شهدت جماعة الإخوان في العقود الأخيرة تحولات متعددة في خطابها السياسي والديني، مستلهمةً من الشخصيات الإرهابية البارزة، مثل الشيخ عبد الله عزام. في ظل هذه التحولات، لجأت الجماعة إلى نشر اقتباسات من عزام التي تُعظّم الجهاد والشهادة، وهو ما يعكس توجهًا نحو إعادة إنتاج خطاب جهادي يرتكز على شرعية العنف لتحقيق الأهداف الإسلامية. هذا النوع من الخطاب يستدعي دلالات عميقة حول العلاقة بين فكر الإخوان وحركات الجهاد العالمي، بالإضافة إلى الدوافع النفسية والاجتماعية التي تدفع الجماعة لتبني مثل هذا الخطاب في مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية. وفي هذا السياق، يتطلب تحليل تلك الاقتباسات النظر في البنية السردية والإيديولوجية لهذا الخطاب لفهم أبعاده وأهدافه.
فالاقتباس التي نشرته جماعة الاخوان يعكس رؤية الشيخ عبد الله عزام، أحد الشخصيات البارزة في تنظيم القاعدة وأحد المؤثرين على الفكر الجهادي الحديث، ويعبّر عن مقولات ترتبط بفلسفة الجهاد والتضحية.
تحليل مضمون الخطاب
يتضح من اقتباس عزام توظيفه خطابًا مشبعًا بالعاطفة والشحن الإيديولوجي، معتمدًا على خطاب ديني جهادي يهدف إلى غرس الشعور بالتفوق الروحي والفكري لدى المتلقي. عزام يعزز فكرة أن الشهادة هي غاية مبررة ومشروعة وأنها منحة إلهية تميز من ينالها، مما يعزز شرعية العنف المسلح تحت مظلة الدين.
استخدام الكلمات مثل "الشهادة" و"الجهاد" و"الأشلاء" يرتكز على إيديولوجيا الحرب المقدسة، حيث يتم تصوير الاستشهاد ليس كخسارة، بل كفوز إلهي واختيار من الله، وهو ما يجعل العمل العسكري يبدو مبررًا ومشرفًا في أعين المتلقين.
تحليل البنية السردية للخطاب
عند النظر إلى البنية السردية في خطاب عزام، نجد أن الاستراتيجية تقوم على بناء ازدواجية واضحة بين الخير والشر، المؤمن والكافر، المجاهد والمتخاذل. هذا التصنيف القطعي يبني سردًا يسهم في تقسيم العالم إلى "نحن" و"هم"، حيث المجاهدون هم الأتقياء المصطفون والشهداء هم النماذج المثالية التي يُراد الاقتداء بها. هذا النوع من الخطاب يساعد على خلق هوية جماعية تتغذى على فكرة الصراع الدائم، وهو جزء من استراتيجية التعبئة والتحفيز.
كما أن استخدامه للجمل النهائية الحتمية مثل "القرار الأخير" و"حتى آخر نفس" يعزز فكرة الاستمرارية المطلقة للجهاد كواجب ديني لا ينتهي إلا بتحقيق الهدف النهائي، وهو إقامة دولة الإسلام. هذه البنية تجعل من الجهاد ليس فقط واجبًا فرديًا، بل مشروعًا طويل الأمد يرتبط بوجود الأمة الإسلامية نفسها.
الدوافع النفسية والاجتماعية خلف الخطاب
بالنظر إلى هذا الخطاب من منظور نفسي واجتماعي، يمكن فهمه كجزء من عملية تعبئة النفس والعقل الجمعي لدى أتباع التنظيمات الجهادية. استخدام عبارات مثل "حياة الجهاد ألذ حياة" يظهر محاولة لعكس الصورة المألوفة عن الجهاد على أنه تضحية مؤلمة ومليئة بالمعاناة، حيث يتم تحويل الألم والمعاناة إلى تجربة روحانية مبهجة.
من الناحية الاجتماعية، يسعى الخطاب إلى خلق شعور بالانتماء والمشاركة الجماعية في مشروع أيديولوجي أكبر. ويستفيد هذا النوع من الخطاب من الأزمة النفسية والاجتماعية التي قد يعيشها الأفراد، حيث يتم تقديم الجهاد كطريق للخلاص الشخصي والجماعي، وهو ما يجعله جذابًا للأشخاص الذين يشعرون بالاغتراب أو يبحثون عن معنى لحياتهم.
نقد بنيوي للمنطق الداخلي في الخطاب
إذا فحصنا منطق خطاب عزام باستخدام الاستراتيجية البنيوية، نجد أن هناك تناقضات داخلية. الخطاب يروّج لفكرة أن الجهاد لا يمكن أن يتوقف إلا بتحقيق دولة الإسلام، إلا أن هذه الفكرة تطرح سؤالًا مهمًا حول مفهوم الجهاد ذاته؛ هل هو وسيلة أم غاية؟ عزام يبدو أنه يخلط بين الاثنين، مما يؤدي إلى إضفاء طابع ديني مقدس على العنف بشكل دائم، وهو ما يخلق دائرة لا تنتهي من العنف والصراع.
علاوة على ذلك، تقديم العنف على أنه السبيل الوحيد لتحقيق النصر يتجاهل العديد من الوسائل السلمية والدبلوماسية التي يمكن استخدامها لتحقيق الأهداف الدينية أو السياسية. هذا التوجه يجعل الخطاب متطرفًا ومغلقًا أمام أي خيارات أخرى غير المواجهة المسلحة، وهو ما يمكن اعتباره قصورًا في الرؤية الاستراتيجية التي يفترض أن تخدم المجتمع الإسلامي ككل.
في النهاية، يمكن القول إن خطاب عزام يعتمد على بنية لغوية واستراتيجية إيديولوجية معقدة، تهدف إلى تعبئة الأفراد والمجتمعات نحو الجهاد المسلح باعتباره واجبًا دينيًا لا مفر منه. من خلال استخدامه لمفردات دينية ومشاعر الانتماء، ينجح الخطاب في تأطير العنف كجزء من "طبيعة هذا الدين"، مما يعزز الصراع المستمر كجزء من الهوية الجماعية. ومع ذلك، يبقى هذا الخطاب محاصرًا بتناقضاته البنيوية والعقلانية، حيث يغفل عن البدائل السلمية ويتبنى رؤية متطرفة لا تخدم سوى حلقة دائمة من الصراع والعنف.
دلالات نشر جماعة الاخوان لهذه المقولات
نشر جماعة الإخوان المسلمين لمثل هذه الاقتباسات من الشيخ عبد الله عزام يحمل دلالات متعددة على المستويين الإيديولوجي والسياسي، ويمكن تلخيصها في عدة نقاط:
تعزيز الشرعية الجهادية
اقتباسات مثل هذه تعكس سعي جماعة الإخوان المسلمين إلى تعزيز شرعية الجهاد وربط أنفسهم بفكر القادة الجهاديين البارزين مثل عبد الله عزام، الذي يعد من المؤسسين للفكر الجهادي العالمي. عبر نشر هذه الاقتباسات، تسعى الجماعة إلى تبرير تبنيها لخطاب يتضمن العنف أو المقاومة المسلحة، وتقديمها كوسيلة شرعية لتحقيق أهدافها السياسية والدينية. هذا الاقتران بين فكر عزام وخطاب الجماعة يعزز من مصداقيتها في أعين الأتباع الذين يقدّرون الجهاد كجزء من الدين.
استدعاء رمزية الشهادة والمظلومية
خطاب عبد الله عزام في هذا الاقتباس يركز على الشهادة والموت في سبيل الله كأعلى درجات الفضل. نشر جماعة الإخوان لمثل هذه المقولات يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجيتهم لاستدعاء رمزية الشهادة والمظلومية. إذ يتم تصوير أعضائهم كضحايا للنظم القمعية، وهو ما يعزز من رواية "المقاومة" ضد الظلم والطغيان. يمكن أن تكون هذه الاقتباسات وسيلة لإعادة إحياء هذا الشعور بين الأتباع، والتأكيد على أن التضحية بالنفس هي جزء لا يتجزأ من المسار الجهادي والنضالي للجماعة.
التعبئة والتحريض
نشر مثل هذه الاقتباسات يهدف إلى تعبئة الأعضاء وتحفيزهم للالتزام أكثر بأهداف الجماعة، خاصة في الظروف التي تشهد فيها الجماعة تضييقًا سياسيًا أو ملاحقات أمنية. العبارات التي تحث على مواصلة الجهاد حتى تحقيق الهدف النهائي (إقامة الدولة الإسلامية) قد تكون وسيلة لتحفيز الأعضاء على التحمل والصبر والمواصلة في ظل الصعوبات، وربما التحضير لأشكال أخرى من المقاومة إذا تطلب الأمر ذلك.
ربط الجماعة بحركة الجهاد العالمي
يمكن أن يُفهم نشر جماعة الإخوان المسلمين لاقتباسات عزام كجزء من إعادة تأكيد ارتباطها بحركة الجهاد العالمي. عبد الله عزام كان له تأثير كبير على الجماعات الجهادية مثل تنظيم القاعدة، ونشر مثل هذه الأفكار يعزز من انتماء الإخوان المسلمين إلى تيار إسلامي عالمي يتبنى نفس الرؤى حول الجهاد والمقاومة المسلحة. هذا يمكن أن يساهم في توسيع قاعدة دعم الجماعة، خصوصًا بين الشباب المسلمين الذين يرون في فكر الجهاد وسيلة للرد على "الظلم" الذي يواجهه المسلمون عالميًا.
تأكيد العداء للنظم الحاكمة
مثل هذه الاقتباسات توحي أيضًا برفض النظم السياسية القائمة، خاصة الأنظمة التي تعتبرها الجماعة غير شرعية أو غير إسلامية. الخطاب الذي يعتمد على الجهاد يشير إلى أن هذه النظم لا يمكن إسقاطها أو تغييرها إلا من خلال المواجهة، سواء المسلحة أو المقاومة الشاملة. وهذا يعكس موقفًا متشددًا في التعاطي مع السياسة والمجتمع، ويشير إلى استعداد الجماعة للدخول في مواجهة مع الأنظمة التي تعتبرها معادية لأهدافها.
الترويج لفكرة الاستمرارية وعدم التراجع
خطاب عزام الذي يتحدث عن مواصلة الجهاد "حتى آخر نفس" يعزز فكرة الاستمرارية وعدم التراجع، وهو ما يمكن أن يكون دافعًا للأعضاء للاستمرار في العمل مع الجماعة حتى في ظل الهزائم أو الظروف الصعبة. هذه الاقتباسات تُظهر الجهاد كعملية طويلة الأمد لا تعرف التراجع، مما يعزز الاستعداد النفسي لدى الأعضاء لمواجهة تحديات طويلة الأمد.
تأطير التضحية بالروح كجزء من الهدف الجماعي
الخطاب الذي يحث على الجهاد والشهادة يسهم في إضفاء طابع جماعي على التضحية، حيث يتم تصويرها كجزء من المسؤولية المشتركة لتحقيق الهدف الأكبر. نشر هذه الأفكار يهدف إلى خلق وعي جماعي بأن التضحية ليست فردية فقط، بل هي جزء من العمل الجماعي نحو إقامة الدولة الإسلامية أو تحقيق الأهداف الأيديولوجية للجماعة.
محاولة استعادة الهيمنة الإيديولوجية
في ظل تراجع جماعة الإخوان المسلمين في بعض المناطق، مثل مصر وسوريا، قد تكون هذه الاقتباسات محاولة لإعادة إحياء الفكر الجهادي كوسيلة لاستعادة دورها كقائد في الحركة الإسلامية العالمية. عبر نشر أفكار عبد الله عزام، يمكن أن تعيد الجماعة تقديم نفسها كجزء من التيار الإسلامي الأكثر تطرفًا، مما يعزز دعم الفئات التي تميل إلى العنف أو تؤمن بالجهاد كوسيلة لتغيير الواقع.
وأخيرا فإن نشر جماعة الإخوان المسلمين لاقتباسات عبد الله عزام ليس مجرد تحية لفكره الجهادي، بل هو جزء من استراتيجية إعلامية وأيديولوجية تسعى إلى توجيه رسائل متعددة لأعضائها ولمجتمعها العام. من خلال هذه الاقتباسات، تعزز الجماعة شرعية الجهاد، تعبئ أعضائها، وتعيد تأكيد ارتباطها بالتيار الجهادي العالمي، كل ذلك في إطار سعيها لتحقيق أهدافها السياسية والدينية.
الخاتمة:
يظهر من خلال تحليل اقتباسات الشيخ عبد الله عزام التي نشرتها جماعة الإخوان المسلمين أن هذه المقولات ليست مجرد استدعاء لرموز جهادية تاريخية، بل تشكل جزءًا من استراتيجية واسعة تسعى الجماعة من خلالها إلى إعادة تأطير نفسها ضمن التيار الجهادي العالمي. في هذا الإطار، يتضح أن خطاب الجهاد والشهادة يلعب دورًا مزدوجًا في تعبئة أعضائها وفي توجيه رسائل سياسية تجاه الأنظمة والمجتمعات التي تعيش فيها. ومع ذلك، يبقى هذا الخطاب محاصرًا بتناقضاته، إذ يروج للعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف، متجاهلاً البدائل السلمية والإصلاحية التي يمكن أن تحقق نتائج أكثر استدامة وأقل تدميرًا.