عقوبات أمريكية تعرّي آليات تمويل إيران لبرنامجها النووي ودعم الجماعات المسلحة التابعة لها

السبت 13/ديسمبر/2025 - 11:33 ص
طباعة عقوبات أمريكية تعرّي فاطمة عبدالغني
 
مع تصاعد المواجهة الاقتصادية بين واشنطن وطهران، ووسط سعي الولايات المتحدة إلى تضييق الخناق على مصادر تمويل الأنشطة الإيرانية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن واحدة من أوسع حزم العقوبات المرتبطة بقطاع النفط الإيراني، تمثلت في فرض عقوبات جديدة استهدفت شبكة دولية متشعبة تورطت في تسهيل شحن ملايين البراميل من النفط الخام الإيراني إلى جمهورية الصين الشعبية، بعائدات تُقدَّر بمئات الملايين من الدولارات.
 ويأتي هذا الإجراء في إطار مساعي واشنطن لتجفيف مصادر تمويل الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار، حيث أوضح البيان أن شحنات النفط جرت نيابةً عن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية ومن خلال شركة واجهة خاضعة للعقوبات هي "سيبهر إنرجي جهان ناما بارس"، مستندة إلى شبكة من الكيانات والأفراد والسفن المنتشرين في عدة دول، من بينها الصين والهند والإمارات العربية المتحدة، ضمن ما وصفته الخزانة الأمريكية بعمليات تهرب منسقة ومعقدة.
وأكدت وزارة الخزانة أن إيران تجني مليارات الدولارات سنوياً من مبيعات النفط، وتستخدم هذه العائدات في تمويل برنامجها النووي، وإنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، إلى جانب دعم جماعات مسلحة مصنفة إرهابية، مثل حماس والحوثيين وحزب الله. 
وأشار البيان إلى أن القوات المسلحة الإيرانية تعتمد بشكل منهجي على شبكات من الشركات الوهمية والوسطاء الأجانب لإخفاء منشأ النفط الإيراني والتحايل على العقوبات الدولية المفروضة عليها، بما يسمح باستمرار تدفق الإيرادات رغم القيود الصارمة.
وفي هذا السياق، شدد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت على أن النظام الإيراني لا يزال يركز على استغلال قطاع النفط لتمويل أنشطته العسكرية والنووية ودعم وكلائه في المنطقة، مؤكداً التزام الولايات المتحدة بالتصدي الحازم لأي محاولات تهدف إلى تأمين موارد مالية لهذه الأنشطة التي وصفها بالخبيثة. 
وأوضح البيان أن العقوبات فُرضت بموجب سلطات مكافحة الإرهاب المنصوص عليها في الأمر التنفيذي رقم 13224 بصيغته المعدلة، إضافة إلى الأمر التنفيذي رقم 13902، بما ينسجم مع مذكرة الأمن القومي الرئاسية الصادرة في الرابع من فبراير، والتي تدعو إلى ممارسة أقصى درجات الضغط الاقتصادي على إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي والحد من نفوذها الإقليمي.
وتناول البيان بالتفصيل الدور المحوري الذي تلعبه شركة "سيبهر إنرجي" وشركاتها التابعة في عمليات شحن النفط الإيراني، موضحاً استخدامها أساليب تهرب خادعة، من بينها تزوير الوثائق البحرية وتغيير أسماء السفن، لإخفاء الهوية الحقيقية للشحنات ووجهتها. 
وأشار إلى أن هذه العمليات تدرّ مليارات الدولارات سنوياً تُستخدم في تمويل الجيش الإيراني ووكلائه وأنشطتهم المزعزعة للاستقرار حول العالم، ولفت إلى أن ناقلة النفط "أنثيا"، المعروفة حالياً باسم "سيري"، عملت قبالة سواحل سنغافورة محملة بملايين البراميل من النفط الإيراني، مع إخفاء هويتها الحقيقية عبر العمل تحت اسم مزيف، بإشراف مباشر من المواطن الإيراني أراش لافيان، الذي اتخذ خطوات لتزوير وثائق الشحن وإخفاء خضوع السفينة للعقوبات.
كما سلّط البيان الضوء على تورط شركات إدارة سفن وطاقم بحري في الهند والفلبين والإمارات، من بينها شركة "مارشال لإدارة السفن المحدودة"، التي وفرت أطقم تشغيل لعدد من السفن المرتبطة بشركة "سيبهر إنرجي"، وأسهم أفرادها في تزوير وثائق الشحن وتقديمها إلى سلطات الموانئ.
 وامتدت العقوبات لتشمل مسؤولين تنفيذيين في هذه الشركات، إضافة إلى شركات شحن وإدارة سفن في سيشيل وهونغ كونغ وكازاخستان، تورطت في نقل كميات ضخمة من النفط الإيراني إلى الصين، بعائدات تجاوزت مئات الملايين من الدولارات.
وأشار البيان إلى استمرار إشراف قيادة القوات المسلحة الإيرانية بشكل مباشر على عمليات شركة "سيبهر إنرجي" وشركاتها التابعة، مع ذكر أسماء عدد من الضباط والمسؤولين الذين شغلوا مناصب قيادية داخل هذه الشركات ونسقوا عمليات بيع النفط إلى الصين بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني. 
كما تطرّق إلى ما وصفه بـ"أسطول الظل"، المكوّن من ناقلات نفط ذات سجل طويل في نقل النفط الإيراني، جرى إدراجها وشركاتها المالكة والمشغلة على قوائم العقوبات لدورها في الالتفاف على القيود الدولية.
وفي ختام البيان، أكدت وزارة الخزانة الأمريكية أن هذه الإجراءات تهدف إلى تعطيل الشبكات التي تمكّن إيران من تحقيق أرباح غير مشروعة من قطاع النفط، وحرمانها من الموارد المالية التي تُستخدم في تقويض الأمن والاستقرار الإقليميين، مشددة على أن الولايات المتحدة ستواصل استخدام جميع الأدوات المتاحة لمواجهة هذه الأنشطة.
ويرى المراقبون أن هذه العقوبات تمثل رسالة أمريكية واضحة بتصعيد الضغوط الاقتصادية على طهران، ليس فقط عبر استهداف الكيانات الإيرانية المباشرة، بل من خلال ملاحقة الشبكات الدولية المعقدة التي تشكل شرياناً مالياً حيوياً للنظام الإيراني. ويؤكد هؤلاء أن توسيع نطاق العقوبات ليشمل شركات وسفناً وأفراداً في دول متعددة يعكس تحولاً نحو نهج أكثر شمولاً، يهدف إلى تقويض "اقتصاد الظل" الذي تعتمد عليه إيران، وتقليص قدرتها على تمويل أنشطتها العسكرية ودعم الجماعات المسلحة، بما قد ينعكس على توازنات الأمن الإقليمي في المرحلة المقبلة.

شارك