تحت ذريعة دعم فلسطين.. الحوثيون يجندون آلاف الأطفال في مناطق سيطرتهم

الإثنين 19/أغسطس/2024 - 12:25 م
طباعة تحت ذريعة دعم فلسطين.. فاطمة عبدالغني
 
ضمن مساعيها لتعويض النقص العددي في مقاتليها وبذريعة القتال في غزة جندت ميليشيا الحوثي في صفوفها أكثر من عشرة آلاف طفل يمني، في المحافظات التي تقع تحت سطوتها وفق التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان وبيانات منظمات حقوقية يمنية.
حيث استغلت ميليشيا الحوثي المدعومة إيرانيًا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ليكون وسيلة لعمليات التجنيد والتحشيد واستقطاب الأطفال وإثارة مشاعرهم وإقناع ذويهم بضرورة التطوّع لدعم فلسطين.
وبحسب تصريحات ناشطون في "التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الانسان/ تحالف رصد"، وهو منظمة مجتمع مدني تابعة لتحالف ميثاق العدالة من أجل اليمن، إن جماعة الحوثي "استغلت الخلفية الفكرية للضحية، ومعاناة عائلته الاقتصادية، وحالة التهميش التي تعيشها، ونجحت في استقطاب الأطفال بحجة نصرة غزة، ثم استغلالهم ليكونوا جنودًا في معارك قتالية مع خصومها العسكريين في اليمن، وهو ما أدى إلى مقتلهم في نهاية المطاف"، ولا يكشف تحالف "رصد" هوية الأطفال الضحايا الذين يوثّق عمليات تجنيدهم في اليمن خشية تعرّضهم وعائلاتهم للأذى. 
وتكشف عمليات التوثيق التي أجراها التحالف أن الحوثيين تمكنوا من "تجنيد نحو 30 شاباً، بينهم 10 أطفال من قرية الأدبعة، والتي يبلغ عدد سكانها حوالى ألف نسمة يعمل معظمهم في مزارع القات والحبوب، وتتم عمليات التجنيد فيها إما عن طريق الإكراه عبر أمر من شيخ القبيلة أو عن طريق استقطاب الأطفال وأدلجتهم بأهمية الجهاد وفضله والإغراء بالحصول على رواتب شهرية.
ووفق معلومات فريق تحالف "رصد" الميداني، فإن مراكز التجنيد  تشرف عليها الهيئة الإشرافية للتعبئة العامة والتحشيد، ولديها فروع في كل المدن تحت سيطرة الجماعة الحوثية. ويُشرف عليها مشرف المحافظة التابع لجماعة الحوثيين، ومسؤول التجنيد.
يُذكر أن مواقع معسكرات التدريب سرّية، ولا تُعرف عنها أية معلومات لشدة تكتم الحوثيين على الأمر، وحتى الأطفال المجندون يُنقلون إليها وهم معصوبو الأعين، وفق فريق تحالف "رصد".
 ويشير فريق الرصد الميداني للتحالف إلى أن المحشدين والمشرفين الحوثيين نزلوا إلى المناطق الريفية وعقدوا محاضرات تثقيفية لتشجيع الأطفال على الانضمام الى التجنيد. كما قدم الحوثيون مغريات مالية عبر تقديم رواتب شهرية وسلات غذائية للأسر التي تعاني من تدهور الوضع الاقتصادي، لا سيما أن معظم سكان القرى من المزارعين الفقراء، بالتالي أصبحت الفكرة مقبولة لدى بعضهم بسبب العوز المالي.
وحول جهود رصد وتوثيق حالات تجنيد الأطفال والانتهاكات المرافقة لها، قال مطهر البذيجي، الرئيس التنفيذي للتحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، إن عمليات الرصد والتوثيق "تتم عبر راصدينا وباحثينا عبر النزول الميداني وإجراء مقابلات مع ذوي الضحايا والشهود، وكذلك من خلال الرصد من المصادر المفتوحة والإنترنت وإعلام الحوثيين، وما يُنشر من أخبار وفيديوهات خاصة بتجنيد الأطفال".
وأضاف أن جماعة الحوثي "استخدمت المدارس والمساجد والمراكز الصيفية للذكور، واتضح أن لديها قدرة فائقة على استقطاب الأطفال وتجنيدهم عبر سلسلة من المشرفين والمحشدين من المشاريخ وعقال الحارات، وسخّرت من أجلهم الكثير من الأموال لتسهيل عملهم في التأثير على الأطفال".
وأكد البذيجي أن جماعة الحوثيين "استغلت حرب غزة وزجّت فيها آلاف الأطفال عبر دورات تدريبية مكثّفة استمرت لثلاثة أشهر بعدد دورتين على الأقل في مدن سيطرتها، واستخدمت الدعاية المكثفة للحرب في غزة، واستفادت منها لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الأطفال تمهيداً لإرسالهم الى الجبهات المختلفة تحت ذريعة الحرب ضد إسرائيل، ونصرة لغزة وفلسطين".
وأشار البذيجي إلى أن جماعة الحوثي "استفادت من أحداث البحر الأحمر، وعملت على التجنيد بحجة محاربة إسرائيل وأمريكا وبريطانيا. وأثرت على كثير من الأسر وبخاصة في المناطق الريفية الفقيرة، والتي تعاني من محدودية التعليم، ولاحظنا خلال الفترة الأخيرة تدفّق أعداد كبيرة على عكس الحملات السابقة".
وشدّد البذيجي على ضرورة أن تعزز مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية عمليات الرصد والتوثيق لانتهاكات تجنيد الأطفال والتوعية والتثقيف للأسر وعائلات الأطفال ومناصرة انتهاكات حقوق الأطفال بخاصة وحقوق الإنسان عموماً في اليمن".
وأكد البذيجي أن الرصد والتوثيق هما "الخطوة الأولى لحفظ حقوق الضحايا وللمساءلة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات وتحقيق العدالة".
ووثق تحالف "رصد"، "مقتل 31 طفلاً أخرين تم تجنيدهم تحت ذريعة نصرة الأقصى"، إذ استطاع مسؤول التعبئة العامة والتحشيد التابع لجماعة الحوثيين في مديرية بني حشيش، فايز الحنمي، "تجنيد العشرات، بينهم عدد من الأطفال دون السن القانونية". 
وعلى رغم إعلان الهدنة في أبريل 2022، إلا أن تحالف رصد وثّق تجنيد الحوثيين واستخدامهم نحو 40 طفلاً في الفترة بين إعلان الهدنة، وبين إعلان التوقيع على اتفاق مبادئ لإنهاء النزاع في ديسمبر 2023. 
ويقول تحالف "رصد" إنه لا وجود لإحصاءات دقيقة توثق العدد الفعلي للأطفال الضحايا الذين جندهم الحوثيون للقتال (عدم جود قاعدة بيانات مكتملة لدى المجتمع المدني، والكثير منها أعداد تقديرية)، إلا أن منظمات مدنية عدة أكدت أن الحوثيين زادوا من وتيرة تجنيد الأطفال منذ أكتوبر الماضي، أي بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وكانت "منظمة سام للحقوق والحريات"، وهي منظمة مجتمع مدني يمنية وعضو في "تحالف العدالة من أجل اليمن"، قدمت في وقت سابق بلاغ إلى مفوّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بشأن سياسة أطراف النزاع في تجنيد الأطفال في اليمن ، وخاصة جماعة الحوثي  والتي تنطوي على انتهاكات خطيرة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان بحسب البلاغ.
ولفت البلاغ إلى عدم وجود إحصائية دقيقة لعدد الأطفال المجندين في الحرب اليمنية، حيث تتفاوت هذه الأرقام بحسب تقديرات الأمم المتحدة التي قدرت في تقريرها للعام 2017 أن عدد الأطفال المجندين لدى جماعة الحوثي بلغ 1500 طفل، كما كشف تقرير لوكالة أسوشيتيد برس عن تجنيد جماعة الحوثي نحو 18 ألف طفل بنهاية عام 2018، فضلا عن الإحصائية التي أوردتها نشرة وزارة حقوق الإنسان التابعة للحكومة اليمنية والتي أشارت إلى تجنيد جماعة الحوثي نحو 30 ألف طفل منذ 2014.
وأورد البلاغ أن فريق سام الميداني رصد تجنيد 11310 طفلاً في 19 محافظة منذ عام 2014، بينهم 6269 طفلاً أعمارهم (8-11) عاما، و 580 طفلاً أعمارهم (12-14) عاما و 4461 طفلاً أعمارهم (15-17) عاما، مضيفا أنه وبحسب ترتيب المحافظات تأتي محافظة حجة في مقدمة المحافظات بعدد (1875) تليها محافظة صنعاء بعدد (1734) ثم محافظة ذمار (1585)، فيما تأتي محافظة تعز المنقسمة بين أطراف الصراع في المركز الرابع بعدد (1124) ثم أمانة العاصمة بعدد (1097).
ونقلت سام والمجلس العربي عن تقرير الخبراء الدوليين، أن الفترة من يونيو 2015 إلى فبراير 2020 شهدت تجنيد الحوثيين لصبية في جميع المحافظات اليمنية لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات، ممن جرى تجنيدهم في المدارس، والمناطق الفقيرة والحضرية ومراكز الاحتجاز من خلال التلقين والحوافز المالية والاختطاف، حيث تم استخدامهم في القتال، مما أدى إلى وفاة بعضهم وإصابة البعض الآخر. ولم تتوقف عمليات التجنيد عند الأطفال الذكور، إذ جندت جماعة الحوثي 34 فتاة تتراوح أعمارهن بين 13 و 17 عاما، في الفترة من يونيو 2015 إلى يونيو 2020، لاستخدامهن كمخبرات ومجندات وحارسات ومسعفات وأعضاء ما يعرف بالزينبيات واللاتي توكل لهن مهام تفتيش النساء والمنازل، وتلقين النساء أفكار جماعة الحوثي، فضلا عن حفظ النظام داخل سجون النساء.
كما وثق معدّو البلاغ 17 معسكراً تابعاً لجماعة الحوثي مخصصاً لتدريب الأطفال المراد تجنيدهم، 4 منها في محافظة الحديدة، والأخرى تتوزع على المحافظات الأخرى مثل صنعاء وإب وذمار وصعدة وعمران، حيث يتلقى الأطفال في هذه المعسكرات تدريبات في مجالات اللياقة البدنية، واستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وزراعة الألغام ورمي القنابل وقذائف الهاون، موضحين أن هذه المعسكرات تقع تحت إشراف وزارة الدفاع التي تتبع جماعة الحوثي.
وأشار التحليل الذي أجرته منظمة سام إلى أن العامل الاقتصادي يلعب دوراً محورياً في انخراط الأطفال في الأعمال القتالية، حيث إن 6126 طفلا ممن جُنّدوا كانوا من أسر معدومة الدخل، في حين أن 3194 طفلاً من أسر ذات دخل محدود، و 1990 طفلا من أسر ذات دخل متوسط. ووفق المعطيات التي بحوزة سام تصدرت جماعة الحوثي قائمة الجهات التي تجند الأطفال إذ جندت 10649 طفلاً، بينما تم تجنيد 54 طفلاً من قبل جماعات متطرفة من ضمنها تنظيم القاعدة.
وأضاف التحليل أن هناك أسبابا عديدة أخرى لتنامي ظاهرة تجنيد الأطفال في اليمن خلال الحرب دفعت أطراف الصراع وفي مقدمتهم جماعة الحوثي لاستغلال الأطفال وتحويلهم وقودا لمعركة لا علاقة لهم بها، بما في ذلك الخلفية الأيديولوجية والمذهبية، والعوامل الثقافية والاجتماعية والقبلية والمالية والتعليمية والسياسية.
وأورد البلاغ ما ذكره فريق الخبراء المعني باليمن من أن الحوثيين يواصلون التلقين العقائدي والتجنيد وفي بعض الحالات التدريب العسكري لأطفال في المخيمات الصيفية واستخدامهم كمقاتلين، لا سيما في محافظتي صنعاء والحديدة. بالإضافة إلى أن المشرفين الحوثيين على مستوى المجتمع المحلي يقومون بتجنيد الأطفال ومعظمهم من الفئات العمرية 13 إلى 17 عاما من خلال الإكراه وتهديد الآباء والمعلمين، وتقديم الإغراءات المادية والوعود بالاستشهاد للأطفال، وتسجيلهم في الدورات الثقافية والدينية الطائفية استناداً للأيديولوجية الحوثية، وهو ما أورده تقرير الخبراء الدوليين.
وتضمن البلاغ الصادر عن سام والمجلس العربي، جملة من التوصيات، منها: مطالبة جماعة الحوثي بالإفصاح عن أعداد الأطفال المجندين، وتسريح جميع الأطفال المجندين لديهم على الفور، بالإضافة إلى إغلاق جميع المعسكرات ومراكز الحشد التي تستخدم لتحفيز الأطفال على القتال، بالإضافة إلى وقف الخطاب الإعلامي المحرض على الكراهية والعنف وعدم استغلال المؤسسات التعليمية أو المناهج المدرسية أو الأنشطة التي تمجد القتال وتدعو إليه.
وشملت التوصيات أيضًا مطالبة الحكومة الشرعية بإصدار التشريعات التي تشدد العقوبة على المتورطين في تجنيد الأطفال واستخدامهم في أعمال القتال، وفتح مراكز التأهيل للأطفال المنخرطين في القتال قبل إعادتهم إلى أسرهم وإعادة دمجهم في المجتمع. كما يجب أيضًا على الحكومة الشرعية المصادقة على نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية لمساءلة المتورطين في جرائم تجنيد الأطفال.

شارك