فيكتور سلامة يضيء حوارات مع البابا تواضروس
الخميس 11/ديسمبر/2025 - 10:58 ص
طباعة
روبير الفارس
عملت مع الأستاذ فيكتور سلامة لأكثر من عشر سنوات، واكتشفت فيه إنساناً راقياً، روحانياً عملياً لا وعظياً، يقدّس العمل والحق بالمحبة، ولا يتنازل أبداً عن الدقة والنظام مهما كان الجهد المبذول في سبيلهما. وكتابه حوارات مع البابا تواضروس هو تتويج لرحلة كفاح مضني في بلاط صاحبة الجلالة التي عشقها إلى حد الثمالة، وتعامل معها كهاوٍ ففاق المحترفين.
يأتي كتاب 13 عام حوارات مع البابا تواضروس ليجمع بين صفحاتِه خلاصة تجربة صحفية فريدة، نادرة في عمقها، وممتدة في سنواتها، ومخلصة في بحثها عن الحقيقة. على مدار ثلاثة عشر عاماً، استطاع فيكتور سلامة أن يبني جسراً من الثقة والاحترام المتبادل مع قداسة البابا تواضروس الثاني، ليقدّم للقارئ ليس مجرد حوارات صحفية، بل وثيقة إنسانية وفكرية وروحية ترصد تحولات الكنيسة والمجتمع والدولة، ورؤية رجل يختبر القيادة من موقع المسؤولية والمحبة.
يمتاز سلامة بقدرة استثنائية على الإصغاء، وعلى التقاط التفاصيل الدقيقة التي لا يلحظها كثيرون، ثم إعادة صياغتها بلغة رصينة وهادئة، خالية من الضجيج، لكنها ثرية بالدلالات. لا يبحث عن الإثارة العابرة، بل عن المعنى العميق. ولهذا تبدو حواراته مع البابا أقرب إلى جلسات تأمل وقراءة متأنية في قضايا الوطن والإنسان والإيمان.
ويكشف الكتاب الجانب الإنساني للبابا تواضروس، حيث يضعه سلامة في قلب الأسئلة المصيرية التي رافقت الكنيسة في عقدٍ شديد الحساسية: قضايا البناء الروحي، التحديات المجتمعية، فلسفة الإدارة، العلاقات مع المؤسسات الدينية الأخرى، وضبط موازين الحكمة في أوقات الأزمات. وفي كل مرة، يُظهر المحاور قدرته على تحييد ذاته لصالح الحقيقة، وعلى صياغة الأسئلة التي تفتح نوافذ جديدة للقارئ.
أما ميزة فيكتور سلامة الأبرز، فهي صدقه المهني. فهو صحفي لا يكتب ليُرضي أحداً، بل ليؤدي رسالة. التزامه الأخلاقي يظهر في كل سطر، وانحيازه دائماً هو للمعرفة، وللكلمة التي تُبنى ولا تُهدم. ولأنه يقدس الدقة، جاءت الحوارات موثقة، مرتبة، متماسكة، تقدم للقارئ صورة واضحة لمسار ثلاثة عشر عاماً من الحوار المفتوح بين العقل والحكمة، بين الصحفي والبابا، وبين الإنسان وتجربته في البحث عن ضوء الطريق.
كتاب 13 عام حوارات مع البابا تواضروس ليس مجرد إصدار جديد، بل هو إضافة نوعية للمكتبة الصحفية والكنسية، وسفرٌ يضيء جوانب كثيرة من شخصية البابا، ويكرّم في الوقت ذاته صاحب القلم الذي ظل وفيّاً لمهنته، ولمبادئه، ولشغفه الأول: أن يكتب الحقيقة بضمير واعٍ وقلب محب.
