بالاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري.. الحوثيون يواصلون استهداف موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني

السبت 23/نوفمبر/2024 - 11:31 ص
طباعة بالاحتجاز التعسفي فاطمة عبدالغني
 
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان في تقرير حديث لها إن سلطات الحوثيين في اليمن سلّمت منذ منتصف أكتوبر قضايا 12 شخصا على الأقل، بينهم موظفون سابقون في السفارة الأمريكية والأمم المتحدة، إلى ˝النيابة الجنائية المتخصصة˝. وقد اتهمت بعضهم بجرائم تصل عقوبتها إلى الإعدام، بينما تحرمهم من الإجراءات الواجبة. 
ومنذ 31 مايو احتجزت سلطات الحوثيين تعسفا وأخفت قسرا عشرات موظفي ˝الأمم المتحدة˝ والمجتمع المدني، في حين قالت مصادر مطلعة لـ "هيومن رايتس ووتش" إن عدد المحتجزين في ارتفاع.
وبحسب المنظمة نشرت سلطات الحوثيين بدءا من 10 يونيو سلسلة فيديوهات وأعدت منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تُظهر 10 رجال يمنيين، بعضهم أصبحوا الآن ضمن الـ 12 الخاضعين للتحقيق، وهم يعترفون بالتجسس لمصلحة الأمم المتحدة وإسرائيل. ثمة خطر يتمثل في أن تكون هذه الاعترافات قد انتُزعت تحت التعذيب. 
ووثّقت المنظمة سابقا استخدام الحوثيين التعذيب للحصول على اعترافات، ومات ثلاثة معتقلين بارزين خلال احتجازهم على مرّ العام الماضي، وقالت المنظمة أن "نشرُ فيديوهات الاعترافات يقوض الحق بمحاكمة عادلة ويفتقر للمصداقية."
وقالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش: "لطالما أظهر الحوثيون ازدراءهم للإجراءات الواجبة والحمايات الأساسية للمتهمين منذ استيلائهم على العاصمة اليمنية صنعاء، وقد تفاقم الوضع في الأشهر الأخيرة. وفاة المحتجزين لدى الحوثيين يجب أن تنبّه المجتمع الدولي وتدفعه إلى اتخاذ إجراءات فورية لضمان عدم تعرض المئات الآخرين المحتجزين تعسفا لدى الحوثيين لنهاية مماثلة".
وكانت المنظمة تحدثت مع ثلاثة أشخاص، ضمنهم مسؤولان في الأمم المتحدة، مطلعين على القضايا الجنائية. يخضع هؤلاء الأشخاص الـ 12 للتحقيق من قِبل "النيابة الجنائية المتخصصة" التابعة للحوثيين. بينهم موظفون سابقون في السفارة الأمريكية في اليمن، وموظفون في الأمم المتحدة اعتُقلوا بين 2021 و2023. واحتُجز العديد منهم بمعزل عن العالم الخارجي لمعظم فترة الاحتجاز، بدون قدرة التواصل مع عائلاتهم، وقد أُخفوا قسرا.
ووفقًا لتقرير المنظمة الحقوقية نُقلت قضايا الرجال في منتصف أكتوبر من وحدة التحقيق التابعة للحوثيين إلى وحدة الادعاء، وبحسب مسؤول في الأمم المتحدة، خضع بعضهم للاستجواب والتحقيق ضمن إجراءات النقل بدون حضور محام. 
وقال مسؤول أممي لـ هيومن رايتس ووتش إن بعضهم لم يُمنح أي قدرة على التواصل مع محامين طوال فترة الاحتجاز، إلا أن الحوثيين أخبروا عائلات بعض المحتجزين أن بإمكانهم تعيين محامين لأقربائهم، وأعلن محام مطلع على القضايا أن حتى في الحالات التي عينت فيها العائلات محاميا، لم يسمح الحوثيون للمحامين بحضور الاستجواب.
وراجعت المنظمة وثائق طلبت فيها عائلات بعض المحتجزين من النيابة الجنائية المتخصصة بالسماح لهم بزيارة أقربائهم المحتجزين، ورغم التوجيهات المكتوبة من النيابة إلى "جهاز الأمن والمخابرات" الحوثي، وهو السلطة المسؤولة عن مراكز الاحتجاز، التي تأمر بتسهيل هذه الزيارات، لم يُسمح لعائلات هؤلاء المحتجزين ومحاميهم بلقاء المحتجزين أو التواصل معهم.
وبحسب تقرير المنظمة من بين الذين ماتوا في الحجز لدى الحوثيين منذ خريف 2023 محمد خماش، وصبري الحكيمي، وهشام الحكيمي. وكان خماش وصبري الحكيمي مسؤولَيْن كبيرَيْن في وزارة التربية، بينما هشام الحكيمي كان موظفا في منظمة "أنقذوا الأطفال". وفي 22 أكتوبر اتصل الحوثيون بعائلة خماش لكي تستلم جثته. وسبب الوفاة مجهول، يشار إلى أن خماش كان محتجزا تعسفا ومخفيا قسرا منذ يونيو بدون إمكانية التواصل مع عائلته أو محاميه.
ولفت التقرير إلى أن الحوثيون اعتقلوا بشكل متكرر الأشخاص الذين ينتقدون سياساتهم بتهم واهية، ففي يناير 2024، اعتقلوا قاضيا بتهم تتعلق بشرب الكحول، وأفرجوا عنه بعد احتجازه ستة أشهر بدون محاكمة. وفي 2021، حكمت محكمة حوثية على عارضة الأزياء والممثلة اليمنية انتصار الحمادي، بالإضافة إلى ثلاث نساء أخريات، بالسَّجن بعد إدانتهن بتهم ارتكاب فعل مخل بالآداب.
وخلال العام الماضي، ازدادت وتيرة الأحكام بالإعدام التي أصدرتها المحاكم الحوثية. ومن ضمن ذلك محاكمة جماعية جائرة في يناير حكمت فيها محكمة حوثية على 32 رجلا بالسَّجن وتسعة بالإعدام بتهم مشكوك فيها. 
وترفض المنظمة عقوبة الإعدام في جميع البلدان وفي جميع الظروف. وقالت المنظمة إن عقوبة الإعدام فريدة بقسوتها ونهائيتها، وغالبا ما يكون إقرارها مشوبا بالتعسف والتحيّز والخطأ.
كما أن ثمة ارتفاع ملحوظ في استخدام الحوثيين الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري، وإصدار أحكام الإعدام خلال الأشهر الأخيرة.
ونبهت المنظمة إلى أنه في اعتقالات مسؤولي الأمم المتحدة والمجتمع المدني خلال الأشهر الأخيرة، لم يبرِز الحوثيون مذكرات تفتيش أو توقيف خلال الاعتقال. رفضت السلطات إعلام العائلات بمكان المحتجزين، ما يعني أن هذه الأعمال ترقى إلى الإخفاء القسري. احتجزوا العديد من المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي، بدون منحهم فرصة التواصل مع محاميهم أو عائلاتهم.
وفي 19 يونيو أرسلت المنظمة كتابا إلى الحوثيين يتضمن أسئلة حول الاعتقالات والمخاوف من الغياب الواضح للإجراءات الواجبة. لم يردّ الحوثيون.
وكانت المنظمة وثّقت سابقا انتهاكات ممنهجة في سجون الحوثيين. استنتج فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المعني باليمن، في تقرير نشره في 2023 أنه "يتعرض السجناء المحتجزون لدى الحوثيين للتعذيب النفسي والجسدي المنهجي، بما في ذلك الحرمان من التدخل الطبي لعلاج الإصابات الناجمة عن التعذيب الذي يتعرضون له، والذي أدى إلى إصابة بعض السجناء بحالات عجز دائم وحالات وفاة".
وقالت جعفرنيا: "تظهر هذه القضايا المخاطر الجسيمة التي يواجهها عشرات، بل مئات، الأشخاص الذين ما يزالون محتجزين تعسفا في السجون الحوثية. على الحوثيين أن ينهوا فورا استخدامهم الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري ويحسّنوا ظروف السجون. كما على الدول المؤثرة أن تتحرك لضمان عدم وفاة مزيد من الأشخاص أثناء الاحتجاز لدى الحوثيين".
وختامًا يرى المراقبون أن كشف هذه الانتهاكات المتصاعدة بحق المعتقلين لدى ميليشيا الحوثي عن فظاعة الظروف التي يعيشها العديد من الأبرياء في السجون الحوثية، ومن خلال ممارسات الإخفاء القسري، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب الجسدي والنفسي، يتضح بجلاء تجاهل الحوثيين التام للحقوق الأساسية للمتهمين، وهو ما يشكل تهديدًا خطيرًا للعدالة والمحاسبة، وبالرغم من النداءات المتكررة من قبل المنظمات الدولية، لا يزال المجتمع الدولي في موقف المتفرج، مما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية، إلا أن استمرار هذا الوضع يتطلب تحركًا عاجلاً من الدول والمنظمات المعنية لضمان سلامة المعتقلين، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، والضغط على الحوثيين لإنهاء هذه الممارسات الوحشية.

شارك