الأقليات القومية والدينية في سوريا.. مصير غامض: ماذا ينتظر العلويين والدروز والمسيحيين والشيعة والأكراد؟

الأربعاء 18/ديسمبر/2024 - 08:15 م
طباعة الأقليات القومية إعداد: روبير الفارس وعلي رجب
 
بعد سقوط النظام، وسيطرة ما تسمى «تحرير الشام» بقيادة أبو محمد الجولاني على السلطة في دمشق، تشهد سوريا تحولًا كبيرًا على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وهو ما ينعكس على وضع مكونات الشعب السوري، والتي تواجه مستقبلا غامضا في ظل تعدد الميليشيات وتوجهاتها.
هذا التحول أثار القلق لدى العديد من الأقليات في البلاد، خاصة العلويين، الدروز، المسيحيين، والأكراد، الذين يخشون من الاعتداءات المحتملة من قبل الجماعات المتطرفة. الأيام التي تلت سقوط النظام شهدت بالفعل العديد من الانتهاكات في المناطق التي تسكنها هذه الأقليات.
بحسب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية لعام 2022، يشكل المسلمون السنة الأغلبية في سوريا بنسبة 74% من السكان، وتتنوع هذه الأغلبية بين العرب (الأكثرية) والأكراد والشركس والشيشان وبعض التركمان، إضافة إلى السنة، هناك جماعات إسلامية أخرى تشكل ما يقرب من 13% من السكان، بما في ذلك العلويون والإسماعيليون والطوائف الشيعية الأخرى.
توضح تقديرات الخريطة السكانية لسوريا توزيع الطوائف المختلفة على النحو التالي: 70% من السكان هم من السنة (العرب)، و9% من العلويين (العرب)، و8%  من السنة الأكراد، و8% من المسيحيين (العرب الأرثوذكس في الدرجة الأولى)، و2 إلى 3% من الدروز (العرب)، و1%  من الشيعة (العرب وغيرهم)، وأقل من 1% من الشركس، وأقل من 1% من أقليات أخرى مثل اليزيديين والإسماعيليين، بالإضافة إلى بعض اليهود.

العلويون

العلويون
العلويون هم طائفة من طوائف الشيعة في الإسلام، وتنتمي فكريًا إلى التشيع الإثني عشري، يشكل العلويون حوالي ٩٪ من إجمالي سكان سوريا، حسب تقارير أوردتها وكالة رويترز.
تاريخياً، استقر العلويون في مناطق ساحلية على البحر الأبيض المتوسط، مثل مدينتي اللاذقية وطرطوس. وقد تم تهميش هذه الطائفة لفترات طويلة في تاريخ سوريا قبل أن يطرأ تحول كبير مع صعود عائلة الأسد إلى السلطة.
التحول الأكثر تأثيرًا حدث بعد انقلاب ١٩٧٠ الذي قاده حافظ الأسد، والد الرئيس بشار الأسد، منذ ذلك الوقت استغل العلويون منصبهم في السلطة لتوسيع نفوذهم داخل المؤسسات العسكرية والأمنية.
هذا الانقلاب منحهم دورًا محوريًا في هيكل الدولة السورية. ففي دراسة أجراها مركز كارنيغي للشرق الأوسط في مارس ٢٠٢١، تمت الإشارة إلى أن العلويين يسيطرون على المناصب العليا في القوات المسلحة، حيث يشغلون كل المناصب الأربعين العليا في الجيش السوري.
هذه الهيمنة على الأجهزة الأمنية والعسكرية كانت عاملاً حاسمًا في دعم حكم عائلة الأسد، ولكنها أيضًا أدت إلى تعميق الانقسامات بين الطوائف في سوريا. في سياق الحرب الأهلية السورية، كان للعلويين دور بارز في الدفاع عن النظام ضد المعارضة، مما جعلهم جزءًا من الصراع القائم.
بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر ٢٠٢٤، قد يواجه العلويون تحديات كبيرة تتعلق بمستقبلهم السياسي والاجتماعي. هناك مخاوف من أن العديد من العلويين قد يسعون لتشكيل ميليشيات مسلحة لحماية مصالحهم إذا لم يحصلوا على تمثيل كافٍ في الحكومة الجديدة أو في النظام القادم لسوريا.

الدروز

الدروز
الدروز يشكلون نحو ٣ إلى ٤ في المائة من سكان سوريا، وتُعد هذه الطائفة ثالث أكبر أقلية دينية في البلاد، ويقدر عددهم بنحو ٧٠٠ ألف درزي في سوريا، كما يوجد حوالي ٢٠ ألف درزي في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل، إضافة إلى ١٥٠ ألف درزي آخرين في فلسطين المحتلة.
يتواجد الدروز بشكل رئيسي في جبل الدروز (المعروف أيضًا بجبل العرب أو جبل حوران) على الحدود الجنوبية الغربية لسوريا المتاخمة للأردن، ولهم مجتمعات كبيرة في الجولان، بالإضافة إلى سبع عشرة قرية في الجبل الأعلى، ومنطقة تمتد بين حلب وأنطاكية في الشمال الغربي، وأربع قرى جنوب دمشق مباشرة.
تاريخياً، كان الدروز يساندون القومية العلمانية، لكنهم حرصوا على بقائهم جزءًا من الطائفة الإسلامية، رغم أن بعضهم يشعر أن معتقداتهم لا تتماشى تمامًا مع الإسلام التقليدي. في ظل التطورات السياسية الأخيرة في سوريا، مثل سقوط نظام بشار الأسد، بدأ الدروز يشعرون بالقلق من أن الأغلبية السنية قد تتنكر لهم، ويخشون من الاعتداءات المتزايدة من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة.
في هذا السياق، نشرت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر تجمعات درزية في قرية حضر السورية (التي تقع في المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا)، حيث عبر بعض الدروز عن رغبتهم في الانضمام إلى إسرائيل كوسيلة للحفاظ على أنفسهم من الهجمات المتوقعة. وقال أحد الرجال في الفيديو: "إذا كان علينا أن نختار، فسوف نختار الشر الأقل"، مشيرًا إلى أن خيار الانضمام إلى إسرائيل قد يكون أفضل من الخطر المحدق بهم من الجماعات المتطرفة.
من الناحية التاريخية، شكل الدروز جزءًا أساسيًا من تاريخ منطقة الشام. فقد ارتبطوا بمجموعة من القوى التاريخية البارزة مثل الدولة الحمدانية في حلب والموصل، وعاشوا تحت الحكم العثماني بعد أن نزحوا من فلسطين. في لبنان، أسس الدروز إمارات خاصة بهم مثل إمارة جبل لبنان وإمارة الشوف، وكان لهم دور كبير في تاريخ المنطقة.
كما كان هناك اقتراحات من السياسيين الإسرائيليين مثل ييجال ألون في الستينيات لإنشاء دولة درزية موالية لإسرائيل، بهدف تعزيز الأمن الإقليمي للدولة العبرية عن طريق خلق حزام أمني درزي في محيطها.

الشيعة الإسماعيلية

الشيعة الإسماعيلية
الشيعة الإسماعيليون في سوريا يُعدّون أحد أهم الطوائف الشيعية في الشرق الأوسط، ويشكلون جزءاً من الجماعة الشيعية الرئيسية الثانية بعد الإثني عشرية. يبلغ عددهم نحو ٢٥٠ ألف نسمة، ويعيشون في المناطق المحيطة بحماة، خاصة في مدينة السلمية التي تبعد حوالي ٣٠ كم شرق حماة، بالإضافة إلى قرى ومدن أخرى مثل مصياف والقدموس ونهر الخوابي. يُعتبر هذا التجمع الإسماعيلي مركزًا رئيسيًا لهذه الطائفة في المنطقة.

الشيعة الإثني عشرية

الشيعة الإثني عشرية
الشيعة الإثني عشرية يشكلون جزءًا كبيرًا من المجتمع الشيعي في سوريا، ويتواجدون بشكل أساسي في دمشق وحلب وحمص وبعض المناطق الأخرى.
ولعبت الطائفة الشيعية الإثني عشرية دورًا مهمًا في دعم نظام بشار الأسد، عبر تواجد ميليشيات شيعية غير سورية مثل حزب الله اللبناني وميليشيات عراقية تابعة لإيران.
ومع سقوط النظام، بدأ مستقبلهم يصبح غامضًا، لا سيما مع التقارير التي تشير إلى تجنيس أكثر من ٧٠٠ ألف شخص من الشيعة غير السوريين، ما يثير القلق لدى هذه الطائفة بعد فقدان النظام الذي دعمهم.
وفي الأيام الأخيرة، فر الآلاف من الشيعة السوريين إلى العراق ولبنان خوفًا من تعرضهم لانتقام من المتطرفين بعد وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة في دمشق. وتشير التقارير إلى أن أكثر من ١٠٠ ألف شخص، أغلبهم من الأقليات الدينية، عبروا إلى لبنان، وذلك باستخدام طرق عبور غير قانونية بسبب إغلاق الحدود الرسمية.

الطوائف المسيحية:

الطوائف المسيحية:
الأرثوذكسية وتعني المستقيمة الرأي وتضم كنيستين (السريان، الروم الأرثوذكس).
الكاثوليكية تعني الكنيسة الجامعة وتضم كنيستين (الروم الكاثوليك، الموارنة)، والبروتستانت.
أماكن التواجد: دمشق، حلب، حمص، ووادي النصارى (ريف حمص الغربي)، مناطق في الحسكة والقامشلي، والأرمن وتضم كنيستين (الأرمن الأرثوذكس والكاثوليك)، وتعد حلب أكبر تجمع للأرمن المسيحيين.
لم يكن سقوط النظام هو المهدد الوحيد للتنوع الديني في سوريا فمنذ نحو ١٤ عاما وهناك خطر قائم يلحق بهم  فأوضاع المسيحيين والأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم معارضون لقوات سوريا الديمقراطية (SDF) أو وحدات حماية الشعب (YPG) وداعش كانت مقلقة للغاية.
فكانت هناك معاناة وتهديدات في المناطق الخاضعة للفصائل المسلحة الموالية لتركيا "مناطق السيطرة التركية في سوريا" حيث تعرض المسيحيون لتهديدات تشمل الاعتقال وتوجيه اتهامات بالردة، خاصة في مدن  مثل عفرين.
وتعرضت الأقليات الدينية لانتهاكات خطيرة كأعمال القتل والاختطاف ويختلف مستوى الخطر بناءً على الظروف الإقليمية، مثل المناطق الخاضعة لجماعات مسلحة معارضة أو تنظيم داعش، حيث يكون المسيحيون وغيرهم من الأفراد المستضعفين أكثر عرضة للخطر، كما تشمل العوامل الأخرى انتقاد المناهج الدراسية الكردية.

الإيزيديون

الإيزيديون
وإلى جانب ما سبق، يوجد الإيزيديون الذين ينتشرون في مدينة الحسكة وقراها وحلب وريفها وكذلك عفرين.
يتحدث الإيزيديون اللغة الكردية بشكل رئيسي، ورغم أنه لا توجد أرقام رسمية حديثة لعدد الإيزيديين في سوريا، يُقدر اتحاد الإيزيديين في عفرين أنه لا يزال هناك حوالي ٢٠٠٠ إيزيدي في عفرين، مقارنة بنحو ٥٠ إلى ٦٠ ألفا قبل عام ٢٠١١.
وهناك في ريف اللاذقية وبعض قرى ريف حمص وحماة الغربي توجد الطائفة المرشدية التي تأسست على يد سلمان المرشد عام ١٩٢٣. تقول الروايات المتداولة: إن المرشدية انبثقت عن الطائفة العلوية، لكنها اتخذت مساراً دينياً مستقلاً.
وعاش الإيزيديون سابقا في حلب، لكنهم الآن في مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي يقودها الأكراد، أصبح لهذه الطائفة دور في مجتمعات تلك المناطق تحت الحماية الكردية. ورغم ذلك، لا يزال الإيزيديون يواجهون تحديات كبيرة جراء الصراع القائم والنزوح المستمر.

اليهود

اليهود
الوجود اليهودي في سوريا يمتد عبر تاريخ طويل ومعقد. كان اليهود في سوريا يشكلون جزءًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي في البلاد لعقود طويلة، إلا أن أعدادهم تراجعت بشكل كبير في القرن العشرين، خاصة بعد الأحداث السياسية والصراعات التي شهدتها المنطقة.
قبل عام ١٩٤٨، كان هناك مجتمع يهودي كبير في سوريا، خاصة في مدن مثل دمشق وحلب، وقدر عددهم ٣٠.٠٠٠ يهودي، إلا أن الأعداد بدأت في التناقص، وتراجع العدد إلى حوالي ٥٥٠ يهوديًا في دمشق وحلب بحلول عام ١٩٦٧م، حاليًا، يُقدر عدد اليهود في سوريا بنحو ١٧ شخصًا فقط، وفقًا لما ذكره "اتحاد الحاخامات في الدول الإسلامية"، وهي منظمة يهودية غير حكومية.
يعيش هؤلاء اليهود في دمشق، حيث تبقى بعض العائلات مثل عائلة شطاح وعائلة قمعو. من بين هؤلاء، يُعد ألبير قمعو أحد الأشخاص المعروفين الذين يشرفون على ما تبقى من المجتمع اليهودي في دمشق.

الأقليات العرقية: الأكراد

الأقليات العرقية:
يعد الأكراد من أكبر الأقليات العرقية في سوريا، حيث يقدر عددهم بنحو ٢ إلى ٣ ملايين شخص، ويشكلون حوالي ٩٪ إلى ١٠٪ من إجمالي سكان البلاد. يعيش الأكراد في مناطق متعددة من سوريا، ويشكلون عنصرًا مهمًا في التكوين السكاني والتكوين السياسي في بعض المناطق، خصوصًا في شمال شرق سوريا.
يتركز الأكراد بشكل رئيسي في مناطق الحسكة، القامشلي، عين العرب (كوباني)، عفرين، بالإضافة إلى بعض الأحياء في دمشق وحلب. وفقًا لـ (مركز جسور للدراسات)، يتوزع الأكراد في هذه المناطق بشكل ملحوظ، مما يعكس حضورهم القوي في الشمال الشرقي من البلاد.
غالبية الأكراد في سوريا هم مسلمون سنة، ولكن هناك أيضًا عدد من اليزيديين، المسيحيين والعلويين من أصول كردية. على الرغم من ذلك، يبقى الأكراد في سوريا مجتمعًا عرقيًا ودينيًا مميزًا، يعكس تنوعًا عميقًا في الهوية السورية.
واجه الأكراد في سوريا العديد من السياسات القمعية من قبل الحكومات المتعاقبة. ففي الستينيات، تم حرمان حوالي ٣٠٠.٠٠٠ كردي من الجنسية السورية، وهو ما يضاف إلى ممارسات التمييز الثقافي، مثل منع استخدام اللغة الكردية في المدارس، والصحف، والكتب، كما تمت مصادرة الأراضي الكردية في إطار سياسة "التعريب"، حيث تم توزيع أراضٍ كردية على العرب في محاولة لفرض تغيير ديموغرافي في المناطق الكردية.
وفي عام ٢٠١٦، أعلن الأكراد عن تأسيس "روج آفا" في شمال شرقي سوريا من محافظة الحسكة، حيث أقروا نظامًا فيدراليًا في المناطق التي يسيطرون عليها. هذا الإعلان قوبل بالرفض من قبل النظام السوري ومعظم المعارضة السورية آنذاك، ولكن على الرغم من ذلك، تمكن الأكراد من الحفاظ على سيطرتهم على ثلث مساحة سوريا.
وفي الوقت نفسه، شكل الأكراد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي قوة عسكرية تضم مقاتلين من الأكراد والعرب، التي تمكنت من السيطرة على العديد من المناطق الاستراتيجية في شمال شرق سوريا. وتلعب قسد دورًا محوريًا في محاربة تنظيم داعش، حيث تمكنت من طرد التنظيم من عدة مناطق، مثل معركة عين العرب/كوباني في عام ٢٠١٥.
لقد حصلت قسد على دعمين مالي وعسكري من الولايات المتحدة في إطار الحرب على داعش، مما ساعد في تحقيق انتصارات على التنظيم. ومع ذلك، أثار تمركز قسد في المناطق المحاذية لحدود تركيا حفيظة الحكومة التركية، التي تعتبر قسد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه كمنظمة إرهابية.
من الجدير بالذكر أن مظلوم عبدي، قائد قسد، يتمتع بعلاقات قوية مع الإدارة الأمريكية، ويعتبر من قبل العديد من الأوساط السياسية الأمريكية شخصية موثوقة. كما يحظى بدعم قوي في الكونجرس الأمريكي، حيث يرى العديد من أعضائه في عبدي حليفًا استراتيجيًا في محاربة داعش وتحقيق الاستقرار في سوريا.
حاليًا، تسيطر قسد على أجزاء واسعة من شمال شرق سوريا، وتمكنت من توسيع نفوذها في مناطق مثل دير الزور، حيث استثمرت في المناطق التي انسحبت منها القوات الحكومية. وفي الوقت نفسه، تستمر التوترات بين قسد وتركيا بسبب تصنيف الأخيرة لها كامتداد للـ PKK.
لا تزال الهوية الكردية في سوريا تواجه تحديات كبيرة على المستويين الثقافي والسياسي، رغم النجاحات العسكرية التي حققتها قسد. بالإضافة إلى ذلك، تبقى العلاقات الكردية مع النظام السوري والدول المجاورة، مثل تركيا، مصدرًا لتوترات مستمرة، مما يجعل مستقبل الأكراد في سوريا مسألة معقدة تتطلب توافقات دولية ومحلية.
ما نُثمن في الإدارة الذاتية الديمقراطية الدور الإيجابي للدول العربية والأصدقاء في دعم الشعب السوري بكل مكوناته، وضرورة استمرار هذا الدعم لبناء سوريا الجديدة التي تضمن حقوق المكونات والأطياف، وفق أُسس ديمقراطية تؤسس أرضية مناسبة لإطلاق حوار وطني سوري شامل يشارك فيه الجميع.
وطرحت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا "ذات الأغلبية الكردية" مبادرة  لبناء سوريا الجديدة مكونة من ١٠ نقاط تتمثل فى:
١. الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية وحمايتها من الهجمات التي تشنها الدولة التركية ومرتزقتها.
٢. وقف العمليات العسكرية في كامل الأراضي السورية للبدء بحوار وطني شامل.
٣. اتخاذ موقف التسامح والابتعاد عن خطاب الكراهية والتخوين بين السوريين، فسوريا بلد غني بمكوناته وأطيافه ويجب الحفاظ على هذا الغنى والتنوع على أساس ديمقراطي عادل.
٤. عقد اجتماع طارئ يشارك فيه القوى السياسية السورية في دمشق لتوحيد الرؤى بشأن المرحلة الانتقالية.
٥. المشاركة الفعالة للمرأة في العملية السياسية.
٦. نؤكد أن الثروات والموارد الاقتصادية يجب أن يتم توزيعها بشكل عادل بين كل المناطق السورية، باعتبارها ملكاً لجميع أبناء الشعب السوري.
٧. ضمان عودة السكان الأصليين والمهجرين قسراً إلى مناطقهم، والحفاظ على إرثهم الثقافي وإنهاء سياسات التغيير الديمغرافي.
٨.  مع التطورات التي حصلت في سوريا نؤكد استمرارنا بمحاربة الإرهاب، لضمان عدم عودة تنظيم داعش الإرهابي، وذلك بالتعاون المشترك بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي.
٩. إنهاء حالة الاحتلال، وترك القرار للشعب السوري لرسم مستقبله وتطبيق مبدأ حسن الجوار.
١٠. نرحب بالدور البنَّاء للدول العربية، والأمم المتحدة، وقوى التحالف الدولي، وجميع القوى الدولية الفاعلة في الشأن السوري، ونحثهم جميعاً بأن يؤدوا دوراً إيجابياً وفعالاً في تقديم المشورة والدعم للشعب السوري.

الأرمن

الأرمن
الأرمن في سوريا هم جزء من النسيجين الاجتماعي والوطني، ويعود وجودهم في البلاد إلى قرون طويلة، إلا أن وجودهم الكثيف في سوريا بدأ بشكل خاص بعد عام ١٩١٥ إثر المذابح التي ارتكبها الجيش العثماني ضدهم. هرب العديد من الأرمن من هذه المجازر إلى سوريا، حيث أصبحوا جزءًا أساسيًا من المجتمع السوري، وساهموا في العديد من المجالات الثقافية والاقتصادية.
قبل عام ٢٠١١، كان يقدر عدد الأرمن في سوريا بحوالي ١٠٠ ألف شخص. تركزت أكبر تجمعاتهم في مدينة حلب حيث كان يعيش أكثر من ٦٠ ألف أرمني. كما كانت هناك تجمعات كبيرة للأرمن في دمشق والقامشلي ودير الزور والكسب واليعقوبية وعين العرب.
غالبية الأرمن في سوريا يعتنقون الديانة المسيحية، ويشملون الكنائس الأرمنية الأرثوذكسية والأرمنية الكاثوليكية، بالإضافة إلى أقلية من الأرمن البروتستانت. ولهم لغتهم الخاصة وهي اللغة الأرمنية، التي تعد جزءًا أساسيًا من ثقافتهم وحياتهم اليومية. رغم ذلك، يتمتع الأرمن في سوريا بإجادة اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للبلاد.
منذ عام ١٩٢٨، أصبح للأرمن تمثيل سياسي في الهيئة التشريعية السورية، وهو ما يعكس الاعتراف السوري بالوجود الأرمني وأهمية مشاركتهم في الحياة السياسية. سوريا تعتبر من الدول العربية القليلة التي اعترفت رسميًا بـ"الإبادة الأرمنية"، ويعد هذا الاعتراف جزءًا من تاريخ العلاقات السورية الأرمنية.
تأثرت الجالية الأرمنية في سوريا بشكل كبير جراء الحرب السورية التي اندلعت في عام ٢٠١١. عانت العديد من المدن التي كان يقطنها الأرمن من دمار واسع وتدمير للبنية التحتية، مما أدى إلى نزوح جزء كبير من هذه الجالية. وفقًا للتقارير، وصل عدد اللاجئين الأرمن السوريين إلى أرمينيا في عام ٢٠١٥ إلى أكثر من ١٥ ألف شخص، حيث وجد الكثير منهم ملاذًا في أرمينيا هربًا من ظروف الحرب في سوريا.

الآشوريين (السريان) في سوريا

الآشوريين (السريان)
يعد الآشوريون، بتسمياتهم المختلفة مثل السريان والكلدان والآراميين، من أقدم الشعوب التي استوطنت منطقة المشرق، تحديدًا في وادي الرافدين وبلاد الشام.
يعيش الآشوريون في سوريا في عدد من الكنائس والطوائف المسيحية المختلفة، من أبرزها: كنيسة السريان الأرثوذكس- كنيسة السريان الكاثوليك- كنيسة بابل الكلدانية- كنيسة المشرق القديمة- كنيسة المشرق الآشورية- الكنيسة السريانية المارونية- الكنيسة السريانية الملكية (روم أرثوذكس وكاثوليك). كما يوجد بينهم أتباع الكنيسة الإنجيلية.
يتوزع الآشوريون في مناطق متعددة من سوريا، أهمها دمشق، حلب، حمص، وريفها. إلا أن الجزيرة السورية، في شمال شرق سوريا، تعتبر من أهم معاقلهم. وقد نزح العديد منهم إلى هذه المنطقة من مدنهم الأصلية في تركيا الحالية، مثل ماردين، ديار بكر، أورفة، ومديات، هربًا من المذابح التي تعرضوا لها في بداية القرن العشرين.
توجد تجمعات آشورية رئيسية في مدن القامشلي، الحسكة، عامودا، المالكية، رأس العين، والقحطانية، حيث لا يزال يُسمع حتى اليوم أسماء عائلات تشير إلى أصولهم من مدن مثل ماردين، ديار بكر، أو أورفة.
على الصعيد السياسي، شاركوا في تأسيس المجلس الوطني السوري في بداية الصراع السوري. وفي بداية عام ٢٠١٣، شكلت الهيئة الأهلية للسريان المعروفة بـ "هيئة السلم الأهلي"، والتي ضمت الكنيسة والأحزاب وبعض الروابط المدنية، بهدف تقديم الخدمات وحماية الأحياء المسيحية من أعمال العنف. هذه الهيئة أدت إلى تشكيل مكتب الحماية (سوتورو)، الذي سعى إلى حماية المناطق المسيحية من الهجمات. ومع تطور الصراع، انقسمت القوى السريانية، حيث انضم البعض إلى ميليشيا الدفاع الوطني، في حين حافظ آخرون على ارتباطهم بحزب الاتحاد السرياني وانضموا لاحقًا إلى الإدارة الذاتية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD).
شهدت مناطق نهر الخابور في عام ٢٠١٥ غزوًا من قبل تنظيم داعش الذي اجتاح العديد من القرى، دمر الكنائس والأديرة، واختطف نحو ٢٣٥ من النساء والشيوخ والشباب. ورغم استعادة المنطقة من قبل الوحدات الكردية، إلا أن معظم السكان الآشوريين اضطروا إلى الهجرة إلى أوروبا وأستراليا وأمريكا، كما تعرضت مدن مثل القامشلي والحسكة لعدة تفجيرات إرهابية استهدفت الأحياء السكنية، ما أسفر عن مقتل العشرات من الشباب.
حتى عام ٢٠١٣، كانت قلة من السريان قد قرروا الهجرة، لكن مع تصاعد العنف وأزمة الأفق السياسي، قرر العديد منهم مغادرة سوريا بدءًا من عام ٢٠١٤. اليوم، لا يتجاوز عدد السريان الآشوريين في محافظة الحسكة ٣٠ ألف نسمة، بعدما كان تعدادهم يقارب ١٥٠ ألف نسمة في عام ٢٠١١.
الأقليات القومية
الشركس هم مجموعة عرقية ذات أصول قوقازية، تحديدًا من منطقة القوقاز الواقعة بين البحر الأسود وبحر قزوين. وصل الشركس إلى سوريا في عام ١٨٧٨ بعد أن تعرضوا للتهجير من قبل الإمبراطورية الروسية في تلك الفترة. معظم الشركس الذين استقروا في سوريا هم من المسلمين السنة، وقد شكلوا مجتمعًا مهمًا داخل المجتمع السوري.
يتركز الشركس في دمشق بشكل رئيسي، حيث تعتبر المدينة مركزًا مهمًا لهم. بالإضافة إلى ذلك، يقطن الشركس في محافظة القنيطرة، وكانوا يشكلون الكتلة الكبرى منهم قبل احتلال إسرائيل للجولان. كما توجد تجمعات شركسية أخرى في منطقة حلب وبعض القرى في ضواحي دمشق.
ورغم أن الشركس يمثلون جزءًا صغيرًا من السكان السوريين، إلا أن لهم تأثيرًا ثقافيًا واجتماعيًا ملحوظًا، وقد حافظوا على تقاليدهم ولغتهم الخاصة لعدة أجيال. ولكن مع تصاعد الحرب الأهلية في سوريا، تأثر الشركس مثل غيرهم من المكونات العرقية والطائفية في البلاد.

تجربة تحرير الشام في إدلب

تجربة تحرير الشام
محافظة إدلب كانت تعرف قبل عام ٢٠١١ بتنوعها الديني والطائفي، حيث كانت تضم أعدادًا كبيرة من المسيحيين والدروز إلى جانب السنة. ومع اندلاع الصراع السوري، واجهت هذه الأقليات تهديدات كبيرة على مستويات مختلفة.
قبل عام ٢٠١١، كانت محافظة إدلب تضم حوالي عشرة آلاف مسيحي، وتوزعوا بشكل أساسي في قرى ريف جسر الشغور. ولكن بعد الحرب، تراجع عدد المسيحيين في المنطقة بشكل كبير، حيث لم يتبقَ منهم سوى حوالي ٣٠٠ شخص تقريبًا. هذا التراجع يعود إلى النزوح والهجرة بسبب الاشتباكات والتهديدات المستمرة من الجماعات المسلحة.
كانت الطائفة الدرزية تمثل أيضًا جزءًا مهمًا من التركيبة الاجتماعية في إدلب. قبل اندلاع الثورة السورية، كان عدد الدروز في إدلب يقارب ٣٠ ألف نسمة، لكن هذا العدد انخفض إلى حوالي ١٢ ألف نسمة بسبب الهجرة والنزوح. كما تعرضت بعض القرى الدرزية للهجمات، وكان من أبرزها الهجوم الذي وقع في قرية قلب لوزة في حزيران ٢٠١٥، عندما حاول أحد القياديين في هيئة تحرير الشام (النصرة آنذاك) الاستيلاء على منزل أحد المدنيين، ما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين من الطائفة الدرزية.
هيئة تحرير الشام، والتي تشكلت بعد اندماج عدة فصائل إسلامية في شمال سوريا، بما في ذلك جبهة النصرة، كانت من أبرز القوى المسلحة التي تسيطر على إدلب. وكان أحد الأسئلة الكبرى هو مدى إيمان قادة الهيئة، مثل أبو محمد الجولاني، بمشروع الدولة الوطنية السورية. فمع تصاعد الأزمة في سوريا، كان هناك الكثير من الشكوك حول مدى قدرة هذه الفصائل على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومواءمتها مع مشروع الدولة الوطنية ومؤسساتها، مثل الجيش السوري.
كان الشركس في سوريا، مثلهم مثل باقي الأقليات، يواجهون تحديات كبيرة في هذه الفترة، حيث أصبحت العديد من المناطق تحت سيطرة فصائل مسلحة، الأمر الذي أدى إلى تراجع الأمان وانخفاض أعدادهم في مناطق عديدة، بما في ذلك في إدلب.

الغرب والمأساة

الغرب والمأساة
في ظل التطور السريع للأحداث في سوريا وخطورة وضع المسيحين هناك سجل البروفسور د. ميشال عبس الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط كلمة مهمة تحت عنوان الكنيسة في قلب المأساة طرح فيها تساؤلا خطيرا فقال هل يعي الغرب المسيحي أن المؤامرة التي حاكها وينفذها، إنما تستهدف منبع قيمه وإيمانه اللذين جعلاه على ما هو عليه اليوم؟ وجاء في نص المقال ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، القسم المشرقي منه، يكاد لا يوصف.
فوضى عارمة تعم الإقليم، وتعيث في الأرض جريمة وفسادا. اقتتال، نهب، خطف، تعسف، في ظل زفول أنظمة ونشوء غيرها، ما زالت غير واضحة المعالم بعد.
وكأن كل ذلك لا يكفي، تأتي الشائعات، منها العفوية ومنها المنظمة أو المدسوسة، لتزيد من البلبلة النفسية عند الناس، فتزيد من ضياعهم وبؤسهم وكدرهم.
الأوضاع مريبة، وكلنا ينظر إلى المستقبل بوجل، متخوفا مما قد يخفيه له قادم الأيام. المصير مجهول، والإنسان مربك، ولا خيار له سوى تحمل هذه الأعباء النفسية والمادية والانتظار.
ولكن الجميع أصبح موقنا أننا ضحية مؤامرات حيكت ضدنا في أقبية الدولة العميقة التي تسيطر على مقدرات العالم وتلتهم شعوبها. كل ما يجري ليس صدفة، من إبادة العلماء في العراق منذ عقد ونيف، إلى اغتيال العلماء في الشام خلال الحملة الحالية؟ اغتيال العلماء ليس إلا رأس جبل جليد المؤامرة المشرقية المستشرية منذ أكثر من قرن.
هل يعي الغرب المسيحي أن المؤامرة التي حاكها وينفذها، إنما تستهدف منبع قيمه وإيمانه اللذين جعلاه على ما هو عليه اليوم؟
في خضم هذه المجزرة، وهذه الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية العارمة، وهذا الضياع النفسي، تقف الكنيسة صامدة، صلبة، لا تلوي ولا تنحني، ولا تسمح للخشية أن تتسرب إلى روحها. هي تحاكي الزمن، في ماضيه وحاضره ومستقبله.
الكنيسة صامدة مع أبنائها، ومع شعبها على اختلاف انتماءاته. هي تمدهم بالمعنويات، وبالتوجيه، وبالدعم المادي، الشرط الأساسي للصمود، رغم شح الإمكانات.
نحن بلدان خاضعة للحصار، ليس من "العقوبات" التي وضعت علينا منذ حوالي العقد فحسب، إنما منذ أن وضعت يدها علينا دول "حقوق الإنسان" و"العدالة". نحن نحاصر في كل الاتجاهات، المالية، والمادية، والمعنوية. ولكن نسأل، ألسنا شركاء في الحصار الذي ضرب علينا؟
في زمن التحولات الكبرى، تبقى الكنيسة هي الثابتة الوحيدة في حاضرنا ومستقبلنا، إذ هي المؤسسة الإيمانية الدهرية التي احتضنت حياتنا وتعهدت نمونا وتقدمنا لآلاف السنين. الكنيسة كانت وستبقى الإطار الضامن لاستمراريتنا.
عبر الروحية التي تنشرها بين الناس، في كل آفاق مجتمعاتنا، عبر مؤسساتها التي ما برحت تخدم المجتمع منذ مئات السنين، عبر نموذج الصبر والصمود بمحبة الذين تجسدهم، عبرها كمثال يقتدي به المجتمع، تبقى الكنيسة ملاذ الناس، على اختلاف هوياتهم ومعتقداتهم ونزعاتهم.
الكنيسة اليوم، كما دائما، تعي دورها تماما، وبكل أبعاده، وتعي تبعات ومفاعيل كل ما تتخذه من قرارات، وكل ما تقوم به من أعمال، وهي تتصرف انطلاقا من بعد نظر وروية، آخذة بعين الاعتبار كل محاذير المرحلة، ومستندة على المحبة التي تكنها لكل أبناء مجتمعاتنا، أياً كانوا، وأياً كانت عقائدهم. هي تعي تماما أن المحبة هي الضمان للوصول إلى بر الأمان للمجتمعات التي تعيش تغيرات جذرية مثل التي نمر بها اليوم في المشرق الأنطاكي.
الكنيسة، بما تكتنزه من إيمان وحكمة وقيم، تبقى المنارة التي تسترشد بها المجتمعات عندما تمر بمرحلة الضياع، إذ هي البيعة والصخرة والوديعة لن نستجدي المواطنة ألقي البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذكس في صلاة  القداس  بكنيسة الصليب المقدس، كلمة تكشف عن خفايا وآمال المسيحيين بسوريا قال فيها أيها الأحبة، "تَيَقَّظوا. اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا. لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ فِي مَحَبَّةٍ".
بهذا أبدأ وبهذا أتوجه إلى قلوب أبنائنا في هذا الوطن العزيز. أضع يدي بيدكم في هذا الزمن الحساس كي نلقي رجاءنا جميعاً على الخالق العزيز أبي الأنوار وإله كل تعزية كي يمسح من قلوبنا كل اضطراب ويكللها برجائه القدوس ويقوينا لنتلمس الغد الأفضل.
نحن على أعتاب مرحلةٍ جديدةٍ نتلمس منها فجر وطنٍ نحبه جميعاً ونعشقه. نحن على أعتابِ جِدّةٍ نريدها مشرقةً بالأمل ونرجوها متوجةً بالنور. نحن هنا في دمشق، من الطريق المستقيم من المريمية جارة جامع بني أمية نقول للدنيا نحن كمسيحيين من تراب الشام ومن أرز لبنان، من شموخ قاسيون ومن رحابة حمص وأصالة حلب، من نواعير حماة وهدير ينابيع إدلب، من بحر اللاذقية ومن فرات دير الزور. لسنا ضيوفاً في هذه الأرض، ولسنا أبناء اليوم ولا الأمس. نحن من عتاقة سوريا ومن ياسمين الشام. نحن من أنطاكية الرسولية، من هذه الديار التي صبغت المسكونة باسم يسوع المسيح. نقول هذا ونرسمه عهداً. نقوله لأبنائنا ونقوله لإخوتنا ولشركائنا في الوطن ونقوله أمام بارئنا الذي سُرَّ أن نكون في هذه الأرض مع غيرنا، مع الأخ المسلم، الذي نتلمس وإياه مرضاة رب العالمين سيد السموات والأرض. قلتها سابقاً وأكررها الآن: "إخوتي المسلمين، ما بين النحن والأنتم تسقط الواو، ويبقى نحن أنتم، وأنتم نحن". فنحن سويةً أصحاب تاريخٍ مشتركٍ بكل صواعده ونوازله، ومصيرنا مصيرٌ واحد.
نحن في سوريا بلد الشراكة الوطنية التي كانت وستبقى بإذنه تعالى واحدةً موحدةً بوحدة ترابها وأولاً وأخيراً بوحدة قلوب أبنائها من كل الأطياف. مددنا يدنا، كمسيحيين، مذ وجدنا ونمدها اليوم إلى كل أطياف ومكونات هذا الوطن. نحن أبناء سوريا الحلم الذي يصبو إليه كل سوري. وسوريا التي نريدها هي:
* سوريا الدولة المدنية: التي يتساوى الجميع فيها بالحقوق والواجبات، بما في ذلك الحفاظ على قوانين الأحوال الشخصية لكل مكوِّنٍ من مكوناتها.
* سوريا دولة المواطنة: فنحن لا نستجدي مواطنيتنا من أحد. نحن مكونٌ من هذا النسيج الوطني الذي يأبى أن يتعاطى بمنطق الأكثرية والأقلية ويتجاوزه ويتخطاه ليتعاطى بمنطق الدور والرسالة. على بعد أمتارٍ منا كنيسة أو بيت يوحنا الدمشقي جليس بلاط بني أمية. نحن من كنيسة بطريرك الرحمة غريغوريوس حداد الذي مشت دمشق برمتها بمسلميها ومسيحييها وراء جثمانه.
* سوريا دولة العيش المشترك والسِّلم الأهلي: نمد يدنا إلى الجميع كما كنا دوماً، ونناشد القريب قبل البعيد الحفاظ على السلم الأهلي وعلى الشراكة الوطنية. ونناشد الجميع التطلع إلى غدٍ مشرقٍ نبنيه سويةً بأمل ورويّةٍ ورجاء. نقول هذا لا لنتغنى بماضٍ سلف بل لنرجو مستقبلاً يأتي. نقول هذا ونحن نتنشق الحرية من أصوات أجراسنا التي كانت وتبقى وستبقى تعانق المآذن وتناجي وإياها ساكن العلى وتعمل وتسعى وإياها لتكون على قلبٍ واحدٍ.
* سوريا دولة القانون واحترام الأديان: كيف لا وجميع مكوناتها ركاب قاربٍ واحدٍ يأبى منطق الحماية والذمّية. نقول هذا وعيننا على وطنٍ يكرس دولة القانون واحترام الأديان والكرامة الإنسانية التي على أساسها تبنى كرامته.
* سوريا دولة احترام الحريات الجماعية منها والفردية: هذه الحرية المسئولة المبنية على دولة مؤسساتٍ مدنيةٍ تضمن المساواة بين الجميع والدعوة إلى إشراك النساء والشباب لإعادة بناء سوريا، كما تضمن أن جميع السوريين متساوون أمام القانون، ولهم كلهم الحق بالمشاركة في الحياة السياسية وتولي المناصب العامة على أساس الكفاءة من دون أي تمييز.
* سوريا دولة الديمقراطية: حيث السيادة للشعب، والقانون هو الحَكَم، ويتم تداول السلطة فيها بطرق سلمية.
* سوريا دولة احترام حقوق الإنسان: من خلال ضمان استقلالية القضاء وتكافؤ الفرص بين جميع أبنائها، مع التشديد على أهمية الالتزام بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، ورفض جميع أشكال العنف وخطابات الكراهية والتمييز.
إن الضامن الأول والأخير لتحقيق كل ما ذُكر هو الدستور، ولذلك يجب أن تكون عملية صياغة الدستور عمليةً وطنيةً شاملةً وجامعة. وننوه من هنا إلى أن المسيحيين ليسوا مادة للتجارة الإعلامية. إذ يجب علينا الانتباه إلى كيفية التعاطي مع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وما تبثه من إشاعاتٍ كثيرة تنتشر دون أي حسٍّ بالمسئولية.
كما ننوه أيضاً إلى ضرورة التمييز ما بين الانتباه والتعقُّل من ناحية، والخوف من ناحية أخرى. فنحن لا نتعاطى بخوفٍ مع بقية إخوتنا السوريين، لأن المحبة هي الرابط الذي يجمعنا كلنا، فـ "الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ. وَأَمَّا مَنْ خَافَ فَلَمْ يَتَكَمَّلْ فِي الْمَحَبَّةِ"  على قول الإنجيلي البشير يوحنا.
ونحن على أعتاب الميلاد وفي زمن رجاء طفل المغارة، أسأل الله أن يحفظ سوريا ويلهم القائمين عليها في هذه المرحلة لما فيه خير هذا البلد وخير هذا الشعب الطيب الذي يستحق الحياة ويرى الرجاء في عيون أطفاله. ومن هذا الرجاء نطل اليوم ونشدد ونضع نُصب أعيننا "الله في وسطها فلن تتزعزع"، هو المبارك إلى الأبد، آمين.

مستقبل المكونات الدينية

مستقبل المكونات الدينية
مستقبل المكونات الدينية  بعد سقوط بشار يعتمد مستقبل المكونات الدينية والمسيحيين على عدة عوامل معقدة تتعلق بالوضع السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، بالإضافة إلى دور القوى المحلية والإقليمية. ويمكن كشف السيناريوهات المحتملة بالنظر إلي
١. استمرار الهجرة والتناقص السكاني
قد يستمر نزوح المسيحيين والأقليات الدينية وهجرتهم بسبب عدم الاستقرار السياسي والخوف من التهميش أو الاضطهاد.
٢. حماية عبر الدولة المدنية
في حال قيام نظام سياسي مدني علماني يشمل جميع الطوائف والمكونات، قد تتحسن أوضاع المسيحيين والأقليات والأقليات الدينية
دولة مدنية قد تضمن حقوقهم كجزء من النسيج السوري المتعدد، دون تمييز ديني أو طائفي.
٣. تهديد من الجماعات المتطرفة
إذا أصبحت السلطة في دمشق تحت جماعات إسلامية متطرفة، فقد يواجه المسيحيون والأقليات الأخري مخاطر كبيرة من التمييز أو العنف، فالحروب الأهلية في المنطقة أظهرت أن الجماعات المتشددة غالبًا ما تستهدف الأقليات الدينية.
٤. الاندماج والمشاركة السياسية
المسيحيون قد يسعون إلى تعزيز دورهم في الحياة السياسية كجزء من المعارضة أو أي نظام بديل من أجل الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، فالمشاركة الفعالة قد تساعد في ضمان تمثيل عادل لهم داخل الدولة الجديدة.
٥. الدوران الإقليمي والدولي
القوى الإقليمية والدولية قد تلعب دورًا في ضمان حماية الأقليات، بما في ذلك المسيحيون، ضمن ترتيبات سياسية بعد سقوط النظام، ويكون هناك دعم دولي لمنع التهميش والتهجير القسري.
٦. التركيز على مناطق تجمعهم
بعض المناطق ذات الأغلبية المسيحية مثل "وادي النصارى" أو أحياء معينة في حلب ودمشق قد تشهد نوعًا من الاستقرار والازدهار كملاذ آمن.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل سوريا:
الدولة الديمقراطية: يمكن أن يكون هذا السيناريو هو الحل المثالي لجميع المكونات السورية، حيث تقوم الدولة الجديدة على أسس ديمقراطية، مع احترام حقوق المواطنين على مختلف أطيافهم وهو خيار صغب في ظل تنوع تركبية الشعب السوري و"طغي" المتطرفين على السلطة في سوريا بع سقوط باشار الأسد؟
الدولة الفدرالية- الحكم الذاتي: في هذا السيناريو، تُمنح حقوق الحكم الذاتي للمكونات الرئيسية في سوريا، مثل السنة، العلويين، المسيحيين، الدروز، والأكراد. قد تدعم القوى الغربية هذا النموذج.
تطبيق نظام  حكم اسلامي متطرف: هذا السيناريو يتعلق بتطبيق نظام إسلامي صارم في سوريا، مع محاولة الحفاظ على حقوق الأقليات وفقًا لتفسير ديني ضيق، وهو ما يهدد بتدخل دولي لحماية الأقليات في سوريا وقد يؤدي الى سقوط النظام أو تقسيم البلاد.
التقسيم إلى دويلات: يفترض هذا السيناريو تقسيم سوريا إلى دويلات تستند إلى الطوائف المختلفة. قد يمثل هذا حلاً لمشاكل التنوع الطائفي في البلاد.

شارك