إيران  العديد من قادة الطائفة البهائية الذين تزعم أنهم يتجسسون لصالح إسرائيل.

وكانت  منظمة العفو الدولية قد أصدرت بيانا إدانة في عام 2022 لاضطهاد السلطات الإيرانية للأقلية الدينية البهائية ، مشيرة إلى إلى أن هذا الاضطهاد يزداد تصعيدًا مع موجة المداهمات والاعتقالات التعسفية وهدم المنازل والاستيلاء على الأراضي التي شهدتها إيران مؤخرًا، وجاءت هذه الإدانة بعدما داهم عملاء وزارة الاستخبارات عشرات الممتلكات البهائية وصادروها، واعتقلوا ما لا يقل عن 30 فردًا من الطائفة البهائية بسبب انتمائهم الديني في مدن مختلفة في جميع أنحاء إيران.