مكاسب "الإخوان" في الانتخابات البرلمانية الأردنية.. دلالات وتحديات
الجمعة 13/سبتمبر/2024 - 04:00 ص
طباعة
حسام الحداد
حققت جماعة "الإخوان" في الأردن، ممثلة بحزب "جبهة العمل الإسلامي"، مكاسب لافتة في الانتخابات البرلمانية بحصولهم على 31 مقعدًا من أصل 138، وهي نتيجة غير مسبوقة للحركة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عقود. يأتي هذا في سياق التوترات الإقليمية المتصاعدة، خاصة مع الحرب الجارية في قطاع غزة، إضافة إلى التعديلات التي شهدها قانون الانتخابات الأردني.
البيئة السياسية التي أفرزت المكاسب:
يشير فوز الإخوان إلى تحول في ديناميكيات السياسة الأردنية، خاصة بعد سنوات من تراجع دورهم على الساحة السياسية نتيجة عدة عوامل، منها الضغوط الحكومية والظروف الإقليمية التي أثرت على حركات الإسلام السياسي في المنطقة. لقد لعبت التعديلات على قانون الانتخابات دورًا رئيسيًا في تمكين الأحزاب، بما في ذلك حزب "جبهة العمل الإسلامي"، من الحصول على تمثيل أقوى داخل البرلمان، حيث تم تخصيص 41 مقعدًا بشكل مباشر للأحزاب السياسية للمرة الأولى.
أثر الحرب في غزة:
الحرب على غزة كان لها تأثير واضح في صعود جماعة "الإخوان" في الأردن، وذلك نتيجة عدة عوامل مرتبطة بالوضع الإقليمي والشعبي. من خلال تحليل هذا التأثير، يمكن تحديد عدة نقاط حول كيفية تأثير الحرب على غزة في تعزيز شعبية الإخوان في الأردن وإمكانية أن ينتج هذا الصعود مزيدًا من القوى المماثلة لحركة حماس في المنطقة.
تعاطف شعبي مع القضية الفلسطينية:
القضية الفلسطينية تحتل مكانة مركزية في الوعي الجمعي للشعوب العربية، وخاصة في الأردن الذي يرتبط تاريخيًا وجغرافيًا بفلسطين. الحرب على غزة تعزز مشاعر التعاطف والغضب تجاه الاحتلال الإسرائيلي، مما يجعل الحركات الإسلامية مثل "الإخوان" التي تتبنى خطابًا داعمًا للمقاومة وتطرح نفسها كمدافع قوي عن حقوق الفلسطينيين، أكثر جاذبية للجماهير.
الإخوان في الأردن قدموا أنفسهم كصوت الشعب الذي يدافع عن القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة للحكومة الأردنية التي يراها البعض تتبنى مواقف معتدلة أو متسامحة تجاه إسرائيل. هذا التعاطف الشعبي مع غزة ساعد في تعزيز شرعية الإخوان وجعلهم الخيار الطبيعي للعديد من الناخبين الذين يرغبون في دعم القضية الفلسطينية من خلال ممثلين سياسيين يتبنون هذه القضية بشكل جدي.
استثمار الإخوان في الغضب الشعبي:
الإخوان يجيدون استثمار الأزمات الإقليمية، لا سيما المتعلقة بالقضية الفلسطينية، لتحقيق مكاسب سياسية. في ظل الحرب على غزة، تمكنت الجماعة من تعبئة الشارع الأردني لصالحها عبر تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات وتقديم المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى تعزيز مكانتها كقوة سياسية تتمتع بدعم شعبي واسع.
هذه الأحداث وفرت فرصة للجماعة لإظهار قوتها التنظيمية ومهارتها في استغلال الأحداث الإقليمية لتوسيع نفوذها، كما ساعدتها في استعادة جزء من شعبيتها التي كانت قد تراجعت بسبب عوامل داخلية وإقليمية.
تشابه الخطاب مع حماس:
حركة "حماس"، الجناح الفلسطيني للإخوان، تُعتبر رمزًا للمقاومة الفلسطينية. والخطاب الذي تتبناه "حماس" في سياق الحرب على غزة، القائم على المقاومة المسلحة والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، يجد أصداءً واسعة في الشارع العربي والإسلامي. والترويج لنجاحات حماس العسكرية المزعومة أو القدرة على الصمود في وجه العدوان تُسهم في تعزيز صورة الحركات الإسلامية المقاومة.
الإخوان في الأردن يعتمدون على خطاب مشابه، حيث يطرحون أنفسهم كداعم قوي للمقاومة الفلسطينية، مما يجعلهم أكثر جاذبية للجماهير التي ترى في هذا الخطاب قوة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. هذا التشابه بين "حماس" و"الإخوان" في الأردن يعزز احتمالية أن صعود الإخوان في الأردن قد ينتج عنه دعم أكبر لحركات المقاومة في فلسطين وربما ظهور تيارات مشابهة لحماس في دول أخرى بالمنطقة.
الخشية من تكرار نموذج حماس:
رغم أن "الإخوان" في الأردن يشاركون في العملية السياسية السلمية، فإن هناك خشية لدى بعض الأنظمة العربية والغربية من أن صعودهم قد يؤدي إلى تقوية التيارات الأكثر تشددًا التي قد تتبنى نهجًا قريبًا من حماس. فمثلاً، نجاح الإخوان في الانتخابات الأردنية، مدعومًا بشعارات دعم غزة والمقاومة، قد يشجع بعض الفروع أو التيارات داخل الجماعة على التشدد، مما قد يؤدي إلى تقارب بين الإخوان وحماس في الدول الأخرى.
هذا السيناريو يثير قلق الأنظمة العربية التي تعتبر حماس والإخوان تهديدًا لاستقرارها السياسي، ما قد يؤدي إلى مزيد من التضييق على الجماعة في الدول التي تخشى من صعود تيارات إسلامية مسلحة مشابهة لحماس.
هل سينتج نموذج آخر لحماس؟
رغم أن نجاح الإخوان في الأردن قد يُعزز فكرة المقاومة ويدعم الحركات المشابهة لحماس، من غير المرجح أن يؤدي إلى ظهور جماعة جديدة بنفس طابع حماس في الوقت الحالي. ذلك لأن الظروف التي أسهمت في ظهور حماس، مثل الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة المسلحة، تختلف عن الوضع في الأردن ودول أخرى.
ومع ذلك، قد يتبنى الإخوان في دول أخرى خطابات مقاومة مشابهة لحماس في حال تعرضت تلك الدول لضغوط سياسية أو اقتصادية كبيرة. الجماعات الإسلامية قد تلجأ إلى تصعيد خطابها ضد الأنظمة الحاكمة أو القوى الغربية في حال تفاقمت الأزمات في المنطقة.
واخيرا الحرب على غزة كانت عاملًا مهمًا في تعزيز صعود الإخوان في الأردن من خلال استغلال التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية. هذا الصعود قد يؤدي إلى تأثيرات إقليمية، لكن من غير المتوقع أن ينتج عنه نسخة أخرى من حماس في الوقت الحالي. ومع ذلك، قد يشجع النجاح السياسي للإخوان في الأردن حركات أخرى في المنطقة على تبني مواقف مشابهة لحماس إذا تغيرت الظروف السياسية في بلدانها.
تعزيز خطاب الجماعات الإرهابية:
فوز "الإخوان" في الانتخابات البرلمانية في الأردن قد يكون له تأثير غير مباشر على تعزيز خطاب الجماعات الإرهابية، وذلك من خلال عدد من الآليات التي تستغلها هذه الجماعات لترويج أفكارها واستقطاب الأفراد. من المهم هنا فهم أن الجماعات الإرهابية تسعى دائمًا لاستغلال أي أحداث سياسية أو اجتماعية لتحقيق مصالحها الخاصة، حتى لو كانت هذه الأحداث تبدو بعيدة عن نطاق عملها المباشر. ولتحليل تأثير فوز "الإخوان" في الأردن على خطاب الجماعات الإرهابية يتطلب استكشاف عدة محاور:
1- التأكيد على نظرية المؤامرة والشكوك حول الديمقراطية:
الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة (داعش) وتنظيم القاعدة، غالبًا ما تروج لفكرة أن الديمقراطية نظام غير إسلامي وأن المشاركة فيه تعتبر تنازلًا عن "المبادئ الإسلامية". فوز "الإخوان" في الأردن قد يُستخدم من قبل هذه الجماعات لتأكيد روايتها بأن الأحزاب الإسلامية التي تعمل ضمن النظام الديمقراطي تتعرض للتلاعب والضغوط، وبالتالي، ترى هذه الجماعات في نجاح "الإخوان" وسيلة لتبرير ادعاءاتها بأن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يحدث عبر صناديق الاقتراع وإنما فقط من خلال العنف والمقاومة المسلحة.
إذا حقق الإخوان نجاحًا سياسيًا ولم يتمكنوا من تقديم نتائج ملموسة أو كانوا عرضة للتدخلات الحكومية، قد تستغل الجماعات الإرهابية هذه الحالة لتأكيد فشل النهج السلمي السياسي، مما يعزز من دعايتها حول أهمية النضال المسلح كوسيلة لتحقيق الأهداف الإسلامية.
2- إحياء خطاب التكفير والتحريض ضد الجماعات المعتدلة:
الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة تتبنى خطابًا تكفيريًا يُكفر كل من يشارك في النظام السياسي الديمقراطي أو يتعاون مع الأنظمة القائمة. فوز "الإخوان" في الانتخابات البرلمانية الأردنية قد يُستخدم من قبل هذه الجماعات لتكفير الجماعة واتهامها بالتخلي عن "الجهاد" والمبادئ الإسلامية مقابل المشاركة في لعبة سياسية "غربية" وفقًا لرؤيتهم.
في هذا السياق، قد تروج الجماعات الإرهابية بأن "الإخوان" تخلوا عن القضية الإسلامية الكبرى وأنهم أصبحوا أداة في يد الأنظمة الحاكمة، مما يدفع البعض إلى البحث عن بدائل أكثر تشددًا تعزز استخدام القوة لتحقيق الأهداف. هذا الخطاب قد يؤدي إلى تطرف بعض الشباب الذين كانوا يدعمون الإخوان في البداية.
3- تعزيز خطاب المظلومية والمقاومة المسلحة:
في حال تعرض "الإخوان" في الأردن لضغوط سياسية بعد فوزهم، سواء من الحكومة أو من جهات خارجية، قد تستغل الجماعات الإرهابية هذه الظروف لتعزيز خطاب المظلومية، وتقديم نفسها كبديل أكثر فاعلية للدفاع عن الإسلام. الجماعات الإرهابية عادة ما تلعب على وتر الظلم والقمع كوسيلة لتبرير اللجوء إلى العنف.
على سبيل المثال، إذا فشلت "الإخوان" في تنفيذ وعودهم السياسية أو تعرضوا للإقصاء من الحياة السياسية، فإن الجماعات الإرهابية قد تستغل هذه الفجوة لتقديم نفسها كبديل يملك "الحل النهائي" من خلال الجهاد والعمل المسلح، ما قد يؤدي إلى تعزيز استقطاب الشباب الذين يشعرون بالإحباط.
4- استغلال النجاح لتعزيز خطاب الوحدة الإسلامية والجهاد العالمي:
على الرغم من الاختلاف الظاهري في التوجهات الأيديولوجية بين "الإخوان" والجماعات الإرهابية، فإن الأخيرة قد تحاول استغلال نجاح الإخوان في الأردن لإظهار أن الصعود السياسي للحركات الإسلامية في الدول العربية يُعزز من قوتها. من خلال ذلك، قد تحاول الجماعات الإرهابية تجنيد أتباع باستخدام خطاب يوحد بين كافة الحركات الإسلامية، حتى وإن اختلفت الأساليب، تحت مظلة "الجهاد العالمي".
قد يتم تقديم نجاح الإخوان في الأردن كدليل على "صحوة إسلامية"، ويمكن استغلال ذلك في تعزيز تعبئة خطابهم الذي يدعو إلى مواجهة القوى الغربية والأنظمة الحاكمة التي يعتبرونها "طواغيت"، ما قد يدفع بعض الأفراد للتوجه نحو التطرف العنيف.
5- توظيف الصراعات الداخلية لتعزيز أجندتهم:
في حال واجه "الإخوان" في الأردن صراعات داخلية أو تعرضوا للانقسام بين التيارات المعتدلة والمتشددة، قد تحاول الجماعات الإرهابية استغلال هذه الانقسامات لتجنيد الأعضاء الأكثر تطرفًا. فبعض التيارات داخل "الإخوان" قد تشعر بالإحباط من المشاركة السياسية وتتبنى مواقف أكثر تشددًا، وهذا قد يوفر فرصة للجماعات الإرهابية لاحتواء تلك العناصر وضمها إلى صفوفها.
6- استغلال النجاح لبناء رمزية جديدة:
فوز الإخوان في الأردن قد يُعتبر أيضًا فرصة للجماعات الإرهابية لاستغلاله بشكل رمزي على أنه دليل على قدرة الحركات الإسلامية على التوسع والانتشار. في مناطق مثل العراق وسوريا واليمن، حيث تواجه الجماعات الإرهابية تحديات مستمرة، قد يتم تقديم هذا النجاح كإشارة إلى إمكانية بناء "دولة إسلامية" عبر طرق أخرى غير العنف، ما قد يعزز من الدعم الشعبي لهذه الجماعات حتى ولو بشكل غير مباشر.
فوز "الإخوان" في الانتخابات الأردنية له تأثيرات متشابكة على جماعات الإرهاب والتطرف. بينما قد يسهم هذا النجاح في امتصاص الاحتقان وتقديم بديل سياسي سلمي لبعض الشرائح الإسلامية، إلا أنه قد يدفع الجماعات المتطرفة إلى تعزيز خطابها المعادي للديمقراطية والعمل السياسي.
البيئة السياسية التي أفرزت المكاسب:
يشير فوز الإخوان إلى تحول في ديناميكيات السياسة الأردنية، خاصة بعد سنوات من تراجع دورهم على الساحة السياسية نتيجة عدة عوامل، منها الضغوط الحكومية والظروف الإقليمية التي أثرت على حركات الإسلام السياسي في المنطقة. لقد لعبت التعديلات على قانون الانتخابات دورًا رئيسيًا في تمكين الأحزاب، بما في ذلك حزب "جبهة العمل الإسلامي"، من الحصول على تمثيل أقوى داخل البرلمان، حيث تم تخصيص 41 مقعدًا بشكل مباشر للأحزاب السياسية للمرة الأولى.
أثر الحرب في غزة:
الحرب على غزة كان لها تأثير واضح في صعود جماعة "الإخوان" في الأردن، وذلك نتيجة عدة عوامل مرتبطة بالوضع الإقليمي والشعبي. من خلال تحليل هذا التأثير، يمكن تحديد عدة نقاط حول كيفية تأثير الحرب على غزة في تعزيز شعبية الإخوان في الأردن وإمكانية أن ينتج هذا الصعود مزيدًا من القوى المماثلة لحركة حماس في المنطقة.
تعاطف شعبي مع القضية الفلسطينية:
القضية الفلسطينية تحتل مكانة مركزية في الوعي الجمعي للشعوب العربية، وخاصة في الأردن الذي يرتبط تاريخيًا وجغرافيًا بفلسطين. الحرب على غزة تعزز مشاعر التعاطف والغضب تجاه الاحتلال الإسرائيلي، مما يجعل الحركات الإسلامية مثل "الإخوان" التي تتبنى خطابًا داعمًا للمقاومة وتطرح نفسها كمدافع قوي عن حقوق الفلسطينيين، أكثر جاذبية للجماهير.
الإخوان في الأردن قدموا أنفسهم كصوت الشعب الذي يدافع عن القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة للحكومة الأردنية التي يراها البعض تتبنى مواقف معتدلة أو متسامحة تجاه إسرائيل. هذا التعاطف الشعبي مع غزة ساعد في تعزيز شرعية الإخوان وجعلهم الخيار الطبيعي للعديد من الناخبين الذين يرغبون في دعم القضية الفلسطينية من خلال ممثلين سياسيين يتبنون هذه القضية بشكل جدي.
استثمار الإخوان في الغضب الشعبي:
الإخوان يجيدون استثمار الأزمات الإقليمية، لا سيما المتعلقة بالقضية الفلسطينية، لتحقيق مكاسب سياسية. في ظل الحرب على غزة، تمكنت الجماعة من تعبئة الشارع الأردني لصالحها عبر تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات وتقديم المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى تعزيز مكانتها كقوة سياسية تتمتع بدعم شعبي واسع.
هذه الأحداث وفرت فرصة للجماعة لإظهار قوتها التنظيمية ومهارتها في استغلال الأحداث الإقليمية لتوسيع نفوذها، كما ساعدتها في استعادة جزء من شعبيتها التي كانت قد تراجعت بسبب عوامل داخلية وإقليمية.
تشابه الخطاب مع حماس:
حركة "حماس"، الجناح الفلسطيني للإخوان، تُعتبر رمزًا للمقاومة الفلسطينية. والخطاب الذي تتبناه "حماس" في سياق الحرب على غزة، القائم على المقاومة المسلحة والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، يجد أصداءً واسعة في الشارع العربي والإسلامي. والترويج لنجاحات حماس العسكرية المزعومة أو القدرة على الصمود في وجه العدوان تُسهم في تعزيز صورة الحركات الإسلامية المقاومة.
الإخوان في الأردن يعتمدون على خطاب مشابه، حيث يطرحون أنفسهم كداعم قوي للمقاومة الفلسطينية، مما يجعلهم أكثر جاذبية للجماهير التي ترى في هذا الخطاب قوة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. هذا التشابه بين "حماس" و"الإخوان" في الأردن يعزز احتمالية أن صعود الإخوان في الأردن قد ينتج عنه دعم أكبر لحركات المقاومة في فلسطين وربما ظهور تيارات مشابهة لحماس في دول أخرى بالمنطقة.
الخشية من تكرار نموذج حماس:
رغم أن "الإخوان" في الأردن يشاركون في العملية السياسية السلمية، فإن هناك خشية لدى بعض الأنظمة العربية والغربية من أن صعودهم قد يؤدي إلى تقوية التيارات الأكثر تشددًا التي قد تتبنى نهجًا قريبًا من حماس. فمثلاً، نجاح الإخوان في الانتخابات الأردنية، مدعومًا بشعارات دعم غزة والمقاومة، قد يشجع بعض الفروع أو التيارات داخل الجماعة على التشدد، مما قد يؤدي إلى تقارب بين الإخوان وحماس في الدول الأخرى.
هذا السيناريو يثير قلق الأنظمة العربية التي تعتبر حماس والإخوان تهديدًا لاستقرارها السياسي، ما قد يؤدي إلى مزيد من التضييق على الجماعة في الدول التي تخشى من صعود تيارات إسلامية مسلحة مشابهة لحماس.
هل سينتج نموذج آخر لحماس؟
رغم أن نجاح الإخوان في الأردن قد يُعزز فكرة المقاومة ويدعم الحركات المشابهة لحماس، من غير المرجح أن يؤدي إلى ظهور جماعة جديدة بنفس طابع حماس في الوقت الحالي. ذلك لأن الظروف التي أسهمت في ظهور حماس، مثل الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة المسلحة، تختلف عن الوضع في الأردن ودول أخرى.
ومع ذلك، قد يتبنى الإخوان في دول أخرى خطابات مقاومة مشابهة لحماس في حال تعرضت تلك الدول لضغوط سياسية أو اقتصادية كبيرة. الجماعات الإسلامية قد تلجأ إلى تصعيد خطابها ضد الأنظمة الحاكمة أو القوى الغربية في حال تفاقمت الأزمات في المنطقة.
واخيرا الحرب على غزة كانت عاملًا مهمًا في تعزيز صعود الإخوان في الأردن من خلال استغلال التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية. هذا الصعود قد يؤدي إلى تأثيرات إقليمية، لكن من غير المتوقع أن ينتج عنه نسخة أخرى من حماس في الوقت الحالي. ومع ذلك، قد يشجع النجاح السياسي للإخوان في الأردن حركات أخرى في المنطقة على تبني مواقف مشابهة لحماس إذا تغيرت الظروف السياسية في بلدانها.
تعزيز خطاب الجماعات الإرهابية:
فوز "الإخوان" في الانتخابات البرلمانية في الأردن قد يكون له تأثير غير مباشر على تعزيز خطاب الجماعات الإرهابية، وذلك من خلال عدد من الآليات التي تستغلها هذه الجماعات لترويج أفكارها واستقطاب الأفراد. من المهم هنا فهم أن الجماعات الإرهابية تسعى دائمًا لاستغلال أي أحداث سياسية أو اجتماعية لتحقيق مصالحها الخاصة، حتى لو كانت هذه الأحداث تبدو بعيدة عن نطاق عملها المباشر. ولتحليل تأثير فوز "الإخوان" في الأردن على خطاب الجماعات الإرهابية يتطلب استكشاف عدة محاور:
1- التأكيد على نظرية المؤامرة والشكوك حول الديمقراطية:
الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة (داعش) وتنظيم القاعدة، غالبًا ما تروج لفكرة أن الديمقراطية نظام غير إسلامي وأن المشاركة فيه تعتبر تنازلًا عن "المبادئ الإسلامية". فوز "الإخوان" في الأردن قد يُستخدم من قبل هذه الجماعات لتأكيد روايتها بأن الأحزاب الإسلامية التي تعمل ضمن النظام الديمقراطي تتعرض للتلاعب والضغوط، وبالتالي، ترى هذه الجماعات في نجاح "الإخوان" وسيلة لتبرير ادعاءاتها بأن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يحدث عبر صناديق الاقتراع وإنما فقط من خلال العنف والمقاومة المسلحة.
إذا حقق الإخوان نجاحًا سياسيًا ولم يتمكنوا من تقديم نتائج ملموسة أو كانوا عرضة للتدخلات الحكومية، قد تستغل الجماعات الإرهابية هذه الحالة لتأكيد فشل النهج السلمي السياسي، مما يعزز من دعايتها حول أهمية النضال المسلح كوسيلة لتحقيق الأهداف الإسلامية.
2- إحياء خطاب التكفير والتحريض ضد الجماعات المعتدلة:
الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة تتبنى خطابًا تكفيريًا يُكفر كل من يشارك في النظام السياسي الديمقراطي أو يتعاون مع الأنظمة القائمة. فوز "الإخوان" في الانتخابات البرلمانية الأردنية قد يُستخدم من قبل هذه الجماعات لتكفير الجماعة واتهامها بالتخلي عن "الجهاد" والمبادئ الإسلامية مقابل المشاركة في لعبة سياسية "غربية" وفقًا لرؤيتهم.
في هذا السياق، قد تروج الجماعات الإرهابية بأن "الإخوان" تخلوا عن القضية الإسلامية الكبرى وأنهم أصبحوا أداة في يد الأنظمة الحاكمة، مما يدفع البعض إلى البحث عن بدائل أكثر تشددًا تعزز استخدام القوة لتحقيق الأهداف. هذا الخطاب قد يؤدي إلى تطرف بعض الشباب الذين كانوا يدعمون الإخوان في البداية.
3- تعزيز خطاب المظلومية والمقاومة المسلحة:
في حال تعرض "الإخوان" في الأردن لضغوط سياسية بعد فوزهم، سواء من الحكومة أو من جهات خارجية، قد تستغل الجماعات الإرهابية هذه الظروف لتعزيز خطاب المظلومية، وتقديم نفسها كبديل أكثر فاعلية للدفاع عن الإسلام. الجماعات الإرهابية عادة ما تلعب على وتر الظلم والقمع كوسيلة لتبرير اللجوء إلى العنف.
على سبيل المثال، إذا فشلت "الإخوان" في تنفيذ وعودهم السياسية أو تعرضوا للإقصاء من الحياة السياسية، فإن الجماعات الإرهابية قد تستغل هذه الفجوة لتقديم نفسها كبديل يملك "الحل النهائي" من خلال الجهاد والعمل المسلح، ما قد يؤدي إلى تعزيز استقطاب الشباب الذين يشعرون بالإحباط.
4- استغلال النجاح لتعزيز خطاب الوحدة الإسلامية والجهاد العالمي:
على الرغم من الاختلاف الظاهري في التوجهات الأيديولوجية بين "الإخوان" والجماعات الإرهابية، فإن الأخيرة قد تحاول استغلال نجاح الإخوان في الأردن لإظهار أن الصعود السياسي للحركات الإسلامية في الدول العربية يُعزز من قوتها. من خلال ذلك، قد تحاول الجماعات الإرهابية تجنيد أتباع باستخدام خطاب يوحد بين كافة الحركات الإسلامية، حتى وإن اختلفت الأساليب، تحت مظلة "الجهاد العالمي".
قد يتم تقديم نجاح الإخوان في الأردن كدليل على "صحوة إسلامية"، ويمكن استغلال ذلك في تعزيز تعبئة خطابهم الذي يدعو إلى مواجهة القوى الغربية والأنظمة الحاكمة التي يعتبرونها "طواغيت"، ما قد يدفع بعض الأفراد للتوجه نحو التطرف العنيف.
5- توظيف الصراعات الداخلية لتعزيز أجندتهم:
في حال واجه "الإخوان" في الأردن صراعات داخلية أو تعرضوا للانقسام بين التيارات المعتدلة والمتشددة، قد تحاول الجماعات الإرهابية استغلال هذه الانقسامات لتجنيد الأعضاء الأكثر تطرفًا. فبعض التيارات داخل "الإخوان" قد تشعر بالإحباط من المشاركة السياسية وتتبنى مواقف أكثر تشددًا، وهذا قد يوفر فرصة للجماعات الإرهابية لاحتواء تلك العناصر وضمها إلى صفوفها.
6- استغلال النجاح لبناء رمزية جديدة:
فوز الإخوان في الأردن قد يُعتبر أيضًا فرصة للجماعات الإرهابية لاستغلاله بشكل رمزي على أنه دليل على قدرة الحركات الإسلامية على التوسع والانتشار. في مناطق مثل العراق وسوريا واليمن، حيث تواجه الجماعات الإرهابية تحديات مستمرة، قد يتم تقديم هذا النجاح كإشارة إلى إمكانية بناء "دولة إسلامية" عبر طرق أخرى غير العنف، ما قد يعزز من الدعم الشعبي لهذه الجماعات حتى ولو بشكل غير مباشر.
فوز "الإخوان" في الانتخابات الأردنية له تأثيرات متشابكة على جماعات الإرهاب والتطرف. بينما قد يسهم هذا النجاح في امتصاص الاحتقان وتقديم بديل سياسي سلمي لبعض الشرائح الإسلامية، إلا أنه قد يدفع الجماعات المتطرفة إلى تعزيز خطابها المعادي للديمقراطية والعمل السياسي.